الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَلَا) ضَمَانَ (عَلَى مَنْ قَالَ لِسُلْطَانٍ) الَّذِي (قَدْ يَغْرَمُ وَقَدْ لَا يَغْرَمُ أَنَّ فُلَانًا وَجَدَ مَالًا) هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَقُولُ قَوْلِ (فَغَرَّمَهُ شَيْئًا) لَا يَضْمَنُ السَّاعِي لِانْتِفَاءِ التَّسْبِيبِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ بِتَوَسُّطِ فِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ.
(وَإِنْ كَانَ عَادَتُهُ) أَيْ عَادَةُ السُّلْطَانِ (أَنْ يُغَرِّمَ أَلْبَتَّةَ ضَمِنَ) السَّاعِي لِوُجُودِ التَّسْبِيبِ.
(وَكَذَا) ضَمِنَ السَّاعِي (لَوْ سَعَى بِغَيْرِ حَقٍّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ زَجْرًا لَهُ وَبِهِ) أَيْ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ (يُفْتَى) لِكَثْرَةِ السُّعَاةِ فِي زَمَانِنَا وَعِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لَا يَضْمَنُ السَّاعِي لِمَا مَرَّ
وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ مَاتَ السَّاعِي لِلْمُسْعَى بِهِ أَنْ يَأْخُذَ قَدْرَ الْخُسْرَانِ مِنْ تَرِكَتِهِ.
(وَلَوْ أَطْعَمَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ مَالِكُهُ بَرِئَ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يُعْلِمْهُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعْلِمْ الْغَاصِبُ الْمَالِكَ أَنَّهُ طَعَامُهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَصَلَ إلَيْهِ فَلَا يَضْمَنُهُ ثَانِيًا
وَكَذَا فِيمَا إذَا لَبِسَ الثَّوْبَ الْمَغْصُوبَ مَالِكُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ
وَفِي الْغَرَرِ أَمَرَ شَخْصٌ عَبْدَ غَيْرِهِ بِالْإِبَاقِ أَوْ قَالَ اُقْتُلْ نَفْسَك فَفَعَلَ وَجَبَ عَلَى الْآمِرِ قِيمَتُهُ وَلَوْ قَالَ لَهُ أَتْلِفْ مَالَ مَوْلَاك فَأَتْلَفَ لَا يَضْمَنُ، اسْتَعْمَلَ عَبْدَ الْغَيْرِ لِنَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَبْدٌ أَوْ قَالَ ذَلِكَ الْعَبْدُ إنِّي حُرٌّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ إنْ هَلَكَ وَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ لِغَيْرِهِ لَا يَضْمَنُ.
[كِتَابُ الشُّفْعَةِ]
ِ تَنَاسَبَ الْكِتَابَانِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُفْضِي إلَى تَمَلُّكِ مَالِ الْإِنْسَانِ بِغَيْرِ رِضَاهُ إلَّا أَنَّ الْغَصْبَ يَصْلُحُ شَيْئًا لِتَمَلُّكِ مَالٍ وَالشُّفْعَةُ لَا تَجْرِي إلَّا فِي الْعَقَارِ فَلِذَلِكَ قَدَّمَ الْغَصْبَ مَعَ كَوْنِهِ عُدْوَانًا (هِيَ) أَيْ الشُّفْعَةُ لُغَةً فُعْلَةٌ بِالضَّمِّ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنْ قَوْلِهِمْ كَانَ هَذَا الشَّيْءُ وَتْرًا فَشَفَعْته بِآخَرَ أَيْ جَعَلْته زَوْجًا لَهُ فَهِيَ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِلْمِلْكِ الْمَشْفُوعِ بِمِلْكٍ وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهَا فِعْلٌ وَمِنْ لُغَةِ الْفُقَهَاءِ بَاعَ الشَّفِيعُ الدَّارَ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا أَيْ تُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَمِنْهُ شَفَاعَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُذْنِبِينَ لِأَنَّهُ يَضُمُّهُمْ بِهَا إلَى الْفَائِزِينَ.
وَفِي الشَّرْعِ (تَمَلُّكُ الْعَقَارِ)
وَهُوَ الضَّيْعَةُ وَقِيلَ مَا لَهُ أَصْلٌ مِنْ دَارٍ وَضَيْعَةٍ وَمَا فِي حُكْمِهِ كَالْعُلْوِ دُونَ الْمَنْقُولِ كَالشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ فَإِنَّهُ مِنْ مَنْقُولٍ لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ فِيهِ إلَّا بِتَبَعِيَّةٍ لِعَقَارٍ كَالدَّارِ وَالْكَرْمِ وَالرَّحَى وَالْبِئْرِ وَغَيْرِهَا (عَلَى مُشْتَرِيه بِمَا) أَيْ بِاَلَّذِي أَيْ بِالثَّمَنِ الَّذِي (قَامَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُشْتَرِي (جَبْرًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْجَبْرُ وَمَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيهِ مَعَ زِيَادَةِ أَوْصَافٍ كَالتَّمَلُّكِ وَعَلَى وَجْهِ الْجَبْرِ وَقِيلَ هِيَ ضَمُّ بُقْعَةٍ مُشْتَرَاةٍ إلَى عَقَارِ الشَّفِيعِ بِسَبَبِ الشِّرْكَةِ أَوْ الْجِوَارِ وَهَذَا أَحْسَنُ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ وَسَبَبُهَا اتِّصَالُ مِلْكِ الشَّفِيعِ بِالْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ لِدَفْعِ ضَرَرِ الدَّخِيلِ عَنْهُ عَلَى الدَّوَامِ بِسَبَبِ سُوءِ الْمُعَاشَرَةِ وَالْمُعَامَلَةِ مِنْ حَيْثُ إعْلَاءُ الْجِدَارِ وَإِيقَادُ النَّارِ وَمَنْعُ ضَوْءِ النَّهَارِ وَإِثَارَةُ الْغُبَارِ وَإِيقَافُ الدَّوَابِّ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ يُضَادُّهُ كَمَا قِيلَ أَضْيَقُ السُّجُونِ مُعَاشَرَةُ الْأَضْدَادِ وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ عَقَارًا سُفْلًا كَانَ أَوْ عُلْوًا احْتَمَلَ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا وَأَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ عَقْدَ مُعَاوَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ وَرُكْنُهَا أَخْذُ الشَّفِيعِ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهَا مَعَ شَرْطِهَا وَحُكْمُهَا جَوَازُ الطَّلَبِ عِنْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ وَصِفَتُهَا أَنَّ الْأَخْذَ بِهَا بِمَنْزِلَةِ شِرَاءٍ مُبْتَدَأٍ حَتَّى يَثْبُتَ بِهَا مَا يَثْبُتُ بِالشِّرَاءِ نَحْوُ الرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ.
(وَتَجِبُ) أَيْ تَثْبُتُ وِلَايَةُ الشُّفْعَةِ (بَعْدَ الْبَيْعِ) الصَّحِيحِ أَوْ الْفَاسِدِ انْقَطَعَ فِيهِ حَقٌّ لِمَالِكٍ.
(وَتَسْتَقِرُّ بِالْإِشْهَادِ) وَالطَّلَبِ فِي الْحَالِ حَتَّى لَوْ أَخَّرَ سَاعَةً قَبْلَ الِاسْتِقْرَارِ تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ لِأَنَّ حَقَّهَا ضَعِيفٌ مُتَزَلْزِلٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الطَّلَبِ وَالْإِشْهَادِ فِي الْحَالِ فَإِذَا أَشْهَدَ اسْتَقَرَّ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا تَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ.
(وَتُمْلَكُ بِالْأَخْذِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِرِضًى) وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ وَتُمْلَكُ بِالْقَضَاءِ أَوْ الْأَخْذِ بِالرِّضَا كَمَا فِي الْغَرَرِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَكَمَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلشَّفِيعِ مِنْ غَيْرِ أَخْذٍ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لِيَمْلِكَ الْعَقَارَ الْمَشْفُوعَ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا بِالْأَخْذِ إذَا سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي بِرِضَاهُ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ مِنْ غَيْرِ أَخْذٍ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ تَأَمَّلْ.
(وَإِنَّمَا تَجِبُ) أَيْ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ (لِلْخَلِيطِ) وَهُوَ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يُقَاسِمْ (فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْخَلِيطُ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ (أَوْ) وُجِدَ وَلَكِنْ (سَلَّمَ) الشُّفْعَةَ (فَلِلْخَلِيطِ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ كَالشِّرْبِ) بِكَسْرِ الشِّينِ وَهُوَ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يُخَالِطْ (وَالطَّرِيقِ الْخَالِصَيْنِ) ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (كَنَهْرٍ لَا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ) أَيْ أَصْغَرُ السُّفُنِ مِثَالٌ لِلشِّرْبِ الْخَاصِّ (وَطَرِيقٍ لَا يَنْفُذُ) مِثَالٌ لِلطَّرِيقِ الْخَاصِّ
حَتَّى إذَا كَانَا عَامَّيْنِ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهِمَا الشُّفْعَةَ فَالنَّهْرُ الْعَامُّ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ مَا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ كَدِجْلَةَ وَفُرَاتَ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقِيلَ الْخَاصُّ مَا يَتَفَرَّقُ مَاؤُهُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ وَلَا يَبْقَى إذَا انْتَهَى إلَى آخِرِ الْأَرَاضِيِ وَلَا يَكُونُ لَهُ مَنْفَذٌ وَالْعَامُّ مَا يَتَفَرَّقُ وَيَبْقَى وَلَهُ مَنْفَذٌ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ مَا كَانَ شُرَكَاؤُهُ لَا يُحْصُونَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَا يُحْصَى مِنْ خَمْسِمِائَةٍ أَوْ مِائَةٍ أَوْ أَرْبَعِينَ أَوْ عَشَرَةٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْخَاصُّ أَنْ يَكُونَ نَهْرًا يُسْقَى مِنْهُ قَرَاحَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ عَامٌّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ فِي زَمَانِهِ وَهُوَ أَشْبَهُ الْأَقَاوِيلِ.
(ثُمَّ) تَثْبُتُ بَعْدَ الطَّرِيقِ (لِلْجَارِ الْمُلَاصِقِ) أَيْ لِجَارٍ لَهُ عَقَارٌ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا يَكُونُ وَقْفًا أَوْ إجَارَةً أَوْ وَدِيعَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ فِيهَا لِمَا فِي التَّجْرِيدِ لَا شُفْعَةَ فِي الْوَقْفِ وَلَا بِجِوَارِهِ
(وَلَوْ بَابَهُ فِي سِكَّةٍ أُخْرَى) وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَلَوْ وَصْلِيَّةٌ لَكِنْ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لَوْ كَانَ بَابُهُ فِي سِكَّةٍ أُخْرَى بِدُونِ الْوَاوِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَابُهُ فِي تِلْكَ السِّكَّةِ كَانَ خَلِيطًا فِي حَقِّ الْمَبِيعِ فَلَا يَكُونُ جَارًا مُلَاصِقًا فَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ فِي تَفْسِيرِ الْجَارِ الْمُلَاصِقِ هُوَ الَّذِي دَارُهُ عَلَى ظَهْرِ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ وَبَابُهُ فِي سِكَّةٍ أُخْرَى.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا شُفْعَةَ بِالْجِوَارِ بَلْ بِالشِّرْكَةِ فِي الْبُقْعَةِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَا يُقَسَّمُ» وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «جَارُ الدَّارِ حَقٌّ مِنْ غَيْرِهِ» فَلَا تَثْبُتُ لِلْجَارِ الْمُقَابِلِ إذَا كَانَتْ السِّكَّةُ نَافِذَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ غَيْرَ نَافِذَةٍ فَتَثْبُتُ.
(وَمَنْ) مُبْتَدَأٌ (لَهُ جُذُوعٌ عَلَى حَائِطِهَا) أَيْ حَائِطِ الدَّارِ (أَوْ) مَنْ لَهُ (شِرْكَةٌ فِي خَشَبَةٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحَائِطِ (جَارٌ) خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ؛ لِأَنَّ الْجَارَ بِهَذَا الْمِقْدَارِ لَا يَكُونُ خَلِيطًا فِي حَقِّ الْمَبِيعِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ جَارًا مُلَاصِقًا.
(وَإِنْ) كَانَ شَرِيكًا (فِي نَفْسِ الْجِدَارِ فَشَرِيكٌ) يُقَدَّمُ عَلَى الْخَلِيطِ لَكِنْ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ بَعْضُ الْجِيرَانِ شَرِيكًا فِي الْجِدَارِ لَا يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْجِيرَانِ لِأَنَّ الشِّرْكَةَ فِي الْبِنَاءِ الْمُجَرَّدِ بِدُونِ الْأَرْضِ لَا يَسْتَحِقُّ بِهَا الشُّفْعَةَ وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ وَالْمَكَانُ الَّذِي عَلَيْهِ الْبِنَاءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا كَانَ هُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْجِيرَانِ انْتَهَى فَيَلْزَمُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الْمَتْنِ بِأَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِالْبِنَاءِ الْمَكَانُ الَّذِي عَلَيْهِ الْبِنَاءُ لَا الْبِنَاءُ الْمُجَرَّدُ تَدَبَّرْ.
(وَهِيَ) أَيْ الشُّفْعَةُ (عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ) أَيْ رُءُوسِ الشُّفَعَاءِ (لَا السِّهَامِ) أَيْ سِهَامِ مِلْكِهِمْ لِأَنَّ عِلَّةَ الِاسْتِحْقَاقِ اتِّصَالُ الْمِلْكِ لَا قَدْرُهُ وَالتَّرْجِيحُ لِقُوَّةِ الْعِلَّةِ لَا لِلْكَثْرَةِ وَلِذَا قُسِّمَ عَلَى التَّنْصِيفِ دَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ نِصْفٍ وَثُلُثٍ وَسُدُسٍ إذَا بَاعَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ
وَكَذَا دَارٌ لَهُ جَارَانِ أَحَدُهُمَا مِنْ ثَلَاثَةِ جَوَانِبَ وَثَانِيهِمَا مِنْ جَانِبٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ إذْ عِنْدَهُ يُقْضَى بِقَدْرِ الْأَمْلَاكِ لَا بِقَدْرِ الرُّءُوسِ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ مِنْ مَرَافِقِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ لَوْ أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ مِنْ الشُّفْعَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَيْسَ لِمَنْ بَقِيَ أَخْذُ نَصِيبِ التَّارِكِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ
غَائِبًا يُقْضَى بِالشُّفْعَةِ بَيْنَ الْحَاضِرِينَ فِي الْجَمِيعِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الشَّرِيكُ غَائِبًا فَطَلَبَ الْحَاضِرُ يُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ كُلِّهَا ثُمَّ إذَا حَضَرَ وَطَلَبَ قُضِيَ لَهُ بِهَا وَإِذَا أَسْقَطَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ قَبْلَ الشِّرَاءِ لَمْ يَصِحَّ
أَرَادَ الشَّفِيعُ أَخْذَ الْبَعْضِ وَتَرْكَ الْبَاقِي لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ جَبْرًا عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَوْ جَعَلَ بَعْضُ الشُّفَعَاءِ نَصِيبَهُ لِبَعْضٍ لَمْ يَصِحَّ وَسَقَطَ حَقُّهُ بِهِ.
(فَإِذَا عَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ) أَيْ الْعَقَارِ الْمَشْفُوعِ (يُشْهِدُ) مِنْ الْأَفْعَالِ (فِي مَجْلِسِ عِلْمِهِ) أَيْ الشَّفِيعُ عَلَى (أَنَّهُ يَطْلُبُهَا) سَوَاءٌ عَلِمَ بِسَمْعٍ الْبَيْعَ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ بِسَمْعِ الْكَلَامِ فِي حَقِّ الْبَيْعِ أَوْ بِإِخْبَارِ شَخْصٍ بِأَنَّ فُلَانًا بَاعَ دَارِهِ بِلَفْظٍ يُفْهِمُ طَلَبَهَا كَطَلَبْتُ الشُّفْعَةَ أَوْ أَنَا طَالِبٌ لَهَا أَوْ أَطْلُبُهَا؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَعْنَى وَالْمُعْتَبَرُ الطَّلَبُ دُونَ الْإِشْهَادِ وَإِنَّمَا الْإِشْهَادُ لِلْإِثْبَاتِ حَتَّى لَوْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الطَّلَبِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الشُّهُودِ ثُمَّ اعْتِبَارُ الْمَجْلِسِ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَبَعْضِ مَشَايِخِ بُخَارَى لِلتَّأَمُّلِ.
وَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ يُشْتَرَطُ عَلَى فَوْرِ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ حَتَّى لَوْ سَكَتَ سَاعَةً تَبْطُلُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَشَايِخُ بَلْخِي وَعَامَّةُ مَشَايِخِ بُخَارَى وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمِنَحِ وَقِيلَ تَبْطُلُ إنْ سَكَتَ أَدْنَى سُكُوتٍ حَتَّى وَلَوْ أَخْبَرَ بِكِتَابٍ وَالشُّفْعَةُ فِي أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ فَقَرَأَ الْكِتَابَ إلَى آخِرِهِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْمُشْتَرِي وَبِالثَّمَنِ (وَيُسَمَّى) أَيْ الطَّلَبُ فِي الْمَجْلِسِ (طَلَبُ مُوَاثَبَةٍ) أَيْ مُسَارَعَةٍ مِنْ الْوُثُوبِ سُمِّيَ بِهِ لِيَدُلَّ عَلَى غَايَةِ التَّعْجِيلِ (ثُمَّ يَشْهَدُ عِنْدَ الْعَقَارِ) ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلشُّفْعَةِ (أَوْ) يَشْهَدُ (عَلَى الْمُشْتَرِي) وَلَوْ غَيْرَ ذِي يَدٍ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ أَطْلُبُ مِنْك الشُّفْعَةَ فِي دَارٍ اشْتَرَيْتهَا مِنْ فُلَانٍ حُدُودُهَا كَذَا وَأَنَا شَفِيعُهَا بِالشِّرْكَةِ فِي الدَّارِ أَوْ الطَّرِيقِ أَوْ بِالْجِوَارِ بِدَارٍ حُدُودُهَا كَذَا فَسَلِّمْهَا لِي فَلَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ حُدُودَ الدَّارَيْنِ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الثُّبُوتِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَكِنْ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ أَنَّ تَبَيُّنَ هَذِهِ الْأُمُورُ لَيْسَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ لَهُ الْإِشْهَادُ عِنْدَ أَبْعَدِ هَؤُلَاءِ مَعَ الْأَقْرَبِ عَلَى مَا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَذَهَبَ الْآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُشْهِدُ عِنْدَ الْأَقْرَبِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (أَوْ عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ) فَلَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ عِنْدَ الْبَائِعِ لَيْسَ بِذِي يَدٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَاخْتَارَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْإِشْهَادَ يَصِحُّ عِنْدَهُ اسْتِحْسَانًا وَإِنَّمَا ذَكَرَ كَلِمَةً ثُمَّ إشَارَةً إلَى أَنَّ هَذِهِ مُدَّةُ هَذَا الطَّلَبِ لَمْ يَكُنْ عَلَى فَوْرِ الْمَجْلِسِ فِي الْأَكْثَرِ بَلْ مُقَدَّرَةٌ بِمُدَّةِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْإِشْهَادِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ تَمَكَّنَ وَلَمْ يَطْلُبْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ (فَيَقُولُ اشْتَرَى فُلَانٌ هَذِهِ الدَّارَ وَقَدْ كُنْت طَلَبْت الشُّفْعَةَ) قَبْلَهُ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةَ (وَأَنَا أَطْلُبُهَا الْآنَ فَاشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ وَيُسَمَّى) هَذَا الطَّلَبُ (طَلَبَ تَقْرِيرٍ وَإِشْهَادٍ) وَلَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِثْبَاتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَيَحْتَاجُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْإِشْهَادِ لِلتَّقْرِيرِ (ثُمَّ يَطْلُبُ عِنْدَ قَاضٍ فَيَقُولُ اشْتَرَى فُلَانٌ دَارَ
كَذَا وَأَنَا شَفِيعُهَا بِسَبَبِ كَذَا) قِيلَ هَذَا ظَاهِرٌ فِي الشَّفِيعِ فِي الْجِوَارِ لَا فِي الشَّفِيعِ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ (فَمُرْهُ) أَيُّهَا الْقَاضِي (بِالتَّسْلِيمِ إلَيَّ) حَقِّي بِالرَّدِّ أَوْ بِتَرْكِ الدَّاخِلِ بَيْنَهُ وَبَيْنِي فَالتَّسْلِيمُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَا يَقْتَضِي الْقَبْضَ بَلْ يُوجَدُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ فَلَا يُرَدُّ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ هَذَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَطَلَبَ الْخُصُومَةَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ انْتَهَى (وَيُسَمَّى) هَذَا الطَّلَبُ (طَلَبَ خُصُومَةٍ وَتَمْلِيكٍ) فَلَا بُدَّ مِنْهُ أَيْضًا لَا يُحْكَمُ لَهُ بِدُونِ طَلَبِهِ.
(وَلَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ بِتَأْخِيرِهِ) أَيْ بِتَأْخِيرِ طَلَبِ الْأَخْذِ (مُطْلَقًا) بَعْدَمَا اسْتَقَرَّتْ شُفْعَتُهُ بِالْإِشْهَادِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ (الْفَتْوَى) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ ثَبَتَ بِالطَّلَبِ فَلَا يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَلَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ بِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ عَدَمِ قَاضٍ يَرَى الشُّفْعَةَ بِالْجِوَارِ فِي بَلَدِهِ لَا يَسْقُطُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ أَخَّرَهُ إلَى مَجْلِسِ حُكْمٍ يَبْطُلُ لِتَرْكِهِ عِنْدَ إمْكَانِ الْأَخْذِ.
وَفِي رِوَايَةٍ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (وَقِيلَ يُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ) وَزُفَرَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (أَنَّهُ) أَيْ الشَّفِيعُ (إنْ أَخَّرَهُ) أَيْ طَلَبَ الْخُصُومَةِ (شَهْرًا بِلَا عُذْرٍ بَطَلَتْ) الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ قَالَ الْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى إذَا أَخَّرَ شَهْرًا سَقَطَتْ الشُّفْعَةُ لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي قَصْدِ الْإِضْرَارِ بِالْغَيْرِ.
وَفِي الْمُحِيطِ وَالْخُلَاصَةِ وَمُنْيَةِ الْمُفْتِي وَمُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ.
(وَإِذَا ادَّعَى) الشَّفِيعُ (الشِّرَاءَ وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ سَأَلَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) وَهُوَ الْمُشْتَرِي عَنْ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا الشَّفِيعُ هَلْ هِيَ مِلْكٌ لِلشَّفِيعِ أَوْ لَا (فَإِنْ أَقَرَّ) الْمُشْتَرِي (بِمِلْكِ مَا يَشْفَعُ بِهِ) أَوْ أَنْكَرَ فَحَلَفَ (أَوْ نَكَلَ عَنْ الْحَلِفِ عَلَى الْعِلْمِ بِمِلْكِيَّتِهِ) بِأَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا يَشْفَعُ بِهِ (أَوْ) أَنْكَرَ وَ (بَرْهَنَ الشَّفِيعُ) أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ (سَأَلَهُ) أَيْ الْقَاضِي الْمُشْتَرِي (عَنْ الشِّرَاءِ) فَيَقُولُ لَهُ اشْتَرَيْت أَمْ لَا (فَإِنْ أَقَرَّ) الْمُشْتَرِي (بِهِ) أَيْ بِالشِّرَاءِ (أَوْ) أَنْكَرَ فَحَلَفَ أَوْ (نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ أَنَّهُ مَا ابْتَاعَ أَوْ مَا يَسْتَحِقُّ) الشَّفِيعُ (عَلَيْهِ هَذِهِ الشُّفْعَةُ أَوْ بَرْهَنَ الشَّفِيعُ) يَعْنِي أَنَّ ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ إنْ كَانَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ بِاَللَّهِ مَا اسْتَحَقَّ هَذَا الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ عَلَيَّ فَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَشُفْعَةِ الْجِوَارِ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْت هَذِهِ الدَّارَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَمَا فِي شُرُوحِ الْكَنْزِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ مَنْ لَمْ يَرَ الشُّفْعَةَ بِالْجِوَارِ كَالشَّافِعِيِّ طَلَبَهَا عِنْدَ حَاكِمٍ يَرَاهُ (قَضَى) أَيْ الْقَاضِي (لَهُ) أَيْ لِلشَّفِيعِ (بِهَا) أَيْ بِالشُّفْعَةِ لِثُبُوتِهِ عِنْدَهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَالْوَاجِبُ فِي هَذَا أَنْ يَسْأَلَ الْقَاضِي أَوَّلًا عَنْ الْمُدَّعِي عَنْ مَوْضِعِ الدَّارِ مِنْ مِصْرَ وَمُحَلَّةٍ وَحُدُودِهَا؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى حَقًّا فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ سَأَلَ هَلْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْبِضْهَا لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ عَلَى الْمُشْتَرِي حَتَّى يَحْضُرَ الْبَائِعُ فَإِذَا