الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب حفظ اللسان
فصل حفظ اللسان عن الكلام إلا بخير
…
كتاب حفظ اللسان:
490-
[حفظ اللسان] :
1692-
قال الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [سورة ق: 18] وقال الله تعالى: {إِنَّ رَبَكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] وقد ذكرتُ ما يسر الله سبحانه وتعالى من الأذكار المستحبة ونحوها فيما سبقَ، وأردتُ أن أضمَّ إليها ما يكرهُ أو يحرمُ من الألفاظِ ليكونَ الكتابُ جامعاً لأحكامِ الألفاظ، ومُبيِّناً أقسامَها، فأذكرُ من ذلك مقاصدَ يحتاجُ إلى معرفتها كلُّ متدينٍ، وأكثرُ ما أذكرهُ معروفٌ، فلهذا أتركُ الأدلةَ في أكثرهِ، وبالله التوفيقُ.
فصلُ حفظ اللسان عن الكلام إلا بخير 1:
1693-
اعلم أنه ينبغي لكلّ مكلفٍ أن يحفظَ لسانهُ عن جميع الكلام إلا كلاماً تظهرُ المصلحةُ فيهِ، ومتى استوى الكلامُ وتركهُ في المصلحةِ فالسنّة الإمساكُ عنهُ، لأنهُ قد ينجرُ الكلامُ المباحُ إلى حرامٍ أو مكروهٍ، بل هذا كثيرٌ أو غالبٌ في العادةِ، والسلامةُ لا يعدلُها شيء.
1 راجع "رياض الصالحين" الباب رقم: 254، صفحة 519 وما بعدها.
1694-
رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 6475]، ومسلمٍ [رقم: 47] ؛ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"من كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليقُل خَيْراً أو ليصمت". [الأربعون النووية الحديث رقم: 15؛ ومر برقم: 1215، 2080] .
قلتُ: فهذا الحديث المتفق على صحته نصّ صريح في أنه لا ينبغي أن يتكلم إلا إذا كان الكلام خيراً، وهو الذي ظهرت له مصلحتهُ، ومتى شكّ في ظهور المصلحة فلا يتكلمُ. وقد قال الإمامُ الشافعي رحمه الله: إذا أراد الكلام فعليهِ أن يُفكر قبل كلامهِ، فإن ظهرتِ المصلحةُ تكلَّم، وإن شكَّ لم يتكلم حتى تظهر.
1695-
وَرَوَيْنَا في صحيحيهما [البخاري، رقم: 11؛ مسلم، رقم: 42] عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قلتُ: يا رسول الله! أيُّ المسلمين أفضلُ؟ قال: "مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدِهِ".
1696-
وَرَوَيْنَا في "صحيح البخاري"[رقم: 6474] ، عن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"مَنْ يَضْمَنْ لي ما بين لحيته وَما بينَ رِجْلَيْهِ، أضْمَنْ لَهُ الجَنَّةُ".
1697-
وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 6477]، ومسلم [رقم: 2988] ؛ عن أبي هُريرة، أنهُ سمعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يقولُ:"إن العَبْدَ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيها، يزلُ بِهَا إِلَى النَّارِ أبْعَد مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ".
وفي رواية البخاري: "أبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ" مِن غيرِ ذِكْرِ المغرب.
ومعنى يتبين: يتفكرُ في أنها خيرٌ أم لا.
1698-
وَرَوَيْنَا في "صحيح البخاري"[رقم: 6478] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رضوانِ اللهِ تَعالى ما يُلْقِي لَهَا بالاً، يَرْفَعُ اللَّهُ تَعالى بها درجاتٍ، وَإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخْطِ اللَّهِ تَعالى لا يُلقي لَها بالاً، يَهْوِي بِها في جَهَنَّمَ".
قلتُ: كذا في أصولِ البخاري: "يَرْفَعُ اللَّهُ بِها درجاتٍ" وهو صحيحٌ، أي: درجاتهُ، أو يكونُ تقديرهُ: يرفعهُ، ويُلقي بالقاف.
1699-
وَرَوَيْنَا في "موطأ الإِمام مالك"[2/ 985]، وكتابي الترمذي [رقم: 2319] ، وابن ماجه [رقم: 3969] ؛ عن بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعالى ما كان يظنُ أنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، يكتبُ اللَّهُ تَعالى لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إلى يَوْمِ يلقاهُ؛ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سخطِ الله تعالى ما كان يظنُ أنْ تبلغَ مَا بَلَغَتْ، يكتبُ اللهُ تَعالى لهُ بِهَا سخطهُ إلى يومِ يلقاهُ"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
1700-
وَرَوَيْنَا في "كتاب الترمذي"[رقم: 2410] ، والنسائي في الكبرى كما في "تحفة الأشراف"، [رقم 4478]، وابن ماجه [رقم: 3972] ؛ عن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه، قال: قلتُ: يا رسول الله! حدّثني بأمرٍ أعتصم به، قال:"قُل: رَبِّيَ اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ"، قلتُ: يا رسول الله! ما أخوفُ ما تخاف1 عليَّ؟ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال:"هَذَا"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
1701-
وَرَوَيْنَا في "كتاب الترمذي"[رقم: 2411] ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُكْثِرُوا الكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، فإنَّ كَثْرَةَ الكَلامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعالى قسوةٌ للْقَلْبِ، وَإنَّ أبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ تَعالى القلبُ القَاسِي".
1702-
وَرَوَيْنَا فيه [رقم: 2409] عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وقاهُ الله تَعالى شَرَّ ما بَيْنَ لَحْيَيْهِ، وَشَرَّ ما بَيْنَ رِجْلَيْهِ دَخَلَ الجَنَّةَ"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ [صحيح] .
1 في نسخة: يخافُ.
1703-
وَرَوَيْنَا فيه [رقم: 2408] ، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قلتُ: يا رسول الله! ما النجاةُ؟ قال: "أمْسِكْ 1 عَلَيْكَ لِسانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ على خَطِيئَتِكَ"، قال الترمذي: حديثٌ حسن.
1704-
وَرَوَيْنَا فيه [رقم: 2409] ، عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إذَا أصْبَحَ ابْنُ آدَم، فإنَّ الأعْضَاءَ كُلَّها تُكَفِّر اللِّسَانَ 2، فتقولُ: اتقِ اللَّهَ فِينا، فإنما نحن بك، فإنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنا، وَإنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنا".
[معنى "تكفر اللسان" أي: تذل وتخضع "رياض الصَّالِحِينَ"] .
1705-
وَرَوَيْنَا في "كتاب الترمذي"[رقم: 2412]، وابن ماجه [رقم: 3974] ؛ عن أُمِّ حبيبة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهُ قال:"كُلُّ كلامِ ابْنِ آدَمَ عليهِ لا لهُ، إِلَاّ أمْراً بمعروفٍ، وَنَهْياً عَنْ منكرٍ، أوْ ذِكْراً لله تَعالى".
1706-
وَرَوَيْنَا في كتاب الترمذي [رقم: 2616] ، عن معاذٍ رضي الله عنه، قال: قلتُ: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني منَ النَّارِ؟ قال:"لَقَدْ سألتَ عَنْ عظيم، وإنهُ ليسيرٌ على مَنْ يسرهُ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ: تعبدُ الله لا تُشركُ به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت [إن استطعت إليه سبيلاً] " ثم قال: "لا أدلك على أبواب الخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جنةٌ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ" ثم تلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ
1 قال ابن علاّن في "الفتوحات الربانية" 6/ 354: هكذا هو في نسخ الأذكار بالسين المهملة؛ وفي المصابيح: أملك باللام، وكذا في الجامع الصغير. اهـ.
2 قال ابن علاّن في "الفتوحات الربانية" 6/ 355: كذا في نسخ الأذكار وفي الجامع الصغير بتعريف اللسان ونصبه، وفي نسخة مصححة من المشكاة: للسان بلام الجر قبل اللسان. اهـ.
مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 16، 17] ثُمَّ قال: "ألا أُخْبِرُكَ برأس الأمر وعموده وذروة سنامه"؟ قلتُ: بلى يا رسول الله! قال: "رأس الأمر الإسلام، وعمودهُ الصلاة، وذورة سنامه الجهاد" ثم قال: "ألا أُخبرك بملاكِ ذلك كله"؟ قلتُ: بلى يا رسول الله! فأخذ بلسانه، ثم قال:"كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا"، قلت: يا رسلو الله! وإنما لمؤاخذون بما تتكلم به؟ فقال: "ثَكِلَتْكَ أُمك، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ إِلَاّ حَصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ"؟، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ ["الأربعون النووية" الحديث رقم: 29] .
قلتُ: الذِّروة بكسر الذال المعجمةِ وضمّها، وهي: أعلاهُ.
1707-
وَرَوَيْنَا في "كتاب الترمذي"[رقم: 2318]، وابن ماجه [رقم: 3976] ؛ عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال:"منْ حُسنِ إسْلامِ المرءِ تركهُ ما لا يعنيه" حديثٌ حسنٌ. [الأربعون النووية، الحديث رقم: 12، وسيرد برقم: 1905، 2067] .
1708-
وَرَوَيْنَا في "كتاب الترمذي"[رقم: 2501]، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ صَمَتَ نَجا"، إسناده ضعيفٌ، وإنما ذكرته لأبينهُ، لكونهِ مشهوراً.
والأحاديث الصحيحةُ بنحوِ ما ذكرتهُ كثيرةٌ، وفيما أشرتُ به كفايةٌ لمن وفّق، وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب الغيبة [رقم: 492] جُملٌ من ذلك؛ وبالله التوفيق.
وأما الآثار عن السلف وغيرهم في هذا الباب فكثيرةٌ، ولا حاجة إليها مع ما سبق، لكن ننبهُ على عيونٍ منها:
1709-
بَلَغَنَا أن قُسَّ بن ساعدة، وأكثم بن صيفي اجتمعا، فقال
أحدهما لصاحبه: كم وجدت في ابن آدم من العيوب؟ فقال: هي أكثرُ من أن تُحصى، والذي أحصيتهُ منها ثمانيةُ آلاف عيبٍ، ووجدتُ خصلةً إن استعملها سترتَ العيوبَ كلَّها، قال: ما هي؟ قال: حفظ اللسان.
1710-
وَرَوَيْنَا عن أبي عليّ الفُضَيْل بن عياضٍ رضي الله عنه، قال: مَنْ عَدّ كلامهُ من عملهِ قلّ كلامهُ فيما لا يعنيه.
1711-
وقال الإمامُ الشافعيُّ رحمه الله لصاحبه الرَّبِيع: يا ربيعُ! لا تتكلم فيما لا يعنيك، فإنك إذا تكلَّمتَ بالكلمةِ ملكتكَ، ولم تملكها.
1712-
وَرَوَيْنَا عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: ما من شيءٍ أحق بطول السجن1 من اللسان.
1713-
وقال غيرُه: مَثَلُ اللسان مَثَلُ السَّبُع، إن لم تُوثقه عَدَا عليك.
1714-
وَرَوَيْنَا عن الأستاذ أبي القاسم القُشيري رحمه الله في رسالته [2/ 179] المشهورة، قال: الصمتُ سلامةٌ، وهو الأصل، والسكوتُ في وقته صفةُ الرجال، كما أن النطق في موضعه أشرفُ الخصال.
قال: سمعت أبا عليّ الدقاق رضي الله عنه، يقول: مَنْ سكتَ عن الحقّ فهو شيطانُ أخرس.
قال: فأما إيثارُ أصحاب المجاهدة السكوتَ، فلِمَا علموا ما في الكلام من الآفات، ثم ما فيه من حظّ النفس، وإظهار صفاتِ المدح، والميل إلى أن يتميزَ بين أشكاله بحسن النطق، وغير هذا من الآفات، وذلك نعتُ أرباب الرياضة، وهو أحدُ أركانهم في حكم المنازلة وتهذيب الخلق.
ومما أنشدوه في هذا الباب من الكامل:
احفظْ لسانَك أيُّها الإِنسانُ
…
لا يلدغنَّك إنه ثعبان
1 في النسخة: "أحق بالسجن".