الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"لا تمارِ أخاكَ، وَلا تمازحهُ، وَلا تعدهُ مَوْعِداً فتخلفهُ".
1673-
قال العلماءُ: المزاحُ المنهيُّ عنهُ، هُو الذي فيه إفراطٌ، ويُداوم عليه، فإنه يُورث الضحك وقسوةَ القلب، ويُشغل عن ذكر الله تعالى والفكر في مهمات الدين، ويؤولُ في كثيرٍ من الأوقات إلى الإِيذاء، ويُورثُ الأحقاد، ويُسقطُ المهابةَ والوقارَ. فأما ما سَلِمَ من هذه الأمور، فهو المباحُ الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلهُ، فإنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يفعلهُ في نادرٍ من الأحوالِ لمصلحةٍ، وتطييب نفس المخاطب ومؤانستهِ، وهذا لا منعَ منهُ قطعاً، بل هو سنةٌ مستحبةٌ إذا كان بهذهِ الصفةِ، فاعتمدْ ما نقلناهُ عن العلماء وحققناهُ في هذه الأحاديث وبيان أحكامها، فإن مما يعظمُ الاحتياجُ إليه؛ وبالله التوفيق.
بابُ الشَّفاعَة:
1674-
اعلم أنهُ تُستحبّ الشفاعةُ إلى ولاةِ الأمر وغيرهم من أصحابِ الحقوق والمستوفين لها، ما لم تكن شفاعةً في حدٍّ، أو شفاعةً في أمرٍ لا يجوزُ تركهُ، كالشفاعةِ إلى ناظرٍ على طفل أو مجنونٍ أو وقفٍ أو نحو ذلك في ترك بعض الحقوق التي في ولايته، فهذه كلُّها شفاعةٌ محرمةٌ تحرمُ على الشافع، ويحرمُ على المشفوعِ إليه قبولها، ويحرمُ على غيرهما السعي فيها إذا علمها؛ ودلائلُ جميع ما ذكرتهُ ظاهرةٌ في الكتاب والسنّة وأقوال علماء الأمة، قال الله تعالى:{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} [النساء: 85] .
"المقيتُ": المقتدرُ والمقَدِّرُ، هذا قولُ أهلِ اللغةِ، وهو محكيٌّ عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما وآخرين من المفسرين. وقال آخرون منهم:
"المقيتُ": الحفيظ، وقيل:"المقيت": الذي عليه قوتُ كل دابة ورزقها، وقال الكلبي:"المقيتُ": المجازي بالحسنة والسيئة، وقيل:"المقيتُ": الشهيدُ، وهو راجعٌ إلى معنى الحفيظ، وأما الكِفْل فهو: الحظ والنصيب، وأما الشفاعة المذكورة في الآية، فالجمهور على أنها هذه الشفاعة المعروفة، وهي شفاعةُ الناس بعضهم في بعضٍ؛ وقيل: الشفاعة الحسنةُ: أن يشفع إيمانهُ بأن يُقاتل الكفار؛ والله أعلم.
1675-
وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 6028]، ومسلم [رقم: 2627] ؛ عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاهُ طالب حاجةٍ أقبلَ على جُلسائهِ، فقال:"اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللَّه على لسانِ نَبِيِّهِ ما أحَبَّ".
وفي رواية: "ما شاءَ".
وفي رواية أبي داود [رقم: 5131] : "اشْفَعُوا إِلَيَّ لِتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللَّهُ على لِسانِ نَبِيِّهِ ما شاءَ". وهذه الرواية توضحُ معنى روايةِ الصحيحين.
1676-
وروينا في صحيح البخاري [رقم: 5283] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قصة بريرة وزوجها، قال: قال لها النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لو راجعته"؟ 1 قالت: يا رسول الله! تأمرني؟ قال: "إنما أشْفَعُ"، قالتْ: لا حاجةَ لي فيه.
1677-
وَرَوَيْنَا في "صحيح البخاري"[رقم: 4642] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما قَدِمَ المدينة عيينةُ بن حصنٍ بن حذيفة بن بدرٍ،
1 في الأصول: "راجعتيه". قال الحافظ ابن حجر العسقلاني، رحمه الله، في "فتح الباري" في شرحه للحديث رقم: 5283: وقع في رواية ابن ماجه: "لو راجعتيه" بإثبات تحتانية ساكنة بعد المثناة، وهي لغة ضعيفة. اهـ.