الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
92-
فصل [في موضع دعاء القنوت، والألفاظ المشروعة فيه] :
352-
اعلم أن محل القنوت عندنا في الصبح بعد الرفع من الركوع في الركعة الثانية. وقال مالك رحمه الله: يقنت قبل الركوع. قال أصحابنا: فلو قنت شافعي قبل الركوع لم يُحسبْ له على الأصحّ، ولنا وجه أنه يحسب، وعلى الأصحّ يعيده بعد الركوع ويسجد للسهو، وقيل: لا يسجد.
353-
وأما لفظه، فالاختيار أن يقول فيه ما رويناه في الحديث الصحيح في "سنن أبي داود" [رقم: 1425 و1426] ، والترمذي [رقم: 464] ، والنسائي [رقم: 1745] ، وابن ماجه [رقم: 1178] ، والبيهقي [209/2] وغيرها، بالإِسناد الصحيح، عن الحسن بن عليّ رضي الله عنهما، قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلماتٍ أقولُهُنَّ في الوتر: "اللَّهُمَّ اهدني في من هديت وعافني في من عافيت، وتولني في من تَوَلَّيْتَ، وبَارِكْ لِي في ما أَعْطَيْتَ، وَقِني شَرَّ ما قَضَيْتَ، فإنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، [ولا يعز من عاديت] 1، تَبَارَكْتَ رَبَّنا وَتَعالَيْتَ". قال الترمذي: هذا حديث حسن، قال: ولا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت شيئاً أحسن من هذا.
وفي رواية ذكرها البيهقي [209/2] ، أن محمد بن الحنفية، وهو ابن
1 زيادة على الأصل من النسائي وغيره.
علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: إن هذا الدعاء هو الدعاءُ الذي كان أبي يدعو به في صلاة الفجر في قنوته.
354-
ويستحبُّ أن يقولَ عقيب هذا الدعاء: اللَّهُمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد وَسَلِّم؛ فقد جاء في رواية النسائي [رقم: 1746] في هذا الحديث بإسناد حسن: "وَصَلَى اللَّهُ على النَّبِيّ".
355-
قال أصحابنا: وإن قنت بما جاءَ عن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه كان حسنًا [البيهقي 210/2 و211] وهو أنه قنت في الصبح بعد الركوع، فقال: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ، وَنَسْتَغْفِرُكَ، وَلَا نَكْفُرُكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ، وَنَخْلَعُ مَنْ يَفْجُرُكَ؛ اللَّهُمَّ إيَّاكَ نعبدُ، ولَكَ نُصلي وَنَسْجُد، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخْشَى عَذَابَكَ، إنَّ عَذَابَكَ الْجِدَّ بالكُفَّارِ مُلْحِقٌ. اللَّهُمَّ عَذّبِ الكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، ويُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيُقاتِلُونَ أوْلِيَاءَكَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ للْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات والمسلمين والمُسْلِماتِ، وأصْلِح ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْعَلْ فِي قُلُوبِهِم الإِيمَانَ وَالحِكْمَةَ، وَثَبِّتْهُمْ على مِلَّةِ رسولِك1 صلى الله عليه وسلم، وَأَوْزِعْهُمْ أنْ يُوفُوا بِعَهْدِكَ الَّذي عاهَدْتَهُمْ عَلَيْهِ، وَانْصُرْهُمْ على عَدُّوَكَ2 وَعَدُوِّهِمْ، إِلهَ الحَقّ، وَاجْعَلْنا منهم.
واعلم أن المنقول عن عمر رضي الله عنه: عذِّب الكفرة أهل الكتاب3؛ لأن قتالهم ذلك الزمان كان مع كفرة أهل الكتاب؛ وأما اليوم، فالاختيار أن يقول: عذّب الكفرة؛ فإنه أعمّ.
وقوله: "نخلع" أي: نترك؛ وقوله: "يفجرك" أي: يلحد في صفاتك؛
1 في نسخ: "رسولُ الله".
2 لم ترد كلمة: "عدوك" في بعض النسخ.
3 في نسخة: "عذب كفرة أهل الكتاب".
وقوله: "نَحْفِدُ" بكسر الفاء، أي: نُسارع؛ وقوله: "الجِدّ" بكسر الجيم، أي: الحقُ؛ وقوله: "مُلْحِق" بكسر الحاء على المشهور، ويقال بفتحها، ذكره ابن قتيبة وغيرها؛ وقوله:"ذات بينهم" أي: أمورهم ومواصلاتهم؛ وقوله: "والحكمة" هي: كل ما منع من القبيح؛ وقوله: "وأوزعهم" أي: ألهمهم؛ وقوله: "واجعلنا منهم" أي: ممّن هذه صفته.
356-
قال أصحابنا: يستحبّ الجمع بين قنوت عُمر رضي الله عنه وما سبق [رقم: 353] ، فإن جمع بينهما فالأصحّ تأخير قنوت عمر، وإن اقتصر، فليقتصر على الأوّل، وإنما يُستحبّ الجمع بينهما إذا كان منفرداً، أو إمامَ محصورين يرضون بالتطويل؛ والله أعلمُ.
357-
واعلم أن القنوت لا يتعين فيه دعاء على المذهب المختار، فأيّ دعاء دعا به حصل القنوت، ولو قَنَتَ بآيةٍ أو آياتٍ من القرآن العزيز، وهي مشتملة على الدعاء، حصل القنوت، ولكن الأفضل ما جاءت به السنّة. وقد ذهب جماعةٌ من أصحابنا إلى أنه يتعين، ولا يجزئ غيره.
358-
واعلم أنه يُستحبّ إذا كان المصلِّي إماماً أن يقول: اللَّهمّ اهدِنا؛ بلفظ الجمع، وكذلك الباقي؛ ولو قال: اهدني؛ حصل القنوت، وكان مكروهاً؛ لأنه يكره للإِمام تخصيص نفسه بالدعاء.
359-
وروينا في "سنن أبي داود"[رقم: 90]، والترمذي [رقم: 357] ، عن ثوبان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤم عَبْدٌ قَوْماً فَيَخُصَّ نَفْسَهُ بدعوةٍ دُونَهُمْ، فإنْ فَعَلَ فَقَدْ خانهم" وقال الترمذي: حديث حسن.