الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: "هَذَا أثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرَاً فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وَهَذَا أثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرّاً فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ؛ أنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّه في الأرْضِ".
869-
وروينا في "صحيح البخاري"[رقم: 1368] ، عن أبي الأسود، قال: قدمتُ المدينةَ، فجلستُ إلى عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه، فمرّتْ بهم جنازةٌ، فأُثني على صاحبها خيرًا، فقال عمرُ: وجبتْ؛ ثم مُرّ بأخرى، فأُثني على صاحبها خيرًا، فقال عمرُ: وجبتْ؛ ثم مُرّ بالثالثة، فأُثني على صاحبها شرًّا، فقالَ عمرُ: وجبتْ. قال أبو الأسود: فقلت: وما وجبت يا أميرَ المؤمنين؟ قال: قلتُ كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أيُّمَا مسلمٌ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ"، فقلنا: وثلاثة؟ قال: "وَثَلَاثَةٌ"، فقلنا: واثنان، قال:"وَاثْنانِ" ثم لم نسأله عن الواحد.
والأحاديث بنحو ما ذكرنا كثيرةٌ؛ والله أعلمُ.
بابُ النهي عن سب الأموات بغير حق ومصلحة شرعية:
870-
روينا في "صحيح البخاري"[رقم: 1393] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَسُبُّوا الأمْوَاتَ فإنَّهُمْ قَدْ أفْضَوْا إلى ما قَدَّمُوا".
871-
وروينا في سنن أبي داود [رقم: 4900]، والترمذي [رقم: 1019] بإسناد ضعيف ضعَّفه الترمذي، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذكروا محاسن موتاكم، وكفوا عن مساويهم". [مر برقم: 813] .
872-
قلتُ: قال العلماءُ: يَحرم سبُّ الميت المسلمَ الذي ليس معلناً بفسقه. وأما الكافرُ، والمُعلِنُ بفسقه من المسلمين، ففيه خلاف للسلف، وجاءت فيه نصوص متقابلة، وحاصلُه أنه ثبت في النهي عن سبّ الأموات ما ذكرناهُ في هذا الباب.
وجاء في الترخيص في سبّ الأشرار أشياء كثيرةٌ، منها: ما قصَّه الله تعالى علينا في كتابه العزيز، وأمرنا بتلاوته وإشاعة قراءته؛ ومنها: أحاديثُ كثيرة في الصحيح، كالحديث الذي ذكر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمروَ بن لحيّ [البخاري، رقم: 4624؛ مسلم، رقم: 2856] وقصة أبي رِغال، [أبو داود، رقم: 3088، وراجع رقم: 1528 التالي] والذي كان يسرقُ الحاجَّ بمحجنه1، وقصة ابن جُدْعان [مسلم، رقم: 214] وغيرهم، ومنها الحديث الصحيح الذي قدّمناه [رقم: 868] لَمَّا مرّت جنازة فأثنوا عليها شرّاً، فلم ينكر عليهم النبيّ صلى الله عليه وسلم، بل قال:"وجبتْ".
واختلف العلماءُ في الجمع بين هذه النصوص على أقوال: أصحُّها وأظهرُها أن أمواتَ الكفاء يجوز ذكر مساويهم؛ وأما أمواتُ المسلمين المعلنين بفسق، أو بدعةٍ، أو نحوهما، فيجوز ذكرُهم بذلك إذا كان فيه مصلحة لحاجة إليه للتحذير من حالهم، والتنفيذ من قبول ما قالوه، والاقتداء بهم فيما فعلوه، وإن لم تكن حاجةٌ لم يجزْ؛ وعلى هذا التفصيل تُنَزَّلُ هذه النصوص، وقد أجمعَ العلماءُ على جرح المجروح من الرواة، والله أعلمُ.
1 قال الحافظ ابن حجر: كذا وقع في عدة نسخ من "الأذكار"[أي: دون حرف واو بين "رغال" و"الذي"] ؛ ولم أرَ في شيء من الروايات وصف أبي رغال بذلك، ولعلها كانت "والذي" فسقطت واو العطف، فأما قصة أبي رغال، وهو بكسر الراء وتخفيف الغين المعجمة وآخره لام؛ فأخرج أحمد ["المسند" 3/ 296] عن جابر قال:
لما مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال: "لا تسألوا الآيات، فقد سألها قوم صالح، فكانت -يعني: الناقة- ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم، فعقورها، فأخذتهم صيحة، أهمد الله بها من كان تحت أديم السماء منهم، إلا رجلًا واحدًا كان في الحرم، فلما خرج منه أصابه ما أصاب قومه"، قالوا: من هو يا رسول الله؟ قال: "أبو رغال".
وأما قصة الذي كان يسرق الحاج بمحجنه، فأخرجها مسلم [رقم: 10/ 904] من حديث جابر في صلاة الكسوف، ولفظه:"حتى رأيت فيها صاحب المحجن، كان يسرق الحاج بمحجنه، فإذا فطن له، قال: إنما تعلق بمحجني، وإذا غفل عنه ذهب به". ["الفتوحات الربانية" 4/ 215] .