الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب
تلاوة القرآن
تلاوة القرآن
فصل في المحافظة على قراءة القرآن
…
كتاب تلاوة القرآن:
[تلاوة القرآن] :
550-
اعلم أن تلاوة القرآن هي أفضل الأذكار، والمطلوب القراءة بالتدبر، وللقراءة آدابٌ ومقاصد، وقد جمعت قبل هذا فيها كتاباُ1 مختصرًا مشتملاً على نفائس من آداب القرّاء والقراءة، وصفاتها، وما يتعلق بها، لا ينبغي لحامل القرآن أن يخفى عليه مثله، وأنا أشيرُ في هذا الكتاب إلى مقاصدَ من ذلك مختصرة، وقد دللتُ من أراد ذلك، وإيضاحه على مظنته، وبالله التوفيق.
125-
فضل [في المحافظة على قراءة القرآن] :
551-
ينبغي أن يحافظ على تلاوته ليلاً ونهاراً، سَفَرًا وحَضَرًا، وقد كانت للسلف رضي الله عنهم عاداتٌ مختلفةٌ في القدر الذي يختمون فيه، فكان جماعةٌ منهم يختمون في كل شهرين ختمة، وآخرون في كل شهر ختمة، وآخرون في كل عشر ليال ختمة، وآخرون في كل ثماني ليالي ختمة، وآخرون في كل سبع ليالٍ ختمة، وهذا فعل الأكثرين من السلف، وآخرون في كل ستّ ليالٍ، وآخرون في خمس، وآخرون في أربع،
1 هو "التبيان في آداب حملة القرآن"، وقد حققته وطبعته لدى الجفان ولجابي للطباعة والنشر، ليماوسل، قبرص؛ وكذلك مختصره الذي اختصره الإمام النووي نفسه رحمه الله تعالى.
وكثيرون في كل ثلاث ختمة1، وكان كثيرون يختمون في كل يوم وليلة ختمة، وختم جماعةٌ في كل يوم وليلةٍ ختمتين، وآخرون في كل يوم وليلةٍ ثلاث ختماتٍ، وختمُ بعضهم في اليوم والليلة ثماني ختماتٍ: أربعاً في الليل، وأربعاً في النهار. ["التبيان" للنووي، رقم: 99] .
552-
وممّن ختم أربعاً في الليل وأربعاً في النهار السيدُ الجليلُ [أبو علي الحسنُ بن أحمد] ابن الكاتب الصوفي رضي الله عنه وهذا أكثرُ ما بلغنا في اليوم والليلة. ["التبيان" للنووي، رقم: 104] .
553-
وروى السيد الجليل أحمد [بن إبراهيم] الدورقي -بإسناده- عن منصور بن زاذان من عباد التابعين رضي الله عنه أنه كان يختم القرآن فيما بين الظهر والعصر، ويختمه أيضاً فيما بين المغرب والعشاء، ويختمه فيما بين المغرب والعشاء في رمضان ختمتين وشيئاً، وكان يؤخر العشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل ["حلية الأولياء" 57/3 و58؛ "مختصر قيام الليل" صفحة: 158؛ "التبيان" للنووي، رقم: 105] .
554-
وروى ابن أبي داود بإسناده الصحيح، أنّ مجاهداً رحمه الله، كان يختم القرآن في رمضان فيما بين المغرب والعشاء [في كل ليلة من رمضان]["التبيان" للنووي، رقم: 106] .
555-
وأما الذين ختموا القرآن في ركعة فلا يُحصون لكثرتهم،
1 قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "نتائج الأفكار" 153/3:
تنبيه: لم يذكر الشيخ من كان يقرؤه في ليلتين، وقد عقد له ابن أبي داود بابًا. اهـ. ثم أورد أن الأسود بن يزيد النخعي وسعيد بن جبير وعطاء بن السائب أنهم كانوا يختمون القرآن في كل ليلتين.
فمنهم عثمان بن عفان، وتميم الدّاري، وسعيد بن جبير رضي الله عنهم ["التبيان" للنووي، رقم: 109] .
556-
والمختارُ أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر يحصلُ له معهُ كمالُ فهم ما يقرأ، وكذا من كان مشغولاً بنشر العلم، أو فصل الحكومات بين المسلمين، أو غير ذلك من مهمات الدين والمصالح العامَّة للمسلمين، فليقتصر على قدرٍ لا يحصلُ بسببه إخلالٌ بما هو مرصدٌ لهُ، ولا فوات1 كماله، ومن لم يكون من هؤلاء المذكورين فليستكثْر ما أمكنه من غير خروج إلى حدّ الملل، أو الهذرمة2 في القراءة ["التبيان" للنووي، رقم: 111] .
557-
وقد كره جماعةٌ من المتقدمين الختم في يوم وليلة، ويدلّ عليه ما رويناهُ بالأسانيد الصحيحة في "سنن أبي داود" [رقم: 1394] ، والترمذي [رقم: 2949] والنسائي [في "الكبرى" كما في "التحفة"، رقم: 8950] وغيرها [ابن ماجه، رقم: 1347] عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَفْقَهُ مَنْ قَرأ القُرآنَ فِي أقَلّ مِنْ ثَلاثٍ"["التبيان" للنووي، رقم: 112] .
558-
وأما وقتُ الابتداء والختم فهو إلى خيرة القارئ، فإن كان ممّن يختمُ في الأسبوع مرّة، فقد كان عثمانُ رضي الله عنه يبتدئ ليلة الجمعة، ويختم ليلة الخميس ["التبيان" للنووي، رقم: 113] .
559-
وقال الإِمام أبو حامد الغزالي3 في "الإحياء"[276/1] : الأفضل
1 في نسخة: "فوت".
2 قال المؤلف في شرح "الهذرمة" في "التبيان" رقم: 84: الهذرمة، بالذات المعجمة: سرعة الكلام الخفي. اهـ.
3 قال المؤلف في ضبط كلمة "الغزالي" في "التبيان" رقم: 85: الغزالي، هو: محمد بن محمد بن أحمد، وهكذا يقال بتشديد الزاي، وقد رُوي عنه أنه أنكر هذا، وقال: إنما أنا الغزالي بتخفيف الزاي، منسوب إلى قرية من قرى طوس يقال له: غزالة. اهـ.
أن يختم ختمة بالليل وأخرى بالنهار، ويجعل ختمة النهار يوم الاثنين في ركعتي الفجر أو بعدهما، ويجعل ختمة الليل ليلة الجمعة في ركعتي المغرب أو بعدهما، ليستقبل أوّل النهار وآخره ["التبيان" للنووي، رقم: 114] .
560-
وروى ابن أبي داود، عن عمرو بن مرة التابع الجليل رضي الله عنه، قال: كانوا يحبّون أن يختم القرآن من أوّل الليل، أو من أول النهار، ["التبيان" للنووي، رقم: 115] .
561-
وعن طلحة بن مصرف1 التابعي الجليل الإِمام، قال: من ختم القرآن أية ساعةٍ كانت من النهار صلّتْ عليه الملائكةُ حتى يمسي، وأية ساعةٍ كانت من الليل صلَّت عليه الملائكةُ حتى يُصبح. وعن مجاهد نحوه. ["التبيان" للنووي، رقم: 116] .
562-
وروينا في "مسند" الإِمام المجمع على حفظه وجلالته وإتقانه وبراعته: أبي محمد الدارمي رحمه الله [470/2] ، عن سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: إذا وافق ختم القرآن أول الليل صلّت عليه الملائكة حتى يصبح، وإن وافق ختمه آخر الليل صلّت عليه الملائكة حتى يُمسي. قال الدارمي: هذا حسنٌ عن سعدٍ. ["التبيان" للنووي، رقم: 117] .
1 قال المؤلف في "التبيان" الرقم: 86: طلحة بن مصرف، بضم الميم وفتح الصاد وكسر الراء، وقيل: يجوز فتح الراء وليس بشيء. اهـ.