الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ ما يُقالُ في حَالِ غَسل الميّتِ وتَكفِينه:
812-
يُستحبّ الإِكثارُ من ذكر الله تعالى والدعاء للميت في حال غسله وتكفينه. قال أصحابنا: وإذا رأى الغاسلُ من الميّت ما يُعجبه: من استنارة وجهه، وطبيب ريحه، ونحو ذلك، استُحبَّ له أن يحدّثَ الناسَ بذلك، وإذا رأى ما يَكره من سوادِ وجهه، ونتن رائحته، وتغيّر عضوٍ، وانقلاب صورة، ونحو ذلك، حرّم عليه أن يحدّث أحداً به، واحتجوا.
813-
بما رويناه في سنن أبي داود [رقم: 4900] والترمذي [رقم: 1019] ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتاكُمْ، وكُفُّوا عَنْ مَساوِيهِمْ". ضعفه الترمذي [وسيرد برقم: 871] .
814-
وروينا في "السنن الكبير"[3/ 395] للبيهقي، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسم قال:"مَنْ غَسَّلَ مَيِّتاً، فَكَتَمَ عَلَيْهِ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ أرْبَعِينَ مَرَّةً".
ورواه الحاكم أبو عبد الله في "المستدرك على الصحيحين"[1/ 354 و362] وقال: حديثٌ صحيح على شرط مسلم.
815-
ثم إن جماهير أصحابنا أطلقوا المسألة كما ذكرته. وقال أبو الخير [يحيى بن سالم] اليمني [العمراني] صاحب "البيان" منهم: لو كان الميت مبتدعاً مظهراً للبدعة، ورأى الغاسلُ منه ما يكره، فالذي يقتضيه القياسُ أن يتحدّث به في الناس، ليكونَ ذلك زجراً للناس عن البدعة ["البيان" 3/ 38] .
بابُ أَذْكَارِ الصَّلاة على الميّت:
816-
اعلم أن الصلاة على الميت فرض كفاية، وكذلك غسله وتكفينه ودفنه، وهذا كلُّه مجمع عليه. وفيما يسقط به فرض الصلاة أربعة أوجه: أصحّها عند أكثر أصحابنا يسقط بصلاة رجل واحدٍ. والثاني: يُشترط اثنان. والثالث: ثلاثة. والرابع: أربعةٌ؛ سواءٌ صلُّوا جماعةٌ، أو فُرادى.
817-
وأما كيفية هذه الصلاة، فهي: أن يكبرَ أربعَ تكبيرات، ولا بُدَّ منها، فإن أخلَّ بواحدة لم تصحّ صلاتهُ، وإن زاد خامسة ففي بطلان صلاته
وجهان لأصحابنا: الأصحّ لا تبطلُ، ولو كان مأموماً فكبَّر إمامهُ خامسة، فإن قلنا: إن الخامسة تبطل الصلاة فارقه المأموم، كما لو قام إلى ركعة خامسةٍ، وإن قلنا بالأصحّ: أنها لا تبطل لم يفارقه، ولا يتابعه على الصحيح المشهور، وفيه وجه ضعيف لبعض أصحابنا أنه يتابعه، فإذا قلنا بالمذهب الصحيح: أنه لا يتابعه، فهل ينتظره ليسلّم معه، أم يسلّم في الحال؟ فيه وجهان: الأصحّ ينتظره، وقد أوضحتُ هذا كلَّه بشرحه ودلائله في "شرح المهذّب"[5/ 186] .
ويستحبّ أن يرفعَ اليد مع كل تكبيرة. وأما صفة التكبير، وما يستحبّ فيه وما يبطله وغير ذلك من فروعه فعلى ما قدمته في باب صفة الصلاة وأذكرها.
818-
وأما الأذكارُ التي تقالُ في صلاةِ الجنازة بين التكبيرات، فيقرأ بعد التكبيرة الأولى الفاتحة، وبعد الثانية يُصلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد الثالثة يدعو للميت، والواجب منه ما يقع عليه اسم الدعاء، وأما الرابعة فلا يجب بعدها ذكرٌ أصلاً، ولكن يُستحبّ ما سأذكره إن شاء الله تعالى.
819-
واختلف أصحابنا في استحباب التعوّذ، ودعاء الافتتاح عُقيب التكبيرة الأولى قبل الفاتحة، وفي قراءة السورة بعد الفاتحة، على ثلاثة أوجه: أحدها يُستحبّ التعوّذ دون الافتتاح والسورة. واتفقوا على أنه يُستحبّ التأمين عقيب الفاتحة.
820-
وروينا في "صحيح البخاري"[رقم: 1335] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه صلى على جنازةٍ، فقرأ فاتحة الكتاب، وقال:"لتعلموا أنها سنّة"، وقوله:"سنّة"، في معنى قول الصحابي: من السنة كذا.
821-
وكذا جاء في "سنن أبي داود"[رقم: 3198]، قال: "إنها من
السنّة" فيكون مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما تقرّر وعُرف في كتب الحديث والأصول.
822-
قال أصحابنا: والسنّة في قراءتها الإسرارُ دون الجهر، سواءٌ صُلِّيت ليلاً أو نهاراً، هذا هو المذهب الصحيح المشهور الذي قاله جماهير أصحابنا. وقال جماعةٌ منهم: إن كانت الصلاة في النهار أسرّ، وإن كانت في الليل جهر.
وأما التكبيرة الثانية فأقل الواجب عقبيها أن يقول: اللهم صل على محمدٍ، ويُستحبّ أن يقول: وعلى آلِ محمدٍ، ولا يجبُ ذلك عند جماهير أصحابنا. وقال بعض أصحابنا: يجب، وهو شاذّ ضعيفٌ؛ ويُستحبّ أن يدعوَ فيها للمؤمنين والمؤمنات إن اتسع الوقت لهُ، نصّ عليه الشافعي [في "الأم" 1/ 271] ، واتفق عليها الأصحاب، ونقل المزني في "المختصر" [صفحة: 38] عن الشافعي: إنه يُستحبّ أيضاً أن يحمد الله عز وجل، فقال باستحبابه جماعات من الأصحاب، وأنكره جمهورهم، فإذا قلنا باستحبابه بدأ بالحمد لله تعالى، ثم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو للمؤمنين والمؤمنات؛ فلو خالف هذا الترتيب جاز، وكان تاركاً للأفضل.
وجاءت أحاديث بالصَّلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، رويناها في "سنن البيهقي"[4/ 40] ، ولكني قصدتُ اختصار1 هذا الباب، إذ موضعُ بسطه كتب الفقه، وقد أوضحته في "شرح المهذب"[5/ 193] .
وأما التكبيرة الثالثة فيجب فيها الدعاءُ للميت، وأقلهُ ما ينطلق عليه الاسم، كقولك: رحمه الله، أو: غفر الله له، أو: اللهمَّ اغفرْ له، أو: ارحمهُ، أو: الطفْ به، ونحو ذلك.
1 في نسخة: "اقتصار".
وأما المستحبّ فجاءت فيه أحاديث وآثارك فأما الأحاديث فأصحّها:
823-
ما رويناه في "صحيح مسلم"[رقم: 963] ، عن عوف بن مالك رضي الله عنه، قال: صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازةٍ، فحفظت من دعائه وهو يقول:"اللَّهُمَّ اغْفِرْ لهُ، وارحمهُ، وعافهِ، واعفُ عنهُ، وأكْرِمْ نزله، ووسغ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بالمَاءِ والثَّلْجِ وَالبَرَدِ، ونَقِّهِ منَ الخَطايا كما نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وأبْدِلْهُ دَاراً خَيْراً مِنْ دَارِهِ، وَأهْلاً خَيْراً مِنْ أهْلِهِ، وَزَوْجاً خَيْراً مِنْ زَوْجِهِ، وأدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وأعِذْهُ مِنْ عذابِ القبرِ، ومن عَذَابِ النَّارِ"، حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت.
وفي رواية لمسلم [رقم: 86/963] : $"وقه فتنة القبر، وَعَذَابِ القَبْرِ".
824-
وروينا في "سنن أبي داود"[رقم: 3201]، والترمذي [رقم: 10234] ، والبيهقي [4/ 41] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه صلّى على جنازةٍ فقال:"اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنا وَمَيِّتِنا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرنا، وَذَكَرِنا وأُنْثانا، وشَاهِدِنا وغائِبِنا، اللَّهُمَّ مَنْ أحْيَيْتَه مِنَّا فأحْيِهِ على الإِسْلامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ على الإِيمان؛ اللَّهُمَّ لا تحرمنا أجرهُ، ولا تفتنا بعده" قال الحاكم أبو عبد الله [1/ 358] : هذا حديثُ صحيحٌ على شرط البخاري ومسلم. [وسيرد برقم: 866] .
ورويناه في "سنن البيهقي"[4/ 41] وغيره من رواية أبي قتادة.
ورويناه في "كتاب الترمذي" من رواية أبي إبراهيم الأشهليّ، عن أبيه؛ وأبوه صحابي، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال الترمذي: قال محمد بن إسماعيل - يعني: البخاري: أصحُّ الروايات في حديث: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنا وَمَيِّتِنا" رواية أبي إبراهيم الأشهلي، عن أبيه. قال البخاري: وأصحُّ شيء في الباب
حديثُ عوف بن مالك. ووقع في رواية أبي داود [رقم: 3201] : "فأحْيِهِ على الإِيمَانِ، وتوفه على الإِسْلامِ" والمشهور في معظم كتب الحديث: "فأحْيِهِ على الإِسْلامِ، وَتَوَفَّهُ على الإِيمَانِ" كما قدمناهُ.
825-
وروينا في "سنن أبي داود"[رقم: 3199] وابن ماجه [رقم: 1497] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: "إذا صَلَّيْتُمْ على المَيِّتِ فأخْلِصُوا لَهُ الدُّعاءَ".
826-
وروينا في سنن أبي داود [رقم: 3200] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، في الصلاة على الجنازة:"اللَّهُمَّ أنْتَ رَبُّهَا، وأنْتَ خَلَقْتَها، وأنْتَ هَدَيْتَهَا للإِسْلام، وأنْتَ قَبَضْتَ رُوحَها، وأنْتَ أعْلَمُ بِسِرّها وعلانيتها، جئناك شُفَعاءَ، فاغْفِرْ لَهُ".
827-
وروينا في سنن أبي داود [رقم: 3202] وابن ماجه [رقم: 1499] ، عن واثلةَ بن الأسقع رضي الله عنه، قال: صلى بنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على رجل من المسلمين، فسمعته يقول:"اللَّهُمَّ! إنَّ فلان بن فلانةٍ فِي ذِمَّتِكَ، وحبل جوارك، فَقِهِ فِتْنَةَ القَبْر وَعَذَاب النَّارِ، وأنْتَ أهْلُ الوَفاءِ وَالحَمْدِ؛ اللَّهُمَّ فاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرحيم".
828-
واختبار الإِمام الشافعي رحمه الله دعاءً التقطه من مجموعة هذه الأحاديث وغيرها1، فقال: يقول: "اللَّهُمَّ هذا عبدك وابن عبدك، خرج من
1 قال الحافظ ابن حجر: أكثره من غيرها، وبعضه موقوف على صحابي أو تابعي، وبعضه ما رأيته منقولًا.
فقوله: "اللهم إن هذا عبدك وابن عبدك" وقع في أثر عن إبراهيم النخعي، عند سعيد بن منصور. وفي حديث يزيد بن ركانة عند الطبراني:"اللهم عَبدِكَ وابْنُ أمَتِكَ" وفي حديث الحارث عنده: "اللهم عبدك فلان". =
رَوْحِ الدُّنْيا وَسَعَتِها، ومَحْبُوبُهُ وأحِبَّاؤُهُ فيها، إلى ظُلْمَةِ القَبْرِ ومَا هُوَ لاقيهِ، وكان يَشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلَاّ أنْتَ، وأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وأنْتَ أعْلَمُ به؛ اللهم نَزَلَ بِكَ وأنْتَ خيرٌ مَنْزُولٍ به، وأصْبَحَ فَقيراً إلى رَحْمَتِكَ وأنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ، وَقَدْ جِئْنَاكَ رَاغِبِينَ إليك، شُفَعَاءَ لَهُ؛ اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِناً فَزِدْ في إِحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئاً فَتَجاوَزْ عَنْهُ، وَلَقِّه بِرَحْمَتِكَ رِضَاكَ، وَقِهِ فِتْنَةَ القَبْرِ وَعَذَابَهُ، وافسخ لَهُ في قَبْرِهِ، وَجافِ الأرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَلَقِّهِ بِرَحْمَتِكَ
= وقوله: "خَرَجَ مِنْ رَوْحِ الدنيا" إلى قوله "لاقيه" لم أره منقولًا، وفي أثرٍ عن عمر عند ابن أبي شيبة ["المصنف" 3/ 292] :"تخلى من الدنيا وتركها لأهلها".
وقوله: "كان يشهد" إلى قوله: "أعلم به" وقع في حديث أبي هريرة موقوفًا عند مالك؛ ومرفوعًا عند أبي يعلى وابن حبّان في "صحيحه"، ووقع في حديث الحارث:"لا نعلم إلا خيرًا، وأنْتَ أعْلَمُ بِهِ". وقوله: "اللَّهُمَّ إنَّهُ نَزَلَ بِكَ، وأنْتَ خَيْرُ منزول به" لم أره منقولاً في دعاء الجنازة، بل في القول عند التدلية. [راجع رقم: 839 التالي] .
وقوله: "أصبح فقيرًا" إلى قوله: "عذابه" وقع في حديث يزيد بن ركانة نحوه: "احتاج إلى رحمتك" والباقي سواء. وفي أثر عمر: "افتقر إليك وأنت مستغن عنه".
وقوله: "وقد جئناك راغبين إليك، شفعاء له" بعضه في حديث واثلة عند أبي داود [رقم: 3202] وابن ماجه [رقم: 1499] .
وقوله: "إن كان محسنًا" إلى قوله: "فتجاوز عنه" وقع في حديث أبي هريرة مرفوعًا وموقوفًا، وفي حديث يزيد بن ركانة.
وقوله: "ولقه برحمتك رضاك: لم أره منقولاً في دعاء الجنازة، ولا في القول عند التدلية أيضًا.
وقوله: "وقه فتنة القبر وعذابه" وقع في حديث عوف بن مالك عند مسلم [رقم: 963] .
وقوله: "وافسح له في قبره" إلى قوله: "جنبيه" لم أره منقولاً بهذا اللفظ. وفي أثر مجاهد عند عبد الرزاق "المصنف"[3/ 490] : ووسع عن جسده الأرض؛ ثم وجدت عن أنس أنه دفن ابنًا له فقال: اللهم جاف الأرض عن جسده، وافتح أبواب السماء لروحه. أخرجه الطبراني. وفي مسند الحارث من وجهٍ آخر عن أنسٍ: اللهم جاف الأرض عن جنبيه، ووسع عليه حفرته.
وقوله: "ولقه برحمتك" لم أره منقولاً. [راجع "الفتوحات الربانية" 4/ 177] .
الأمْنَ مِنْ عَذَابِكَ حتَّى تَبْعَثَهُ إلى جَنَّتِكَ، يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ".
هذا نصّ الشافعي في "مختصر المزني"[1/ 183] رحمهما الله.
829-
قال أصحابنا: فإن كان الميتُ طفلاً دعا لأبوبه، فقال: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَهُما فَرَطاً، واجْعَلْهُ لَهُما سَلَفاً، واجْعَلْهُ لَهُما ذُخْراً، وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُما، وأفرغ الصَّبْرَ على قُلوبِهِما، وَلا تَفْتِنْهُما بعدهُ، وَلا تَحْرِمْهُما أجْرَهُ.
هذا لفظ ما ذكره أبو عبد الله أحمد بن سليمان البصري الزبيري من أصحابنا في كتابه الكافي، وقاله الباقون بمعناه، وبنحوه قالوا. ويقول معهُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنا وَمَيِّتِنا،.... إلى آخره. قال الزبيري: فإن كانتْ امرأةً، قال: اللَّهُمَّ هَذِهِ أَمَتُكَ،
…
ثم ينسقُ الكلام؛ والله أعلمُ.
830-
وأما التكبيرة الرابعة، فلا يجبُ بعدها ذكرٌ بالاتفاق، ولكن يُستحبّ أن يقول ما نصّ عليه الشافعي رحمه الله في "كتاب البويطي"، قال: يقول في الرابعة: اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنا أجرهُ، وَلا تَفْتِنّا بَعْدَهُ.
قال أبو عليّ ابن أبي هريرة من أصحابنا: كان المتقدمون يقولون في الرابعة: رَبَّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عَذَابَ النَّارِ.
قال: وليس ذلك بمحكيّ عن الشافعي، فإنه فعله كان حسناً.
قُلتُ: يكفي في حسنه ما قد قدّمناه في حديث أنس في باب دعاء الكرب [برقم: 666] ؛ والله أعلم.
831-
قلتُ: ويُحتجّ للدعاء في الرابعة بما رويناه في السنن الكبير [4/ 42] للبيهقي، عن عبد الله ابن أبي أوفى رضي الله عنهما، أنه كبّر على جنازة ابنة له أربع تكبيراتٍ، فقام بعد الرابعة كقدرِ ما بين التكبيرتين،
يستغفر لها ويدعو، ثم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هكذا.
وفي رواية: كبَّرَ أربعاً، فمكثَ ساعةً حتى ظننا أنه سيكبّر خمساً، ثم سلَّم عن يمينه وعن شماله، فلما انصرف، قلنا له: ما هذا؟ فقال: إني لا أزيدكم على ما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يصنع، أو قال: هكذا صنعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. قال الحاكم أبو عبد الله [1/ 360] : هذا حديثٌ صحيحٌ.
209-
فصل في حكم السلام في صلاة الجنازة وحكم المسبوق:
832-
وإذا فرغَ من التكبيرات وأذكارها، سلَّمَ تسليمتين كسائر الصلوات، لما ذكرناه من حديث عبد الله بن أبي أوفى، وحكمُ السلام على ما ذكرناه في التسليم في سائر الصلوات، [الباب، رقم: 101] ، هذا هو المذهب الصحيح المختار، ولنا فيه هنا خلافٌ ضعيفٌ تركته لعدم الحاجة إليه في هذا الكتاب.
833-
ولو جاء مسبوقٌ، فأدرك الإِمامَ في بعض الصلاة، أحرمَ معه في الحال، وقرأ الفاتحة، ثم ما بعدها على ترتيب نفسه، ولا يُوافق الإِمام فيما يقرؤه، فإن كبَّرَ، ثم كبَّرَ الإِمامُ التكبيرة الأخرى قبل أن يتمكن المأموم من الذكر، سقطَ عنه كما تسقط القراءةُ عن المسبوق في سائر الصلوات؛ وإذا سلَّمَ الإِمامُ، وقد بقي على المسبوق في الجنازة بعضُ التكبيرات لزمه أن يأتي بها مع أذكرها على الترتيب، هذا هو المذهبُ الصحيح المشهور عندنا. ولنا قولٌ ضعيفٌ: إنه يأتي بالتكبيرات البقايات متواليات بغير ذكرٍ؛ والله أعلم.