الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلتُ: "سلمةُ" بكسر اللام؛ وعطفاهُ: جانباهُ، وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه.
1746-
وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود"[رقم: 4484] ، عن جابر بن عبد الله، وأبي طلحة رضي الله عنهم، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من امرئٍ يخذلُ امْرَأَ مُسْلِماً في موضعٍ تنتهكُ فيهِ حُرمتهُ، وَيُنْتَقَصُ فيه من عرضهِن إِلَاّ خذلهُ اللَّهُ في موطنٍ يُحبُ فيهِ نُصترهُ؛ وما من امرئٍ يَنْصُرُ مُسْلِماً في موضعٍ ينتقصُ فيهِ مِنْ عرضهِ، وينتهكُ فِيهِ مِنْ حُرمتهِ، إلا نصرهُ اللهُ في موطنٍ يحبُ نصرتهُ".
1747-
وَرَوَيْنَا فيه [رقم: 4883] ، عن مُعاذ بن أنسٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ حَمَى مُؤْمِناً مِنْ منافقٍ -أُرَاهُ قال- بَعَثَ اللَّهُ تَعالى مَلَكاً يَحْمِي لحمهُ يَوْمَ القيامةِ مِنْ نارِ جهنم، ومن رَمَى مُسلمًا بشيءٍ يريدُ شينهُ به حبسهُ اللَّهُ على جِسْرِ جَهَنَّمَ حتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ"؛ والله أعلم.
بابُ الغِيْبَةِ بالقَلْبِ:
1748-
اعلم أن سوء الظنّ حرامٌ مثل القول؛ فكما يحرمُ أن تحدّث غيرك بمساوئ إنسانٍ، يحرمُ أن تحدّث نفسك بذلك، وتسيء الظنّ به، قال الله تعالى:{اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات: 12] .
1749-
وَرَوَيْنَا في "صحيحي" البخاري [رقم: 6064]، ومسلم [رقم: 2563] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذِبُ الحَدِيثِ".
1750-
والأحاديثُ بمعنى ما ذكرته كثيرةٌ، والمرادُ بذلك عقد القلب وحكمهُ على غيرك بالسوء، فأما الخواطرُ، وحديثُ النفسِ، إذا لم يستقرَّ
ويستمرّ عليه صاحبُه، فمعفوٌ عنه باتفاق العلماء، لأنه لا اختيارَ له في وقوعه، ولا طريقَ له إلا الانفكاك عنه، وهذا هو المراد بما ثبتَ.
1751-
في الصحيح [البخاري، رقم: 5269؛ مسلم، رقم: 127] ؛ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال:"إنَّ الله تَعالى تَجَاوَزَ لأُمَّتِي ما حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَها ما لَمْ تَتَكَلَّم بِهِ أوْ تَعْمَلْ".
1752-
قال العلماء: المرادُ به الخواطرُ التي لا تستقرّ. قالوا: وسواءٌ كان ذلك الخاطرُ غِيبة أو كفراً أو غيرهُ؛ فمن خطرَ له الكفرُ مجرد خطرانٍ من غير تعمدٍ لتحصيلهِ، ثم صرفهُ في الحالِ، فليس بكافرٍ، ولا شيء عليه. وقد قدّمنا. في: 176- باب ما يقولُ مَنْ بُلي بالوَسْوَسَة. في الحديث الصحيح [مسلم، رقم: 132] أنهم قالوا: يا رسولَ الله! يجدُ أحدُنا ما يتعاظمُ أن يتكلمُ به [قال: "وقدْ وجدتُموه"؟ قالوا: نعم]، قال:"ذلكََ صريحُ الإِيمَانِ"، وغير ذلك مما ذكرناهُ هناك، وما هو في معناهُ.
وسببُ العفو ما ذكرناه من تعذّرٍ اجتنابه، وإنما الممكن اجتناب الاستمرار عليه، فلهذا كان الاستمرارُ وعقدُ القلبِ حراماً. ومهما عرض لك هذ الخاطرُ بالغيبةِ وغيرها من المعاصي وجبَ عليك دفعهُ بالإعراضِ عنهُ، وذكرِ التأويلاتِ الصارفة لهُ عن ظاهره.
قال الإِمام أبو حامدٍ الغزالي في "الإِحياء"[3/ 150، 151] : إذا وقعَ في قلبك ظنّ السوء، فهو من وسوسة الشيطان يلقيه إليك، فينبغي أن تُكذِّبه، فإنه أفسقُ الفسّاق، وقد قال الله تعالى:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 7] فلا يجوز تصديق إبليس، فإن كان هناك قرينةٌ تدل على فسادٍ، واحتمل خلافهُ، لم تجز إساءةُ الظنّ؛ ومن علامةِ إساءة الظنّ أن يتغيَّر قلبُك معهُ عمّا كان عليهِ، فتنفرُ
منه1 وتستثقلهُ، وتفتر عن مراعاته وإكرامه والاغتمام بسيئه2، فإنَّ الشيطانَ قد يقرِّبُ إلى القلب بأدنى خيال مساوئَ الناس، ويُلقي إليه: أن هذا من فطنتك وذكائك وسرعة تنبّهك، وإن المؤمن ينظرُ بنور الله، وإنما هو على التحقيق ناظرٌ بغرور الشيطان وظلمته. وإن أخبرَكَ عدلٌ بذلك فلا تُصدِّقه ولا تكذبهُ، لئلا تُسيءَ الظنّ بأحدهما؛ ومهما خطرَ لك سوءٌ في مسلمٍ، فزِدْ في مراعاته وإكرامه، فإن ذلك يُغيظُ الشيطانَ، ويدفعهُ عنكَ، فلا يُلقي إليك مثلهُ خِيفةً من اشتغالك بالدعاءِ لهُ، ومهما عرفتَ هفوةَ مُسلم بحجةٍ لا شكّ فيها، فانصحهُ في السرّ، ولا يخدعنَّك الشيطانُ فيدعوك إلى اغتيابِه، وإذا وعظتهُ فلا تعظهُ وأنت مسرورٌ باطّلاعِك على نقصِه، فينظرُ إليك بعين التعظيم، وتنظرُ إليه بالاستصغار، ولكن اقصدْ تخليصهُ من الإِثم، وأنت حزينٌ كما تخزنُ على نفسك إذا دخلَك نقصٌ، وينبغي أن يكونَ تركهُ لذلك النقص بغير وعظك أحبّ إليك من تركهِ بوعظك. هذا كلامُ الغزالي.
قلتُ: قد ذكرنا أنه يجبُ عليه إذا عرضَ له خاطرٌ بسوءِ الظن أن يقطعهُ، وهذا إذا لم تدعُ إلى الفكرِ في ذلك مصلحةٌ شرعيةٌ، فإن دعتْ جازَ الفكرُ في نقيصته، والتنقيب عنها، كما في جرح الشهود والرواة وغير ذلك مما ذكرناه في 496 - باب ما يباحُ في الغيبة.
1 في نسخة: "عنه".
2 في نسخة: "بسيئته".