الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
270-
فصل في أذكار الوداع:
1061-
وإذا أراد الخروج من مكة إلى وطنه طافَ للوَدَاع، ثم أتى المتلزم فالتزمه، ثم قال1: اللَّهُمَّ، البَيْتُ بَيْتُك، وَالعَبْدُ عَبْدُكَ وَابْنُ أمَتِكَ، حَمَلْتَنِي على ما سَخَّرْتَ لي مِنْ خَلْقِكَ، حتَّى سَيَّرْتَني فِي بِلادِكَ، وَبَلَّغْتَنِي بِنِعْمَتِكَ حتَّى أعَنْتَنِي بِنِعْمَتِكَ حتَّى أعَنْتَنِي على قَضَاءِ مَناسِكِكَ، فإنْ كُنْتَ رَضِيتَ عَنِّي فازْدَدْ عني رِضاً، وَإِلَاّ فَمِنَ الآنَ قَبْلَ أنْ يَنأى عَنْ بَيْتِكَ دَارِي، هَذَا أوَانُ انْصِرَافي، إنْ أذِنْتَ لي غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بك ولا بيتك، وَلا رَاغِبٍ عَنْكَ وَلا عَنْ بَيْتِكَ، اللَّهُمَّ فأصْحِبْنِي العافِيَةَ في بَدَنِي، وَالعِصْمَةَ في دِينِي، وأحْسِنْ مُنقلبي، وَارْزُقْنِي طاعَتَكَ ما أبْقَيْتَنِي، واجْمَعْ لي خَيْرَي الآخِرةِ والدُّنْيا، إنَّكَ على كُلّ شيءٍ قديرٌ.
ويفتتحُ هذا الدعاءَ ويختمه بالثناء على الله سبحانه وتعالى، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم في غيره من الدعوات.
1062-
وإن كانت امرأة حائضاً استحبّ لها أن تقف على باب المسجد، وتدعو بهذا الدعاءِ، ثم تنصرف؛ واللهُ أعلمُ.
1 قال البيهقي ["السنن الكبرى" 5/ 164] : هذا الدعاءُ من كلام الشافعي، وهو حسن.
قال الحافظ: وجدته بمعناه من كلام بعض مَن روى عنه الشافعي، وهو عبد الرزاق، وأخرجه الطبراني في "الدعاء" عن إسحاق بن إبراهيم، عنه. ثم وجدته مرويًّا عن بعض مشايخ شيخ الشافعي منقولًا عن من قبله، أخرجه أبو نُعيم الحربي، عن سليمان بن داود، قال: كنتُ عندَ جعفر -يعني: الصادق- فقال لهُ رجلٌ: ماذا كان يُدعى به عند وداع البيت؟ فقال جعفر: لا أدري. فقال عبدُ الله -يعني: الرجل المذكور- كان -يعني: أحدهم- إذا ودع البيت قام بين الباب والحجر ثم قال: اللَّهُمَّ إن هذا عبدُ
…
فذكره. ["الفتوحات الربانية" / 29و30] .
271-
فصل في زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكارها:
1063-
اعلم أنَّه ينبغي لكل من حجّ أن يتوجه إلى زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء كان ذلك طريقهُ أو لم يكن، فإن زيارته صلى الله عليه وسلم من أهمّ القربات، وأربح المساعي، وأفضل الطلبات، فإذا توجَّه للزيارة أكثرَ من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم في طريقه. فإذا وقعَ بصرهُ على أشجار المدينة
وحَرَمِهَا وما يَعرفُ بها، زاد من الصلاة والتسليم عليه صلى الله عليه وسلم، وسألَ الله تعالى أن ينفعَه بزيارته صلى الله عليه وسلم، وأن يُسعدَه بها في الدارين. وليقلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَارْزُقْنِي في زيارة قبل نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ما رزقْتَهُ أوْلِياءَكَ وأهْلَ طَاعَتِكَ، واغْفِرْ لي وارْحمنِي يا خَيْرَ مسئولٍ.
1064-
وإذا أراد دخول المسجدَ استحبّ له أن يقولَ ما يقوله عند دخول باقي المساجد، وقد قدّمناه في أول الكتاب الباب [رقم: 40] فإذا صلّى تحية المسجد أتى القبر الكريم، فاستقبله، واستدبر القبلة على نحو أذرع من جدار القبر، وسلَّم مقتصداً لا يرفع صوته، فيقول: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا حَبِيبَ اللَّهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدِ المُرْسَلِينَ، وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ وَعلى آلِكَ وأصْحابِكَ وأهْلِ بَيْتِكَ، وَعَلى النَّبيِّينَ وَسائِرِ الصَّالِحِينَ، أشْهَدُ أنَّكَ بَلَّغْتَ الرِّسالَةَ، وأدَّيْتَ الأمانَةَ، وَنَصَحْتَ الأُمَّةَ، فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا أفْضَلَ مَا جَزَى رَسُولاً عن أمته.
1065-
وإن كان قد أوصاه أحدٌ بالسَّلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: السلامُ عليكَ يا رسولَ الله من فلان بن فلانٍ، ثم يتأخرُ قدر ذراع إلى جهة يمينه، فيُسلِّم على أبي بكر، ثم يتأخرُ ذراعاً آخرَ للسلام على عُمر رضي الله عنهما، ثم يرجعُ إلى موقفه الأوّل قُبالة وجهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتوسلُ به في حقّ نفسه، ويتشفعُ به إلى ربه سبحانه وتعالى، ويدعو لنفسه ولوالديه وأصحابه وأحبابه ومَن أحسنَ إليه وسائر المسلمين، وأن يَجتهدَ في إكثار الدعاء، ويغتنم هذا الموقف الشريف، ويحمد الله سبحانه وتعالى ويُسبِّحه ويكبِّره ويُهلِّله ويُصلِّي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكبر من كل ذلك، ثم يأتي الروضةَ بين القبر والمنبر، فيُكثر من الدعاء فيها.
1066-
فقد رَوَيْنَا في "صحيحي" البخاري [رقم: 1196]، ومسلم [رقم: 1391] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"ما بَيْنَ قبري وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِياضِ الجَنَّةِ"1.
1067-
وإذا أراد الخروج من المدينة والسفرَ استحبّ أن يُودِّع المسجد بركعتين، ويدعو بما أحبّ، ثم يأتي القبر، فيُسلم كما سلَّم أوّلاً، ويُعيد الدعاء، ويُودّع النبيّ صلى الله عليه وسلم ويقول: اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ هَذَا آخِرَ العَهْدِ بِحَرَمِ رَسُولِكَ، وَيَسِّرْ لي العَوْدَ إِلى الحَرَمَيْنِ سَبِيلاً سَهْلَةً بِمَنِّكَ وَفَضْلِكَ، وَارْزقْنِي العَفْوَ والعَافِيةَ في الدين والدنيا والآخِرَةِ، وَرُدَّنا سالِمِينَ غانِمِينَ إلى أوْطانِنا آمِنِينَ.
1068-
فهذا آخرُ ما وفّقني الله بجمعه من أذكار الحجّ، وهي وإن كان فيها بعض الطول بالنسبة إلى هذا الكتاب، فهي مختصرة بالنسبة إلى ما نحفظه فيه، والله الكريم نسألُ أن يوفِّقنا لطاعته، وأن يجمعَ بيننا وبين إخواننا في دار كرامته.
وقد أوضحت في "كتاب المناسك"2 ما يتعلَّق بهذه الأذكار من التتمّات والفروع الزائدات، والله أعلم بالصواب، وله الحمدُ والنعمةُ، والتوفيق والعصمةُ.
1 قال الحافظ: لم يخرِّجاه لا عن أبي هريرة ولا عن غيره إلا بلفظ: "بيتي" بدل: قبري"، وأخرجه البيهقي بلفظ: "قبري". ["الفتوحات الربانية" 5/ 36، 37] .
2 للإمام النووي رحمه الله ستة كتب في مناسك الحج كما ذكر تلميذُه علاء الدين ابن العطار، يعرف منها:"الإيضاح"، و"الإيجاز" وثالث خاص بالنسوان؛ أما الثلاثة الباقية فلم يعينها باسم من ترجم للنووي رحمه الله، وإن ذكروها. كنت طبعت عام 1998م كتاب "الإيحاز في مناسك الحج والعمرة" وصدر عن الجفان والجابي للطباعة والنشر، ليماسول، قبرص؛ وطبعت دار البشائر الإسلامية ببيروت "الإيضاح في مناسك الحج والعمرة" مع شرح للشيخ عبد الفتاح رواه المكي.
1069-
وعن العتبي، قال: كنتُ جالساً عندَ قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم، فجاء أعرابيٌّ، فقال: السلام عليك يا رسول الله! سمعتُ الله تعالى يقولُ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} [النساء: 64] وقد جئتُك مستغفراً من ذنبي، مُستشفعًا بك إلى ربي؛ ثُم أنشدَ يقُولُ من البسيط:
يا خيرَ مَنْ دُفنتْ بالقاع أعظُمُه
…
فطابَ من طيبهنَّ القاعُ والأكمُ
نفسي الفداءُ لقبرٍ أنتَ ساكنهُ
…
فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرَمُ1
قال: ثم انصرفَ، فحملتني عيناي، فرأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال لي:"يا عُتبي! الحقِ الأعرابيَّ، فبشِّره بأن الله تعالى قد غفر له". والله عز وجل أعلمُ.
1 قال ابن علاّن رحمه الله في "الفتوحات الربانية" 5/ 40: ويوجد في بعض النسخ زيادة بعد البيتين بيت ثالث، وهو كذلك في نسخة العلوي:
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته
…
عند الصراط إذا ما زَلّت القدم