الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الاستغفار
مدخل
…
كتاب الاستغفار:
595-
الاستغفار
2041-
اعلم أن هذا الكتاب من أهمّ الأبواب التي يعتنى بها، ويحافظ على العمل به. وقصدتُ بتأخيره التفاؤلَ بأن يختم الله الكريم لنا به، نسأله ذلك وسائر وجوه الخير لي ولأحبائي 1 وسائر المسلمين، آمين.
قال الله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [غافر: 55] وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19] وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 106] وقال تعالى: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ، الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ 16 الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران: 15-17]، وقال تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا
1 في نسخة: "ولأحبابي".
فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135]، وقال تعالى:{وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110]، وقال تعالى:{وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 3]، وقال تعالى إخبارً عن نوح صلى الله عليه وسلم:{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10]، وقال تعالى حكاية من هودٍ صلى الله عليه وسلم:{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 52] ، والآياتُ في الاستغفار كثيرةٌ معروفةٌ، ويحصلُ التنبيهُ ببعضِ ما ذكرناهُ.
وأما الأحاديث الواردةُ في الاستغفارِ فلا يمكنُ استقصاؤها، لكني أشيرُ إلى أطرافٍ من ذلِك.
2042-
روينا في صحيح مسلم [رقم: 2702] عن الأغز بن يسارٍ الزني الصحابيّ -رضي الله تعالى عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّهُ ليُغان على قَلْبِي، وإني لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ في اليوم مائة مرة".
2043-
وروينا في صحيح البخاري [رقم: 6307] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "والله إنّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأتوبُ إلَيهِ فِي اليَوْمِ أكثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّة".
2044-
وروينا في صحيح البخاري [رقم: 6306] أيضاً، عن شداد بن أوسٍ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "سيدُ الاسْتغْفارِ أنْ يقُولَ العَبْدُ: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبّي لا إِلهَ إِلَاّ أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عبدكَ، وأنا على عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعوذُ بِكَ مِنْ شَرّ مَا صنعتُ، أبوءُ لَكَ بنعمتكَ علي، وأبوء لك بِذَنْبي، فاغْفِرْ لي، فإنهُ لا يغفرُ الذنوبَ إِلَاّ أنتَ. مَنْ قَالَهَا
بالنَّهارِ مُوقنًا بِها فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أنْ يُمسي فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقنٌ بها فماتَ قبلَ أنْ يُصبحَ فهوَ مِنْ أهلِ الجَنَّةِ".
قلتُ: أبوءُ بضم الباءِ، وبعد الواو همزةٌ ممدودةٌ، ومعناهُ: أقِرُّ وأعترف، [وتقدَّم برقم: 430] .
2045-
وروينا في سنن أبي داود [رقم: 1516]، والترمذي [رقم: 3434] ، وابن ماجه [رقم 3814] ؛ عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما، قال: كنّا نَعُدُّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحدِ مائة مرةٍ: "ربّ اغْفِرْ لي، وَتُبْ عَلَيَّ، إنَّكَ أنْتَ التَّوَّابُ الرَّحيمُ" قال الترمذي: حديثُ حسنٌ صحيحٌ.
2046-
وروينا في سنن أبي داود [رقم: 1518]، وابن ماجه [رقم: 3819] ؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضيقٍ مَخْرَجاً، وَمِنْ كُلّ هَمٍّ فَرَجاً، ورزقهُ مِنْ حيثُ لا يحتسبُ".
2047-
وروينا في صحيح مسلم [رقم: 2749]، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلجَاءَ بقومٍ يُذنبون فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ تَعالى فَيَغفِرُ لَهُمْ".
2048-
وروينا في سنن أبي داود [رقم: 1524] ، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنهُ، أن رسُول الله صلى الله عليه وسلم كانَ يُعجبهُ أن يدعُوَ ثلاثاً، ويستغفرَ ثلاثاً. وقد تقدَّم هذا الحديث قريبًا [برقم: 2030] في كتاب جامعِ الدعواتِ.
2049-
وروينا في كتابي أبي داود [رقم: 1514]، والترمذي [رقم: 3559] ؛ عن مولى لأبي بكرٍ، عن أبي بكرٍ الصديق -رضي الله تعالى عنهُ- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أصرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ، وَإنْ عادَ في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً" قال الترمذي: ليس إسنادهُ بالقويّ.
2050-
وروينا في كتاب الترمذي [رقم: 3540]، عن أنسٍ -رضي الله تعالى عنهُ- قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قالَ اللَّهُ تَعالى: يا ابن آدَمَ! إَّنكَ ما دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ ما كانَ منك ولا أُبالي، يا ابن آدَمَ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لك، يا ابن آدَمَ! لَوْ أتَيْتَنِي بقرابِ الأرضِ خطايَا، ثُمَّ أتَيْتَنِي لا تُشركُ بِي شَيْئاً لأتيتكَ بقُرابها مَغْفِرَةً " قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. [الأربعون النووية، الحديث رقم: 42] .
قلتُ: عنان السماء بفتح العين، وهُو: السحابُ، واحدتها: عنانةٌ، وقيل: العنانُ: ما عَنَّ لك منها، أي: ما اعترضَ وظهر لك إذا رفعت رأسك؛ وأمَّا قرابُ الأرض فروي بضم القاف وكسرها، والضم هو المشهورُ، ومعناهُ: ما يُقارب ملأها، وممّن حكى كسرها صاحب "المطالع".
2051-
وروينا في سنن ابن ماجه [رقم: 3818] ، بإسنادٍ جيدٍ؛ عن عبد الله بن بسرٍ -بضم الباء وبالسين المهملة- رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ في صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفاراً كَثِيراً".
2052-
وروينا في سنن أبي داود [رقم: 1517]، والترمذي [رقم: 3577] ؛ عن ابن مسعودٍ -رضيَ الله تعالى عنهُ- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قالَ: استغفرُ اللهَ الذي لا إله إِلَاّ هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وأتوبُ إليهِ، غُفرت ذُنُوبُهُ وَإنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ". وقال الحاكم [511/1] : هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ومسلم.
قلتُ: وهذا البابُ واسعٌ جداً، واختصارهُ أقربُ إلى ضبطهِ، فنقصتر على هذا القدر منهُ.
596-
فصل في حكم: أستغفر الله:
2053-
ومما يتعلَّق بالاستغفار ما جاء عن الرَّبيع بن خُثَيْم -رضي الله تعالى عنهُ- قال: لا يقُل أحدُكم: استغفرُ الله وأتوبُ إليه، فيكونُ ذنباً وكذباً إن لم يفعل، بل يقولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وتُب عليّ.
وهذا الذي قالهُ من قولهِ: اللَّهمّ اغفر لي وتب عليّ؛ حسنٌ. وأما كراهتهُ أستغفرُ الله، وتسميته كذباً؛ فلا نُوافق عليه؛ لأن معنى أستغفرُ الله: أطلبُ مغفرتهُ، وليس في هذا كذبٌ، ويكفي في ردّه حديثٌ ابن مسعودٍ المذكورُ قبله [برقم: 2054] .
2054-
وعن الفُضيل -رضي الله تعالى عنهُ: استغفارٌ بلا إقلاع توبةُ الكذّابين.
2055-
ويقاربهُ ما جاءَ عن رابعةَ العدويةِ -رضيَ اللهُ تعالى عنها- قالتْ: استغفارُنا يحتاجُ إلى استغفارٍ كثيرٍ.
2056-
وعن بعضِ الأعراب، أنه تعلَّق بأستارِ الكعبةِ، وهو يقولُ: اللَّهُمَّ إن استغفاري مع إصراري لؤمٌ، وإنَّ تركي الاستغفارَ مع علمي بسعةِ عفوكَ لعجزٌ، فكم تَتَحَبَّبُ إليَّ بالنعم مع غِناكَ عني، وكم أتبغَّضُ إليك بالمعاصي مع فقري إليك، يا مَن إذا وعدَ وفَّى، وإذا توعَّدَ تجاوز وعفا، أدخلْ عظيمَ جُرمي في عظيمِ عفوكَ، يا أرحم الراحمين.