الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
465-
فصل [ما يقوله من وجهت إليه نصيحة] :
1615-
ينبغي لمن خاصمهُ غيرهُ، أو نازعهُ في أمرٍ؛ فقال لهُ: اتّقِ اللَّهِ تَعالى، أوْ خفِ اللَّهِ تَعالى؛ أوْ راقبِ اللَّهِ تَعالى، أوْ اعلم أنَّ الله تعالى مطّلعٌ عليك، أو اعلم أنَّ ما تقولهُ يكتبُ عليكَ وتحاسبُ عليهِ، أو قال لهُ: قال الله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} [آل عمران: 30] أو: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281] أو نحو ذلك من الآيات وما أشبه ذلك من الألفاظ، أن يتأدَّبَ ويقول: سمعاً وطاعةً، أو أسأل الله التوفيقَ لذلك، أو أسألُ الله الكريمَ لطفهُ، ثم يتطلفُ في مخاطبةِ مَنْ قال له ذلك، وليحذرْ كلَّ الحذرِ من تساهلهِ
عند ذلك في عبارته، فإن كثيراً من الناس يتكلمون عند ذلك بما لا يليقُ، وربما تكلَّم بعضُهم بما يكون كفراً.
1616-
وكذلك ينبغي إذا قال له صاحبهُ: هذا الذي فعلتهُ خلاف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نحو ذلك، ألا يقول: لا ألتزمُ الحديثَ، أو لا أعملُ بالحديثُ، أو نحو ذلك من العبارات المستبشعة؛ وإن كان الحديثُ متروكَ الظاهر لتخصيص، أو تأويلٍ أو نحو ذلك، بل يقولُ عند ذلك: هذا الحديثُ مخصوصٌ، أو متأولٌ، أو متروكُ الظاهرِ بالإجماعِ؛ وشبهَ ذلك.
بابُ الإِعراض عن الجاهلين:
قال اللهُ سبحانه وتعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، وقال تعالى:{وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55]، وقال تعالى:{فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا} [النجم: 29] ،
وقال تعالى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: 85] .
1617-
وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 3150]، ومسلم [رقم: 1062] ؛ عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: لما كان يومُ حنينٍ، آثرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ناساً من أشرافِ العربِ في القسمة، فقال رجلٌ: والله إن هذه قسمةٌ ما عُدل فيها، وما أُريد فيها وجهُ الله تعالى، فقلتُ: والله لأخبرنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيتهُ، فأخبرتهُ بما قال، فتغيَّرَ وجههُ حتى كان كالصرفِ، ثم قال:"فَمَنْ يعدلُ إذَا لَمْ يعدلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ"؟ [يصبغُ به الجلود]، ثم قال:"يَرْحَمُ الله مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بأكْثَرَ مِنْ هذا فصبر"، [وسيأتي برقم: 1736] .
قلتُ: "الصِّرف" بكسر الصاد المهملةِ وإسكان الراء، وهو: صبغ أحمرُ. يصبغ به الجلود.
1618-
وَرَوَيْنَا في صحيح البخاري [رقم: 4642] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قَدِمَ عيينةُ بنُ حصنٍ بنِ حذيفة، فنزل على ابن أخيه الحرّ بن قيسِ، وكانَ من النفرِ الذين يُدنيهم عمرُ رضي الله عنه، وكان القراءُ أصحابَ مجلسٍ عُمرَ رضي الله عنه ومشاورته، كُهُولاً كانوا أو شبّاناً، فقال عيينةُ لابن أخيهِ: يا ابن أخي! لك وجهٌ عند هذا الأمير، فاستأذنْ لي عليه؛ فاستأذنَ، فأذنَ له عمرُ، فلما دخلَ، قال: هي يا ابن الخطاب! فوالله ما تُعطينا الجزل، ولا تحكمُ فينا بالعدل؛ فغضبَ عمرُ رضي الله عنه حتى همّ أن يُوقع به، فقال لهُ الحرُ: يا أميرَ المؤمنين! إن الله تعالى قال لنبيّه صلى الله عليه وسلم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] وإن هذا من الجاهلين؛ والله ما جاوزَها عمرُ حين تلاها عليهِ، وكان وقَّافاً عند كتاب الله تعالى؛ [سيرد برقم: 1677] ؛ والله أعلم.