الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْ الضَّيَاعِ فَإِنْ بَاعَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَعَّرَهُ أَجَازَهُ الْقَاضِي قِيلَ إذَا خَافَ الْبَائِعُ أَنْ يَضْرِبَهُ الْحَاكِمُ إنْ نَقَصَ مِنْ سِعْرِهِ لَا يَحِلُّ مَا بَاعَهُ لِكَوْنِهِ مِنْ مَعْنَى الْمُكْرَهِ فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْمُشْتَرِي يَعْنِي مَا تُحِبُّهُ فَحِينَئِذٍ بِأَيِّ شَيْءٍ بَاعَ يَحِلُّ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ بِمَا قَدَّرَ الْإِمَامُ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَى الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يُؤَجِّرْ الرَّضِيَّ فِي التَّقْدِيرِ فَالْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ الْمَبِيعَ نَاقِصًا مِنْهُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ.
(وَيَجُوزُ شِرَاءُ مَا لَا بُدَّ لِلطِّفْلِ مِنْهُ) ، مِثْلُ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ (وَبَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ مَا لَا بُدَّ لِلطِّفْلِ مِنْ بَيْعِهِ (لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ وَأُمِّهِ وَمُلْتَقَطِهِ إنْ هُوَ) أَيْ الطِّفْلُ (فِي حِجْرِهِمْ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُمْ وَبَيْعُهُمْ لَهُ إلَّا بِأَمْرِ الْحَاكِمِ (وَتُؤَجِّرُهُ) أَيْ الطِّفْلَ (أُمُّهُ فَقَطْ) إذَا كَانَ فِي حِجْرِهِمْ لِأَنَّهَا تَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ بِأَنْ تَسْتَخْدِمَهُ فَتَمْلِكَ إتْلَافَهَا بِعِوَضِهِ وَالْإِجَارَةُ بِالْأَوْلَوِيَّةِ دُونَ الْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْمُلْتَقِطِ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَمَلَّكُونَ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ وَلَوْ فِي حِجْرِهِمْ هَذِهِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.
وَفِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ الْمُلْتَقِطُ وَيُسَلِّمَهُ فِي صِنَاعَةٍ فَجَعَلَهُ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَهَذَا أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً وَنَفْعًا مَحْضًا لِلصَّغِيرِ وَأَمَّا الْأَبُ وَالْجَدُّ وَوَصِيُّهُمَا فَإِنَّهُمْ يَتَمَلَّكُونَ التَّصَرُّفَ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي أَيْدِيهِمْ وَحِجْرِهِمْ.
[فَصَلِّ فِي الْمُتَفَرِّقَات]
(تَجُوزُ الْمُسَابِقَةُ بِالسِّهَامِ وَالْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ وَالْإِبِلِ وَالْأَقْدَامِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ» وَالْمُرَادُ بِالْخُفِّ الْإِبِلُ وَبِالنَّصْلِ الرَّمْيُ وَبِالْحَافِرِ الْفَرَسُ وَالْبَغْلُ.
وَفِي الْحَدِيثِ «سَابَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهم فَسَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلِأَنَّهُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْجِهَادِ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ وَكُلُّ مَا هُوَ مِنْ أَسْبَابِ الْجِهَادِ فَتَعَلُّمُهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ سَعْيًا فِي إقَامَةِ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ وَعَنْ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام «لَا تَحْضُرُ الْمَلَائِكَةُ شَيْئًا مِنْ الْمَلَاهِي سِوَى النِّضَالِ وَالرِّهَانِ» .
(وَإِنْ شُرِطَ فِيهَا) أَيْ فِي الْمُسَابِقَةِ (جُعْلٌ مِنْ إحْدَى الْجَانِبَيْنِ) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إنْ سَبَقْتنِي أُعْطِيك كَذَا وَإِنْ سَبَقْتُك لَا آخُذُ مِنْك شَيْئًا (أَوْ) شُرِطَ فِيهَا جُعْلٌ (مِنْ ثَالِثٍ لِأَسْبَقِهِمَا) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ ثَالِثٌ لِلْمُتَسَابَقَيْنِ أَيُّكُمَا سَبَقَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا (جَازَ) لِأَنَّهُ تَحْرِيضٌ عَلَى آلَةِ الْحَرْبِ وَالْجِهَادِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» .
وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْمَالِ بِالْحَظْرِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ فِي الْأَقْدَامِ.
(وَإِنْ) شُرِطَ (مِنْ كِلَا الْجَانِبَيْنِ يَحْرُمُ) بِأَنْ يَقُولَ إنْ سَبَقَ فَرَسُك أَعْطَيْتُك كَذَا وَإِنْ سَبَقَ فَرَسِي فَأَعْطِنِي كَذَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ قِمَارًا وَالْقِمَارُ حَرَامٌ (إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا) فَرَسٌ (مُحَلِّلٌ كُفْءٌ لَهُمَا) أَيْ لِفَرَسَيْهِمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَسْبِقُهُمَا (إنْ سَبَقَهُمَا أَخَذَ) الْجُعْلَ (مِنْهُمَا وَإِنْ سَبَقَاهُ لَا يُعْطِيهِمَا) شَيْئًا أَوْ بِالْعَكْسِ يَعْنِي شُرِطَ أَيُّهُمَا لَوْ سَبَقَاهُ
يُعْطِيهِمَا وَلَوْ سَبَقَهُمَا لَا يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْهُمَا كَمَا فِي التَّسْهِيلِ (وَفِيمَا بَيْنَهُمَا أَيُّهُمَا سَبَقَ أَخَذَ) الْمَالَ الْمَشْرُوطَ (مِنْ الْآخَرِ) لِأَنَّ بِالْمُحَلِّلِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ قِمَارًا فَيَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْفَرَسُ الْمُحَلِّلُ مِثْلَهُمَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إدْخَالِهِ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يَخْرُجْ حِينَئِذٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ قِمَارًا.
(وَعَلَى هَذَا لَوْ اخْتَلَفَ) عَالِمَانِ (اثْنَانِ فِي مَسْأَلَةٍ وَأَرَادَا الرُّجُوعَ إلَى شَيْخٍ) فَاضِلٍ (وَجَعَلَا عَلَى ذَلِكَ جُعْلًا) قَالَ فِي الْمِنَحِ لَوْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَشَرَطَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْجَوَابُ كَمَا قُلْت أَعْطَيْتُك كَذَا وَإِنْ كَانَ كَمَا قُلْت لَا آخُذُ مِنْك شَيْئًا فَهَذَا جَائِزٌ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ فِي الْأَفْرَاسِ لِمَعْنًى يَرْجِعُ إلَى الْجِهَادِ يَجُوزُ هُنَا لِلْحَثِّ عَلَى الْجَهْدِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ لِأَنَّ الدِّينَ يَقُومُ بِالْعِلْمِ كَمَا يَقُومُ بِالْجِهَادِ.
(وَوَلِيمَةُ الْعُرْسِ سُنَّةٌ) قَدِيمَةٌ وَفِيهَا مَثُوبَةٌ عَظِيمَةٌ (وَمَنْ دُعِيَ) إلَيْهَا (فَلْيُجِبْ وَإِنْ لَمْ يُجِبْ أَثِمَ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» فَإِنْ كَانَ صَائِمًا أَجَابَ وَدَعَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا أَكَلَ وَدَعَا وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ أَثِمَ وَجَفَا كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَلَا يَرْفَعُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْوَلِيمَةِ (شَيْئًا وَلَا يُعْطِي سَائِلًا إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا) لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الْأَكْلِ دُونَ الرَّفْعِ وَالْإِعْطَاءِ.
(وَإِنْ عَلِمَ) الْمَدْعُوُّ (أَنَّ فِيهَا لَهْوًا لَا يُجِيبُ) سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ أَوْ لَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إجَابَةُ الدَّعْوَةِ إذَا كَانَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ «قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صَنَعْت طَعَامًا فَدَعَوْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَى فِي الْبَيْتِ تَصَاوِيرَ فَرَجَعَ» بِخِلَافِ مَا هَجَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ.
(وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) أَنَّ ثَمَّةَ لَهْوًا (حَتَّى حَضَرَ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَنْعِ فَعَلَ) الْمَنْعَ لِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ (وَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ (فَإِنْ كَانَ مُقْتَدًى بِهِ أَوْ كَانَ اللَّهْوُ عَلَى الْمَائِدَةِ فَلَا يَقْعُدُ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ شَيْنَ الدِّينِ وَفَتْحَ بَابِ الْمَعْصِيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ تَعَالَى {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68](وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَدًى بِهِ وَلَمْ يَكُنْ اللَّهْوُ عَلَى الْمَائِدَةِ (فَلَا بَأْسَ بِالْقُعُودِ) وَالصَّبْرِ فَصَارَ كَتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ إذَا كَانَ مَعَهَا نِيَاحَةٌ حَيْثُ لَا يَتْرُكُ التَّشْيِيعَ وَالصَّلَاةَ عَلَيْهَا لِمَا عِنْدَهَا مِنْ النِّيَاحَةِ كَذَا هُنَا.
(وَقَالَ الْإِمَامُ اُبْتُلِيتُ بِهِ) أَيْ بِاللَّهْوِ (مَرَّةً فَصَبَرْت وَهُوَ) أَيْ قَوْلُ الْإِمَامِ (مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُقْتَدًى بِهِ) إذْ قَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَا رُخْصَةَ لِلْمُقْتَدَى بِهِ (وَدَلَّ قَوْلُهُ اُبْتُلِيتُ عَلَى حُرْمَةِ كُلِّ الْمَلَاهِي) حَتَّى التَّغَنِّي بِضَرْبِ الْقَضِيبِ (لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْمُحَرَّمِ) قِيلَ
إنَّ الِابْتِلَاءَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الشَّرِّ وَلَوْ فِي الْمَآلِ فَلَا يَرُدُّ مَا قَالَهُ فِي الْإِصْلَاحِ مِنْ أَنَّهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا هُوَ مَحْظُورُ الْعَوَاقِبِ وَلَوْ كَانَ مُبَاحًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ» الْحَدِيثَ انْتَهَى لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُوجَدُ فِيهِ الشَّرُّ كَمَا هُنَا وَفِيمَا يُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا كَمَا فِي الْقَضَاءِ وَلِذَا قَالُوا هُنَا دَلَّ هَذَا عَلَى حُرْمَةِ كُلِّ الْمَلَاهِي وَلَمْ يَقُولُوا دَلَّ عَلَى حُرْمَةِ كُلِّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِابْنِ الشَّيْخِ قِيلَ الصَّبْرُ عَلَى الْحَرَامِ لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ لَا يَجُوزُ يُقَالُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْلِسُ مُعْرِضًا عَنْ اللَّهْوِ مُنْكِرًا لَهُ غَيْرَ مُشْتَغِلٍ وَلَا مُتَلَذِّذٍ بِهِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ الْجُلُوسُ عَلَى اللَّهْوِ فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ مُبْتَلًى بِحَرَامٍ.
(وَالْكَلَامُ مِنْهُ) أَيْ بَعْضُهُ (مَا يُؤْجَرُ بِهِ كَالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ) كَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَعِلْمِ الْفِقْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: 35] الْآيَةَ (وَقَدْ يَأْثَمُ بِهِ) أَيْ بِالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ (إذَا فَعَلَهُ فِي مَجْلِسِ الْفِسْقِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِهْزَاءِ وَالْمُخَالَفَةِ لِمُوجَبِهِ.
(وَإِنْ قَصَدَ بِهِ) أَيْ بِنَحْوِ التَّسْبِيحِ (فِيهِ) أَيْ فِي مَجْلِسِ الْفِسْقِ (الِاعْتِبَارَ) وَالِاتِّعَاظَ (وَالْإِنْكَارَ) لِأَفْعَالِ الْفَاسِقِينَ وَأَنْ يَشْتَغِلُوا عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ الْفِسْقِ (فَحَسَنٌ) وَكَذَا مَنْ سَبَّحَ فِي السُّوقِ بِنِيَّةِ أَنَّ النَّاسَ غَافِلُونَ فَلَعَلَّهُمْ تَنَبَّهُوا لِلْآخِرَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَسْبِيحِهِ فِي غَيْرِ الْمَجَامِعِ قَالَ «عليه الصلاة والسلام ذَاكِرُ اللَّهِ فِي الْغَافِلِينَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَيُكْرَهُ فِعْلُهُ لِلتَّاجِرِ عِنْدَ فَتْحِ مَتَاعِهِ) بِأَنْ يَقُولَ عِنْدَ فَتْحِ الْمَتَاعِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ يُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ يَأْثَمُ لِأَنَّهُ يَكُونُ لِأَمْرِ الدُّنْيَا بِخِلَافِ الْغَازِي أَوْ الْعَالِمِ إذَا كَبَّرَ أَوْ هَلَّلَ عِنْدَ الْمُبَارَزَةِ وَفِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ التَّعْظِيمَ وَالتَّفْخِيمَ وَإِظْهَارَ شَعَائِرِ الدِّينِ.
(وَ) يُكْرَهُ (التَّرْجِيعُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَ) كَذَا يُكْرَهُ (الِاسْتِمَاعُ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِفِعْلِ الْفَسَقَةِ حَالَ فِسْقِهِمْ وَهُوَ التَّغَنِّي وَلَمْ يَكُنْ هَذَا فِي الِابْتِدَاءِ وَلِهَذَا كُرِهَ فِي الْأَذَانِ (وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» (وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَرِهَ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْجِنَازَةِ) .
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَيَذْكُرُ عِنْدَ الْجِنَازَةِ فِي نَفْسِهِ وَقَدْ جَاءَ سُبْحَانَ مَنْ قَهَرَ عِبَادَهُ بِالْمَوْتِ وَتَفَرَّدَ بِالْبَقَاءِ سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ (وَالزَّحْفِ) أَيْ الْحَرْبِ (وَالتَّذْكِيرِ) أَيْ الْوَعْظِ (فَمَا ظَنُّك بِهِ) أَيْ بِرَفْعِ الصَّوْتِ (عِنْدَ) اسْتِمَاعِ (الْغِنَاءِ) الْمُحَرَّمِ (الَّذِي يُسَمُّونَهُ وَجْدًا) وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَوْصُولَ مَعَ صِلَتِهِ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ
الْغِنَاءُ لَكِنْ فِي تَسْمِيَتِهِمْ الْغِنَاءَ وَجْدًا بَحْثٌ تَدَبَّرْ.
وَفِي التَّسْهِيلِ فِي الْوَجْدِ مَرَاتِبُ وَبَعْضُهُ يَسْلُبُ الِاخْتِيَارَ فَلَا وَجْهَ لِلْإِنْكَارِ بِلَا تَفْصِيلٍ انْتَهَى.
وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَا بَأْسَ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى قِرَاءَةِ الْإِخْلَاصِ جَهْرًا عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ وَلَوْ قَرَأَ وَاحِدٌ وَاسْتَمَعَ الْبَاقُونَ فَهُوَ أَوْلَى.
(وَكَرِهَ الْإِمَامُ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ) لِأَنَّ أَهْلَ الْقَبْرِ جِيفَةٌ وَكَذَا يُكْرَهُ الْقُعُودُ عَلَى الْقَبْرِ لِأَنَّهُ إهَانَةٌ (وَجَوَّزَهَا) أَيْ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ (مُحَمَّدٌ وَبِهِ) أَيْ يَقُولُ مُحَمَّدٌ (أَخْذٌ) لِلْفَتْوَى لِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ لِوُرُودِ الْآثَارِ بِقِرَاءَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَالْفَاتِحَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عِنْدَ الْقُبُورِ وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ وَيُصَلِّيَ وَقَدْ مَرَّ فِي الْحَجِّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ فِي كِتَابِ الْمُسَمَّى بِالْحِجَجِ مِنْ أَنَّهُ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ أَبِي عَطَاءٍ قَالَ شَهِدْت مُحَمَّدَ بْنَ حَنِيفَةَ صَلَّى عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا وَأَدْخَلَهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ وَضَرَبَ عَلَيْهِ فُسْطَاطًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ انْتَهَى وَظَاهِرٌ أَنَّ ضَرْبَ الْفُسْطَاطِ لَيْسَ إلَّا لِأَجْلِ الْقِرَاءَةِ لَا غَيْرُ.
وَفِي التَّنْوِيرِ تَطْيِينُ الْقُبُورِ لَا يُكْرَهُ فِي الْمُخْتَارِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَيُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ الْقُبُورِ فَيَقُومُ بِحِذَاءِ الْوَجْهِ قُرْبًا وَبُعْدًا كَمَا فِي الْحَيَاةِ فَيَقُولُ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ وَيَدْعُوهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَقِيلَ الدُّعَاءُ قَائِمًا أَوْلَى.
وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ لَا بَأْسَ بِالزِّيَارَةِ لِلنِّسَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ (وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ بَعْضِ الْكَلَامِ (مَا لَا أَجْرَ فِيهِ وَلَا وِزْرَ نَحْوَ قُمْ وَاقْعُدْ) وَنَحْوُهُمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ (وَقِيلَ لَا يَكْتُبُ عَلَيْهِ) وَلَا لَهُ لِأَنَّهُ لَا أَجْرَ عَلَيْهِ وَلَا عِقَابَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ الْمَلَائِكَةُ لَا تَكْتُبُ إلَّا مَا كَانَ فِيهِ أَجْرٌ أَوْ وِزْرٌ وَقِيلَ يُكْتَبُ ثُمَّ يُمْحَى مَا لَا جَزَاءَ فِيهِ وَيَبْقَى مَا فِيهِ جَزَاءٌ ثُمَّ قِيلَ يُمْحَى فِي كُلِّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ وَفِيهِمَا تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا تُمْحَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ.
(وَمِنْهُ) أَيْ بَعْضِهِ (مَا يَأْثَمُ بِهِ كَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالشَّتِيمَةِ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ حَرَامٌ بِالنَّقْلِ وَالْعَقْلِ وَكَذَا التَّمَلُّقُ فَوْقَ الْعَادَةِ لِأَنَّ التَّمَلُّقَ مَذْمُومٌ بِخِلَافِ التَّوَاضُعِ لِأَنَّهُ مَحْمُودٌ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَيُكْرَهُ الْكَلَامُ فِي الْمَسْجِدِ وَخَلْفَ الْجِنَازَةِ وَفِي الْخَلَاءِ وَفِي حَالَةِ الْجِمَاعِ (وَالْكَذِبُ حَرَامٌ إلَّا فِي الْحَرْبِ لِلْخُدْعَةِ وَفِي الصُّلْحِ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَفِي إرْضَاءِ الْأَهْلِ وَفِي دَفْعِ الظَّالِمِ عَنْ الظُّلْمِ) لِأَنَّا أُمِرْنَا بِهَذَا فَلَا يُبَالِي فِيهِ الْكَذِبَ إذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ خَالِصَةً (وَيُكْرَهُ التَّعْرِيضُ بِهِ) أَيْ بِالْكَذِبِ (إلَّا لِحَاجَةٍ) كَقَوْلِك لِرَجُلٍ كُلْ فَيَقُولُ أَكَلْت يَعْنِي أَمْسِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي قَصْدِهِ وَقِيلَ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ كَذِبٌ فِي الظَّاهِرِ.
(وَلَا غِيبَةَ لِظَالِمٍ) يُؤْذِي النَّاسَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ قَالَ عليه الصلاة والسلام «اُذْكُرُوا الْفَاجِرَ بِمَا فِيهِ
لِكَيْ يَحْذَرَهُ النَّاسُ» (وَلَا إثْمَ فِي السَّعْيِ بِهِ) أَيْ بِالظَّالِمِ إلَى السُّلْطَانِ لِيَزْجُرَهُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَمَنْعِ الظُّلْمِ (وَلَا غِيبَةَ إلَّا لِمَعْلُومٍ فَاغْتِيَابُ أَهْلِ قَرْيَةٍ لَيْسَ بِغِيبَةٍ) لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ جَمِيعَ أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَكَانَ الْمُرَادُ هُوَ الْبَعْضُ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَصَارَ كَالْقَذْفِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَكَمَا تَكُونُ الْغِيبَةُ بِاللِّسَانِ تَكُونُ أَيْضًا بِالْفِعْلِ وَبِالتَّعْرِيضِ وَبِالْكِتَابَةِ وَبِالْحَرَكَةِ وَبِالرَّمْزِ وَبِغَمْزِ الْعَيْنِ وَكُلُّ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْغِيبَةِ وَهُوَ حَرَامٌ.
وَفِي الدُّرَرِ رَجُلٌ يَذْكُرُ مَسَاوِئَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ عَلَى وَجْهِ الِاهْتِمَامِ لَا يَكُونُ غِيبَةً إنَّمَا الْغِيبَةُ أَنْ تُذْكَرَ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ يُرِيدُ السَّبَّ.
(وَيَحْرُمُ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ أَوْ الشِّطْرَنْجِ) وَقَدْ مَرَّ تَفْصِيلُهُمَا فِي الشَّهَادَةِ (وَالْأَرْبَعَةَ عَشَرَ) وَهُوَ لَعِبٌ يَسْتَعْمِلُهُ الْيَهُودُ (وَكُلٌّ لَهْوٌ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «كُلُّ لَعِبِ ابْنِ آدَمَ حَرَامٌ» الْحَدِيثَ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اسْتِمَاعُ صَوْتِ الْمَلَاهِي مَعْصِيَةٌ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهَا فِسْقٌ وَالتَّلَذُّذُ بِهَا كُفْرٌ أَيْ بِالنِّعْمَةِ (وَيُكْرَهُ اسْتِخْدَامُ الْخُصْيَانِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الصَّادِ جَمْعُ خَصْيٍ عَلَى وَزْنِ فَعْلٍ لِأَنَّ فِيهِ تَحْرِيضُ النَّاسِ عَلَى الْخِصَاءِ الَّذِي هُوَ مُثْلَةٌ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا.
(وَ) يُكْرَهُ (وَصْلُ الشَّعْرِ بِشَعْرِ آدَمِيٍّ) سَوَاءٌ
كَانَ شَعْرَهَا أَوْ شَعْرَ غَيْرِهَا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ» الْحَدِيثَ.
(وَ) وَيُكْرَهُ (قَوْلُهُ فِي الدُّعَاءِ أَسْأَلُك بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك) بِتَقْدِيمِ الْعَيْنِ أَوْ بِتَقْدِيمِ الْقَافِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي ظَاهِرَةٌ لِاسْتِحَالَةِ الْقُعُودِ وَكَذَا فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَ عِزِّهِ بِالْعَرْشِ الْمُحْدَثِ وَاَللَّهُ تَعَالَى بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ قَدِيمٌ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ الْأَوَّلَ عِنْدَهُ لِدُعَاءٍ مَأْثُورٍ وَهُوَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك وَبِمُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتَابِك وَبِاسْمِك الْأَعْظَمِ وَجَدِّك الْأَعْلَى وَكَلِمَاتِك التَّامَّةِ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَقِيلَ وَجْهُ الْجَوَازِ جَوَازُ جَعْلِ الْعِزِّ صِفَةً لِلْعَرْشِ الْعَظِيمِ كَمَا وُصِفَ بِالْمَجْدِ وَالْكَرَمِ.
(وَ) يُكْرَهُ (قَوْلُهُ أَسْأَلُك بِحَقِّ أَنْبِيَائِك وَرُسُلِك) أَوْ بِحَقِّ الْبَيْتِ أَوْ بِحَقِّ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ إذْ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ عَلَيْهِ (وَاسْتِمَاعُ الْمَلَاهِي حَرَامٌ) وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُذْكَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَكُلٌّ لَهْوٌ.
(وَيُكْرَهُ تَعْشِيرُ الْمُصْحَفِ) وَالتَّعْشِيرُ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى كُلِّ عَشْرِ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ عَلَامَةً (وَنَقْطُهُ) وَبِفَتْحِ النُّونِ أَيْ نَقْطُ الْمُصْحَفِ وَهُوَ إظْهَارُ إعْرَابِهِ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - جَرِّدُوا الْمَصَاحِفَ (إلَّا لِلْعَجَمِ) الَّذِي لَا يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ إلَّا بِالنَّقْطِ (فَإِنَّهُ) أَيْ النَّقْطُ (حَسَنٌ) خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَالْمَرْوِيُّ مَخْصُوصٌ بِزَمَانِهِمْ كَانُوا يَتَلَقَّوْنَهُ عَنْ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام كَمَا أُنْزِلَ وَكَانَتْ الْقِرَاءَةُ سَهْلًا عَلَيْهِمْ لِكَوْنِهِمْ أَهْلًا فَيَرَوْنَ النَّقْطَ مُخِلًّا لِحِفْظِ الْأَعْرَابِ وَالتَّعْشِيرَ مُخِلًّا لِحِفْظِ الْآيِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَجَمِيُّ وَعَلَى هَذَا لَا بَأْسَ بِكَتْبِ أَسَامِي السُّوَرِ وَعَدِّ الْآيِ فَهُوَ وَإِنْ مُحْدَثًا فَمُسْتَحْسَنٌ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ (وَلَا بَأْسَ بِتَحْلِيَتِهِ) أَيْ الْمُصْحَفِ لِمَا فِيهَا مِنْ تَعْظِيمِهِ كَمَا فِي نَقْشِ الْمَسْجِدِ وَتَزْيِينِهِ.
وَفِي الْقُنْيَةِ يَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ كِتَابَةَ الْقُرْآنِ أَنْ يَكْتُبَهُ بِأَحْسَنِ خَطٍّ وَأَبْيَنِهِ عَلَى أَحْسَنِ وَرَقَةٍ وَأَبْيَضِ قِرْطَاسٍ بِأَفْخَمِ قَلَمٍ وَأَبْرَقِ مِدَادٍ وَيُفَرِّجُ السُّطُورَ وَيُفَخِّمُ الْحُرُوفَ وَيُضَخِّمُ الْمُصْحَفَ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُصَغِّرَ الْمُصْحَفَ وَأَنْ يَكْتُبَ بِقَلَمٍ دَقِيقٍ وَكَذَا لَا بَأْسَ بِقُبْلَةِ الْمُصْحَفِ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ يَأْخُذُ الْمُصْحَفَ كُلَّ غَدَاةٍ وَيُقَبِّلُهُ وَيَقُولُ عَهْدُ رَبِّي وَمَنْشُورُ رَبِّي عز وجل كَمَا فِي الْقُنْيَةِ.
(وَلَا بَأْسَ بِدُخُولِ الذِّمِّيِّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يُكْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (وَلَا) بَأْسَ (بِعِيَادَتِهِ) أَيْ عِيَادَةِ الذِّمِّيِّ إذَا مَرِضَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارُ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ وَكَذَا عِيَادَةُ فَاسِقٍ فِي الْأَصَحِّ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَيُسَلِّمُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَيْك إنْ رَدَّ
عَلَيْهِ.
(وَيَجُوزُ إخْصَاءُ الْبَهَائِمِ) مَنْفَعَةً لِلنَّاسِ لِأَنَّ لَحْمَ الْخَصِيِّ أَطْيَبُ وَقِيلَ الصَّوَابُ خِصَاءُ الْبَهَائِمِ إذْ يُقَالُ خِصَاءُ إذَا نَزَعَ خُصْيَتَهُ.
(وَ) يَجُوزُ (إنْزَاءُ الْحَمِيرِ عَلَى الْخَيْلِ) إذْ لَوْ كَانَ هَذَا الْفِعْلُ حَرَامًا لَمَا رَكِبَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام الْبَغْلَةَ لِمَا فِيهِ مِنْ فَتْحِ بَابِهِ.
(وَ) تَجُوزُ (الْحُقْنَةُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) لِلتَّدَاوِي بِالْإِجْمَاعِ أَوْ لِأَجْلِ الْهُزَالِ إذَا فَحُشَ يُفْضِي إلَى السُّلِّ وَلَا جُنَاحَ إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الشَّافِيَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى دُونَ الدَّوَاءِ (لَا) تَجُوزُ الْحُقْنَةُ (بِمُحَرَّمٍ كَالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا) قِيلَ يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ كَالْخَمْرِ وَالْبَوْلِ إنْ أَخْبَرَهُ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً وَالْحُرْمَةُ تَرْتَفِعُ بِالضَّرُورَةِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَدَاوِيًا بِالْحَرَامِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ حَدِيثُ النَّهْيِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ أَخِي حَلَبِيٍّ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ كَمَا لَا يَخْفَى تَأَمَّلْ.
(وَلَا بَأْسَ بِرِزْقِ الْقَاضِي) مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (كِفَايَةً) يَعْنِي يُعْطَى مِنْهُ مَا يَكْفِيهِ وَأَهْلَهُ فِي كُلِّ زَمَانٍ سَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا فِي الْأَصَحِّ أَوْ فَقِيرًا (بِلَا شَرْطٍ) إذْ لَوْ شُرِطَ يَكُونُ اسْتِئْجَارًا بِأَجْرٍ عَلَى أَفْضَلِ طَاعَةٍ وَإِذًا لَا يَجُوزُ هَذَا إذَا كَانَ بَيْتُ الْمَالِ حَلَالًا جُمِعَ بِحَقٍّ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا جُمِعَ مِنْ بَاطِلٍ لَمْ يَحِلَّ أَخْذُهُ وَقَدْ مَرَّ تَفْصِيلُهُ فِي الْقَضَاءِ.
(وَلَا بَأْسَ بِسَفَرِ الْأَمَةِ وَأَمِّ الْوَلَدِ بِلَا مَحْرَمٍ) لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ فِي الْأَمَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَارِمِ فِي النَّظَرِ وَالْمَسِّ عِنْدَ الْإِرْكَابِ وَكَذَا أُمُّ الْوَلَدِ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهَا وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ وَمُعْتَقُ الْبَعْضِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي زَمَانِنَا لِغَلَبَةِ أَهْلِ الْفَسَادِ (وَالْخَلْوَةِ بِهَا) أَيْ وَلَا بَأْسَ بِالْخَلْوَةِ بِالْأَمَةِ (قِيلَ تُبَاحُ) اعْتِبَارًا بِالْمَحَارِمِ (وَقِيلَ لَا) تُبَاحُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ.
(وَيُكْرَهُ جَعْلُ الرَّايَةِ) أَيْ جَعْلُ الطَّوْقِ الْحَدِيدِ الثَّقِيلِ الْمَانِعِ مِنْ تَحْرِيكِ الرَّأْسِ (فِي عُنُقِ الْعَبْدِ) لِأَنَّهُ عُقُوبَةُ الْكُفَّارِ فَيَحْرُمُ كَالْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ.
وَفِي النِّهَايَةِ لَا بَأْسَ فِي زَمَانِنَا لِغَلَبَةِ التَّمَرُّدِ وَالْفِرَارِ (لَا) يُكْرَهُ (تَقْيِيدُهُ) احْتِرَازًا عَنْ الْإِبَاقِ وَالتَّمَرُّدِ وَهُوَ سُنَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْفُسَّاقِ.
(وَيُكْرَهُ أَنْ يُقْرِضَ بَقَّالًا دِرْهَمًا لِيَأْخُذَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْبَقَّالِ (بِهِ) أَيْ بِالدِّرْهَمِ (مَا يَحْتَاجُ) مِنْ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ (إلَى أَنْ يَسْتَغْرِقَهُ) أَيْ الدِّرْهَمَ فَإِنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ نَفْعًا وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَيَنْبَغِي
أَنْ يُودِعَهُ إيَّاهُ ثُمَّ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَإِنْ ضَاعَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ أَمَانَةٌ.
(وَالسُّنَّةُ تَقْلِيمُ الْأَظَافِيرِ) .
وَفِي الدُّرَرِ رَجُلٌ وَقَّتَ لِقَلْمِ أَظَافِيرِهِ وَحَلْقِ رَأْسِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالُوا إنْ كَانَ يَرَى جَوَازَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَأَخَّرَهُ إلَى يَوْمِهَا تَأْخِيرًا فَاحِشًا كَانَ مَكْرُوهًا لِأَنَّ مَنْ كَانَ ظُفْرُهُ طَوِيلًا يَكُونُ رِزْقُهُ ضَيِّقًا وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْحَدَّ وَأَخَّرَهُ تَبَرُّكًا بِالْأَخْبَارِ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ «مَنْ قَلَّمَ أَظَافِيرَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَعَاذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْبَلَايَا إلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْفِنَهُ وَإِنْ أَلْقَاهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَيُكْرَهُ إلْقَاؤُهُ فِي الْكَنِيفِ وَالْمُغْتَسَلِ.
(وَ) السُّنَّةُ (نَتْفُ الْإِبْطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَالشَّارِبِ) .
وَفِي الْقُنْيَةِ وَيُسْتَحَبُّ حَلْقُ عَانَتِهِ وَتَنْظِيفُ بَدَنِهِ بِالِاغْتِسَالِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَرَّةً وَلَا عُذْرَ فِي تَرْكِهِ وَرَاءَ أَرْبَعِينَ (وَقَصُّهُ) أَيْ الشَّارِبِ (حَسَنٌ) وَفِي حَقِّ الْغَازِي فِي دَارِ الْحَرْبِ أَنَّ تَوْفِيرَ شَارِبِهِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ.
(وَلَا بَأْسَ بِدُخُولِ الْحَمَّامِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذَا اتَّزَرَ) الدَّاخِلُ فِيهِ (وَغَضَّ بَصَرَهُ وَيُسْتَحَبُّ اتِّخَاذُ الْأَوْعِيَةِ لِنَقْلِ الْمَاءِ إلَى الْبُيُوتِ) لِحَاجَةِ الْوُضُوءِ وَالشُّرْبِ لِلنِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ نُهِينَ عَنْ الْخُرُوجِ فَيَلْزَمُ كَسَائِرِ حَاجَاتِهَا (وَكَوْنُهَا) أَيْ الْأَوْعِيَةِ (مِنْ الْخَزَفِ أَفْضَلُ) وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ اتَّخَذَ أَوَانِي بَيْتِهِ خَزَفًا زَارَتْهُ الْمَلَائِكَةُ» وَيَجُوزُ اتِّخَاذُهَا مِنْ نُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ شَبَهٍ أَوْ أَدِيمٍ.
(وَلَا بَأْسَ بِسِتْرِ حِيطَانِ الْبَيْتِ بِاللُّبُودِ) جَمْعُ اللِّبَدِ (لِلْبَرْدِ) لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً (وَيُكْرَهُ لِلزِّينَةِ وَكَذَا إرْخَاءُ السِّتْرِ عَلَى الْبَيْتِ) يَعْنِي لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ لِدَفْعِ الْبَرْدِ وَيُكْرَهُ إنْ لِلتَّكَبُّرِ (وَإِذَا أَدَّى الْفَرَائِضَ) مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَغَيْرِهِمَا (وَأَحَبَّ أَنْ يَتَنَعَّمَ بِمَنْظَرٍ حَسَنٍ وَجِوَارِ جَمِيلَةٍ فَلَا بَأْسَ) بِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام تَسَرَّى مَارِيَةَ أُمَّ إبْرَاهِيمَ مَعَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: 32](وَالْقَنَاعَةُ بِأَدْنَى الْكِفَايَةِ وَصَرْفُ الْبَاقِي إلَى مَا يَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ أَوْلَى) لِأَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى.