الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِأَنَّهَا تَبْقَى عَلَى الرِّدَّةِ وَلَا تُقْتَلُ عِنْدَنَا انْتَهَى.
وَفِي الْمِنَحِ وَالْمُرْتَدَّةُ فِي الْوَصِيَّةِ كَذِمِّيَّةٍ فَتَصِحُّ وَصَايَاهَا.
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهَا تَبْقَى عَلَى الرِّدَّةِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُسْلِمُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْكِتَابِ فِي الزِّيَادَاتِ عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَا تَصِحُّ مِنْهَا وَصِيَّةٌ، قُلْت وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ هُنَاكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ هُنَا الْأَصَحُّ وَهُمَا يَصْدُقَانِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الذِّمِّيَّةِ أَنَّ الذِّمِّيَّةَ تُقَرُّ عَلَى اعْتِقَادِهَا، وَأَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَلَا تُقَرُّ عَلَى اعْتِقَادِهَا، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ كَالذِّمِّيَّةِ فَتَجُوزَ وَصِيَّتُهَا لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ، وَلِهَذَا يَجُوزُ جَمِيعُ تَصَرُّفَاتِهَا فَكَذَا الْوَصِيَّةُ وَذَكَرَ الْعَتَّابِيُّ فِي الزِّيَادَاتِ إنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ الْيَهُودِيَّةِ أَوْ الْمَجُوسِيَّةِ فَحُكْمُ وَصَايَاهُ حُكْمُ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ فَمَا صَحَّ مِنْهُمْ صَحَّ مِنْهُ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَوَصِيَّتُهُ مَوْقُوفَةٌ وَوَصَايَا الْمُرْتَدَّةِ نَافِذَةٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ عِنْدَنَا انْتَهَى فَظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْمِنَحِ أَنَّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى كَوْنِ وَصِيَّتِهَا نَافِذَةً مَحَلُّ نَظَرٍ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَوَصِيَّةُ الذِّمِّيِّ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا تَصِحُّ لِوَارِثِهِ) لِالْتِزَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ فَيَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُنَا كَمَا فِي وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ (وَتَجُوزُ) وَصِيَّتُهُ (لِذِمِّيٍّ مِنْ غَيْرِ مِلَّتِهِ) كَوَصِيَّةِ نَصْرَانِيٍّ لِيَهُودِيٍّ وَبِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ (لَا) تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ (لِحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ) ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الدَّارَيْنِ يَمْنَعُ الْإِرْثَ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ كَمَا تَقَدَّمَ.
[بَاب الْوَصِيّ]
ّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْمُوصَى لَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُوصَى إلَيْهِ وَهُوَ الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّ كِتَابَ الْوَصَايَا يَنْتَظِمُهُ أَيْضًا، قَدَّمَ أَحْكَامَ الْمُوصَى لَهُ لِكَثْرَتِهَا وَكَوْنِ الْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَتِهَا أَمَسَّ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَقَبِلَ فِي وَجْهِهِ وَرَدَّ) الْوَصِيَّةَ (فِي غَيْبَتِهِ لَا يَرْتَدُّ) ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ مَاتَ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ فَلَوْ صَحَّ رَدُّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَلَا اعْتِبَارَ لِرَدِّهِ فِي غَيْبَتِهِ، وَيَبْقَى وَصِيًّا كَمَا كَانَ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَالْمُوصَى إلَيْهِ فِي أَنَّ رَدَّ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ قَبُولِهِ وَبَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي يُعْتَبَرُ دُونَ رَدِّ الْمُوصَى إلَيْهِ، قُلْنَا إنَّ نَفْعَ الْوَصِيَّةِ لِلْمُوصَى لَهُ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُوصَى إلَيْهِ فَإِنَّ نَفْعَ الْوَصِيَّةِ رَاجِعٌ إلَى الْمُوصِي فَكَانَ فِي رَدِّهِ بِغَيْرِهِ إضْرَارٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ فَلِهَذَا قُلْنَا لَا يُعْتَبَرُ رَدُّهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُوصِي.
(وَإِنْ رَدَّ فِي وَجْهِهِ) أَيْ وَجْهِ الْمُوصِي (يَرْتَدُّ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ وِلَايَةُ إلْزَامِهِ التَّصَرُّفَ، وَلَا غُرُورَ فِيهِ فَتُوَقِّفَ عَلَى قَبُولِهِ (فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ) الْمُوصَى إلَيْهِ
(وَلَمْ يَرُدَّ) بَلْ سَكَتَ (حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَهُوَ) أَيْ الْمُوصَى إلَيْهِ (مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُوصِي وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ فَبَقِيَ مُخَيَّرًا.
(وَإِنْ بَاعَ) الْمُوصَى إلَيْهِ (شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ لَمْ يَبْقَ لَهُ الرَّدُّ وَإِنْ) كَانَ (غَيْرَ عَالَمٍ بِالْإِيصَاءِ) فَصَارَ بَيْعُهُ التَّرِكَةَ كَقَبُولِ الْوَصِيَّةِ وَيَنْفُذُ بَيْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْإِيصَاءِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّوْكِيلِ فَبَاعَ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ، وَلَا يَكُونُ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ قَبُولًا.
(فَإِنْ رَدَّ) الْوَصِيُّ الْوِصَايَةَ (بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ مُوَرَّثِ الْمُوصِي (ثُمَّ قَبِلَ صَحَّ مَا لَمْ يَنْفُذْ قَاضٍ رَدَّهُ) وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الْوِصَايَةِ لَمَّا قَالَ لَا أَقْبَلُ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ لَا يُبْطِلُ الْإِيصَاءَ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ ضَرَرًا بِالْمَيِّتِ، وَضَرَرُ الْوَصِيِّ فِي الْإِبْقَاءِ مَجْبُورٌ بِالثَّوَابِ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخْرَجَهُ عَنْ الْوِصَايَةِ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ فَكَانَ لَهُ إخْرَاجُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ كَمَا أَنَّ لَهُ إخْرَاجَهُ بَعْدَ قَبُولِهِ حَتَّى إذَا رَأَى غَيْرَهُ أَصْلَحَ كَانَ لَهُ عَزْلُهُ وَنَصْبُ غَيْرِهِ، وَرُبَّمَا يَعْجَزُ وَهُوَ عَنْ ذَلِكَ فَيَتَضَرَّرُ بِبَقَاءِ الْوَصِيَّةِ فَيَدْفَعُ الْقَاضِي الضَّرَرَ عَنْهُ، وَيَنْصِبُ حَافِظًا لِمَالِ الْمَيِّتِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ فَيَنْدَفِعُ الضَّرَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَوْ قَالَ أَقْبَلُ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ الْقَاضِي لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَبِلَ بَعْدَمَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِإِخْرَاجِ الْقَاضِي إيَّاهُ.
(وَإِنْ أَوْصَى إلَى عَبْدٍ أَوْ كَافِرٍ أَوْ فَاسِقٍ أَخْرَجَهُ الْقَاضِي وَنَصَبَ غَيْرَهُ) أَيْ إذَا أَوْصَى إلَى هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ أَخْرَجَهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوِصَايَةِ، وَاسْتَبْدَلَ غَيْرَهُمْ مَكَانَهُمْ، وَذَكَر الْقُدُورِيُّ أَنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُهُمْ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ كَانَتْ لَهُمْ صَحِيحَةً؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ يَكُونُ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي السِّرَاجِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ إذَا أَوْصَى إلَى عَبْدٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ فَاسِقٍ أَخْرَجَهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوِصَايَةِ، وَلَوْ تَصَرَّفُوا قَبْلَ الْإِخْرَاجِ جَازَ انْتَهَى، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ لَهُمْ وَوَجْهُ الصِّحَّةِ ثَمَّ الْإِخْرَاجُ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ أَصْلَ النَّظَرِ ثَابِتٌ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ حَقِيقَةً وَوِلَايَةِ الْفَاسِقِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا، وَوِلَايَةِ الْكَافِرِ فِي الْجُمْلَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ النَّظَرُ لِتَوَقُّفِ وِلَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى وَيُمْكِنُهُ بَعْدَهَا وَالْمُعَادَاةُ الدَّنِيَّةُ الْبَاعِثَةُ عَلَى تَرْكِ النَّظَرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَاتِّهَامِ الْفَاسِقِ بِالْجِنَايَةِ فَيُخْرِجُهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوَصِيَّةِ، وَيُقِيمُ غَيْرَهُمْ مَقَامَهُمْ إتْمَامًا لِلنَّظَرِ، وَشَرَطَ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ الْفَاسِقُ مَخُوفًا مِنْهُ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يُعَذَّرُ بِذَلِكَ فِي إخْرَاجِهِ وَتَبْدِيلِهِ بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى إلَى مُكَاتَبِهِ أَوْ مُكَاتَبِ غَيْرِهِ حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي مَنَافِعِهِ كَالْحُرِّ، وَإِنْ عَجَزَ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْقِنِّ.
(وَإِنْ) أَوْصَى (إلَى عَبْدِهِ فَإِنْ كَانَ كُلُّ الْوَرَثَةِ صِغَارًا صَحَّ) الْإِيصَاءُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْوِصَايَةِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ فَإِنَّ الصِّغَارَ وَإِنْ كَانُوا مُلَّاكًا لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ النَّظَرِ فَلَا مُنَافَاةَ (خِلَافًا لَهُمَا) وَهُوَ الْقِيَاسُ وَقِيلَ قَوْلُ
مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ يُرْوَى مَرَّةً مَعَ الْإِمَامِ وَمَرَّةً مَعَ أَبِي يُوسُفَ.
وَوَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْوِلَايَةَ مُتَقَدِّمَةٌ لِمَا أَنَّ الرِّقَّ يُنَافِيهَا، وَلِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْوِلَايَةِ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ، وَهَذَا قَلْبُ الْمَشْرُوعِ وَوَجْهُ مَا ذَكَرَ الْإِمَامُ مَرَّ بَيَانُهُ.
(وَإِنْ) كَانَ (فِيهِمْ) أَيْ فِي الْوَرَثَةِ (كَبِيرٌ بَطَلَ) الْإِيصَاءُ إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ (إجْمَاعًا) ؛ لِأَنَّ لِلْكَبِيرِ أَنْ يَمْنَعَ الْعَبْدَ مِنْ التَّصَرُّفِ أَوْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ فَيَمْنَعَهُ الْمُشْتَرِي عَنْ التَّصَرُّفِ فَيَعْجَزَ عَنْ الْوَفَاءِ بِحَقِّ الْوِصَايَةِ.
(وَلَوْ كَانَ الْوَصِيُّ عَاجِزًا عَنْ الْقِيَامِ بِالْوَصِيَّةِ) أَيْ أُمُورِهَا (ضَمَّ) الْقَاضِي (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْعَاجِزِ (غَيْرَهُ) ؛ لِأَنَّ فِي الضَّمِّ رِعَايَةَ الْحَقَّيْنِ حَقِّ الْمُوصِي وَحَقِّ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ تَكْمِيلَ النَّظَرِ يَحْصُلُ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ يَتِمُّ بِإِعَانَةِ غَيْرِهِ، وَلَوْ شَكَا الْوَصِيُّ إلَى الْقَاضِي ذَلِكَ فَلَا يُجِيبُهُ حَتَّى يَعْرِفَ ذَلِكَ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الشَّاكِيَ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا تَخْفِيفًا عَلَى نَفْسِهِ.
(وَإِنْ كَانَ) الْوَصِيُّ (قَادِرًا) عَلَى الْقِيَامِ بِأُمُورِ الْوِصَايَةِ (أَمِينًا لَا يُخْرَجُ) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَفَاعِلُهُ الْمَنُوبُ عَنْهُ هُوَ الْقَاضِي.
(وَإِنْ شَكَا إلَيْهِ الْوَرَثَةُ) كُلُّهُمْ (أَوْ بَعْضُهُمْ) مِنْهُ أَيْ مِنْ الْوَصِيِّ (مَا لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ خِيَانَةٌ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ، وَهُوَ أَمِينٌ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ، وَلَوْ اخْتَارَ غَيْرَهُ كَانَ دُونَهُ فَكَانَ إبْقَاؤُهُ أَوْلَى.
أَلَا يَرَى أَنَّ الْوَصِيَّ يُقَدَّمُ عَلَى أَبِي الْمَيِّتِ مَعَ وُفُورِ شَفَقَتِهِ فَأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَا إذَا شَكَتْ الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ إلَيْهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْزِلَهُ حَتَّى تَبْدُوَ لَهُ مِنْهُ خِيَانَةٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْوِلَايَةَ مِنْ الْمَيِّتِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَتْ مِنْهُ الْخِيَانَةُ فَاتَتْ الْأَمَانَةُ، وَالْمَيِّتُ إنَّمَا اخْتَارَهُ لِأَجْلِهَا، وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ إبْقَاؤُهُ بَعْدَ فَوْتِهَا، وَهُوَ لَوْ كَانَ حَيًّا لَأَخْرَجَهُ مِنْهَا فَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ عِنْدَ عَجْزِهِ، وَيُقِيمُ غَيْرَهُ مَقَامَهُ كَأَنَّهُ مَاتَ وَلَا وَصِيَّ لَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا فَعَلَ الْقَاضِي مَا لَيْسَ لَهُ، وَعَزَلَ الْوَصِيَّ الْعَدْلَ الْمُخْتَارَ هَلْ يَنْعَزِلُ أَمْ لَا وَذَكَرَ ذَلِكَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ حَيْثُ قَالَ وَصِيُّ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ عَدْلًا كَافِيًا فَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَعْزِلَهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَدْلًا يَعْزِلُهُ وَلَا يَنْصِبُ وَصِيًّا آخَرَ، وَلَوْ كَانَ عَدْلًا غَيْرَ كَافٍ لَا يَعْزِلُهُ وَلَكِنْ يَضُمُّ إلَيْهِ كَافِيًا، وَلَوْ عُزِلَ يَنْعَزِلُ وَكَذَا لَوْ عَزَلَ الْقَاضِيَ الْعَدْلَ الْكَافِيَ يَنْعَزِلُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ.
وَقَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ قُلْت.
وَفِي وَسِيطِ الْمُحِيطِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَصِيرُ جَائِرًا آثِمًا، قَالَ وَعِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ لَا يَنْعَزِلُ الْعَدْلُ الْكَافِي بِعَزْلِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ فَيَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى الْقَاضِي وَعَزَا فِي الْقُنْيَةِ انْعِزَالَ الْعَدْلِ الْكَافِي لِخُوَاهَرْ زَادَهْ وَأَنَّ ظَهِيرَ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيَّ اسْتَبْعَدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقَاضِي لِأَنَّهُ الْمَيِّتُ، وَأَنَّ أُسْتَاذَهُ الْبَدِيعَ قَالَ إذَا كَانَ هَذَا فِي وَصِيِّ الْمَيِّتِ فَكَيْفَ وَصِيُّ الْقَاضِي وَنَحْوُهُ الْمَبْسُوطُ وَالْهِدَايَةُ انْتَهَى.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْوَصِيُّ مِنْ الْمَيِّتِ لَوْ عَدْلًا كَافِيًا لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَعْزِلَهُ فَلَوْ عَزَلَهُ هَلْ يَنْعَزِلُ أَقْوَالُ الصَّحِيحِ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُوصِي وَهُوَ
أَشْفَقُ بِنَفْسِهِ مِنْ الْقَاضِي فَكَيْفَ يَعْزِلُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِهِ لِفَسَادِ قُضَاةِ الزَّمَانِ كَمَا فِي الْمِنَحِ فَقَدْ أَفَادَ تَرْجِيحَ عَدَمِ صِحَّةِ الْعَزْلِ لِلْوَصِيِّ.
(وَإِنْ أَوْصَى إلَى اثْنَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا) بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَهَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ، ثُمَّ إنَّ أَحَدَهُمَا تَصَرَّفَ فِي الْمَالِ غَيْرِ الْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ، ثُمَّ أَجَازَ صَاحِبُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ الَّتِي يَجُوزُ لِأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا مَا اسْتَثْنَاهُ بِقَوْلِهِ (إلَّا بِشِرَاءِ كَفَنٍ وَتَجْهِيزٍ) فَإِنَّهُ لَا يُبْتَنَى عَلَى الْوِلَايَةِ، وَرُبَّمَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا غَائِبًا فَفِي اشْتِرَاطِ اجْتِمَاعِهِمَا فَسَادُ الْمَيِّتِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ جِيرَانُهُ جَازَ (وَخُصُومَةٍ) فِي حُقُوقِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَيْهَا عَادَةً وَلَوْ اجْتَمَعَا لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا أَحَدُهُمَا غَالِبًا عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ تَكَلَّمَا حَالَ الْخُصُومَةِ مَعًا رُبَّمَا لَمْ يَفْهَمْ الْقَاضِي دَعْوَاهُمَا لِاخْتِلَاطِ كَلَامِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَلِهَذَا يَنْفَرِدُ بِهِمَا أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ أَيْضًا (وَقَضَاءِ دَيْنٍ) كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ (وَطَلَبِهِ) أَيْ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى الْغَيْرِ (وَشِرَاءِ حَاجَةِ الطِّفْلِ) ؛ لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِهِ خَوْفَ لُحُوقِ الضَّرَرِ بِهِ كَخَوْفِ الْهَلَاكِ مِنْ الْجُوعِ وَالْعُرْيِ (وَقَبُولِ الْهِبَةِ لَهُ) أَيْ لِلطِّفْلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَلِهَذَا تَمْلِكُهُ الْأُمُّ، وَكُلُّ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ (وَرَدِّ وَدِيعَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَتَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ وَإِعْتَاقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ) لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الرَّأْيِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَذْكُورَاتُ مُعَيَّنَةً فَرُبَّمَا اُحْتِيجَ فِيهَا إلَى الرَّأْيِ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِذَلِكَ دُونَ الْآخَرِ (وَرَدِّ مَغْصُوبٍ) فَيَجُوزُ لِأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ الِانْفِرَادُ بِرَدِّهِ دُونَ الْآخَرِ، وَلَمْ يُقَيِّدُوا الْمَغْصُوبَ بِكَوْنِهِ مُعَيَّنًا وَلَمْ يُبَيِّنُوا السِّرَّ فِي إطْلَاقِهِ عَنْ التَّقْيِيدِ، وَوَجْهُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَتَأَمَّلْ
(أَوْ مُشْرَى شِرَاءً فَاسِدًا) فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِرَدِّهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الرَّأْيِ (وَجَمْعِ أَمْوَالٍ ضَائِعَةٍ وَحِفْظِ الْمَالِ) لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ إلَى اجْتِمَاعِهِمَا خَوْفَ الْفَوَاتِ (وَبَيْعِ مَا يُخَافُ تَلَفُهُ) إذْ يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فَفِي التَّأْخِيرِ إلَى الِاجْتِمَاعِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ هَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ الِانْفِرَادُ) كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (مُطْلَقًا) وَلَا يَخْتَصُّ الِانْفِرَادُ بِالْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ؛ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ إذَا ثَبَتَ لِاثْنَيْنِ شَرْعًا تَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَامِلًا عَلَى الِانْفِرَادِ كَالْأَخَوَيْنِ فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ فَكَذَا إذَا ثَبَتَتْ شَرْطًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَا تَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْقُدْرَةُ لَا تَتَجَزَّأُ وَلَهُمَا أَنَّ سَبَبَ هَذِهِ الْوِلَايَةِ التَّفْوِيضُ فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ صِفَةِ التَّفْوِيضِ وَالْمُوصِي إنَّمَا فَوَّضَ الْوِلَايَةَ إلَيْهِمَا مَعًا وَهَذَا الشَّرْطُ مُقَيَّدٌ فَلَمْ يَثْبُتْ بِدُونِ ذَلِكَ الشَّرْطِ فَمَا رَضِيَ إلَّا بِرَأْيِ الِاثْنَيْنِ، وَرَأْيُ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ كَرَأْيِهِمَا بِخِلَافِ الْأَخَوَيْنِ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ ثَمَّةَ الْأُخُوَّةُ وَهِيَ قَائِمَةٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ
وَالسَّبَبُ هُنَا الْإِيصَاءُ، وَهُوَ إلَيْهِمَا لَا إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلِأَنَّ الْإِنْكَاحَ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لَهَا عَلَى الْوَلِيِّ حَتَّى لَوْ طَالَبَتْهُ بِإِنْكَاحِهَا مِنْ كُفُؤٍ خَاطِبٍ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَهُنَا حَقُّ التَّصَرُّفِ لِلْوَصِيِّ وَلِهَذَا بَقِيَ مُخَيَّرًا فِي التَّصَرُّفِ بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ وَمَوَاضِعُ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ عَنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ فَلِهَذَا قَالَ بِجَوَازِ الِانْفِرَادِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ دُونَ غَيْرِهَا، ثُمَّ قِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدِ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ، وَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ نَأْخُذُ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا ذَكَرَهُ الْإِسْكَافُ.
وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(فَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ أَقَامَ الْقَاضِي غَيْرَهُ مَقَامَهُ إنْ لَمْ يُوصِ إلَى آخَرَ) أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْبَاقِيَ عَاجِزٌ عَنْ التَّفَرُّدِ بِالتَّصَرُّفِ فَيَضُمُّ الْقَاضِي إلَيْهِ وَصِيًّا آخَرَ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ وَالْوَرَثَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْحَيُّ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ، لَكِنَّ الْمُوصِيَ قَصَدَ أَنْ يَخْلُفَهُ مُتَصَرِّفَانِ فِي حُقُوقِهِ وَذَلِكَ مُمْكِنُ التَّحَقُّقِ بِنَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ مَكَانَ الْوَصِيِّ الْمَيِّتِ.
(وَإِنْ أَوْصَى) الْوَصِيُّ الَّذِي مَاتَ (إلَى الْحَيِّ جَازَ) الْإِيصَاءُ (وَيَتَصَرَّفُ) الْحَيُّ (وَحْدَهُ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا إذَا أَوْصَى إلَى شَخْصٍ آخَرَ، وَلَا يَحْتَاجُ الْقَاضِي إلَى نَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ لِأَنَّ رَأْيَ الْمَيِّتِ يَكُونُ بَاقِيًا حُكْمًا بِرَأْيِ مَنْ يَخْلُفُهُ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْحَيَّ لَا يَنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِهِ وَحْدَهُ فَلَا يَكُونُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَرْضَى بِمَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَرْضَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَفَّى رَضِيَ بِرَأْيِ الِاثْنَيْنِ وَقَدْ وُجِدَ (وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ وَصِيٌّ فِي التَّرِكَتَيْنِ) أَيْ إذَا مَاتَ الْوَصِيُّ فَأَوْصَى إلَى غَيْرِهِ فَهُوَ وَصِيٌّ فِي تَرِكَتِهِ وَتَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ وَصِيًّا فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ فَوَّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفَ، وَلَمْ يُفَوِّضْ لَهُ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ، وَلِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ غَيْرِهِ.
وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةٍ مُنْتَقِلَةٍ إلَيْهِ فَيَمْلِكُ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ كَالْجَدِّ أَلَا يَرَى أَنَّ الْوِلَايَةَ الَّتِي كَانَتْ ثَابِتَةً لِلْمُوصِي تَنْتَقِلُ إلَى الْوَصِيِّ، وَلِهَذَا يُقَدَّمُ عَلَى الْجَدِّ وَلَوْ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَيْهِ لَمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَإِذَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ الْوِلَايَةُ مَلَكَ الْإِيصَاءَ.
(وَكَذَا إنْ أَوْصَى) الْوَصِيُّ الْمَيِّتُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى آخَرَ (فِي إحْدَاهُمَا) أَيْ فِي إحْدَى التَّرِكَتَيْنِ يَعْنِي إذَا أَوْصَى إلَى آخَرَ فِي تَرِكَتِهِ يَكُونُ وَصِيًّا فِيهِمَا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ تَرِكَةَ مُوصِيهِ تَرِكَتُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِيهِمَا (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُمَا قَالَا يَقْتَصِرُ عَلَى تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهَا ثُمَّ إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي إحْدَاهُمَا يُفِيدُ عُمُومَ الْوَصِيَّةِ لِتَرِكَتِهِ أَوْ تَرِكَةِ مُوصِيهِ لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى فِي تَرِكَتِهِ فَقَطْ يَكُونُ وَصِيًّا فِيهِمَا، وَلَمْ يَذْكُرُوا مَا إذَا أَوْصَى فِي تَرِكَةِ مُوصِيهِ لَكِنْ قَالَ الْمَوْلَى الْمَعْرُوفُ بِأَخِي حَلَبِيٍّ
قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ مَالَ مُوصِيهِ يُشْعِرُ بِعَدَمِ كَوْنِهِ وَصِيًّا فِيهِمَا عَلَى تَقْدِيرِ ذِكْرِ الْمَالِ الْمُوصَى وَحْدَهُ بِدُونِ ذِكْرِ مَالِهِ، وَلَمْ نَجِدْ فِيهِ رِوَايَةً فِي الْمُعْتَبَرَاتِ بَلْ الْمَوْجُودُ فِيهَا أَنَّهُ إذَا جَعَلَهُ وَصِيًّا فِي مَالِ نَفْسِهِ أَوْ مَعَ مَالِ مُوصِيهِ، أَوْ قَالَ جَعَلْته وَصِيًّا بِغَيْرِ قَيْدٍ فَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ يَصِيرُ وَصِيًّا فِي الْمَالَيْنِ وَمَا يُشْعِرُهُ فِي الْمَتْنِ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهَا انْتَهَى.
(وَتَصِحُّ قِسْمَةُ الْوَصِيِّ) نِيَابَةً (عَنْ الْوَرَثَةِ مَعَ الْمُوصَى لَهُ) سَوَاءٌ كَانَ الْوَرَثَةُ غُيَّبًا أَوْ صِغَارًا أَيْ يَجُوزُ لِلْمُوصِي أَنْ يَقْسِمَ التَّرِكَةَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ الْغُيَّبِ أَوْ الصِّغَارِ وَبَيْنَ الْمُوصَى لَهُ بِأَنْ يَأْخُذَ حَقَّ الْوَرَثَةِ، وَيُسَلِّمَ الْبَاقِيَ إلَى الْمُوصَى لَهُ (فَلَا يَرْجِعُونَ) أَيْ الْوَرَثَةُ (عَلَى الْمُوصَى لَهُ لَوْ هَلَكَ حَظُّهُمْ فِي يَدِ الْوَصِيِّ) ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ بَعْدَ تَمَامِ الْقِسْمَةِ يَكُونُ عَلَى مَنْ وَقَعَ الْهَلَاكُ فِي نَصِيبِهِ (لَا) تَصِحُّ (مُقَاسَمَتُهُ) أَيْ الْوَصِيِّ (مَعَهُمْ) أَيْ الْوَرَثَةِ نِيَابَةً (عَنْ الْوَصِيِّ لَهُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ، وَالْوَارِثَ خَلِيفَةٌ عَنْ الْمَيِّتِ أَيْضًا حَتَّى يُرَدَّ بِالْعَيْبِ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِهِ فَصَلَحَ الْوَصِيُّ خَصْمًا عَنْ الْوَارِثِ نِيَابَةً عَنْهُ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ خَلِيفَةً لِأَحَدٍ كَانَ خَلِيفَةً لِمَنْ قَامَ مَقَامَهُ فَصَارَ تَصَرُّفُهُ كَتَصَرُّفِهِ إذَا كَانَ غَائِبًا فَصَحَّتْ قِسْمَتُهُ عَلَيْهِ.
أَمَّا الْمُوصَى لَهُ فَلَيْسَ بِخَلِيفَةٍ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ لِلْمُوصَى لَهُ مِلْكًا جَدِيدًا وَلِهَذَا لَا يَرُدُّ بِالْعَيْبِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَصْلُحْ الْوَصِيُّ خَصْمًا عَنْهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَصَرُّفُهُ كَتَصَرُّفِهِ إذَا كَانَ غَائِبًا فَلَمْ تَصِحَّ الْقِسْمَةُ عَلَيْهِ (فَيَرْجِعُ) الْمُوصَى لَهُ (عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْوَرَثَةِ (بِثُلُثِ مَا بَقِيَ لَوْ هَلَكَ حَظُّهُ فِي يَدِ الْمُوصِي) ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ حَيْثُ لَمْ تَصِحَّ لَمْ تَنْفُذْ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ، وَلَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِي التَّرِكَةِ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ فَيَنْوِيَ مَا نَوَى مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الشَّرِكَةِ وَيَبْقَى مَا بَقِيَ عَلَى الشَّرِكَةِ (وَصَحَّتْ) الْقِسْمَةُ (لِلْقَاضِي لَوْ قَاسَمَهُمْ) نِيَابَةً (عَنْهُ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ (وَأَخَذَ قِسْطَهُ) أَيْ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَلَى الْغَائِبِ فَكَانَتْ قِسْمَتُهُ كَقِسْمَةِ الْغَائِبِ بِنَفْسِهِ، وَإِذَا صَحَّتْ الْقِسْمَةُ مِنْ الْقَاضِي كَانَ لَهُ أَنْ يَفْرِزَ نَصِيبَهُ وَيَقْبِضَهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَهَلَكَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِهِ عَنْ الْغَائِبِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى لَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ سَبِيلٌ وَلَا عَلَى الْقَاضِي.
(وَفِي الْوَصِيَّةِ بِحَجٍّ لَوْ قَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ فَضَاعَ عِنْدَهُ) أَيْ الْوَصِيِّ (يُؤْخَذُ لِلْحَجِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ) فِي يَدِ الْوَصِيِّ يَعْنِي إذَا أَوْصَى الْمَيِّتُ بِحَجٍّ فَقَاسَمَ لَهُ الْوَصِيُّ مَعَ الْوَرَثَةِ، وَأَخَذَ الْمَالَ الْمُوصَى بِهِ فَضَاعَ فِي يَدِهِ أُحِجَّ عَنْ الْمَيِّتِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ.
(وَكَذَا لَوْ دَفَعَهُ) أَيْ دَفَعَ الْوَصِيُّ الْمَالَ الْمُوصَى بِهِ (لِمَنْ يَحُجُّ فَضَاعَ فِي يَدِهِ) أَيْ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَاللَّامُ فِي لِمَنْ بِمَعْنَى إلَى يُؤْخَذُ لِلْحَجِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تُزَادُ لِذَاتِهَا بَلْ لِمَقْصُودِهَا، وَهُوَ تَأْدِيَةُ الْحَجِّ فَصَارَ كَمَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَحَجَّ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
إنْ بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ أُخِذَ وَإِلَّا فَلَا) ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا مَا بَقِيَ مَحَلُّهَا، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ بَطَلَتْ لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ حَقُّ الْوَصِيِّ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ أَفْرَزَ الْمُوصِي نَفْسُهُ مَالًا لِيَحُجَّ عَنْهُ بِهِ فَهَلَكَ الْمَالُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَكَذَا إذَا أَفْرَزَهُ الْوَصِيُّ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ.
(وَلَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ مِنْ التَّرِكَةِ عَبْدًا مَعَ غَيْبَةِ الْغُرَمَاءِ جَازَ) ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي وَلَوْ تَوَلَّاهُ الْمُوصِي بِنَفْسِهِ حَالَ حَيَاتِهِ جَازَ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ فَكَذَا الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِيَّةِ لَا بِالصُّورَةِ وَالْبَيْعُ لَا يُبْطِلُ الْمَالِيَّةَ لِفَوَاتِهَا إلَى خَلَفٍ، وَهُوَ الثَّمَنُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ لِلْغُرَمَاءِ حَقَّ الِاسْتِسْعَاءِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ.
(وَإِنْ أَوْصَى بِبَيْعِ شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ وَالتَّصَدُّقِ بِهِ) عَلَى الْمَسَاكِينِ (فَبَاعَهُ وَصِيُّهُ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ فَضَاعَ فِي يَدِهِ وَاسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ ضَمِنَهُ) أَيْ ضَمِنَ الْوَصِيُّ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ عَاقِدٌ الْتَزَمَ لِلْعُهْدَةِ بِالْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهِ، وَهَذِهِ عُهْدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ لَمْ يَرْضَ بِدَفْعِ الثَّمَنِ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الْمَبِيعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ فَقَدْ أَخَذَ الْوَصِيُّ مَالَ الْغَيْرِ بِرِضَاهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ (وَرَجَعَ) الْوَصِيُّ (بِهِ) أَيْ بِمَا ضَمِنَ (فِي التَّرِكَةِ) أَيْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِلْمَيِّتِ فِي تَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ، وَكَانَ الْإِمَامُ يَقُولُ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ الْقَبْضُ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرْنَا، وَيَرْجِعُ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ لَا لِتَنْفِيذِهَا فَأَخَذَ حُكْمَ الْوَصِيَّةِ وَمَحِلُّهَا الثُّلُثُ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ فَكَانَ الضَّمَانُ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ وَمَحَلُّ قَضَاءِ الدَّيْنِ كُلُّ التَّرِكَةِ بِخِلَافِ الْقَاضِي أَوْ أَمِينِهِ إذَا تَوَلَّى الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ لَا عُهْدَةَ وَفِي الْتِزَامِ الْعُهْدَةِ عَلَى الْقَاضِي تَعْطِيلُ الْقَضَاءِ لِنِفَارِ النَّاسِ عَنْ تَقَلُّدِ الْقَضَاءِ خَوْفًا عَنْ لُزُومِ الضَّمَانِ، وَفِي تَعْطِيلِهِ تَعْطِيلُ مَصَالِحِ النَّاسِ وَأَمِينُ الْقَاضِي سَفِيرٌ عَنْهُ كَالرَّسُولِ وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ فَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ قَدْ هَلَكَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِهَا وَفَاءٌ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ لِلْمَيِّتِ لَا لِلْوَرَثَةِ وَصَارَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى الْأَمْوَاتِ الْمَفَالِيسِ.
(وَلَوْ قَسَّمَ الْوَصِيُّ التَّرِكَةَ فَأَصَابَ) الْوَارِثَ (الصَّغِيرَ شَيْءٌ فَقَبَضَهُ) الْوَصِيُّ (وَبَاعَهُ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ فَضَاعَ وَاسْتَحَقَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ) الَّذِي بَاعَهُ الْوَصِيُّ (رَجَعَ) الْوَصِيُّ (فِي مَالِ الصَّغِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ.
(وَ) رَجَعَ (الصَّغِيرُ عَلَى بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ بِحِصَّتِهِ) لِبُطْلَانِ الْقِسْمَةِ بِاسْتِحْقَاقِ مَا أَصَابَهُ.
(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْوَصِيِّ وَلَا شِرَاؤُهُ لَا بِمَا يُتَغَابَنُ) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فِيهِ) نَائِبُ الْفَاعِلِ لِيُتَغَابَن وَلَا يَصِحُّ بِمَا لَا يُتَغَابَنُ فِي مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِالنَّظَرِ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
{وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] وَلِأَنَّ النَّظَر فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ بِخِلَافِ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ تَعْطِيلَ مَصَالِحِهِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ، وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ وَالْمُكَاتَبُ يَصِحُّ بَيْعُهُمْ وَشِرَاؤُهُمْ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ إذْ الْإِذْنُ فَكُّ الْحَجْرِ، أَمَّا الْوَصِيُّ فَتَصَرُّفُهُ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ نَظَرًا فَيَتَقَيَّدُ بِمَوْضِعِ النَّظَرِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي فِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَمْلِكُهُ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْهِبَةَ (وَيَصِحَّانِ) أَيْ بَيْعُ الْوَصِيِّ وَشِرَاؤُهُ (مِنْ نَفْسِهِ إنْ كَانَ فِيهِ نَفْعٌ) لِلصَّغِيرِ كَمَا إذَا بَاعَ الْوَصِيُّ مَتَاعًا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَةَ بِعَشَرَةٍ مِنْ الصَّغِيرِ أَوْ اشْتَرَى مِنْ مَتَاعِ الصَّغِيرِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ لِنَفْسِهِ صَحَّ (خِلَافًا لَهُمَا) قِيَاسًا عَلَى الْوَكِيلِ وَلِلْإِمَامِ مَا تَلَوْنَا مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] وَالتَّصَرُّفُ الْمَذْكُورُ دَاخِلٌ تَحْتَ الِاسْتِثْنَاءِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْيَتِيمِ فَلَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى كُلِّ حَالٍ هَذَا فِي وَصِيِّ الْأَبِ، وَأَمَّا وَصِيُّ الْقَاضِي فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ نَفْسِهِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ وَلِلْأَبِ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الصَّغِيرِ بِأَنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ، وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ عَقَارِ الصَّغِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ يَرْغَبَ الْمُشْتَرِي بِضِعْفِ قِيمَتِهِ أَوْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ حَاجَةٌ إلَى الثَّمَنِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَبِهِ يُفْتَى وَزَادَ فِي الْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ ثَلَاثُ مَسَائِلَ نَقْلًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةَ أَحَدُهَا إذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ وَصِيَّةٌ مُرْسَلَةٌ لَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُهَا إلَّا مِنْهُ، وَفِيمَا إذَا كَانَتْ غَلَّاتُهُ لَا تَزِيدُ عَلَى مُؤْنَتِهِ، وَفِيمَا إذَا كَانَ حَانُوتًا أَوْ دَارًا يُخْشَى عَلَيْهِ النُّقْصَانُ انْتَهَى وَزَادَ فِي الْخَانِيَّةِ أُخْرَى وَهِيَ إذَا كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ مُتَغَلِّبٍ، وَخَافَ الْوَصِيُّ عَلَيْهِ فَلَهُ بَيْعُهُ انْتَهَى.
(وَلَهُ) أَيْ لِلْوَصِيِّ (دَفْعُ الْمَالِ) أَيْ مَالِ الصَّغِيرِ (مُضَارَبَةً وَشَرِكَةً وَبِضَاعَةً) ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ وَلِلْأَبِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ فَكَذَا لِلْوَصِيِّ.
(وَ) لَهُ (قَبُولُ الْحَوَالَةِ عَلَى الْإِمْلَاءِ) مِنْ الْمُلَاءَةِ وَهِيَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْأَدَاءِ وَالْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ الْمُحِيلُ الْمَدْيُونُ (لَا عَلَى الْأَعْسَرِ) مِنْ الْمُحِيلِ الْمَدْيُونِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيعَ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَهُوَ أَنْ يَحْكُمَ بِسُقُوطِهِ حَاكِمٌ يَرَى سُقُوطَ الدَّيْنِ إذَا مَاتَ الثَّانِي مُفْلِسًا وَلَا يَرَى الرُّجُوعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ أَمْلَأَ وَأَقْدَرَ عَلَى أَدَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِكَوْنِهِ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ بِأَنْ كَانَ الثَّانِي أَفْلَسَ مِنْ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ.
بَقِيَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الثَّانِي مِثْلَ الْأَوَّلِ يَسَارًا وَإِعْسَارًا هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ.
(وَلَا يَجُوزُ لَهُ) أَيْ لِلْوَصِيِّ
(وَلَا لِلْأَبِ الْإِقْرَاضُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ لِلْيَتِيمِ، وَيُحْتَمَلُ التَّوَى فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ (وَيَجُوزُ لِلْأَبِ الِاقْتِرَاضُ) أَيْ أَخْذُ الْقَرْضِ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ (لَا لِلْوَصِيِّ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَلَا كَذَلِكَ لِلْوَصِيِّ (وَلَا يَتَّجِرُ) الْوَصِيُّ (فِي مَالِ الصَّغِيرِ) ؛ لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهِ الْحِفْظُ دُونَ التِّجَارَةِ (وَيَجُوزُ بَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ الْوَصِيِّ (عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ) إذَا كَانَ الْمَبِيعُ (غَيْرَ الْعَقَارِ) لِأَنَّ الْأَبَ يَلِي بَيْعَ مَا سِوَى الْعَقَارِ، وَلَا يَلِيهِ فَكَذَا وَصِيُّهُ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ غَيْرَ الْعَقَارِ أَيْضًا وَلَا الْأَبُ كَمَا لَا يَمْلِكُهُ عَلَى الْكَبِيرِ الْحَاضِرِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ حِفْظُ مَالِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا فِيمَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّ حِفْظَ ثَمَنِهِ أَيْسَرُ، وَهُوَ يَمْلِكُ الْحِفْظَ فَكَذَا وَصِيُّهُ وَأَمَّا الْعَقَارُ فَمَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى الْبَيْعِ، وَلَوْ كَانَ دِينَ بَاعَ الْعَقَارَ، ثُمَّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا بَاعَ كُلَّهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا بَاعَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
وَعِنْدَ الْإِمَامِ جَازَ لَهُ بَيْعُهُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ حِفْظًا كَالْمَنْقُولِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ لِأَنَّهُ نَادِرٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَوَصِيُّ الْأَبِ أَحَقُّ بِمَالِ الصَّغِيرِ مِنْ جَدِّهِ) ؛ لِأَنَّ بِالْإِيصَاءِ تَنْتَقِلُ وِلَايَةُ الْأَبِ إلَيْهِ، فَكَانَتْ وِلَايَةُ الْأَبِ قَائِمَةً مَعْنًى فَيُقَدَّمُ عَلَى الْجَدِّ كَالْأَبِ نَفْسِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْجَدُّ أَحَقُّ بِهِ حَيْثُ أَقَامَهُ الشَّرْعُ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ (فَإِنْ لَمْ يُوصِ الْأَبُ فَالْجَدُّ كَالْأَبِ) أَيْ إنْ لَمْ يُوصِ الْأَبُ إلَى أَحَدٍ فَالْجَدُّ أَحَقُّ؛ لِأَنَّهُ أَشْفَقُ مِنْ الْغَيْرِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَبِ فِي الْإِرْثِ حَتَّى يَمْلِكَ الْإِنْكَاحَ دُونَ الْوَصِيِّ أَمَّا وَصِيُّ الْأَبِ فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ