الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2013-
وفيه [543/1]، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: وَاذُنُوباهُ وَاذُنُوباهُ، مرّتين أو ثلاثاً، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"قُل: اللَّهُمَّ مَغْفِرَتُكَ أوْسَعُ مِنْ ذُنُوبي، وَرَحْمَتُكَ أرْجَى عِنْدِي مِنْ عَمَلي"، فقالها، ثم قال:"عُد"، فعاد، ثم قال:"عُد"، فعاد، فقال:"قُم، فقد غفر الله لَكَ1".
2014-
وفيه [544/1] ، عن أبي أمامةَ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لِلَّهِ تَعالى مَلَكاً مُوَكَّلاً بِمَنْ يَقُولُ: يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، فَمَنْ قالها ثلاثاً، قالَ لَهُ المَلَكُ: إنَّ أرْحَمَ الرَّاحِمينَ قَدْ أقْبَلَ عَلَيْكَ فَسَلْ"؛ والله عز وجل أعلمُ.
1 في نسخة: "فَقَدْ غُفر لَكَ".
بابٌ في آدابِ الدُعاءِ:
2015-
اعلم أن المذهب المختار الذي عليهِ الفقهاء والمحدّثون وجماهيرُ العلماء من الطوائفِ كلها من السلف والخلف رضي الله عنهم، أن الدعاء مستحبّ، قال الله تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] ، والآيات في ذلك كثيرةٌ مشهورةٌ.
وأما الأحاديث الصحيحيةُ فهي أشهرُ من أن تُشهر، وأظهر من أن تُذكر، وقد ذكرنا قريباً في الدعواتِ ما فيه أبلغ كفايةٍ، وبالله التوفيق.
2016-
وروينا في رسالة الإِمام أبي القاسم القشيريّ رضي الله عنه [221/3] قال: اختلفَ الناسُ في أن الأفضل الدعاء، أم السكوت والرضا؟ فمنهم من قال: الدعاءُ عبادةٌ، للحديث السابق [برقم: 1972] : "الدعاء هو
العبادةُ"، ولأن الدعاءَ هُو إظهارُ الافتقار إلى الله تعالى. وقالت طائفةٌ: السكوت والخمودُ تحتَ جريان الحكم أتمّ، والرضا بما سبقَ بهِ القدرُ أولى. وقال قومٌ: يكونُ صاحبَ دُعاءٍ بلسانه، ورضا بقلبهِ، ليأتيَ بالأمرين جميعاً.
2017-
قال القشيري 221/3: والأولى أن يُقال: الأوقات مختلفةٌ، ففي بعض الأحوال الدعاء أفضلُ من السكوت، وهو الأدب؛ وفي بعض الأحوالِ السكوت أفضلُ من الدعاءِ، وهو الأدبُ؛ وإنما يُعرف ذلك بالوقت، فإذا وجدَ في قلبه إشارةً إلى الدعاء، فالدعاءُ أولى به؛ وإذا وجد إشارةً إلى السكوت، فالسكوتُ أولى به وأتمُّ.
2018-
قال [الرسالة 222/3] : ويصحّ أن يُقال: ما كان للمسلمين فيه نصيبٌ، أو لله سبحانه وتعالى فيه حقّ، فالدعاءُ أولى لكونهِ عبادة، وإن كان لنفسك فيه حظّ، فالسكوتُ أتمّ.
2019-
قال [الرسالة 222/3] : ومن شرائط الدعاءِ أن يكون مطعمهُ حلالاً.
2020-
وكان يحيى بن معاذٍ الرازي رضي الله عنه يقولُ [الرسالة 223/3] : إليه كيف أدعوكَ وأنا عاصٍ؟ وكيف لا أدعوك وأنت كريم؟
2021-
ومن آدابه حضور القلب، وسيأتي دليلهُ إن شاء الله تعالى.
2022-
وقال بعضُهم [الرسالة 225/3] : المرادُ بالدعاءِ إظهارُ الفاقةِ، وإلا فالله سبحانه وتعالى يفعلُ ما يشاءُ.
2023-
وقال الإِمام أبو حامدٍ الغزالي في الإِحياء [304/1] : آدابُ الدعاءِ عشرةٌ:
الأول: أن يترصَّد الأزمان الشريفة، كيوم عَرَفَة، وشهر رمضان، ويوم الجمعة، والثلث الأخير من الليل، ووقت ِ الأسحار.
الثاني: أن يغتنمَ الأحوالَ الشريفة، كحالةِ السجودِ، والتقاءِ الجيوش، ونُزولِ الغيث، وإقامة الصلاةِ وبعدَها.
قلتُ: وحالة رقَّة القلب.
الثالث: استقبالُ القبلةِ ورفعُ اليدين، ويمسحُ بهما وجهه في آخره.
الرابع: خفضُ الصوت بين المخافتة والجهر.
والخامس: ألّا يتكلَّف السجعَ. وقد فُسِّرَ به الاعتداءُ في الدعاءِ، والأولى أن يقتصر على الدعوات المأثورةِ، فما كلُ أحدٍ يحسنُ الدعاءَ، فيخافُ عليه الاعتداءُ.
وقال بعضهم: ادعُ بلسانِ الذلّة والافتقار، لا بلسان الفصاحة والانطلاق، ويقالُ: إن العلماء والأبدال لا يزيدون في الدعاءِ على سبع كلماتٍ، ويشهدُ لهُ ما ذكرهُ الله سبحانه وتعالى في آخر سورة البقرة:{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا} [البقرة: 286] إلى آخرها، لم يخبرِ الله سبحانه- في موضعٍ عن أدعيةِ عباده بأكثر من ذلك.
قلتُ: ومثلهُ قولُ الله سبحانه وتعالى في [إبراهيم: 35]{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا....} إلى آخره.
قلتُ: والمختار الذي عليه جماهيرُ العلماءِ أنه لا حجرَ في ذلك، ولا تكرهُ الزيادةُ على السبع، بل يُستحبّ الإكثارُ من الدعاءِ مُطلقًا.
السادس: التضرّعُ والخشوعُ والرهبةُ، قال الله تعالى:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90] وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] .
السابع: أن يجزمَ بالطلب، ويُوقن بالإِجابة، ويصدقَ رجاءهُ فيها، ودلائلُه كثيرةٌ مشهورةٌ: قال سفيان بن عُيينة رحمه الله: لا يمنعنّ أحدَكم من الدعاء ما يعلمُه من نفسه، فإن الله تعالى أجاب شرّ المخلوقين إبليس إذ:{قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ، قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [الأعراف: 14 و15] .
الثامن: أن يلحَّ في الدعاءِ، ويكررهُ ثلاثًا، ولا يستبطئ الإِجابة.
التاسع: أن يفتتح الدعاء بذكر الله تعالى.
قلتُ: وبالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحمد لله تعالى والثناء عليه، ويختمهُ بذلك كله أيضاً.
العاشرُ: وهو أهمّها، والأصلُ في الإِجابة، هو التوبةُ1، وردُّ المظالم، والإقبالُ على الله تعالى.
584-
فصل في فوائد الدعاء:
2024-
قال الغزالي في الإِحياء [328/1] : فإن قيل: فما فائدة الدعاءِ مع أن القضاءَ لا مردَّ له؟
فاعلم أن من جملةِ القضاءِ ردّ البلاء بالدعاء، فالدعاءُ سببٌ لردّ البلاءِ ووجودِ الرحمة، كما أن الترسَ سبب لدفع السلاح، والماءُ سببٌ لخروج النبات من الأرض؛ فكما أن الترسَ يدفع السهمَ فيتدافعان، فكذلك الدعاءُ والبلاء، وليس من شرط الاعتراف بالقضاء، ألا يحملَ السلاح، وقد قال الله تعالى:{وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102] فقدَّرَ الله تعالى الأمرَ، وقَدَّر سبَبه.
وفيه من الفوائد ما ذكرناهُ، وهو حضور القلب والافتقار، هُما نهايةُ العبادة والمعرفة؛ والله عز وجل أعلم.
1 في نسخة وهو التوبة.