الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
923-
قال أصحابنا: ولا يُطَوِّلُ الجلوسَ بين السجدتين، بل يأتي به على العادة في غيرها، وهذا الذي قالوه فيه نظرٌ، فقد ثبت في حديثٍ صحيح إطالتهُ، وقد ذكرتُ ذلك واضحاً في "شرح المهذب"[4/ 51-55] فالاختيار استحباب إطالته، ولا يُطَوِّلُ الاعتدالَ عن الركوع الثاني، ولا التشهّد وجلوسه؛ والله أعلمُ.
924-
ولو ترك هذا التطويل كلهُ، واقتصر على الفاتحة صحَّت صلاتهُ، ويُستحبّ أن يقول في كل رفع من الركوع: سمع الله لمن حمدهُ، ربّنا لك الحمد؛ فقد روينا ذلك في الصحيح [البخاري، رقم: 1065] . ويُسنّ الجهر بالقراءة في كسوف القمر، ويُستحبّ الإِسرار في كسوف الشمس، ثم بعد الصلاة يخطب خطبتين يُخوِّفهم فيهما بالله تعالى، ويَحثّهم على طاعة الله تعالى، وعلى الصدقة والإِعتاق، فقد صحّ ذلك في الأحاديث المشهورة، ويَحثّهم أيضاً على شكرِ نعمِ الله تعالى، ويحذّرهم الغفلة والاغترار؛ والله أعلمُ.
925-
روينافي "صحيح البخاري"[رقم: 1054] وغيره، عن أسماء رضي الله عنها، قالت: لقد أمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالعَتَاقة في كسوف الشمس، والله أعلمُ.
231-
بابُ الأذْكَار في الاسْتسقَاءِ:
926-
يُستحب الإكثارُ فيه من الدعاء والذكر والاستغفار بخضوع وتذلل، والدعوات المذكورة فيه مشهورةٌ، منها: اللَّهُمَّ اسْقِنا غَيْثاً مُغِيثاً هَنِيئاً مَرِيئاً1 غدقًا مجللاً سحًا عامّاً طَبَقاً دَائِماً؛ اللَّهُمَّ على الظِّرَابِ ومنابت
1 في نسخة: "مريعًا"، أي: خصيبًا نافعًا. وفي نسخة: "مُربِعًا" من قولهم: ارتبع البعير وتربع، إذا أكل الربيع. وفي نسخة:"مُرتعًا" من ارتع الغيث: أنبت ما ترتع فيه الماشية.
الشَّجَرِ، وَبُطُونِ الأوْدِيَةِ؛ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفّاراً، فأرْسلِ السَّماءَ عَلَيْنا مِدْرَاراً؛ اللَّهُمَّ اسْقِنا الغيث ولا تجعلنا مِنَ القَانِطِينَ؛ اللَّهُمَّ أنْبِتْ لَنا الزَّرْعَ، وَأدِرَّ لَنا الضَّرْعَ، وَاسْقِنا مِنْ بَرَكاتِ السَّماءِ، وأنْبِتْ لَنا مِنْ بَرَكاتِ الأرْضِ؛ اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الجَهْدَ وَالجُوعَ والعُرْيَ، واكْشِفْ عَنَّا مِنَ البَلاءِ ما لا يَكْشِفُهُ غَيْرُكَ.
927-
ويُستحبّ إذا كان فيهم رجلٌ مشهورٌ بالصلاح أن يستسقوا به، فيقولوا: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَسْقِي وَنَتَشَفَّعُ إِلَيْكَ بعبدك فُلانٍ.
928-
وروينا في "صحيح البخاري"[رقم: 1010] ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قُحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللَّهمّ إنّا كنّا نتوسلُ إليك بنبيّنا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنّا نتوسلُ إليك بعمّ نبيّنا صلى الله عليه وسلم، فاسقنا؛ فيُسقون.
929-
وجاء الاستسقاء بأهل الصلاح عن معاوية وغيره.
930-
والمستحبّ أن يقرأُ في صلاة الاستسقاء ما يقرأ في صلاة العيد، وقد بيناه [راجع رقم: 907 و272] ؛ ويكبرُ في افتتاح الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمسَ تكبيرات كصلاة العيد، وكل الفروع والمسائل التي ذكرتها في تكبيرات العيد السبع والخمس يجيءُ مثلها هنا، ثم يخطبُ خطبتين يكثرُ فيهما من الاستغفار والدعاء.
931-
وروينا في "سنن أبي داود"[رقم: 1169] بإسناد صحيح على شرط مسلم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: أَتَتِ النبيّ صلى الله عليه وسلم بَوَاكٍ، فقال:"اللَّهُمَّ اسْقِنا غيثًا مغيثًا مريئًا مريعًا نافعاً غَيْرَ ضارٌ، عاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ"؛ فأطْبَقَتْ علَيْهِمُ السَّماءُ.
932-
وروينا فيه [رقم: 1176] بإسناد صحيح، عن عمرو بن شعيب،
عن أبيه، عن جده رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استسقى قال: "اللَّهُمَّ اسْقِ عِبادَكَ وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وأحْيِ بَلَدَكَ المَيِّتَ".
933-
وروينا في فيه [رقم: 1176] بإسناد صحيح، قال أبو داود في آخره: هذا إسنادٌ جيدٌ؛ عن عائشة رضي الله عنها، قالت: شكا الناسُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوطَ المطر، فأمر بمنبر، فوضع له في المصلى، ووعد الناسَ يوماً يخرجون فيه، فخرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم حين بَدَا حاجبُ الشمس، فقعدَ على المنبر صلى الله عليه وسلم، فكبَّرَ وحَمِد الله عز وجل، ثم قال:"إنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيارِكُمْ، وَاسْتِئْخارَ المَطَرِ عَنْ إبَّانِ زَمانِه عَنْكُمْ، وَقَدْ أمَرَكُمُ اللَّهُ سبحانه وتعالى أنْ تَدْعُوهُ، وَوَعَدَكُمْ أنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ"، ثم قال:"الحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مالِكِ يَوْمِ الدَّينِ، لا إِلهَ إِلَاّ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَاّ أَنْت الغَنِيُّ، وَنَحْنُ الفُقَراءُ، أنْزِلْ عَلَيْنا الغَيْثَ، وَاجْعَلْ ما أنْزَلْتَ لَنا قُوَّةً وَبَلاغاً إلى حِينٍ". ثم رفع يديه، فلم يزل في الرفع حتى بدا بياضُ إبطيه؛ ثم حوّل إلى الناس ظهرَه، وقَلبَ، أو حَوّل رداءَه، وهو رافعٌ يديه، ثم أقبلَ على الناس، ونزلَ فصلى ركعتين، فأنشأ اللَّه عز وجل سحابة، فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله. تعالى، فلم يأتِ مسجدَه حتى سالت السيولُ، فلما رأى سرعتَهم إلى الكِنِّ ضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، فقال:"أشْهَدُ أنَّ اللَّهُ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وأنّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ".
قلتُ: "إبّان الشيء": وقته، وهو بكسر الهمزة وتشديد الباء الموحدة. و"قحوط المطر" بضم القاف والحاء: احتباسه. والجدب بإسكان الدال المهملة: ضد الخصب. وقوله: ثم أمطرت هكذا هو بالألف، وهما لغتان: مطرت، وأمطرت، ولا التفات إلى مَن قال: لا يُقال: أمطر،
بالألف إلا في العذاب. وقوله: "بدتْ نواجذه" أي: ظهرت أنيابه، وهي بالذال المعجمة.
واعلم أن في هذا الحديث التصريح بأن الخطبة قبل الصلاة، وكذلك هو مصرّح به في صحيحي البخاري ومسلم، وهذا محمولٌ على الجواز، والمشهور في كتب الفقه لأصحابنا وغيرهم أنه يُستحبّ تقديمُ الصلاة على الخطبة لأحاديث أُخر، أن رسو الله صلى الله عليه وسلم قدَّمَ الصلاةَ على الخطبة؛ والله أعلمُ.
935-
ويُستحبّ الجمع في الدعاء بين الجهر والإِسرار، ورفع الأيدي فيه رفعاً بليغاً.
936-
قال الشافعي رحمه الله في "الأُم"[1/ 250-251] : وليكن من دعائهم: اللَّهُمَّ أمَرْتَنا بِدُعائِكَ، وَوَعَدْتَنا إِجابَتَكَ، وَقَدْ دَعَوْناكَ كما أمَرْتَنا، فأجِبْنا كما وَعَدْتَنا؛ اللَّهُمَّ امْنُنْ عَلَيْنا بِمَغْفِرَةِ ما قارَفْنا، وإِجابَتِكَ في سُقْيانا وَسَعَةِ رِزْقِنا؛ ويدعو للمؤمنين والمؤمنات، ويُصلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويقرأ آيةً، أو آيتين ويقولُ الإمامُ: أستغفرُ الله لي ولكم. وينبغي أن يدعوَ بدعاءِ الكرب [المتقدم بالباب رقم: 161]، وبالدعاء الآخر:"اللَّهُمَّ [ربنا] آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار" وغير ذلك من الدعوات التي ذكرناها في الأحاديث الصحيحة.
937-
قال الشافعي في "الأم"[1/ 250] : يخطبُ الإِمامُ في الاستسقاء خطبتين كما يخطبُ في صلاةِ العيد، يكبرُ الله تعالى فيهما، ويحمدهُ، ويُصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويكثرُ فيهما الاستغفار حتى يكون أكثر كلامه، ويقول كثيراً:{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [سورة نوح: 10] .
938-
ثم رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن استسقى، فكان أكثر دعائه الاستغفار.
939-
قال الشافعي [في "الأمّ" 1/ 250، 251] : ويكون أكثر دعائه الاستغفار، يبدأ به دعاءَه، ويفصلُ به بين كلامه، ويختم به، ويكون هو أكثر كلامه حتى ينقطع الكلام، ويحثّ الناس على التوبة والطاعة والتقرّب إلى الله تعالى.