الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَعْدَهَا.
(وَإِنْ زَادَ أَبَدًا) أَيْ زَادَ فِي تِلْكَ الْوَصِيَّةِ لَفْظَ أَبَدًا (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ (هِيَ) أَيْ الثَّمَرَةُ الْمَوْجُودَةُ (وَمَا يُسْتَقْبَلُ) عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ أَعْنِي قَوْلَهُ هِيَ أَيْ يَسْتَحِقُّ الثَّمَرَةَ الْمَوْجُودَةَ وَمَا يَحْدُثُ مِنْ الثَّمَرَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَمَلًا بِالتَّأْبِيدِ فِي لَفْظِ الْمُوصِي.
(وَإِنْ أَوْصَى) لَهُ (بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ فَلَهُ الْمَوْجُودُ وَمَا يُسْتَقْبَلُ) وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ اسْتَحَقَّهَا دَائِمًا وَبِالثَّمَرَةِ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الْقَائِمَةَ إلَّا إذَا زَادَ لَفْظَ أَبَدًا فَيَصِيرُ كَالْغَلَّةِ فَيَسْتَحِقُّهَا دَائِمًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الثَّمَرَةَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ عُرْفًا فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا سَيَحْدُثُ وَبَعْضُ الْأَلْفَاظِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَأَبَدًا وَنَحْوِهِ وَأَمَّا الْغَلَّةُ فَتَنْتَظِمُ الْمَوْجُودَ وَمَا يَكُونُ يَعْرِضُ أَنْ يُوجَدَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَمَا يُقَالُ فِي الْعُرْفِ فُلَانٌ يَأْكُلُ مِنْ غَلَّةِ بُسْتَانِهِ أَوْ أَرْضِهِ أَوْ دَارِهِ فَيُصَدَّقُ عَلَى مَا يَنْتَفِعُ بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الِاسْتِقْبَالِ.
(وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِصُوفِ غَنَمِهِ أَوْ لَبَنِهَا) أَيْ الْغَنَمِ (أَوْ أَوْلَادِهَا فَلَهُ مَا يُوجَدُ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ مَوْتِهِ فَقَطْ) سَوَاءٌ (قَالَ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ مَا يُوجَدُ مِنْ ذَلِكَ الْمُوصَى بِهِ مَا فِي بُطُونِهَا مِنْ الْأَوْلَادِ وَمَا فِي ضُرُوعِهَا مِنْ الْأَلْبَانِ وَمَا عَلَى ظُهُورِهَا مِنْ الصُّوفِ يَوْمَ مَاتَ الْمُوصِي سَوَاءٌ قَالَ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ؛ لِأَنَّهَا إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَوْمئِذٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الصُّوفَ وَالْوَلَدَ وَاللَّبَنَ الْمَوْجُودَاتِ يَصِحُّ اسْتِحْقَاقُهَا بِالْعُقُودِ فَإِنَّهَا تُمْلَكُ تَبَعًا بِكُلِّ عَقْدٍ فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ فَأَمَّا الْمَعْدُومُ مِنْهَا فَلَمْ يُشْرَعْ اسْتِحْقَاقُهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ فَلَمْ يَصِحَّ اسْتِحْقَاقُهَا بِعَقْدِ الْوَصِيَّةِ فَأَمَّا الثَّمَرَةُ أَوْ الْغَلَّةُ الْمَعْدُومَةُ فَيَصِحُّ اسْتِحْقَاقُهَا بَعْدَ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ فَلَأَنْ تُسْتَحَقَّ بِالْوَصِيَّةِ أَوْلَى.
[بَاب وَصِيَّة الذِّمِّيّ]
ّ إنَّمَا ذَكَرَ وَصِيَّةَ الذِّمِّيِّ عَقِيبَ وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ لِمَا أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ مُلْحَقُونَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي الْمُعَامَلَاتِ.
(وَلَوْ جَعَلَ الذِّمِّيُّ دَارِهِ بَيْعَةً أَوْ كَنِيسَةً فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَهِيَ مِيرَاثٌ) أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَلِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ، وَوَقْفُ الْمُسْلِمِ يُورَثُ عَنْهُ فَهَذَا أَوْلَى وَإِنَّمَا قُلْنَا يُورَثُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ عِنْدَهُ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مَعْصِيَةٌ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ فِي مُعْتَقَدِهِمْ قُرْبَةً، وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَعْصِيَةِ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ فِي تَنْفِيذِهَا تَقْرِيرَ الْمَعْصِيَةِ (وَلَوْ أَوْصَى بِهِ) أَيْ بِجَعْلِ دَارِهِ بَيْعَةً أَوْ كَنِيسَةً (لِقَوْمٍ مُسَمِّينَ جَازَ) أَيْ الْإِيصَاءُ (مِنْ الثُّلُثِ) اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ فِي الْوَصِيَّةِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَمَعْنَى الِاسْتِخْلَافِ وَلِلْمُوصِي وِلَايَةَ كِلَيْهِمَا.
(وَكَذَا) يَجُوزُ (فِي غَيْرِ الْمُسَمِّينَ) بِأَنْ أَوْصَى لِقَوْمٍ غَيْرِ مَخْصُوصِينَ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُمَا قَالَا إنَّهَا بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يُوصِيَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ وَصَايَا الذِّمِّيِّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يُوصِيَ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ كَالْوَصِيَّةِ لِلْمُغَنِّيَاتِ وَالنَّائِحَاتِ فَهَذَا لَا يَصِحُّ إجْمَاعًا إلَّا أَنْ تَكُونَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَتَصِحُّ تَمَلُّكًا مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ كَانُوا
لَا يُحْصُونَ لَا تَصِحُّ تَمْلِيكًا؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا قُرْبَةً؛ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ عِنْدَ الْكُلِّ وَثَانِيهَا أَنْ يُوصِيَ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ عِنْدَهُمْ قُرْبَةً عِنْدَنَا كَمَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ مَسْجِدًا أَوْ يُسْرِجَ فِي الْمَسَاجِدَ أَوْ أَوْصَى بِالْحَجِّ فَهِيَ بَاطِلَةٌ بِالْإِجْمَاعِ اعْتِبَارًا لِاعْتِقَادِهِمْ لِأَنَّا نُعَامِلُهُمْ بِدِيَانَتِهِمْ.
وَثَالِثُهَا أَنْ يُوصِيَ بِمَا هُوَ قُرْبَةً عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَوْ لِعِتْقِ الرِّقَابِ، أَوْ يُسْرِجَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ إجْمَاعًا لِاتِّفَاقِ الْكُلِّ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ قُرْبَةً وَرَابِعُهَا أَنْ يُوصِيَ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ مَعْصِيَةٌ عِنْدَنَا كَمَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ بَيْعَةً أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ يُسْرَجُ فِيهِ، أَوْ تُذْبَحُ الْخَنَازِيرُ وَيُطْعَمُ الْمُشْرِكُونَ فَهِيَ صَحِيحَةٌ أَيْضًا عِنْدَ الْإِمَامِ، سَمَّى قَوْمًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ، وَقَالَا هِيَ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ قَوْمًا بِأَعْيَانِهِمْ.
لَهُمَا أَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ بِمَعْصِيَةٍ وَفِي تَنْفِيذِهَا تَقْرِيرُ الْمَعْصِيَةِ، وَالسَّبِيلُ فِي الْمَعَاصِي رَدُّهَا لَا قَبُولُهَا فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ.
وَلَهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ دِيَانَتُهُمْ فِي حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ، وَهِيَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ فَتَصِحُّ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ حَقِيقَةً عِنْدَنَا مَعْصِيَةٌ عِنْدَهُمْ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ اعْتِبَارًا لِدِيَانَتِهِمْ فَكَذَا عَكْسُهُ.
(وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ مُسْتَأْمَنٍ لَا وَارِثَ لَهُ فِي دَارِنَا بِكُلِّ مَالِهِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) لِأَنَّ الْقَصْرَ عَلَى الثُّلُثِ شَرْعًا لِحَقِّ الْوَرَثَةِ حَتَّى تَنْفُذَ بِإِجَازَتِهِمْ وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ حَقٌّ مَرْعِيٌّ؛ لِأَنَّهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهُمْ أَمْوَاتٌ، وَالْحَجْرُ بِنَاءً عَلَى حَقٍّ مَعْصُومٍ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الْحَجْرِ لِحَقٍّ غَيْرِ مَعْصُومٍ، إذْ حُقُوقُ أَهْلِ الْحَرْبِ غَيْرُ مَعْصُومَةٍ حَتَّى لَوْ كَانَتْ وَرَثَتُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ أَوْ بِذِمَّةٍ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ لِحُرْمَتِهِمْ.
(وَإِنْ أَوْصَى) أَيْ الْمُسْتَأْمَنُ (بِبَعْضِهِ) أَيْ بِبَعْضِ مَالِهِ ثُمَّ مَاتَ (رُدَّ الْبَاقِي) مِنْ مَالِهِ (إلَى وَرَثَتِهِ) الَّذِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ إلَى وَرَثَتِهِ مِنْ حَقِّ الْمُسْتَأْمَنِ أَيْضًا لَا رِعَايَةً لِحَقِّ الْوَرَثَةِ حَتَّى يُرَدَّ أَنْ يُقَالَ كَيْفَ يُرَدُّ الْبَاقِي إلَى وَرَثَتِهِ الَّذِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَقَدْ قُلْتُمْ بِأَنَّهُمْ لَيْسَ لِوَرَثَتِهِ حَقٌّ مَرْعِيٌّ.
(وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْمَنِ (مَا دَامَ فِي دَارِنَا) سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ (مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي دَارِنَا فَلَهُ حُكْمُ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الْمُعَامَلَاتِ حَتَّى يَصِحَّ مِنْهُ عُقُودُ التَّمْلِيكَاتِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَيَصِحُّ تَبَرُّعُهُ فِي حَيَاتِهِ فَكَذَا بَعْدَ مَمَاتِهِ وَعَنْ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ الرُّجُوعَ وَيُمْكِنُ مِنْهُ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ (وَصَاحِبِ الْهَوَى) وَهُوَ الَّذِي يَتْبَعُ هَوَى نَفْسِهِ مَيْلًا لِلْبِدْعَةِ (إنْ لَمْ يَكْفُرْ بِهَوَاهُ) أَيْ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ بِمَا ارْتَكَبَهُ مِنْ الْهَوَى (فَهُوَ كَالْمُسْلِمِ فِي الْوَصِيَّةِ) لِأَنَّا أُمِرْنَا بِبِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى ظَاهِرِ الْإِسْلَامِ (وَإِلَّا) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ حُكِمَ بِكُفْرِهِ بِمَا ارْتَكَبَهُ مِنْ الْهَوَى.
(فَكَالْمُرْتَدِّ) فَيَكُونُ عَلَى خِلَافِ الْمَعْرُوفِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ قَالَ فِي الْكَافِي وَوَصَايَا الْمُرْتَدِّ نَافِذَةٌ بِالْإِجْمَاعِ كَالذِّمِّيَّةِ