الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصَلِّ فِي قبض الْمُشْتَرِي الْمَبِيع بَيْعًا بَاطِلًا بِإِذْنِ بَائِعَة]
فَصَلِّ لَمَّا ذَكَرَ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ وَالْبَاطِلَ ذَكَرَ حُكْمَهُمَا عَقِيبَهُمَا لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ أَثَرُهُ وَأَثَرُ الشَّيْءِ يَتْبَعُهُ وُجُودًا وَكَذَا يَتْبَعُهُ ذِكْرًا لِلْمُنَاسَبَةِ (قَبْضُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بَيْعًا بَاطِلًا بِإِذْنِ بَائِعِهِ لَا يَمْلِكُهُ) لِانْعِدَامِ الرُّكْنِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْمَبِيعُ الْبَاطِلُ لَا يُعَدُّ مَالًا.
وَفِي الْفَرَائِدِ إنَّ قَوْلَهُ (قَبْضُ) لَوْ قُرِئَ عَلَى لَفْظِ الْفِعْلِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ حَرْفُ الشَّرْطِ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ وَلَوْ قُبِضَ وَيَكُونُ قَوْلُهُ لَا يَمْلِكُهُ جَوَابَهُ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقْرَأَ مَصْدَرًا مَرْفُوعًا عَلَى الِابْتِدَاءِ مُضَافًا إلَى الْمُشْتَرِي وَيَكُونُ قَوْلُهُ لَا يَمْلِكُهُ عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ مِنْ التَّفْعِيلِ خَبَرَهُ وَالضَّمِيرُ الْبَارِزُ رَاجِعًا إلَى الْمُشْتَرِي وَفَاعِلُهُ الْمُسْتَكِنُّ فِيهِ رَاجِعًا إلَى الْقَبْضِ انْتَهَى لَكِنْ لَا يَخْلُو عَنْ التَّعَسُّفِ فِيهِ وَالْأَوْلَى قَوْلُهُ يَمْلِكُهُ جَوَابُ الشَّرْطِ الْمَحْذُوفِ بِقَرِينَةِ التَّقَابُلِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَا قَبْضُ الْمَبِيعِ بَيْعًا بَاطِلًا إلَى آخِرِهِ تَدَبَّرْ (وَهُوَ) أَيْ الْمَبِيعُ (أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ عِنْدَ الْبَعْضِ) فَلَا يُضْمَنُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَبَقِيَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَيَكُونُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ (وَمَضْمُونٌ عِنْدَ الْبَعْضِ) الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَدْنَى مِنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ (وَقِيلَ الْأَوَّلُ) أَيْ كَوْنُهُ أَمَانَةً (قَوْلُ الْإِمَامِ وَالثَّانِي) أَيْ كَوْنُهُ مَضْمُونًا (قَوْلُهُمَا أَخْذًا) أَيْ أَخْذُ صَاحِبِ الْقِيلِ كَوْنَ الْأَوَّلِ قَوْلَهُ وَالثَّانِي قَوْلَهُمَا (مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي مَا لَوْ بِيعَ مُدَبَّرٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ فَمَاتَ فِي يَدِ مُشْتَرِيه حَيْثُ لَا يُضْمَنُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا) فَفَهِمَ صَاحِبُ الْقِيلِ أَنَّ كُلَّ مَبِيعٍ بَيْعًا بَاطِلًا فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَقَالَ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ وَالثَّانِي قَوْلُهُمَا.
(وَلَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا بِإِذْنِ بَائِعِهِ صَرِيحًا) كَقَبْضِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِأَمْرِهِ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ (أَوْ دَلَالَةً كَقَبْضِهِ فِي مَجْلِسِ عَقْدِهِ) وَلَمْ يَنْهَهُ الْبَائِعُ عَنْهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ (وَكُلُّ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ (مِنْ) الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ (عِوَضَيْهِ) أَيْ الْبَيْعِ (مَالٌ) خَرَجَ بِهَذَا الْقَيْدِ الْبَيْعُ الْبَاطِلُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَيْعَ الْبَاطِلَ خَرَجَ أَوَّلًا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إخْرَاجِهِ ثَانِيًا.
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ بَعْضَ الْبُيُوعِ الْبَاطِلَةِ أَطْلَقُوا عَلَيْهَا اسْمَ الْفَاسِدِ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمَبِيعَ فِيهَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ فَصَرَّحَ بِمَا يُخْرِجُهَا انْتَهَى لَكِنْ هَذَا يَكُونُ جَوَابًا لِمَا وَقَعَ فِي الْكَنْزِ وَلَا يَكُونُ جَوَابًا لِمَا فِي هَذَا الْمَتْنِ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ بَيَّنَ أَوَّلًا حُكْمَ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْفَاسِدِ فَلَا يُقَالُ هُنَا إنَّ الْمُرَادَ بِالْفَاسِدِ مَا هُوَ الْبَاطِلُ أَوْ أَعَمُّ بَلْ هُوَ مُسْتَدْرَكٌ تَدَبَّرْ (مَلَكَهُ) أَيْ الْمَقْبُوضَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ بِدُونِ الْقَبْضِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ اتِّفَاقًا لِأَنَّ السَّبَبَ ضَعِيفٌ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ إذَا لَمْ يَتَقَوَّ بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ، وَقُيِّدَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَوْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ
اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْإِذْنَ دُونَ الرِّضَى لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي بَعْضَ أَفْرَادِهِ كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَلِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ بَيْعٌ مَحْظُورٌ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ الَّذِي هُوَ نِعْمَةٌ وَلَنَا أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ فَيُفِيدُ الْمِلْكَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ (وَلَزِمَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي بِوَاوِ الِاعْتِرَاضِ لَا الْعَطْفِ عَلَى مَلَكَهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (لِهَلَاكِهِ) أَيْ وَقْتَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (مِثْلُهُ) أَيْ الْمَبِيعُ (حَقِيقَةً) أَيْ صُورَةً وَمَعْنًى فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ (أَوْ) مِثْلُهُ (مَعْنًى كَالْقِيمَةِ فِي الْقِيَمِيِّ) كَالْحَيَوَانِ وَالْعَرَضِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا رُدَّ بِعَيْنِهِ وَإِلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَإِلَى أَنَّهُ مَلَكَهُ بِقِيمَتِهِ وَلَوْ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ فِي يَدِهِ فَأَتْلَفَهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ كَالْغَضَبِ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ بِالْإِتْلَافِ يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ إلَّا إذَا زَادَتْ مِنْ حَيْثُ الْعَيْنُ لَا السِّعْرُ فَإِنَّهُ يُوَافِقُ الشَّيْخَيْنِ فَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ لِكَوْنِهِ مُنْكِرَ الضَّمَانِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْبَائِعِ (وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ حَقُّ الْفَسْخِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي مَا دَامَ الْمَبِيعُ فِي مِلْكِهِ بِلَا عِلْمِ الصَّاحِبِ عَلَى مَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَإِنَّمَا عِنْدَهُمَا عَلِمَهُ كَمَا فِي الْفُصُولَيْنِ لَكِنْ فِي الْكَافِي أَنَّهُ شَرْطٌ وَالْأَوْلَى فِي مَكَانِ اللَّامِ كَلِمَةُ عَلَى فَإِنَّ إعْدَامَ الْفَسَادِ وَاجِبٌ حَقًّا لِلشَّرْعِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ فَعَلَى هَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ اللَّامَ بِمَعْنَى عَلَى انْتَهَى لَكِنْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ آخَرُ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ بَيَانُ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وِلَايَةَ الْفَسْخِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّهُ مُلِكَ بِالْقَبْضِ تَأَمَّلْ. (وَبَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْقَبْضِ (مَا دَامَ) الْمَبِيعُ (فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ الْفَسَادُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ) أَيْ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْفَسْخِ أَيْضًا لِقُوَّةِ الْفَسَادِ.
(وَإِنْ كَانَ) الْفَسَادُ (لِشَرْطٍ زَائِدٍ كَشَرْطِ أَنْ يُهْدِيَ لَهُ هَدِيَّةً) مَثَلًا (فَكَذَا) يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ (قَبْلَ الْقَبْضِ) وَعَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ انْدَفَعَ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ كَلَامَهُ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّ حُكْمَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ مَرَّ آنِفًا فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ فَكَذَا قَبْلَ الْقَبْضِ تَدَبَّرْ.
(وَأَمَّا بَعْدَهُ فَالْفَسْخُ لِمَنْ لَهُ الشَّرْطُ) بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي (لَا لِمَنْ عَلَيْهِ الشَّرْطُ) وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَوِيٌّ وَالْفَسَادَ ضَعِيفٌ فَمَنْ لَهُ مَنْفَعَةُ الشَّرْطِ يَقْدِرُ أَنْ يُسْقِطَ شَرْطَ الْهَدِيَّةِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا لِرَفْعِهِ الْمُفْسِدَ فَإِذَا فَسَخَ مَنْ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ فَقَدْ بَطَلَ حَقُّ الْغَيْرِ وَعِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ الْفَسْخُ حَقًّا لِلشَّرْعِ لَا حَقًّا لَهُمَا وَلَا حَقًّا لِأَحَدِهِمَا حَيْثُ رَضِيَا بِالْعَقْدِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا أَنْ يَذْكُرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي صُورَةِ الِاتِّفَاقِ لَا يَخْلُو عَنْ رَكَاكَةٍ بَلْ يَلْزَمُ التَّفْصِيلُ تَأَمَّلْ. (وَلَا يَأْخُذُهُ) أَيْ الْمَبِيعَ (الْبَائِعُ) بَعْدَ الْفَسْخِ (حَتَّى يَرُدَّ ثَمَنَهُ) أَيْ ثَمَنَ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُقَابَلٌ بِهِ فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِهِ كَالرَّهْنِ.
(فَإِنْ مَاتَ الْبَائِعُ) بَعْدَ فَسْخِ الْبَيْعِ (فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهِ) أَيْ بِحَبْسِ مَا اشْتَرَاهُ (حَتَّى يَأْخُذَ
ثَمَنَهُ)
فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ وَلَا لِلْغُرَمَاءِ حَبْسُ الثَّمَنِ حَتَّى يَأْخُذَ الْمَبِيعَ ذَكَرَ الثَّمَنَ مَقَامَ الْقِيمَةِ لِانْعِدَامِ الْفَسَادِ بِالْفَسْخِ وَلَا يَدْخُلُ الْمَبِيعُ فِي قِسْمَةِ غُرَمَاءِ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُقَدَّمٌ حَالَ حَيَاتِهِ وَكَذَا يُقَدَّمُ بَعْدَ وَفَاتِهِ عَلَى التَّجْهِيزِ وَالْغُرَمَاءِ، فَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي دَرَاهِمَ الثَّمَنِ بِعَيْنِهَا لَوْ قَائِمَةً وَيَأْخُذُ مِثْلَهَا لَوْ هَالِكَةً، وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَالْبَائِعُ أَحَقُّ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ (وَطَابَ لِلْبَائِعِ رِبْحُ ثَمَنِهِ) مِنْ دَرَاهِمِ الْمَبِيعِ أَوْ دَنَانِيرِهِ (بَعْدَ التَّقَابُضِ) أَيْ اشْتِرَاكِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ لِتَمَلُّكِهِ وَلَمْ يَطِبْ قَبْلَهُ لِعَدَمِ تَمَلُّكِهِ (لَا) أَيْ لَا يَطِيبُ (لِلْمُشْتَرِي رِبْحُ مَبِيعِهِ فَيَتَصَدَّقُ) الْمُشْتَرِي (بِهِ) أَيْ بِالرِّبْحِ وُجُوبًا وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَبِيعَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهِ فَيَتَمَكَّنُ الْخَبَثُ فِيهِ وَالنَّقْدُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ الْعَقْدُ الثَّانِي بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْخَبَثُ فَلَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ، وَهَذَا فِي الْخَبَثِ الَّذِي سَبَّبَهُ فَسَادُ الْمِلْكِ أَمَّا الْخَبَثُ بِعَدَمِ الْمِلْكِ كَالْغَصْبِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ يَشْمَلُ النَّوْعَيْنِ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ حَقِيقَةً وَفِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ شُبْهَةً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَتَعَلَّقُ بِهِ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ أَوْ تَقْدِيرُ الثَّمَنِ وَعِنْدَ فَسَادِ الْمِلْكِ تَنْقَلِبُ الْحَقِيقَةُ شُبْهَةً وَالشُّبْهَةُ تَنْزِلُ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ وَالشُّبْهَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ النَّازِلِ عَنْهَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ مُطْلَقًا لِأَنَّ عِنْدَهُ شَرْطَ الطِّيبِ الضَّمَانُ وَقَدْ وُجِدَ وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لَا يَطِيبُ فِي الْكُلِّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا.
وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فَإِنْ قِيلَ ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ ثُمَّ إذَا كَانَتْ دَرَاهِمُ الثَّمَنِ قَائِمَةً يَأْخُذُهَا الْمُشْتَرِي بِعَيْنِهَا لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ فَهَذَا يُنَاقِضُ مَا قُلْتُمْ مِنْ عَدَمِ تَعَيُّنِ الدَّرَاهِمِ قُلْنَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ لِهَذَا الْعَقْدِ شُبْهَتَيْنِ شُبْهَةُ الْغَصْبِ وَشُبْهَةُ الْبَيْعِ فَإِذَا كَانَتْ قَائِمَةً اُعْتُبِرَ شُبْهَةُ الْغَصْبِ سَعْيًا فِي رَفْعِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ قَائِمَةً فَاشْتَرَى بِهَا شَيْئًا تُعْتَبَرُ شُبْهَةُ الْبَيْعِ حَتَّى لَا يَسْرِي الْفَسَادُ إلَى بَدَلِهِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ انْتَهَى.
وَفِي الدُّرَرِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ لَا يُفِيدُ التَّوْفِيقَ بَيْنَ كَلَامَيْ الْهِدَايَةِ وَإِنَّمَا يُفِيدُ دَلِيلًا لِلْمَسْأَلَةِ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا يَرِدُ عَلَى الْهِدَايَةِ فَالْوَجْهُ مَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ وَهِيَ إنَّمَا لَا تَتَعَيَّنُ لَا عَلَى الْأَصَحِّ وَهِيَ مَا مَرَّ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ الدَّفْعُ بِوَجْهٍ آخَرَ بِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْعُقُودِ الْعُقُودُ الصَّحِيحَةُ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ فَحِينَئِذٍ عَدَمُ التَّعَيُّنِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَغْصُوبِ أَوْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي فَلَا يَضُرُّ تَعَيُّنُهُ فِي الْأَوَّلِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ بِلَا حَصْرٍ تَدَبَّرْ.
وَفِي الْفَرَائِدِ كَلَامُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ يُفِيدُ دَفْعَ التَّنَاقُضِ لِأَنَّ حَاصِلَ التَّنَاقُضِ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ قَالَ فِيمَا سَبَقَ: الثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ.
وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَتَعَيَّنُ وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّ التَّعَيُّنَ بِالتَّعْيِينِ فِي حَالَةِ قِيَامِ الثَّمَنِ، وَعَدَمَ التَّعَيُّنِ
فِي حَالَةِ عَدَمِهِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ إلَّا إذَا اتَّحَدَ الْجِهَتَانِ انْتَهَى هَذَا وَجْهٌ لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا صَرَّحُوا بِهِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا ثُمَّ إنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الثَّمَنِ قَائِمَةً يَأْخُذُهَا بِعَيْنِهَا لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ لَا تَتَعَيَّنُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا فَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ هَذَا التَّوْجِيهَ لَيْسَ بِدَافِعٍ تَدَبَّرْ.
(كَمَا طَابَ رِبْحُ مَالٍ ادَّعَاهُ فَقَضَى) أَيْ قَضَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ الْمَالَ (ثُمَّ تَصَادَقَا) أَيْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ (عَلَى عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ وُجُوبِ الْمَالِ الْمُدَّعَى (فَرَدَّ) الْمَالَ (بَعْدَمَا رَبِحَ فِيهِ الْمُدَّعِي) لِأَنَّ الْمَالَ الْمُؤَدَّى يَكُونُ بَدَلَ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْمُدَّعِي بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذْ الْمَرْءُ يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ حُكْمًا فَيَصِيرُ الْمُدَّعِي بَائِعًا دَيْنَهُ بِمَا أَخَذَ فَإِذَا تَصَادَقَا عَلَى عَدَمِ الدَّيْنِ صَارَ الْمُدَّعِي كَأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الدَّيْنَ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مِلْكًا بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ هُنَا فَاسِدٌ فِي حَقِّ الْبَدَلِ وَهُوَ غَيْرُ قَائِمَةٍ فَلَا يُؤَثِّرُ الْخَبَثُ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ.
(فَإِنْ بَاعَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا صَحَّ) بَيْعُهُ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِالْقَبْضِ فَيَنْفُذُ فِيهِ تَصَرُّفُهُ. قَيَّدَ صَاحِبُ التَّنْوِيرِ بَيْعًا بَاتًّا صَحِيحًا وَلِغَيْرِ بَائِعِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ فَاسِدًا لَا يَمْنَعُ النَّقْضَ كَالْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَلِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ مِنْ بَائِعِهِ كَانَ نَقْضًا لِلْبَيْعِ هَذَا فِي الْعَقْدِ الَّذِي فَسَادُهُ لَيْسَ بِالْإِكْرَاهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَاسِدًا بِالْإِكْرَاهِ فَإِنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي كُلَّهَا تُنْتَقَضُ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ احْتِرَازًا عَنْ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قِيلَ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ (فَاسِدًا) أَنْ يُؤَجِّرَهُ مِنْ غَيْرِهِ إجَارَةً صَحِيحَةً، وَقِيلَ يَمْلِكُهَا بَعْدَ قَبْضِهِ كَمُشْتَرٍ (فَاسِدًا) لَهُ الْبَيْعُ (جَائِزًا) وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ لِلْمُؤَجِّرِ الْأَوَّلِ نَقْضَ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ.
(وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَهُ) أَيْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا الْعَبْدَ بَعْدَ قَبْضِهِ صَحَّ وَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ وَكَذَا تَوَابِعُ الْإِعْتَاقِ مِنْ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَاءِ وَالْكِتَابَةِ إلَّا أَنَّهُ يَعُودُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ (أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ) أَيْ إذَا وَهَبَهُ الْمُشْتَرِي وَسَلَّمَهُ ارْتَفَعَ الْفَسَادُ وَصَحَّ (وَسَقَطَ) بِكُلٍّ مِنْ الْبَيْعِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْهِبَةِ وَبِالتَّسْلِيمِ (حَقُّ الْفَسْخِ) الَّذِي كَانَ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَ الْمَبِيعَ بِالْقَبْضِ فَنَفَذَ فِيهِ تَصَرُّفَاتُهُ الْمَذْكُورَةُ، وَيَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَالْفَسْخُ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَمَا اجْتَمَعَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ إلَّا وَقَدْ غُلِّبَ حَقُّ الْعَبْدِ لِحَاجَتِهِ وَغَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُشْتَرِي (قِيمَتُهُ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ وَالرَّهْنُ كَالْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَازِمٌ فَيُثْبِتُ عَجْزَهُ عَنْ رَدِّ الْعَيْنِ فَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ إلَّا أَنَّهُ يَعُودُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ بِفَكِّهِ وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِالْبَيْعِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ مَاتَ سَقَطَ الْفَسْخُ فَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ.
(وَلَوْ بَنَى) الْمُشْتَرِي (فِي دَارٍ اشْتَرَاهَا فَاسِدًا أَوْ غَرَسَ فِيهَا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا) أَيْ قِيمَةُ الدَّارِ وَالْأَرْضِ وَيَنْقَطِعُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ عِنْدَ الْإِمَامِ رَوَاهُ يَعْقُوبُ عَنْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ شَكَّ بَعْدَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ