الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَزَلَ عَلَى ابن أَخِيه الْحُّرِّ بن قيس، وكانَ من النفر الذين يدنيهم عمرُ رضي الله عنه، فقال عيينةُ: يا ابن أخي! لك وجهٌ عندَ هذا الأمير، فاستأذنْ لي عليه؛ فاستأذنَ، فأذنَ لهُ عمرُ، فلما دخل، قال: هي يا ابن الخطاب! فوالله ما تُعطينا الجزلَ، ولا تحكمُ بيننا بالعدل؛ فغضبَ عمرُ حتى همّ أن يُوقع به، فقال الحرّ: يا أميرَ المؤمنين! إن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] وإن هذا من الجاهلين؛ فوالله ما جاوزها عمرُ حين تلاها عليه، وكان وقَّافاً عند كتابِ الله تعالى [مر برقم: 1618] .
بابُ استحباب التَّبْشيرِ والتَّهنئةِ:
قال الله تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} [آل عمران: 39]، وقال تعالى:{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} [العنكبوت: 31] وقال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} [هود: 69] وقال تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [الصفات: 101] وقال تعالى: {قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: 28] وقال تعالى: {قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الحجر: 54] وقال تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71] وقال تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ} [آل عمران: 45] وقال تعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الشورى: 23] وقال تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر/ الآيتان: 17، 18] وقال تعالى: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ
الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصّلت: 30] وقال تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [الحديد: 12] وقال تعالى: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ} [التوبة: 21] .
وأما الأحاديثُ الواردة في البشارة فكثيرٌ جداً في الصحيح مشهورةٌ.
1678-
فمنها حديثُ تبشيرِ خديجة رضي الله عنها ببيتٍ في الجنةِ من قصبٍ لا نصبَ فيهِ ولا صخبَ [البخاري، رقم: 3817؛ مسلم، رقم: 2433] .
1679-
ومنها حديثٌ كعبِ بن مالكٍ رضي الله عنه المخرجُ في الصحيحين [البخاري، رقم: 4418؛ مسلم، رقم: 2769] في قصة توبته، قال: سمعتُ صوتَ صارخ يقولُ بأعلى صوتهِ: يا كعبَ بن مالك! أبشر؛ فذهبَ الناسُ يبشروننا، وانطلقتُ أتأمَّم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، يتلقاني الناسُ فوجاً فوجاً، يهنئوني بالتوبةِ، ويقولن: ليهنئك توبةُ الله تعالى عليك؛ حتى دخلتُ المسجدَ، فإذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حولهُ الناسُ، فقام طلحةُ بن عبيد الله يُهرول حتى صافحني وهنّأني؛ وكان كعبٌ لا ينساها لطلحة؛ قال كعبُ: فلما سلَّمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال وهو يُبْرقُ وجهُه من السرور:"أبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ ولدتك أمك".
هُرَيْرَةَ"؟ قال: يا رسول الله! لقيتني وأنا جُنُب، فكرهتُ أن أُجالسَك حتى أغتسل، فقال: "سُبْحانَ اللَّه! إنَّ المُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ".
1681-
وَرَوَيْنَا في صحيحيهما [البخاري، رقم: 314؛ مسلم، رقم: 332] ، عن عائشة رضي الله عنها، أن امرأة سألتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن غُسلها من الحيض، فأمرَها كيف تغتسلُ، قال:"خُذي فِرْصةً مِنْ مسكٍ، فَتَطَهَّري بِهَا". قالت: كيف أتطهرُ بها؟ قال: "تَطَهرِي بِهَا" قالت: كَيْفَ؟ قال: "سبْحانَ اللَّهِ! تَطَهَّرِي" فاجتذبتُها إلَيَّ، فقلتُ: تتبعي أثرَ الدم.
قلتُ: هذا لفظ إحدى روايات البخاري، وباقيها روايات مسلم بمعناهُ؛ و"الفِرصةُ" بكسر الفاء، وبالصادِ المهملةِ: القطعةُ. و"المسك" بكسر الميم، وهو: الطيب المعروفُ، وقيل: الميمُ مفتوحةٌ، والمرادُ الجلدُ، وقيل أقوالٌ كثيرةٌ، والمختارُ أنها تأخذُ قليلاً من مسكٍ فتجعلهُ في قطنةٍ، أو صوفةٍ، أو خرقةٍ، أو نحوها، فتجعلهُ في الفرجِ لتُطيِّبَ المحلّ، وتزيلَ الرائحةَ الكريهة، وقيل: إن المطلوب منه إسراعُ عُلُوق الولد، وهو ضعيف؛ والله أعلمُ.
1682-
وَرَوَيْنَا في صحيح مسلم [رقم: 1675] ، عن أنسٍ رضي الله عنه، أن أختَ الربيعة أُمّ حارثة جرحت إنساناً، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"القِصَاصَ القِصَاصَ"، فقالت أُمّ الربيع: يا رسول الله! أيقتص من فلانةٍ؟ واللهِ لا يقتصُ منها؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سُبْحانَ اللَّهِ! يا أُمَّ الرَبيعِ! القِصَاصُ كتابُ الله".
قلتُ أصل الحديث في "الصحيحين"[البخاري، رقم: 2703] ولكن هذا المذكور لفظ مسلمٍ، وهو غرضنا هُنا. و"الربيع" بضم الراء، وفتح الباء والموحدةِ وكسر الياء المشددةِ.