الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ وَعْظِ المريضِ بعدَ عافيتِه وتذكيره الوفاءَ بما عاهدَ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ من التوبة وغيرِها
…
باب وعظم المريضِ بعدَ عافيتِه وتذكيره الوفاءَ بما عاهدَ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ من التوبة وغيرِها:
قال الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإِسراء: 34]
وقال تعالى: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} الآية [البقرة: 177] والآياتُ في الباب كثيرةٌ معروفةٌ.
745-
وروينا في كتاب ابن السني [رقم: 563] ، عن خوّات بن جُبير رضي الله عنه، قال: مرضتُ، فعادَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"صَحَّ الجِسْمُ يا خَوَّاتُ" قلت: وجسمُك يا رسول الله! قال: "فَفِ الله بِمَا وعدته" قلت: ما وعدتُ الله عز وجل شيئاً، قال:"بَلى، إنَّهُ مَا مِنْ عَبْدٍ يَمْرَضُ إِلَاّ أحْدَثَ اللَّهَ عز وجل خَيْراً، فَفِ الله بما وعدته".
بابُ ما يقولُه من أَيِسَ من حَياتِه:
746-
روينا في كتاب الترمذي [رقم: 978] و"سنن ابن ماجه"[رقم: 1623] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وهو بالموت، وعندهُ قدحٌ فيه ماءٌ، وهو يدخلُ يدهُ في الدقحِ، ثم يمسحُ وجههُ بالماءِ، ثم يقولُ:"اللَّهُمَّ أعِنِّي على غمراتِ الموتِ، وسكراتِ الموتِ".
747-
وروينا في صحيحي البخاري [رقم: 4440] ومسلم [رقم: 2444] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو مستندٌ إلَيَّ يقولُ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي، وَارْحَمْنِي، وألحِقْني بالرَّفِيقِ الأعْلَى".
748-
ويستحبّ أن يكثرَ من القرآن والأذكار، ويكرهُ له الجزعُ، وسوءُ الخلُق، والشتمُ، والمخاصمةُ، والمنازعةُ في غير الأمور الدينية.
ويُستحبّ أن يكونَ شاكراً لله تعالى بقلبه ولسانه، ويستحضر في ذهنه أن هذا آخرُ أوقاتِه من الدنيا، فيجتهدُ على ختمها بخير، ويبادر إلى أداء الحقوق إلى أهلها، من ردّ المظالم والودائع والعواري، واستحلال أهله: من
زوجته، ووالديه، وأولاده، وغلمانه، وجيرانه، وأصدقائه، وكل من كانت بينه وبينه معاملةٌ، أو مصاحبةٌ، أو تعلقٌ في شيءٍ.
وينبغي أن يُوصي بأمورِ أولادِه، إن لم يكن لهم جدٌّ يَصلحُ للولاية، ويُوصي بما لا يتمكن من فعله في الحال: من قضاء بعض الديون، ونحو ذلك. وأن يكون حسنَ الظنّ بالله سبحانه وتعالى أنه يرحمهُ، ويستحضر في ذهنه أن حقيرٌ في مخلوقات الله تعالى، وأنْ الله تعالى غنّي عن عذابه، وعن طاعته، وأنه عبدُه، ولا يطلبُ العفوَ والإحسان والصفح والامتنان إلا منه.
ويستحبّ أن يكون مُتعاهداً نفسه بقراءة آياتٍ من القرآن العزيز في الرجاء، ويقرؤُها بصوتٍ رقيق، أو يقرؤُها له غيره وهو يستمع. وكذلك يستقرئ أحاديث الرجاء، وحكاياتِ الصالحين وآثارَهم عند الموت، وأن يكونَ خيرهُ مُتزايداً، ويُحافظ على الصلوات واجتناب النجاسات وغير ذلك من وظائف الدين، ويصبر على مشقة ذلك؛ وليحذرْ من التساهلُ في ذلك، فإن من أقبح القبائح أن يكونَ آخِرُ عهده من الدنيا التي هي مزرعة الآخرة التفريط فيما وجب عليه، أو ندب إليه. وينبغي له ألا يقبل قول من يخذله عن شيء مما ذكرناهُ، فإن هذا مما يُبتلى به، وفاعلُ ذلك هو الصديق الجاهل، العدوّ الخفيّ، فلا يقبل تخذيله، وليجتهد في ختم عمره بأكمل الأحوال.
ويستحبّ أن يوصي أهله وأصحابهُ بالصبر عليه في مرضه، واحتمال ما يصدر منه، ويوصيهم أيضاً بالصبر على مصيبتهم به، ويجتهد في وصيتهم بترك البكاء عليه، ويقول لهم: صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الميتُ يعذبُ ببكاءِ أهله عليه"[البخاري، رقم: 1286؛ مسلم، رقم: 927] فإيَّاكم -يا أحبائي- وَالسَّعيَ في أسباب عذابي، ويُوصيهم بالرفق بمن يخلفه
من طفل وغلام وجارية ونحوهم، ويوصيهم بالإِحسان إلى أصدقائه، ويعلّمهم أنه صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهُ قال:"إِنَّ مِنْ أبَرّ البِرّ أنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أهْلَ وُدِّ أبيه"[مسلم، رقم: 2552؛ الترمذي، رقم: 1903] وصحّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكرمُ صواحبات خديجة رضي الله عنها بعد وفاتها [راجع البخاري، رقم: 3816؛ وكذلك مسلم، رقم: 2435] .
ويستحب له استحباباً مؤكداً1 أن يوصيهم باجتناب ما جرت العادة به من البدع في الجنائز، ويؤكد العهد بذلك. ويُوصيهم بتعاهده بالدعاء، وألا ينسوه لطول الأمد.
ويُستحبّ له أن يقولَ لهم في وقت بعد وقتٍ: متى رأيتم مني تقصيراً في شيء فنبّهوني2 عليه برفقٍ، وأدّوا إلَيَّ النصيحة في ذاك، فإني معرّض للغفلة والكسل والإِهمال. فإذا قصَّرْتُ فنشِّطوني، وعاونوني على أُهبة سفري هذا البعيد.
دلائل ما ذكرته في هذا الباب معروفة مشهورة، حذفتها اختصاراً، فإنها تحتمل كراريس.
وإذا حَضَرَهُ النَّزع3، فليكثرْ من قول: لا إله إلا الله، ليكون آخرَ كلامِه.
749-
فقد روينا في الحديث المشهور في "سنن أبي داود"[رقم: 3116] وغيره، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَان آخِرَ كَلامِه: لا إِلهَ إِلَاّ اللَّهُ، دَخَلَ الجَنَّةَ". قال الحاكم أبو عبد الله في كتابه "المستدرك على الصحيحين"[1/ 351] : هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد.
1 في نسخة: "متأكدًا".
2 في نسخة: "تنهوني؟ "
3 في نسخة: "حَضَرَ النَّزْعَ".