الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
391-
فصل [من آداب التثاؤب] :
1395-
إذا تثاءب، فالسنةُ أن يردهُ ما استطاع، للحديثِ الصحيح الذي قدمناهُ [برقم: 1368] ؛ والسنةُ
أن يضع يدهُ على فيه.
1396-
لما رويناهُ في "صحيح مسلم"[رقم: 2995] ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا تَثاءَبَ أحَدُكُمْ فليُمسك بِيَدِهِ على فَمِهِ، فإنَّ الشَّيْطانَ يَدْخُلُ".
1397-
قلتُ: وسواءٌ كان التثاؤُبُ في الصلاة، أو خارجها، يُستحبُ وضعُ اليد على الفم، وإنما يكرهُ للمصلّي وضعُ يده على فمه في الصلاة، إذا لم تكن حاجةٌ، كالتثاوب وشبهه؛ والله أعلمُ.
392-
بابُ المَدْحِ:
1398-
اعلم أنَّ مدح الإِنسان، والثناءَ عليه بجميل صفاته، قد يكون في حضور الممدوح1، وقد يكونُ بغير حضوره، فأما الذي في غير حضورِه، فلا منعَ منه إلا أن يُجازف المادحُ، ويدخل في الكذب، فيحرُم عليه بسبب الكذب، لا لكونه مدحاً؛ ويستحبُ هذا المدحُ الذي لا كذبَ فيه، إذا ترتب عليه مصلحةٌ، ولم يجرّ إلى مفسدةٍ بأن يبلغَ الممدوحَ فيفتتن به، أو غير ذلك.
وأما المدحُ في وجه الممدوح، فقد جاءت فيه أحاديثُ تقتضي إباحتهُ، أو استحبابهُ، وأحاديثُ تقتضي المنعَ منهُ.
قال العلماءُ: وطريقُ الجمعِ بينَ الأحاديثِ أن يُقال: إن كان الممدوحُ عندهُ كمالُ إيمانٍ، وحسنُ يقينٍ، ورياضةُ نفسٍ، ومعرفةٌ تامة، بحيث لا يفتتنُ، ولا يغترّ بذلكَ، ولا تلعبُ به نفسهُ، فليس بحرامٍ، ولا مكروهٍ، وإن خيفَ عليهِ شيءٌ من هذه الأمور كُرِهَ مدحهُ كراهةً شديدة.
1399-
فمن أحاديث المنع ما رويناهُ في "صحيح مسلم" [رقم:
1 في نسخة: في وجه الممدوح.
3002] ، عن المقداد رضي الله عنه، أن رجلاً جعلَ يمدحُ عثمانَ رضي الله عنه، فعمدَ المقدادُ، فجثا على ركبتيه، فجعلَ يحثو في وجهه الحصباءَ، فقال له عثمانُ: ما شأنُك؟ فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا رأيْتُم المَدَّاحِينَ فاحْثُوا في وُجُوهِهِمْ التُّرابَ".
1400-
وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 2663]، ومسلم [رقم: 3001] ؛ عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: سمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلاً يُثني على رجلٍ، ويُطريه في المدحةِ، فقال:"أَهْلَكْتُمْ أوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ".
قلتُ: قولهُ: "يُطريه" بضم الياء وإسكان الطاء المهملةِ وكسر الراءِ وبعدها ياءٌ مثناةٌ تحتُ. و"الإطراءُ": المبالغة في المدحِ، ومجاوزةُ الحدّ، وقيل: هو المدح.
1401-
وَرَوَيْنَا في "صحيحيهما"[البخاري، رقم: 2662؛ ومسلم، رقم: 3000] ، عن أبي بكرة رضي الله عنه، أن رجلاً ذُكر عندَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأثنى عليه رجلٌ خيراً، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:"وَيْحَكَ! قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ -يقوله مراراً- إنْ كانَ أحَدُكُمْ مادحًا أخاهُ لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أحسبُ كَذَا وكَذَا إنْ كانَ يَرَى أنهُ كَذَلِكَ، وحسيبهُ اللَّهُ، وَلا يُزَكِّي على اللَّهِ أحَداً".
1402-
وأما أحاديثُ الإِباحة فكثيرةٌ لا تنحصرُ، ولكن نُشيرُ إلى أطرافٍ منها، فمنها قولهُ صلى الله عليه وسلم في الحديثِ الصحيح البخاري، [رقم: 3653؛ ومسلم، رقم: 2381] لأبي بكرٍ رضي الله عنه: "ما ظَنُّكَ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثالثهما"؟.
1403-
وفي الحديث الآخر [البخاري، رقم: 3665؛ ومسلم، رقم: 2382، 1027/ 86] : "لست منهم". أي: لستَ من الذين يُسبلون أزرهُم خُيلاء.
1404-
وفي الحديث الآخر [البخاري، رقم: 3656، 3657] : "يا أبا بَكْرٍ! لا تَبْكِ! إنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عليَّ في صُحْبَتِهِ ومالهِ أبُو بكرٍ، وَلَوْ كنتُ مُتَّخِذاً مِنْ أُمتي خَلِيلاً لاتخذتُ أبا بكرٍ خَلِيلاً".
1405-
وفي الحديث الآخر [البخاري، رقم: 3674؛ ومسلم، رقم: 3666] : "أرْجُو أنْ تَكُونَ منهم"؛ أي: من الذين يُدْعون من جميع أبواب الجنة لدخولها.
1406-
وفي الحديث الآخر [عند البخاري، رقم: 3666؛ ومسلم، رقم: 2403] : "ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بالجنة".
1407-
وفي الحديث الآخر [للبخاري، رقم: 3699] : "اثْبُتْ أحدُ؛ فإنَّمَا عَلَيْكَ نَبيٌّ وصديقٌ وشهيدان".
1408-
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "دخلتُ الجَنَّةَ فَرأيْتُ قَصْراً، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ قالُوا: لِعُمَرَ؛ فأرَدْتُ أنْ أدخلهُ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ"، فقال عمر رضي الله عنه: بأبي وأمي، يا رسول الله! أعليك أغارُ؟ [رواه البخاري، رقم:3679؛ ومسلم، رقم: 2395] .
1409-
وفي الحديث الآخر الصحيح [البخاري، رقم: 3683؛ ومسلم، رقم: 2396] : "يا عمر! ما لَقِيَكَ الشيطانُ سَالِكاً فَجَّاً إِلَاّ سلكَ فَجّاً غَيْرَ فجك".
1410-
وفي الحديث الآخر [البخاري، رقم: 3674؛ ومسلم، رقم: 2403] : "افْتَحْ لعُثمانَ وبشرهُ بالجنة".
1411-
وفي الحديثِ الآخر [البخاري تعليقًا، 62 كتاب فضائل الصحابة، 9 باب مناقب علي بن أبي طالب، قال لعليّ:"أنْتَ مِنِّي، وأنا مِنْكَ".
1412-
وفي الحديث الآخر [البخاري، رقم: 3706؛ ومسلم، رقم: 2404]، قال لعليّ:"أما تَرْضَى أنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ من موسى"؟.
1413-
وفي الحديث الآخر [البخاري، قم: 1149؛ ومسلم، رقم: 2458]، قال لبلال:"سمعتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ في الجنة".
1414-
وفي الحديث الآخر [لمسلم، رقم: 810]، قال لأُبيّ بن كعب:"لِيَهْنَأْكَ العلمُ، أبا المنذر".
1415-
وفي الحديث الآخر [البخاري، رقم: 3813؛ ومسلم، رقم: 2484]، قال لعبد الله بن سلامٍ:"أنْتَ على الإِسْلامِ حتَّى تموت". [راجع رقم: 1685] .
1416-
وفي الحديث الآخر [البخاري، رقم: 3798 و4889؛ مسلم، رقم: 2054]، قال للأنصاري:"ضَحِكَ اللَّهُ عز وجل، أوْ عَجِبَ مِنْ فعالكما". [مر برقم: 1213، 1214] .
1417-
وفي الحديث الآخر [البخاري، رقم: 3785؛ ومسلم، رقم: 2507]، قال للأنصاري:"أنْتُمْ مِنْ أحَبّ الناس إلي".
1418-
وفي الحديث الآخر [لمسلم، رقم: 2593]، قال لأشجّ عبد القيس:"إنَّ فيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُما اللَّهُ تَعالى ورسولهُ: الحِلْمَ والأناة".
1419-
وكل هذه الحاديث التي أشرتُ إليها في الصحيح مشهورةٌ، فلهذا لم أُضفها، ونظائرُ ما ذكرناهُ من مدحه صلى الله عليه وسلم في الوجه كثيرةٌ.
وأما مدحُ الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والأئمة الذين يُقتدى بهم رضي الله عنهم أجمعين، فأكثرُ من أن تُحصر، واللهُ أعلمُ.