الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورؤساء الكنس ومُسِنِّي الأسباط، كل منهم ينتظر تلك اللحظة العظيمة التي يتاح له بها مقابلة ذلك الرجل الذي سيصبح ولي نعمته، وكان الرباني الأعظم يحمل درج الكتابات المقدسة التي تحتوي على التوراة
…
وأخيرًا يصل الموكب البابوي، وبعد أن يترجل البابا من المحفة البابوية المحمولة على أكتاف رجال البلاط البابوي، يتقدم الرباني الأعظم ومعه درج الكتابات المقدسة ويُقَبِّل خاتم البابا، ويتعهد بولاء الطائفة اليهودية وتأييدها، ويتسلم البابا الدرج المقدس ثم يخاطب جمهور اليهود
…
وكان مما يقوله: "إننا نمدح الشريعة المقدسة ونحترمها تلك التي أنزلها الرب القدير على آبائكم عن طريق موسى، ولكننا نستنكر أعمالكم الدينية وكذلك تفسيراتكم الخاطئة للشريعة، وذلك لأن المخلِّص الذي لا زلتم تنتظرونه عبثًا منذ عهد طويل قد ظهر بشخص سيدنا يسوع المسيح، وذلك طبقًا لتعاليم رسلنا وديننا، وهو الذي يقيم مع الأب والروح القدس، ويحكم كإله من جيل إلى جيل، إنني أعترف بكل هذا ولكن لا أقركم على ما تعتقدون". فإذا ما أرجع البابا الدرج بابتسامة رضا، فهذا يدل على الحياة المستمرة لليهود في المدينة المقدسة، عندئذ يتنفس اليهود الصعداء، فهم لا ينتظرون أكثر من ذلك
…
والحقيقة أن هذه الاحتفالات لم تكن دومًا خالية من المشكلات، ففي بعض الأحيان كان البابا يرمي الدرج المقدس في الوحل، كدليل على احتقاره لذلك الشعب الذي يقدس هذا الدرج، وعندها كانت جموع الشعب تضج بالضحك والصراخ، بينما يقف اليهود لا حول لهم ولا طول، ولا يستطيعون أن يتفوهوا بأية كلمة أو أن يقوموا بأي عمل، بل تراهم يرتجفون توجسًا لما ينتظرهم من أيام سوداء على يد هذا البابا» اهـ.
علاقة اليهود بالأغيار:
أدى رسوخ هذه الروح المشيحانية في وجدان الجماعات اليهودية إلى دعم نظرة الاستعلاء والاعتقاد في كونهم شعب الله المختار .. وكما قسَّم الرومان قديمًا الناس إلى رومان وبرابرة، وقسمهم العرب إلى عرب وعجم، قسمهم اليهود إلى يهود وجوييم. وجوييم تعني عندهم وثنيين وكفرة وبهائم وأنجاسًا
…
وإليك البيان:
يعتقد اليهود، شعب الله المختار، أنه لا يسمح بعبادته ولا يتقبلها إلا من اليهود، فغيرهم إذن جوييم، أي عباد أوثان أو وثنيون، مهما يكن الإله الذي يعبدونه، واليهود
وحدهم لهذا السبب هم المؤمنون، فغيرهم إذن جوييم أي كفرة.
كذلك يعتقد اليهود - حسب أقوال التلمود - أن نفوسهم وحدهم مخلوقة من نفس الله، وأن عنصرهم من عنصره، فهم وحدهم أبناؤه الأطهار جوهرًا. كما يعتقدون أن الله منحهم الصورة البشرية أصلًا تكريمًا لهم، على حين أنه خلق غيرهم - الجوييم - من طينة شيطانية أو حيوانية نجسة، ولم يخلق الجوييم إلا لخدمة اليهود، ولم يمنحهم الصورة البشرية إلا محاكاة لليهود، لكي يسهل التعامل بين الطائفتين إكرامًا لليهود، إذ بغير هذا التشابه الظاهري - مع اختلاف العنصرين - لا يمكن التفاهم بين طائفة السادة المختارين وطائفة العبيد المحتقرين (1).
يقول الحاخام أبرابانيل Isaac Abrabanel (1437 - 1508 م): «خلق الله الأجنبي على هيئة الإنسان ليكون لائقًا لخدمة اليهود الذين خلقت الدنيا لأجلهم، لأنه لا يناسب لأمير أن يخدمه ليلًا ونهارًا حيوان وهو على صورته الحيوانية» اهـ (2).
ولذلك، فاليهود أصلاء في الإنسانية، وأطهار بحكم عنصرهم المستمد من عنصر الله استمداد الابن من أبيه، وغيرهم إذن الجوييم، أي حيوانات وأنجاس: حيوانات عنصرًا وإن كانوا بشرًا في الشكل، وأنجاس لأن عنصرهم الشيطاني أو الحيواني أصلًا لا يمكن أن يكون إلا نجسًا (3).
جاء في التلمود: «الفرق بين درجة الإنسان والحيوان هو بقدر الفرق الموجود بين اليهود وباقي الشعوب» ، أيضًا:«الإسرائيلي معتبر عند الله أكثر من الملائكة، فإذا ضرب أُمِّي إسرائيليًا، فكأنما ضرب العزة الإلهية» ، و «إذا ضرب أمِّي إسرائيليًا فالأمِّي يستحق الموت» ، وقال أبرابانيل:«الشعب المختار فقط يستحق الحياة الأبدية، وأما باقي الشعوب فمثلهم كمثل الحمير» ، وقال الربِّي مناحم (4): «أيها اليهود إنكم من بني البشر
(1) محمد خليفة التونسي: الخطر اليهودي، ص (64 - 5) بتصرف.
(2)
انظر، د. يوسف نصر الله: الكنز المرصود في قواعد التلمود، ص (75).
(3)
محمد خليفة التونسي: الخطر اليهودي، ص (65).
(4)
أظنه مناحم بن شلومو Menahem Ben Shlomo (1249 - 1315 م).
لأن أرواحكم مصدرها روح الله، وأما باقي الأمم فليست كذلك، لأن أرواحهم مصدرها الروح النجسة» اهـ (1).
ولذلك، فإن اليهود يسرفون في التعالي والقطيعة بينهم وبين غيرهم إلى درجة فوق الجنون. فهم يعتقدون أن خيرات الأرض والعالم أجمع منحة لهم وحدهم من الله، وأن غيرهم من الأمميين وكل ما في أيديهم ملك لليهود، ومن حق اليهود بل واجبهم المقدس معاملة الأمميين كالبهائم، وأن الآداب التي يتمسك بها اليهود لا يجوز أن يلتزموها إلا في معاملة بعضهم بعضًا، ولكن لا يجوز لهم، بل يجب عليهم وجوبًا إهدارها مع الأمميين، فلهم أن يسرقوهم ويغشوهم ويكذبوا عليهم ويخدعوهم ويغتصبوا أموالهم ويهتكوا أعراضهم ويقتلوهم إذا أمنوا اكتشاف جرائمهم، ويرتكبوا في معاملتهم كل الموبقات، والله - في اعتقادهم - لا يعاقبهم على هذه الجرائم، بل يعدها قربات وحسنات يثيبهم عليها ولا يرضى منهم إلا بها، ولا يعفيهم منها إلا مضطرين، قال تعالى:{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَامَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَامَنْهُ بِدِينَارٍ لَاّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَاّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (2).
ولكن نظرًا لكون اليهود في غالب الأحيان في موقف ضعف ومهانة، أباح لهم
(1) للتوسع، انظر، د. يوسف نصر الله: الكنز المرصود في قواعد التلمود، ص (73 - 7).
(2)
آل عمران: 75، محمد خليفة التونسي: الخطر اليهودي، ص (65 - 6). وأدلتهم في هذا الباب كثيرة جدًا، للتوسع يمكنك الاطلاع على: الكنز المرصود في قواعد التلمود، ص (73 - 107)، أو فضح التلمود، ص (111 - 48)، أو كتابات إسرائيل شاحاك وغيرها الكثير.
(3)
إسرائيل شاحاك: اليهود واليهودية، ثلاثة آلاف عام من الخطايا، ص (35).