الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ أَذْكَار صَلاةِ التَّسبيحِ
1:
965-
روينا في "كتاب الترمذي"[رقم: 2/ 348] ، عنهُ، قال: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم غيرُ حديثٍ في صلاة التسبيح، ولا يصح منه كبير شيءٍ، قال: وقد رأى ابنُ المبارك وغيرُ واحدٍ من أهل العلم صلاة التسبيح، وذكروا الفضل فيه.
966-
قال الترمذي [2/ 348، 349] : حدّثنا أحمد بن عبدة، قال:
1 قال الإسنوي في "المهمات": اختلف كلام النووي في استحباب صلاة التسبيح، وفي صحة الحديث الوارد فيها، فقال في "شرح المهذب" [3/ 504] : قال القاضي حسين وصاحبا "التهذيب" و"التتمة" والروياني: يستحب؛ للحديث الوارد فيها، وفي هذا الاستحباب نظر؛ لأن حديثها ضعيف، وفيها تغيير لنظم الصلاة المعروف، فينبغي ألا يُفعل لغير حديث صحيحُ، وليس حديثها بثابت.
وذكر في "التحقيق" مثلهُ، فقال: وحديثها ضعيف.
وخالف في تهذيب "الأسماء واللغات"[3/ 144] فقال: وأما صلاة التسبيح المعروفة؛ فسميت بذلك لكثرة التسبيح فيها، بخلاف العادة وغيرها، وقد جاء فيها حديث حسن في كتاب الترمذي وغيره. وذكرها المحاملي وصاحب "التتمة" وغيرهما من أصحابنا. وهي سنة حسنة. هذا لفظه.
وقال ابن الصلاح: إنها سنة، وإن حديثها حسنٌ، وله طرق يعضدُ بعضها بعضًا، فيعمل به سيما في العبادات. انتهى ما في "المهمات".
وكما اختلف فيها كلام النووي، كذلك اختلف فيها كلام الحافظ ابن حجر، فحسن حديثها في كتاب "الخصال المكفرة" [الصفحة: 42] ، وفي أماليه ذكر طرفه في تسعة مجالس، وأفردها تصنيفًا، وضعفه في تخريج أحاديث الرافعي [2/ 7] .
والواجب لهذا الاختلاف ما أشار إليه الحافظ الذهبي، حيث قال في "الموقظة" [صفحة: 28] : الحسنُ ما قصر سندُه قليلًا عن رتبةِ الصحيح، ثم لا تطمع أن للحسن قاعدة تندرج كل الأحاديث الحسان فيها، فأنا على بأس من ذلك، فكم من حديث قد تردد فيه الحفاظ على هو حسنٌ أو ضعيف أو صحيح؟ والحافظ الواحد يتغير اجتهاده في الحديث الواحد، فيومًا يصفه بالصحة، ويومًا يصفه بالحسن، ويومًا يصفه بالضعف، وهذا حقٌ، فإن الحديث الحسن يستضعفه الحفاظ عن أن يرقوه إلى رتبة الصحيح، فبهذا الاعتبار فيه ضعف، ولو ارتقى عن ذلك وصح لصح باتفاق.
حديثنا أبو وهب، قال: سألتُ عبد الله بن المبارك عن الصلاة التي يسبّح فيها، قال: يكبرُ، ثم يقولُ: سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، تبارك اسمك وتعالى جدك وَلا إِلهَ غَيْرُكَ؛ ثم يقولُ خمس عشرة مرّة: سُبحانَ الله والحمدُ لِلَّهِ ولا إله إلا الله والله أكبرُ، ثم يتعوذُ، ويقرأُ: بسم الله الرحمن الرحيم؛ وفاتحة الكتاب، وسورة؛ ثم يقول عشر مرات: سُبْحانَ اللَّهِ، والحَمْدُ لِلَّهِ، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ ثم يركع، فيقولها عشراً؛ ثم يرفع رأسه، فيقولها عشراً؛ ثم يسجدُ، فيقولها عشراً؛ ثم يرفع رأسه، فيقولها عشراً؛ ثم يسجدُ السجدة الثانية، فيقولها عشراً، يُصلي أربع ركعات على هذا، فذلك خمس وسبعون تسبيحة في كل ركعة يبدأ بخمس عشرة تسبيحة، ثم يقرأ ثم يسبّح عشراً؛ فإن صلى ليلاً فأحبّ إليّ أن يسلّم في ركعتين؛ وإن صلّى نهاراً، فإن شاء سلّم، وإن شاء لم يسلم ["المستدرك للحاكم" 3/ 30] .
وفي رواية فيه [1/ 349] ، عن عبد الله بن المبارك، أنه قال: يبدأ في الركوع بسبحان ربي العظيم، وفي السجود بسبحان ربي الأعلى ثلاثاً، ثم يُسبِّح التسبيحات.
وقيل لابن المبارك فيه أيضًا [2/ 350] : إن سها في هذه الصلاة، هل يُسبِّح في سجدتي السهو عشراً عشراً؟ قال: لا، إنما هي ثلاث مائة تسبيحة.
967-
وروينا في "كتاب الترمذي"[رقم: 82] وابن ماجه [رقم: 1386] ؛ عن أبي رافع رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم للعباس: "يا عَمُّ! ألا أصلُك، ألا أحبُوك، ألا أنفعُك"؟ قال: بلى! يا رسول الله، قال: "يا عَمّ؟! صَلّ أرْبَعَ رَكعَاتٍ، تَقْرأُ فِي كُلّ رَكْعَةٍ بِفاتِحَةِ القُرآنِ وَسُورَةٍ، فإذَا انْقَضَتِ القِرَاءةُ فَقُلِ: اللَّهُ أكبرُ، والحمدُ لِلَّهِ، وسبحانَ اللَّهِ، وَلا إِلهَ إِلَاّ اللَّهِ؛ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً قَبْلَ أنْ تَرْكَعَ، ثُمَّ ارْكَعْ، فَقُلْها عَشْراً، ثُمَّ افرع رأسَكَ، فَقُلْها
عَشْراً، ثُمَّ اسْجُدْ، فَقلْها عَشْراً، ثُمَّ ارْفَعْ رأسَكَ، فَقُلْها عَشْراً، ثُمَّ اسْجُدْ الثانية فقلها عشرا، ثم ارْفَعْ رأسَكَ، فَقُلْها عَشْراً قَبْلَ أنْ تَقُومَ، فَتِلْكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ فِي كُلّ ركعة، وهي ثلاث مائة في أرْبَعِ رَكَعاتٍ، فَلَوْ كانَتْ ذُنُوبُكَ مِثْلَ رَمْلِ عالِجٍ غَفَرَهَا اللَّهُ تَعالى لَكَ"، قال: يا رَسولَ الله! مَن يستطيع أن يقولها في كل يوم؟ قال: "إنْ لَمْ تَسْتَطِعْ أنْ تَقُولَهَا في كل يومٍ فَقُلْها فِي جمعةٍ، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ أن تقولها في كل جمعةٍ، فَقُلْها فِي كل شهرٍ"، فلم يزل يقولُ له حتى قال: "قُلْها في سَنَةٍ". قال الترمذي: هذا حديثٌ غريبٌ.
968-
قلتُ: قال الإمامُ أبُو بكرٍ بنُ العربي في كتابه "الأحوذيّ في شرح الترمذي"[رقم: 2/ 266، 267] : حديثُ أبي رافع هذا ضعيف ليس له أصل في الصحة، ولا في الحسن، قال: وإنما ذكره الترمذي لينبّه عليه لئلا يغترّ به. قال: وقول ابِن المبارك ليس بحجةٍ؛ هذا كلامُ أبي بكر بن العربي. وقال العُقَيْلي: ليس في صلاة التسبيح وطرقها، ثم ضعَّفها كلَّها، وبيّن ضعفَها؛ ذكرهُ في كتابهِ في "الموضوعات"1 [1/ 143] .
1 قلت رد الأئمةُ والحفاظ على ابن الجوزي في ذلك، وقد سقت كلامهم في كتاب "اللآلئ الموضوعة في الأحاديث المصنوعة".
قال الحافظ ابن حجر في كتاب "الخصال المكفرة"[الصفحة: 43] : قد أساء ابن الجوزي بذكره إياه في الموضوعات.
وقال في "أماليه": وردت صلاةُ التسبيح من حديث عبد الله بن عباس، وأخيه الفضل، وأبيهما العباس، وعبد الله بن عمرو، وأبي رافع، وعلى بن أبي طالب، وأخيه جعفر، وابنه عبد الله بن جعفر، وأم سلمة، والأنصاري غير مسمى. وقد صححه ابن خزيمة، والحاكم، وابن منده وألف فيه كتابًا، والآجري، والخطيب، وأبو سعيد السمعاني، وأبو موسى المديني، والديلمي، وأبو الحسن ابن المفضل، وابن الصلاح، والمنذري، والنووي في "تهذيب الأسماء واللغات" والسبكي، وآخرون.
وقال الرزكشي في "تخريج أحاديث الرافعي": غلِطَ ابن الجوزي بلا شك في إخراج حديثُ صلاة التسبيح في الموضوعات، وهو صحيح وليس بضعيف، فضلًا عن أن يكون موضوعًا، وابن الجوزي يتساهل في الحكم بالوضع.
وصححه أيضًا الحافظ صلاح الدين العلائي، والشيخ سراج الدين البلقيني في "التدريب".
وأفردتُ فيه تأليفًا سميتهُ: "التصحيح في صلاة التسبيح".
969-
وبلغنا عن الإِمام الحافظ أبي الحسن الدارقطني رحمه الله، أنه قال: أصحُّ شيء في فضائل السور فضل سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ؛ وأصحّ شيء في فضائل الصلوات فضل صلاة التسبيح. وقد ذكرتُ هذا الكلامَ مسنداً في كتاب طبقات الفقهاء في ترجمة أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني [ترجمة رقم: 240، الصفحات: 616، 619] ، ولم يُذكر فيها شيء عن صلاة التسبيح في النسخة المطبوعة، ولا يلزمُ من هذه العبارة أن يكونَ حديثُ صلاةِ التسبيح صحيحاً، فإنهم يقولون: هذا أصحُّ ما جاء في الباب، وإن كان ضعيفاً؛ ومرادهُم: أرجحُه وأقلهُ ضعفاً.
قلتُ: وقد نصَّ جماعةٌ من أئمة أصحابنا على استحباب صلاة التسبيح هذه، منهم أبو محمد البغوي [في شرح السنّة 4/ 158] وأبو المحاسن الروياني1.
قال الروياني في كتابه البحر في آخر كتاب الجنائز منه: اعلم أن صلاة التسبيح مُرَغَّب فيها، يُستحبّ أن يعتادها في كل حين، ولا يتغافل عنها، قال: هكذا قال عبد الله بن المبارك، وجماعة من العلماء. قال: وقيل لعبد الله بن المبارك: إن سهَا في صلاة التسبيح أيسبحُ في سجدتي السهو
1 وقد ألف علماء آخرون غير ابن حجر العسقلاني رحمه الله والسيوطي رحمه الله وغير الذين ذُكروا، في صلاة التسبيح، مثل: ابن ناصر الدين الدمشقي في كتابه: "الترجيح لحديث صلاة التسبيح" طبع في دار البشائر الإسلامة، بيروت عام 1985؛ وابن طولون الدمشقي الصالحي في كتابه:"الترشيح لبيان صلاة التسبيح" طبع ببيروت في دار الكتب العلمية، عام 1995.
عشراً عشراً؟ قال: لا، وإنما هي ثلاث مائة تسبيحة؛ وإنما ذكرتُ هذا الكلام في سجود السهو، وإن كان قد تقدم لفائدة لطيفة، وهي أن مثل هذا الإِمام إذا حكى هذا، ولم ينكرهُ أشعر بذلك بأنه يوافقه، فيكثر القائل بهذا الحكم، وهذا الروياني من فضلاء أصحابنا المطّلعين؛ والله أعلم.