الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَبْتُك بِكَذَا فَهُوَ بَيْعٌ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْحَقَائِقِ وَالْغَايَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بَيْعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَرْفُ الشَّرْطِ كَلِمَةَ إنْ بِأَنْ يَقُولَ: وَهَبْتُك كَذَا إنْ كَانَ كَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ بَاطِلَةً كَالْبَيْعِ.
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَة فِي الْهِبَة]
فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ (وَمَنْ وَهَبَ أَمَةً إلَّا حَمْلَهَا أَوْ) وَهَبَهَا (عَلَى) شَرْطِ (أَنْ يَرُدَّهَا) أَيْ يَرُدَّ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْأَمَةَ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَاهِبِ (أَوْ) عَلَى أَنْ (يُعْتِقَهَا أَوْ) عَلَى أَنْ (يَسْتَوْلِدَهَا) أَيْ يَتَّخِذَ الْأَمَةَ أُمَّ وَلَدٍ (صَحَّتْ الْهِبَةُ) فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا (وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ إلَّا فِي مَحَلٍّ يَعْمَلُ فِيهِ الْعَقْدُ، وَالْهِبَةُ لَا تَعْمَلُ فِي الْحَمْلِ قَصْدًا؛ لِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يَعْلَمُ وُجُودَهُ حَقِيقَةً فَتَصِحُّ فِيهِمَا، وَفِي الْجَنِينِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ إفْرَادَ الْحَمْلِ بِالْوَصِيَّةِ جَائِزٌ، وَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ.
(وَ) بَطَلَ (الشَّرْطُ) فِي الصُّوَرِ الْبَاقِيَةِ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَالتَّمْلِيكِ فَيَكُونُ فَاسِدًا، وَالْهِبَةُ لَا تَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَمَا مَرَّ.
(وَكَذَا) تَصِحُّ الْهِبَةُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ (لَوْ وَهَبَ دَارًا عَلَى أَنْ يَرُدَّ) أَيْ الْمَوْهُوبُ لَهُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَاهِبِ (بَعْضَهَا) أَيْ الدَّارِ (أَوْ) عَلَى أَنْ (يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا) أَيْ مِنْ الدَّارِ، وَاعْتَرَضَ الزَّيْلَعِيُّ تَبَعًا لِصَاحِبِ النِّهَايَةِ عَلَى قَوْلِهِمْ أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَمَّا الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَهِيَ وَالشَّرْطُ جَائِزَانِ فَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ: وَبَطَلَ الشَّرْطُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُعَوِّضَهُ عَنْهَا شَيْئًا مِنْ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ فَهُوَ تَكْرَارٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْهَا انْتَهَى، وَأَجَابَ صَاحِبُ الدُّرَرِ بِأَنْ نَخْتَارَ الشِّقَّ الْأَوَّلَ، وَقَوْلُهُ: فَهِيَ وَالشَّرْطُ جَائِزَانِ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا كَمَا عَرَفْت مِنْ الْمَبَاحِثِ السَّابِقَةِ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ، وَكَذَا الْحَالُ فِي الصَّدَقَةِ انْتَهَى لَكِنْ إنَّ مَا جَعَلَ مَبْنَى الْجَوَابِ مِنْ كَوْنِ الْعِوَضِ الْمَجْهُولِ شَرْطًا فَاسِدًا مُوَافِقٌ لِلْخَانِيَةِ فِي مَسْأَلَةِ هِبَةِ الْأَرْضِ بِشَرْطِ إنْفَاقِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا عَلَى الْوَاهِبِ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَلَمْ يُسَمِّ الْعِوَضَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَقْتَضِي عِوَضًا مَجْهُولًا، وَقَدْ أَجَابَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّا نَخْتَارُ الشِّقَّ الثَّانِيَ وَلَا تَكْرَارَ؛ لِأَنَّ فِي عِبَارَةِ الْعِوَضِ مَظِنَّةَ الصِّحَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى لَكِنَّ الْأَوْلَى مَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ التَّكْرَارُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَنْهُ شَيْئًا مِنْهَا لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ عِوَضًا إنَّمَا هُوَ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَدًّا وَلَا يَكُونَ عِوَضًا لِعَدَمِ الِاسْتِلْزَامِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا فَصَرِيحٌ بِالْعِوَضِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ.
(وَلَوْ دَبَّرَ الْحَمْلَ، ثُمَّ وَهَبَهَا) أَيْ الْأَمَةَ (فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ) ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْوَاهِبِ
إلَى مَوْتِهِ فَصَارَ كَهِبَةِ الْمُشَاعِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَهُ) أَيْ الْحَمْلَ (ثُمَّ وَهَبَهَا) أَيْ الْأَمَةَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْعِتْقُ فِي الْوَلَدِ وَالْهِبَةِ فِي الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ لَمْ يَبْقَ عَلَى مِلْكِ الْوَاهِبِ فَلَمْ تَشْتَغِلْ الْأَمَةُ غَيْرَ حَضَانَةِ الْوَلَدِ.
(وَمَنْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ: إذَا جَاءَ غَدٌ فَالدَّيْنُ لَك أَوْ) قَالَ: (فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ (أَوْ) قَالَ: (إنْ أَدَّيْت إلَيَّ نِصْفَهُ) أَيْ الدَّيْنِ (فَالْبَاقِي) أَيْ النِّصْفُ الْآخَرُ (لَك أَوْ) قَالَ لَهُ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ نِصْفَهُ (فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ النِّصْفِ الْبَاقِي (فَهُوَ بَاطِلٌ) ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ وَإِسْقَاطٌ مِنْ وَجْهٍ؛ وَلِهَذَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ، وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ يَخْتَصُّ بِالْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَهَذَا تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ فَيَبْطُلُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ النِّصْفِ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ إلَيَّ النِّصْفَ؛ لِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ، وَلَيْسَ بِتَعْلِيقٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ: إنْ كَانَ لِي عَلَيْك دَيْنٌ أَبْرَأْتُك عَنْهُ، وَلَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ صَحَّ الْإِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ كَائِنٍ فَيَكُونُ تَنْجِيزًا، وَلَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا الْمَرِيضِ: إنْ مِتَّ مِنْ مَرَضِك هَذَا فَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ مَهْرِي أَوْ قَالَتْ: مَهْرِي عَلَيْك صَدَقَةٌ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مُخَاطَرَةٌ وَتَعْلِيقٌ، وَلَوْ قَالَ الطَّالِبُ لِمَدْيُونِهِ: إذَا مِتُّ فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْك جَازَ وَيَكُونُ وَصِيَّةً مِنْ الطَّالِبِ لِلْمَطْلُوبِ كَمَا فِي الْمِنَحِ.
(وَالْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِلْمُعْمَرِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ، وَهُوَ الْمَوْهُوبُ لَهُ (حَالَ حَيَاتِهِ وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ وَفَاتِهِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مِنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهُوَ لِلْمُعْمَرِ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ» ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ بُطْلَانُ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام: وَلِوَرَثَتِهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى تَفْسِيرِ الْعُمْرَى بِقَوْلِهِ:(وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ لَهُ مُدَّةَ عُمْرِهِ، فَإِذَا مَاتَ رُدَّتْ) الدَّارُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْوَاهِبِ بَطَلَ شَرْطُ الرَّدِّ بَعْدَ الْمَوْتِ لِمَا مَرَّ.
(وَالرُّقْبَى) بِضَمِّ الرَّاءِ (بَاطِلَةٌ)، فَإِنْ قَبَضَهَا كَانَتْ عَارِيَّةً (فِي يَدِهِ) هَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَصِحُّ كَالْعُمْرَى) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ:«الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِمَنْ أُعْمِرَهَا وَالرُّقْبَى جَائِزَةٌ لِمَنْ أُرْقِبَهَا» وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْإِرْقَابِ مَعْنَاهُ رَقَبَةُ دَارِي لَك، وَذَلِكَ جَائِزٌ لَكِنْ لَمَّا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ لَمْ تَثْبُتْ الْهِبَةُ بِالشَّكِّ فَتَكُونُ عَارِيَّةً، ثُمَّ أَشَارَ إلَى تَفْسِيرِهَا بِقَوْلِهِ:(وَهِيَ أَنْ يَقُولَ: إنْ مِتُّ قَبْلَك فَلَكَ ذَلِكَ، وَإِنْ مِتَّ قَبْلِي فَلِي) فَيَتَرَقَّبُ كُلُّ وَاحِدٍ مَوْتَ صَاحِبِهِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ بَعَثَ إلَى امْرَأَتِهِ مَتَاعًا، وَبَعَثَتْ لَهُ أَيْضًا، ثُمَّ افْتَرَقَا بَعْدَ الزِّفَافِ، وَادَّعَى أَنَّهُ عَارِيَّةٌ، وَأَرَادَ الِاسْتِرْدَادَ وَأَرَادَتْ أَيْضًا يَسْتَرِدُّ كُلٌّ مَا أَعْطَى لِمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي ظَهِيرِ الدِّينِ مِنْ أَنَّهُ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبَعَثَ هَدَايَا إلَيْهَا وَعُوِّضَتْ الْمَهْرَ