الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب
الأذكار والدعوات للأمور العارضات
الأذكار والدعوات للأمور العارضات
…
كتاب الأذكار والدعوات للأمور العارضات:
[الأذكار والدعوات للأمور العراضات] :
657-
اعلم أنَّ ما ذكرته في الأبواب السابقة يتكرّرُ في كل يوم وليلة على حسب ما تقدَّم وتبين. وأما ما أذكرهُ الآن فهي أفكارٌ ودعواتٌ تكونُ في أوقاتٍ، لأسباب عارضاتٍ، فلهذا لا يُلتزم فيها ترتيب.
بابُ دُعاءِ الاسْتِخَارة:
658-
روينا في "صحيح البخاري"[رقم: 6382] ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن، يقول:"إذَا هَمَّ أحَدُكُمْ بالأمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وأسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فإنَّكَ تَقْدِرُ ولا أقدرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أعلمُ، وأنْتَ علامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذَا الأمْرَ خيرٌ لي فِي ديني ومعاشي وعاقبة أمْرِي -أو قال: عاجلِ أمْرِي وآجِلِهِ- فاقْدُرْهُ لِي، وَيَسِّرْهُ لي، ثُم بارِكْ لي فِيهِ، وَإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذَا الأمْرَ شَرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال: عاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ- فاصْرِفْهُ عني واصرفني عنه، وَاقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كانَ، ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ"، قال: ويُسمِّي حاجَتَهُ.
659-
قال العلماءُ: تستحبّ الاستخارة بالصلاة والدعاء المذكور، وتكون الصلاة ركعتين من النافلة، والظاهر أنها تحصل بركعتين من السنن الرواتب، وبتحية المسجد وغيرها من النوافل1؛ ويقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة [سورة]{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ،وفي الثانية [سورة]{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 2 ولو تعذرت عليه الصلاة استخار بالدعاء.
1 قال الحافظ زين الدين العراقي في "شرح سنن الترمذي": هكذا أطلق النووي حصولها من غير تقييد بكونه ينوي بتلك الركعتين الاستخارة بعدها "أم لا"، وفيه نظرٌ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إنما أمرهُ بذلك بعد حُصول الهم بالأمر، فإذا صلى راتبةً أو تحيةَ المسجد، ثم هم بأمر بعد الصلاة أو في أثناء الصلاة، فالظاهر أنه لا يحصلُ بذلك الإتيانُ بالصلاةِ المسنونة عند الاستخارة، "نعم إن كان هم بالأمر قبل الشروع في السنة الراتبة أو تحية المسجد، ثم صلاها من غير نية الاستخارة"، وبدا لهُ بعد الصلاة الإتيان بدُعاء الاستخارة، فالظاهر حصول ذلك، وقد يُقالُ: إن لم ينو بالركعتين الاستخارة بعدها لم يحصل سنتها بذلك، فإن نواهما معًا: التحية والاستخارة حصلتا؛ لأن التحية تحصلُ بشغل التبعية ولو بفريضة.
وإن نوى بالراتبة سنة الصلاة وسنة الاستخارة فيحتمل حصولهما، ويحتمل ألا يحصلا "للتنزيل، ويحتمل أن يحصل" له ما قوي الحاملُ عليه في الإتيان شك من نية الصلاة أو الاستخارة.
2 قال العراقي: سبقه إلى ذلك الغزالي كما ذكره في "الإحياء"، ولم أجد في شيء من طرق أحاديث الاستخارة تعيين ما يقرأ فيهما، ولكنه مناسبٌ؛ لأنهما حوتا الإخلاص فيناسب الإتيان بهما في صلاةٍ المرادُ منها إخلاصُ الرغبة وصدق التفويض وإظهار العجز بالتبري من العلم والقدرة والحول والقوة.
وإن قرأ بعد الفاتحة ما يُناسبُ الاستخارة فحسنٌ؛ كقولة تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} الآية [القصص: 68]، وقوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} الآية [الأحزاب: 36] .
وقال الحافظ ابن حجر: قرأت في كتاب جمعه الحافظ أبو المحاسن عبد الرزاق الطبسي فيما يقرأ في الصلوات؛ أن الإمام أبا عثمان [إسماعيل بن عبد الرحمن] الصابوني ذكر في أماليه، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه زين العابدين؛ أنه كان يقرأ في ركعتي الاستخارة بصورة الرحمن وسورة الحشر. قال الصابوني: وأنا أقرأ فيهما: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} في الأولى؛ لأن فيها: {وَنُيَسِرُكَ لِلْيُسْرَى} ، وفي الثانية: =
660-
ويستحبّ افتتاح الدعاء المذكور وختمه بالحمد لله والصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن الاستخارة مستحبّة في جميع الأمور كما صرَّح به نصُّ هذا الحديث الصحيح، وإذا استخار مضى بعدها لما ينشرحُ له صدره1، والله أعلم.
661-
وروينا في كتاب الترمذي [رقم: 3516]- إبسناد ضعيف، ضعَّفه الترمذي وغيرهُ -عن أبي بكر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الأمر قال:"اللَّهُمَّ خِرْ لي وَاخْتَرْ لي".
662-
وروينا في "كتاب ابن السني"[رقم: 603] ، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يا أنسُ! إذَا هَمَمْتَ بأمرٍ فاسْتَخِرْ رَبَّكَ فيهِ، سَبْعَ مراتٍ، ثُمَّ انْظُرْ إلى الَّذي سَبَقَ إلى قَلْبِكَ، فإنَّ الخَيْرَ فِيهِ" إسنادهُ غريبٌ، فيه مَنْ لا أعرفهم2. والله أعلم.
= {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} لأن فيها: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} .
[وقال ابن علان في "الفتوحات الربانية" 355/3: ولم يذكرا مناسبة لما كان يقرأ به زين العابدين منهما. ثم قال: قال الحافظ: ويجوز أن يكون لحظه في الأولى قوله: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} وفي الثانية الأسماء الحسنى التي في آخرها ليدعو بها في الأمر الذي يريده، والعلم عند الله. اهـ.]
قال الطبسي: وحكى شيخنا طريف بن محمد الجبري، عن بعض السلف أنه كان يقرأ في الأولى:{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} إلى قوله: {وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 68]، وفي الثانية:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ} إلى قوله: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُورًا} [الأحزاب: 36] .
1 قال العراقي: كأنه أخذهُ من حديث أنس الذي ذكرهُ بعده، وهو حديث ضعيفٌ جدًّا، فلا حجة فيه، وقد خالفه الشيخ عز الدين بن عبد السلام فقال: إنه يفعلُ بعد الاستخارة ما أراد، وإن ما يقع بعد الاستخارة فهو الخيرة.
وقد يستدل لما قاله الشيخ عز الدين بما في حديث ابن مسعود عند الطبراني، فإنه قال بعد ذكر دعاء الاستخارة: ثم يعزم، أي: يعزم على ما استخار عليه. وهو حديث ضعيف إلا أن راويه ضعيف لم يتهم بالوضع، فهو أصلح من راوي حديث أنس.
قال: وإذا قلنا بما ذكره النووي من أنه يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح له، فلا ينبغي أن يعتمد على انشراح كأن له فيه هوى قبل الاستخارة، بل ينبغي للمستخير ترك ااختياره رأسًا، وإلا فلا يكون مستخيرًا، بل يكون مستخيرًا لهواه، ويكون غير صادقٍ في طلب الخيرة، وفي التبري من العلم والقدرة وإثباتهما لله تعالى، فإذا صدق في ذلك تبرأ من الحول والقوة، ومن اتباع هواه، ومن اختياره لنفسه، ولذلك وقع في آخر حديث أبي سعيد بعد دُعاء الاستخارة:"لا حول ولا قوة إلا بالله" وهو حديثٌ صحيحٌ، فمن لم يكن حاله في الاستخارة ترك هواه واختياره لنفسه لم يكن مستخيرًا لله، بل هو تابعٌ لهواه.
2 قال العراقي: وهم معروفون، لكن فيهم من هو معروف بالضعف الشديد، وهو إبراهيم بن البراء، فقد ذكره في الضعفاء ابن عدي [254/1] وابن حبان [في "المجروحين" 117/1] وغيرهم، وقالوا: إنه كان يحدثُ بالأباطيل عن الثقات. زاد ابن حبان: لا يحل ذكره إلا سبيل القدح فيه.
قال الحافظ ابن حجر: والراوي عنه في هذا السند عبيد الله بن الموصل الحميري، لم أقف له على ترجمة، والراوي عن عبيد الله: أبو العباس بن قتيبة؛ اسمه محمد بن الحسن، وهو ابن أخي بكار بن قتيبة قاضي مصر، وكان ثقة، أكثر عنه ابن حبان في صحيحه.