الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِيَمِينِ صَاحِبِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ (وَمَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ) أَوْ عَنْ وَلَدِهِ (فَلَهُ) أَيْ لِمَنْ وَالَى (أَنْ يَفْسَخَهُ) أَيْ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ بِغَيْرِ رِضَى صَاحِبِهِ (قَوْلًا) بِأَنْ قَالَ فَسَخْت عَقْدَ الْمُوَالَاةِ مَعَك؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَلَا يَكُونُ لَازِمًا (بِحَضْرَتِهِ) أَيْ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَاقِعٌ مِنْهُمَا فَلَا يَفْسَخُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ كَالْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ (وَفِعْلًا مَعَ غَيْبَتِهِ) أَيْ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ (بِأَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ) بِأَنْ وَلَّى رَجُلًا آخَرَ فَيَكُونُ فَسْخًا لِلْعَقْدِ مَعَ الْأَوَّلِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ حُضُورُ صَاحِبِهِ لِثُبُوتِ الِانْفِسَاخِ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ الثَّانِي مَعَ الْآخَرِ فَصَارَ كَالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ فِي الْوَكَالَةِ وَكُلٌّ مِنْ الْفَسْخَيْنِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ (وَبَعْدَ أَنْ عَقَلَ) الْأَعْلَى (عَنْهُ أَوْ عَنْ وَلَدِهِ لَا يَفْسَخُهُ) أَيْ عَقْدَ الْمُوَالَاةِ (هُوَ) أَيْ الْأَسْفَلُ (وَلَا وَلَدُهُ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ وَلِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَلِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ (وَلِلْأَعْلَى أَيْضًا) أَيْ كَالْأَسْفَلِ (أَنْ يَبْرَأَ عَنْ وَلَائِهِ) أَيْ الْأَسْفَلِ (بِمَحْضَرِهِ) أَيْ الْأَسْفَلِ لِعَدَمِ اللُّزُومِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي هَذَا أَنْ يَكُونَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ.
(وَلَوْ أَسْلَمَتْ امْرَأَةٌ فَوَالَتْ) رَجُلًا بِشُرُوطِهَا (أَوْ أَقَرَّتْ بِالْوَلَاءِ) أَيْ أَقَرَّتْ أَنَّهَا مَوْلَاةٌ لِفُلَانٍ (فَوَلَدَتْ) وَلَدًا (مَجْهُولَ النَّسَبِ) أَيْ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ (أَوْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ كَذَلِكَ) أَيْ كَانَ الصَّغِيرُ مَجْهُولَ النَّسَبِ كَذَلِكَ صَحَّ إقْرَارُهَا عَلَى نَفْسِهَا وَ (تَبِعَهَا فِيهِ) أَيْ تَبِعَ الْوَلَدُ أُمَّهُ فِي الْوَلَاءِ وَيَصِيرَانِ مَوْلَى فُلَانٍ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا لَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ لَا وِلَايَةَ لَهَا عَلَى مَالِ الصَّغِيرِ فَلَا يَكُونُ لَهَا وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ
وَلَهُ أَنَّ الْوَلَاءَ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ فَيَكُونُ نَفْعُهَا مَحْضًا فِي حَقِّ الصَّغِيرِ الْمَجْهُولِ النَّسَبِ فَتَمْلِكُهُ الْأُمُّ كَقَبُولِ الْهِبَةِ.
وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ أَنَّهُ مُعْتَقُ فُلَانٍ فَكَذَّبَهُ الْمُقِرُّ لَهُ فِي الْوَلَاءِ أَصْلًا أَوْ قَالَ لَا بَلْ وَالَيْتنِي فَأَقَرَّ الْمُقِرُّ لِغَيْرِهِ فَالْوَلَاءُ لَا يَصِحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ.
[كِتَابُ الْإِكْرَاهِ]
ِ قِيلَ الْمُوَالَاةُ تَغْيِيرُ حَالِ الْمَوْلَى الْأَعْلَى عَنْ حُرْمَةِ أَكْلِ مَالٍ لِمَوْلَى الْأَسْفَلِ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى حِلِّهِ كَمَا أَنَّ الْإِكْرَاهَ تَغْيِيرُ حَالِ الْمُخَاطَبِ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْحِلِّ فَكَانَ مُنَاسِبًا أَنْ يَذْكُرَ الْإِكْرَاهَ عَقِيبَ الْمُوَالَاةِ (هُوَ) لُغَةً مَصْدَرُ أَكْرَهَهُ إذَا حَمَلَهُ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ وَالْكَرْهُ بِالْفَتْحِ اسْمٌ مِنْهُ (فِعْلٌ يُوقِعُهُ الْإِنْسَانُ بِغَيْرِهِ يَفُوتُ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْفِعْلِ (رِضَاهُ) أَيْ رِضَى ذَلِكَ الْغَيْرِ فَقَطْ بِدُونِ فَسَادِ اخْتِيَارِهِ كَالْحَبْسِ مَثَلًا (أَوْ يُفْسِدُ اخْتِيَارَهُ) مَعَ تَحَقُّقِ عَدَمِ الرِّضَى أَيْضًا كَالتَّهْدِيدِ بِالْقَتْلِ مَثَلًا.
وَفِي الدُّرَرِ أَنَّ عَدَمَ الرِّضَى مُعْتَبَرٌ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْإِكْرَاهِ وَأَصْلُ الِاخْتِيَارِ ثَابِتٌ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ لَكِنْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ يَفْسُدُ الِاخْتِيَارُ وَفِي بَعْضِهَا لَا يَفْسُدُ أَقُولُ هَذَا هُوَ الْمَسْطُورُ
فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ حَتَّى قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي التَّنْقِيحِ وَهُوَ إمَّا مُلْجِئٌ بِأَنْ يَكُونَ بِفَوْتِ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ وَهَذَا مُعْدِمٌ لِلرِّضَى مُفْسِدٌ لِلِاخْتِيَارِ وَإِمَّا غَيْرُ مُلْجِئٍ بِأَنْ يَكُونَ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ ضَرْبٍ وَهَذَا مُعْدِمٌ لِلرِّضَى غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلِاخْتِيَارِ فَلَا يَصِحُّ مَا قَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَهُوَ فِعْلٌ يُوقِعُهُ بِغَيْرِهِ فَيَفُوتُ بِهِ رِضًى أَوْ يُفْسِدُ اخْتِيَارَهُ فَإِنَّ فِيهِ جَعْلَ قِسْمِ الشَّيْءِ قَسِيمًا لَهُ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ الرِّضَى فَقَطْ وَالْقِسْمَ الثَّانِيَ الرِّضَى مَعَ الِاخْتِيَارِ.
وَقَالَ فِي الْإِصْلَاحِ وَهَذَا ظَاهِرٌ بِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ فَمَنْ وَهَمَ أَنَّ فِيهِ جَعْلَ قَسْمِ الشَّيْءِ قَسِيمًا لَهُ فَقَدْ وَهَمَ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَعَ الرِّضَى وَهَذَا صَحِيحٌ قِيَاسًا وَأَمَّا اسْتِحْسَانًا فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ هُدِّدَ بِحَبْسِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ أَوْ أَخِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ وَاحِدٍ مِنْ مَحَارِمِهِ وَلَا بِالْبَيْعِ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِ كَانَ إكْرَاهًا اسْتِحْسَانًا فَلَا يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَيَنْفُذُ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ حَقِيقَةً (مَعَ بَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ) أَيْ الْإِكْرَاهِ بِقِسْمَيْهِ لِصَحِيحِ الِاخْتِيَارِ وَفَاسِدِهِ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ وَالْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ بِالذِّمَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْإِكْرَاهُ لَا يُخِلُّ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَخَطَرٍ وَرُخْصَةٍ وَمَرَّةً يَأْثَمُ وَمَرَّةً يُثَابُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَشَرْطُهُ) أَيْ شَرْطُ الْإِكْرَاهِ مُطْلَقًا أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ (قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (عَلَى إيقَاعِ مَا هَدَّدَ بِهِ سُلْطَانًا كَانَ أَوْ لِصًّا) هَذَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ مُتَغَلِّبٍ قَادِرٌ عَلَى الْإِيقَاعِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا إكْرَاهَ إلَّا مِنْ السُّلْطَانِ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ لَا تَكُونُ بِلَا مَنَعَةٍ وَالْمَنَعَةُ لِلسُّلْطَانِ قَالُوا هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ؛ لِأَنَّ زَمَانَ الْإِمَامِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ مِنْ الْقُدْرَةِ مَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْإِكْرَاهُ وَزَمَانَهُمَا كَانَ فِيهِ ذَلِكَ فَيَتَحَقَّقُ الْإِكْرَاهُ مِنْ كُلِّ مُتَغَلِّبٍ لِفَسَادِ زَمَانِهِمَا وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الزَّوْجُ سُلْطَانُ زَوْجَتِهِ فَيَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْإِكْرَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ وَسَوْقُهُ لِلَّفْظِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَعْلَى الْوِفَاقِ وَفِي الْمِنَحِ تَفْصِيلٌ فَلْيُطَالَعْ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ مُجَرَّدَ الْأَمْرِ مِنْ السُّلْطَانِ إكْرَاهٌ مَعَ تَهْدِيدٍ.
(وَ) الثَّانِي (خَوْفُ الْمُكْرَهِ) بِالْفَتْحِ (وُقُوعَ ذَلِكَ) أَيْ مَا هَدَّدَ بِهِ الْحَامِلُ بِأَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُوقِعُهُ وَالْحَامِلُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَقِيقِيًّا كَمَا إذَا كَانَ حَاضِرًا أَوْ حُكْمِيًّا كَمَا إذَا كَانَ غَائِبًا وَرَسُولُهُ حَاضِرٌ خَافَ الْفَاعِلُ مِنْهُ خَوْفَ الْمُرْسَلِ وَأَمَّا إذَا غَابَ الرَّسُولُ أَيْضًا فَلَا إكْرَاهَ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) الثَّالِثُ (كَوْنُهُ) أَيْ كَوْنُ الْمُكْرَهِ (مُمْتَنِعًا قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْإِكْرَاهِ (عَنْ فِعْلِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ) .
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ إذْ لَوْ لَمْ يَمْتَنِعْ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ إكْرَاهًا لِفَوَاتِ رُكْنِهِ وَهُوَ فَوْتُ الرِّضَى كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُسْتَدْرِكٌ (لِحَقِّهِ) أَيْ لِحَقِّ نَفْسِهِ كَبَيْعِ مَالِهِ أَوْ إتْلَافِهِ بِلَا عِوَضٍ أَوْ إعْتَاقِ عَبْدِهِ وَلَوْ بِمَالٍ أَوْ أَجْرٍ أُخْرَوِيٍّ (أَوْ لِحَقِّ) شَخْصٍ (آخَرَ) كَإِتْلَافِ مَالِ آخَرَ (أَوْ لِحَقِّ الشَّرْعِ) كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لِهَذِهِ الْحُقُوقِ يُعْدِمُ
الرِّضَى لِامْتِنَاعِهِ قَبْلَ الْإِكْرَاهِ (وَ) الرَّابِعُ (كَوْنُ الْمُكْرَهِ بِهِ مُتْلِفًا نَفْسًا أَوْ عُضْوًا) مِنْ الْأَعْضَاءِ (أَوْ مُوجِبًا عَمَّا يُعْدِمُ الرِّضَى) ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ شَرِيفًا يَغْتَمُّ بِكَلَامٍ خَشِنٍ فَيُعَدُّ مِثْلُ هَذَا فِي حَقِّهِ إكْرَاهًا إذْ هُوَ أَشَدُّ لَهُ مِنْ أَلَمِ الضَّرْبِ وَمَنْ كَانَ رَذِيلًا فَلَا يَغْتَمُّ إلَّا بِضَرْبٍ مُؤْلِمٍ أَوْ بِحَبْسٍ شَدِيدٍ فَلَا يُعَدُّ الضَّرْبُ مَرَّةً بِسَوْطٍ وَلَا الْحَبْسُ سَاعَةً بَلْ يَوْمًا فِي حَقِّهِ إكْرَاهًا لِكَوْنِ الْأَشْخَاصِ مُتَفَاوِتِينَ وَلِذَا قَيَّدَ مَا يُوجِبُ الْغَمَّ بِإِعْدَامِ الرِّضَى.
وَفِي الْمِنَحِ الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ لَا يُعْدِمُ الِاخْتِيَارَ شَرْعًا كَالْعِنِّينِ إذَا أَكْرَهَهُ الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَدْيُونَ إذَا أَكْرَهَهُ الْقَاضِي عَلَى بَيْعِ مَالِهِ نَفَذَ بَيْعُهُ وَالذِّمِّيَّ إذَا أَسْلَمَ عَبْدُهُ فَأُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ نَفَذَ بَيْعُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى الْبَيْعِ بِغَيْرِ حَقٍّ (فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعِ) مَالِهِ (أَوْ شِرَاءِ) سِلْعَةٍ (أَوْ إجَارَةِ) دَارٍ (أَوْ إقْرَارٍ) أَيْ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لِرَجُلٍ بِدَيْنٍ (بِقَتْلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِأُكْرِهَ بِأَنْ قَالَ افْعَلْهُ وَإِلَّا أَقْتُلْك (أَوْ) أُكْرِهَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِنَحْوِ (ضَرْبٍ شَدِيدٍ أَوْ حَبْسٍ مَدِيدٍ) أَوْ قَيْدٍ مُؤَبَّدٍ (خُيِّرَ) الْمُكْرَهُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ عَنْهُ (بَيْنَ الْفَسْخِ) أَيْ فَسْخِ الْعَقْدِ الصَّادِرِ وَيَرْجِعُ عَنْ الْإِقْرَارِ لِانْعِدَامِ الشَّرْطِ وَهُوَ الرِّضَى بِالْإِكْرَاهِ سَوَاءٌ كَانَ الْإِكْرَاهُ مُلْجِئًا أَوْ غَيْرُ مُلْجِئٍ (وَالْإِمْضَاءِ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَالْإِقْرَارَ يُثْبِتُ الْمِلْكَ وَلَوْ بِإِكْرَاهٍ وَيَمْنَعُ النَّفَاذَ الَّذِي لَا يَكُونُ فِيهِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِلْعَاقِدِ لِأَنَّ هَذَا النَّفَاذَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعَقْدِ بِالطَّوْعِ.
(وَيَمْلِكُهُ) أَيْ الْمَبِيعَ (الْمُشْتَرِي مِلْكًا فَاسِدًا إنْ قَبَضَهُ) أَيْ إذَا بَاعَ مُكْرَهًا ثَبَتَ فِيهِ الْمِلْكُ إنْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَوْقُوفٌ وَالْمَوْقُوفُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ وَلَنَا أَنَّهُ فَاتَ شَرْطُهُ وَهُوَ الرِّضَى بَعْدَ وُجُودِ الرُّكْنِ فَصَارَ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ جَعَلُوا بَيْعَ الْوَفَاءِ كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِعْت هَذَا الْعَيْنَ مِنْك بِدَيْنٍ لَك عَلَيَّ عَلَى أَنِّي مَتَى قَضَيْت دَيْنِي فَهُوَ لِي وَبَعْضُهُمْ جَعَلُوهُ رَهْنًا لَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَأَيُّ شَيْءٍ أَكَلَ مِنْ زَوَائِدِهِ يَضْمَنُ وَيَسْتَرِدُّهُ عِنْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ الْبَائِعُ لَا يَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ وَسَقَطَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ وَبَعْضُهُمْ جَعَلُوهُ بَيْعًا جَائِزًا مُفِيدًا لِبَعْضِ الْأَحْكَامِ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِهِ دُونَ الْبَعْضِ وَهُوَ الْبَيْعُ.
وَفِي النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَبَعْضُهُمْ جَعَلُوهُ بَيْعًا بَاطِلًا.
وَفِي الْكَافِي وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعَقْدَ الْجَارِيَ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لَا يَكُونُ رَهْنًا ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ ذَكَرَا شَرْطَ الْفَسْخِ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ أَدَاءِ الدَّيْنِ فَسَدَ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا أَوْ تَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْبَيْعِ بِالْوَفَاءِ أَوْ تَلَفَّظَا بِالْبَيْعِ الْجَائِزِ وَالْحَالُ أَنَّ عِنْدَهُمَا أَيْ فِي زَعْمِهِمَا هَذَا الْبَيْعُ عِبَارَةٌ عَنْ بَيْعٍ غَيْرِ لَازِمٍ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ حِينَئِذٍ عَمَلًا بِزَعْمِهِمَا وَإِنْ ذَكَرَا الْبَيْعَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَذَكَرَا الشَّرْطَ عَلَى الْوَجْهِ الْمِيعَادِ جَازَ الْبَيْعُ وَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِالْمِيعَادِ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ أَعْتَقَ) الْمُشْتَرِي (صَحَّ إعْتَاقُهُ) لِكَوْنِهِ مَلَكَهُ وَكَذَا تَصَرُّفُهُ فِيهِ تَصَرُّفًا
لَا يُمْكِنُهُ نَقْضُهُ (وَلَزِمَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِيَ (قِيمَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا مَلَكَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (وَقَبَضَ) الْمُكْرَهُ (الثَّمَنَ) مِنْ الْمُشْتَرِي (أَوْ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ) لِلْمُشْتَرِي حَالَ كَوْنِهِ (طَوْعًا) أَيْ طَائِعًا قَيْدٌ لِلْمَذْكُورَيْنِ (إجَازَةً) بِالْبَيْعِ إذْ الْقَبْضُ وَالتَّسْلِيمُ طَائِعًا دَلِيلُ الرِّضَى (لَا فِعْلُهُمَا كَرْهًا) أَيْ إنْ قَبَضَ الثَّمَنَ وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ مُكْرَهًا لَا يَنْفُذُ الْبَيْعُ لِعَدَمِ الرِّضَى (وَلَا دَفَعَ الْهِبَةَ طَوْعًا بَعْدَ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهَا) أَيْ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْهِبَةِ دُونَ التَّسْلِيمِ وَسَلَّمَ طَوْعًا لَا يَكُونُ إجَازَةً؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُكْرِهِ إنَّمَا هُوَ اسْتِحْقَاقُ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا مُجَرَّدُ لَفْظِ الْهِبَةِ وَالِاسْتِحْقَاقُ لَا يَثْبُتُ فِيهَا بِدُونِ التَّسْلِيمِ فَكَانَ التَّسْلِيمُ فِيهَا دَاخِلًا فِي الْإِكْرَاهِ وَالْإِكْرَاهُ فِي الْبَيْعِ يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلَمْ يَكُنْ التَّسْلِيمُ فِيهِ دَاخِلًا فِي الْإِكْرَاهِ فَافْتَرَقَا.
(فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ مُشْتَرٍ غَيْرِ مُكْرَهٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْبَائِعُ مُكْرَهٌ (لَزِمَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِيَ (قِيمَتُهُ) أَيْ قِيمَةُ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ الْمُكْرَهِ لِكَوْنِ الْعَقْدِ فَاسِدًا فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ (وَلِلْبَائِعِ تَضْمِينُ أَيٍّ شَاءَ مِنْ الْمُكْرِهِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (وَالْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَخْلًا فِي هَلَاكِ مَالِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالذَّاتِ وَوَاحِدٌ آخَرُ بِالْوَاسِطَةِ (فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُكْرِهَ) بِالْكَسْرِ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ الْغَاصِبِ لِدَفْعِ مَالِ الْمَالِكِ إلَى الْمُشْتَرِي (رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ) لِأَنَّهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مَلَكَهُ فَقَامَ مَقَامَ الْمَالِكِ الْمُكْرَهِ فَيَكُونُ مَالِكًا لَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ بِالِاسْتِنَادِ (وَإِنْ ضَمَّنَ) الْبَائِعُ (الْمُشْتَرِيَ) الْأَوَّلَ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ بِالْقِيمَةِ (بَعْدَمَا تَدَاوَلَتْهُ الْبِيَاعَاتُ) بِأَنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ وَبَاعَ آخَرُ مِنْ آخَرَ ثُمَّ وَثُمَّ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ غَاصِبِ الْغَاصِبِ بِأَخْذِهِ الْمَالَ بِوَاسِطَةِ مَنْ كَانَ آلَةً لِلْبَائِعِ وَلِذَا لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْمُكْرَهِ الَّذِي كَانَ وَاسِطَةً وَآلَةً لِلْبَائِعِ (نَفَذَ كُلُّ شِرَاءٍ وَقَعَ بَعْدَ شِرَائِهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ مَالِكًا بِالضَّمَانِ فَظَهَرَ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَلِلْبَائِعِ الْمُكْرَهِ أَنْ يُضَمِّنَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ فَأَيُّهُمْ ضَمَّنَهُ مَلَكَهُ وَجَازَتْ الْبِيَاعَاتُ الَّتِي بَعْدَهُ وَ (لَا مَا) أَيْ لَا يَنْفُذُ الشِّرَاءُ الَّذِي (وَقَعَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الضَّمَانِ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ قَبْلَ التَّضْمِينِ حَتَّى يَمْلِكَهُ.
(وَإِنْ أَجَازَ) الْمَالِكُ الْمُكْرَهُ (عَقْدًا مِنْهَا) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْبَيَّاعَاتِ (جَازَ مَا قَبْلَهُ) أَيْ مَا قَبْلَ هَذَا الْعَقْدِ (أَيْضًا) أَيْ كَمَا جَازَ مَا بَعْدَهُ وَيَأْخُذُ هُوَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ مَوْجُودًا وَالْمَانِعُ مِنْ النُّفُوذِ حَقُّهُ وَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ بِالْإِجَارَةِ فَعَادَ الْكُلُّ إلَى الْجَوَازِ وَفِي الضَّمَانِ يَثْبُتُ الْمُسْتَنَدُ إلَى حِينِ الْقَبْضِ لَا مَا قَبْلَهُ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرَكِ (اسْتِرْدَادُهُ) أَيْ الثَّمَنَ (إذَا فُسِخَ) الْبَيْعُ (لَوْ) كَانَ الثَّمَنُ (بَاقِيًا) فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْمُكْرَهِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ مَالِكًا لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا لِكَوْنِهِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي وَلَوْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَقِيبَ قَوْلِهِ لَا فِعْلُهُمَا كَرْهًا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكَانَ أَنْسَبَ تَتَبَّعْ.
(وَضَرْبُ سَوْطٍ وَحَبْسُ يَوْمٍ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ) فَإِنَّهُ
لَا يُبَالِي بِمِثْلِهِ عَادَةً فَلَا يُعْدِمُ الرِّضَى وَهُوَ شَرْطٌ لِثُبُوتِ حُكْمِ الْإِكْرَاهِ (إلَّا فِيمَنْ) أَيْ فِي حَقِّ مَنْ (يَسْتَضْرِبُهُ) أَيْ بِضَرْبِ سَوْطٍ وَحَبْسِ يَوْمٍ (لِكَوْنِهِ ذَا مَنْصِبٍ) فَيَكُونُ مُكْرَهًا بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الضَّرْبِ الشَّدِيدِ فَيَفُوتُ بِهِ الرِّضَى.
وَفِي الْمَبْسُوطِ الْحَدُّ فِي الْحَبْسِ الَّذِي هُوَ إكْرَاهٌ مَا يَجِيءُ بِهِ الِاهْتِمَامُ الْبَيِّنُ بِهِ وَفِي الضَّرْبِ الَّذِي هُوَ إكْرَاهُ مَا يَجِدُ مِنْهُ الْأَلَمَ الشَّدِيدَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تَكُونُ بِالرَّأْيِ وَلَكِنَّهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْحَاكِمُ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ.
(وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ مَيْتَةٍ أَوْ) أَكْلِ (دَمٍ) وَوَقَعَ فِي الْإِصْلَاحِ أَوْ شُرْبِ دَمٍ؛ لِأَنَّ الدَّمَ مِنْ الْمَشْرُوبِ لَا مِنْ الْمَأْكُولِ لَكِنْ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنْ يَكُونَ مَأْكُولًا فِيمَا إذَا كَانَ جَامِدًا أَوْ مَشْرُوبًا فِيمَا إذَا كَانَ سَائِلًا تَدَبَّرْ (أَوْ) أَكْلِ (لَحْمِ خِنْزِيرٍ أَوْ) أُكْرِهَ عَلَى (شُرْبِ خَمْرٍ بِضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ لَا يَحِلُّ) لِلْمُكْرَهِ (التَّنَاوُلُ) ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ إكْرَاهًا مُلْجِئًا إذْ لَا يُضْطَرُّ بِمِثْلِهِ أَكْثَرُ النَّاسِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِمْ التَّحَمُّلُ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَأَضْرِبَنَّ عَلَى عَيْنَيْك أَوْ ذَكَرِك.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْإِكْرَاهُ بِالْحَبْسِ الْمُؤَبَّدِ وَالْقَيْدِ الْمُؤَبَّدِ لَا يُوجِبُ الْإِكْرَاهَ إذَا لَمْ يُمْنَعُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ لِعَدَمِ الْإِفْضَاءِ إلَى تَلَفِ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ وَإِنَّمَا يُوجِبَانِ غَمًّا وَالتَّنَاوُلُ لِلْمُحَرَّمِ لِإِزَالَةِ الْغَمِّ لَا يَحِلُّ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ لَوْ كَانَ ذَا تَنَعُّمٍ يَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ بِالْحَبْسِ الْمَذْكُورِ أَوْ بِالْحَبْسِ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ يَخَافُ عَلَيْهِ التَّلَفَ غَمًّا أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ أَوْ عَيْنِهِ بِظُلْمَةِ الْمَكَانِ يَحِلُّ وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَجْعَلْ الْحَبْسَ الَّذِي كَانَ فِي زَمَانِهِ وَهُوَ الْمُكْثُ الْمُجَرَّدُ إكْرَاهًا أَمَّا الْحَبْسُ الَّذِي أَحْدَثُوهُ الْيَوْمَ فَهُوَ إكْرَاهٌ؛ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لَا حَبْسٌ مُجَرَّدٌ.
(وَإِنْ) أُكْرِهَ عَلَى تَنَاوُلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ (بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ حَلَّ) تَنَاوُلُهَا؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ مُلْجِئٌ بِهِمَا وَحُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُقَيَّدَةٌ بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَأَمَّا حَالَةُ الِاضْطِرَارِ فَمُبْقَاةٌ عَلَى أَصْلِ الْحِلِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119](وَيَأْثَمُ) الْمُكْرَهُ (بِصَبْرِهِ عَلَى التَّلَفِ إنْ عَلِمَ الْإِبَاحَةَ) ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ عَنْ مُبَاحٍ وَأَلْقَى نَفْسَهُ فِي مَهْلَكَةٍ (كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ) أَيْ كَمَا يَكُونُ آثِمًا بِالصَّبْرِ فِي حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ وَالْجُوعِ فَأَتْلَفَ نَفْسَهُ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْمُكْرَهَ إنَّمَا أَثِمَ إذَا عَلِمَ بِالْإِبَاحَةِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَقَدْ رَجَوْنَا أَنْ يَكُونَ فِي سَعَةٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ فِيمَا فِيهِ خَفَاءٌ.
(وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ أَوْ سَبِّ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ رُخِّصَ لَهُ إظْهَارُهُ) أَيْ إظْهَارُ الْكُفْرِ أَوْ غَيْرِهِ (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) أَيْ غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ عَقِيدَتُهُ فَإِنَّ «الْمُشْرِكِينَ أَكْرَهُوا عَمَّارًا فَأَعْطَاهُمْ مَا أَرَادُوا مَعَ طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ فَقَالَ عليه السلام فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ» أَيْ إنْ عَادَ الْكُفَّارُ بِالْإِكْرَاهِ فَعُدْ إلَى اطْمِئْنَانِ الْقَلْبِ بِالْإِيمَانِ فِيمَا أَجْرَيْته عَلَى لِسَانِك وَنَزَلَ فِي حَقِّهِ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106]
وَلِأَنَّ بِهَذَا الْإِظْهَارِ لَا يَفُوتُ الْإِيمَانُ حَقِيقَةً لِقِيَامِ التَّصْدِيقِ وَفِي الِامْتِنَاعِ فَوْتُ النَّفْسِ حَقِيقَةً
فَيَسَعُهُ الْمَيْلُ إلَيْهِ (وَيُؤْجَرُ بِالصَّبْرِ عَلَى التَّلَفِ)«؛ لِأَنَّ خُبَيْبًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَدْ صَبَرَ حِينَ اُبْتُلِيَ حَتَّى صُلِبَ وَلَمْ يُظْهِرْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ وَقَالَ فِي مِثْلِهِ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ» وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ قَائِمَةٌ وَالِامْتِنَاعَ عَزِيمَةٌ فَإِذَا بَدَّلَ نَفْسَهُ لِإِعْزَازِ الدِّينِ وَإِقَامَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ شَهِيدًا.
وَفِي الْإِصْلَاحِ وَغَيْرِهِ تَفْصِيلٌ فَلْيُطَالَعْ (وَلَا رُخْصَةَ) عَلَى إجْرَاءِ الْكُفْرِ عَلَى اللِّسَانِ (بِغَيْرِهِمَا) أَيْ بِغَيْرِ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُمَا لَيْسَ بِمُلْجِئٍ.
(وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى إتْلَافِ مَالِ مُسْلِمٍ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ بِالْقَتْلِ أَوْ الْقَطْعِ (رُخِّصَ) الْإِتْلَافُ (لَهُ) أَيْ لِلْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ مَالِ الْغَيْرِ يُسْتَبَاحُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ وَقَدْ ثَبَتَتْ (وَالضَّمَانُ عَلَى الْمُكْرِهِ) بِالْكَسْرِ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ فِي حَقِّ الْإِتْلَافِ آلَةٌ لِلْمُكْرِهِ فَلَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الِاحْتِرَازِ عَنْ الْأَكْلِ وَالتَّكَلُّمِ وَالْوَطْءِ فَإِنَّ فِيهَا لَا يَصْلُحُ آلَةً وَإِلَى أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الْأَخْذِ وَالدَّفْعِ إلَى الْمُكْرِهِ إنَّمَا يَسَعُهُ إذَا كَانَ حَاضِرًا عِنْدَ الْمُكْرِهِ فَإِنْ كَانَ أَرْسَلَهُ لِيَفْعَلَ فَخَافَ إنْ ظَفَرَ يَفْعَلُ مَا يُوعِدُهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى ذَلِكَ لِزَوَالِ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ وَالْإِنْجَاءُ بِالْبُعْدِ مِنْهُ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا عُذْرَ لِأَعْوَانِ الظَّلَمَةِ فِي أَخْذِ الْأَمْوَالِ مِنْ النَّاسِ عِنْدَ غِيبَةِ الْآمِرِينَ وَتَعَلُّلَهُمْ بِأَمْرِهِمْ وَالْخَوْفَ مِنْ عُقُوبَتِهِمْ لَيْسَ بِعُذْرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ الْآمِرِ مَعَهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ فَيَكُونَ بِمَنْزِلَةِ حُضُورِ الْآمِرِ.
(أَوْ) إنْ أُكْرِهَ (عَلَى قَتْلِهِ) أَيْ قَتْلِ غَيْرِهِ (أَوْ قَطْعِ عُضْوِهِ) بِالْقَتْلِ أَوْ الْقَطْعِ (لَا يُرَخَّصُ) لَهُ فِي ذَلِكَ بَلْ يَلْزَمُ الصَّبْرُ عَلَيْهِ فَإِنْ قَتَلَهُ أَثِمَ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ لَا يُبَاحُ لِضَرُورَةٍ مَا
فَكَذَا بِهَذِهِ الضَّرُورَةِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ قَتَلَهُ وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا لَا يُرَخَّصُ وَفِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ يُرَخَّصُ لَهَا الزِّنَاءُ بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهَا الْحَدُّ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ إذَا أُكْرِهَتْ بِغَيْرِ مُلْجِئٍ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ إنْ قَتَلَ أَوْ قَطَعَ الْعُضْوَ بِالْكُرْهِ (فَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْمُكْرَهِ بِالْفَتْحِ إنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا لِكَوْنِهِ حَامِلًا وَلَا يُقْتَصُّ مِنْ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ لَهُ كَالسَّيْفِ هَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا) يَجِبُ (قِصَاصٌ عَلَى أَحَدٍ) مِنْهُمَا لِأَنَّ الْحَدَّ مُضَافٌ إلَى الْمُكْرَهِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ وَإِلَى الْمُكْرِهِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ الْحَامِلُ فَهُوَ كَالدَّافِعِ إلَى الْقَتْلِ فَتَمَكَّنَتْ فِيهِ الشُّبْهَةُ فِي الْجَانِبَيْنِ فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالدِّيَةُ مِنْ مَالِهِمَا إذْ الْعَاقِلَةُ لَا تَتَحَمَّلُهَا فِي الْعَمْدِ وَعِنْدَ زُفَرَ يُقْتَصُّ مِنْ الْفَاعِلِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُبَاشِرُ حَقِيقَةً وَكَذَا حُكْمًا لَا عَلَى الْمُكْرِهِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُقْتَصُّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِكَوْنِ الْفَاعِلِ مُبَاشِرًا وَالْحَامِلِ سَبَبًا.
(وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَتَرَدَّى) أَيْ يَسْقُطَ (مِنْ جَبَلٍ فَفَعَلَ) أَيْ تَرَدَّى (فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُكْرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ بَلْ فِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَكَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ
(وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ) الدِّيَةُ (فِي مَالِهِ) أَيْ فِي مَالِ الْمُكْرِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَتْلَ الْحَاصِلَ بِالْإِكْرَاهِ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ عِنْدَهُ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُكْرِهِ (الْقِصَاصُ) ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِالْمُثْقَلِ كَالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ عِنْدَهُ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ
(وَلَوْ أُكْرِهَ بِقَتْلٍ عَلَى تَرَدٍّ) أَيْ عَلَى سُقُوطٍ مِنْ مَكَان عَالٍ (أَوْ اقْتِحَامِ نَارٍ) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ بِقَتْلٍ عَلَى إدْخَالِ نَفْسِهِ فِي نَارٍ (أَوْ مَاءٍ وَكُلٌّ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (مُهْلِكٌ فَلَهُ) أَيْ لِلْمُكْرَهِ (الْخِيَارُ فِي الْإِقْدَامِ) عَلَيْهِ (وَالصَّبْرِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْإِهْلَاكِ فَيَخْتَارُ مَا هُوَ الْأَهْوَنُ فِي زَعْمِهِ (وَقَالَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ) أَيْ يَصْبِرُ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ الْفِعْلِ سَعْيٌ فِي إهْلَاكِ نَفْسِهِ فَيَصْبِرُ تَحَامِيًا عَنْهُ ثُمَّ إذَا أَلْقَى نَفْسَهُ فَعَلَى الْمُكْرِهِ قِصَاصٌ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى الْإِلْقَاءِ وَعِنْدَهُمَا لَا قِصَاصَ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي إلْقَاءِ نَفْسِهِ قُيِّدَ بِالْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ بِالْعَصَا لَيْسَ لَهُ الْإِقْدَامُ اتِّفَاقًا وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ كُلٌّ مُهْلِكٌ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ لَهُ الْإِقْدَامُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ.
(وَلَوْ وَقَعَتْ نَارٌ فِي سَفِينَةٍ) فَكَانَ بِحَيْثُ (إنْ صَبَرَ احْتَرَقَ وَإِنْ أَلْقَى نَفْسَهُ) فِي الْمَاءِ (غَرِقَ فَلَهُ) أَيْ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ (الْخِيَارُ) بَيْنَ الصَّبْرِ وَالْإِلْقَاءِ (عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ الثَّبَاتُ) .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ مَعَ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةٍ وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةٍ وَعِلَّةُ الطَّرَفَيْنِ قَدْ مَرَّتْ قُبَيْلَهُ وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ ذَكَرَهُ ابْنُ السَّاعَاتِيِّ.
(وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ) امْرَأَتِهِ (أَوْ عَتَاقِ) عَبْدِهِ (أَوْ تَوْكِيلٍ بِهِمَا) أَيْ بِالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ فَفَعَلَ أَيْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ وَكَّلَ بِهِمَا فَأَعْتَقَ الْوَكِيلُ أَوْ طَلَّقَ (نَفَذَ) ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْهَزْلِ فَكَذَا مَعَ الْإِكْرَاهِ كَالْبَيْعِ وَأَمْثَالِهِ
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْبَيْعِ وَلَكِنْ يُوجِبُ فَسَادَهُ فَكَذَا التَّوْكِيلُ يَنْعَقِدُ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ لَا تُؤَثِّرُ لِكَوْنِهَا مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ فَقَدْ نَفَذَ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ فَعَلَى هَذَا مَا وَقَعَ فِي الْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ وَقَعَ إلَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى التَّوْكِيلِ بِهِ فَوَكَّلَ يَجْرِي عَلَى الْقِيَاسِ لَا عَلَى الِاسْتِحْسَانِ تَدَبَّرْ (وَيَرْجِعُ) الْمُكْرَهُ (بِقِيمَةِ الْعَبْدِ) الْمُعْتَقِ (عَلَى الْمُكْرِهِ) بِالْكَسْرِ فِي صُورَةِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ آلَةً لِلْحَامِلِ نَظَرًا إلَى الْإِتْلَافِ لَا إلَى تَكَلُّمِهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ بِالْإِعْتَاقِ لَا يَصْلُحُ آلَةً لِلْحَامِلِ بَلْ يُضَافُ إلَيْهِ وَلِذَا يَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْمُكْرَهِ لَا لِلْحَامِلِ فَيَضْمَنُهُ لِإِتْلَافِهِ وَإِخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ قَبْلَ هَذَا إذَا كَانَ الْعِتْقُ بِالْقَوْلِ أَمَّا إذَا كَانَ بِالْفِعْلِ كَمَا إذَا اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَا يَرْجِعُ
الْمُكْرَهُ بِالْقِيمَةِ لِحُصُولِ الْعِوَضِ وَهُوَ صِلَةُ الرَّحِمِ.
وَفِي التَّجْرِيدِ وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شِرَاءِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَعَلَهُ حُرًّا إنْ مَلَكَهُ فَفَعَلَ فَهُوَ حُرٌّ وَعَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةُ أَلْفٍ وَبَطَلَتْ الزِّيَادَةُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ بِشَيْءٍ.
(وَكَذَا) يَرْجِعُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ فِي صُورَةِ التَّطْلِيقِ (بِنِصْفِ الْمَهْرِ) إذَا سَمَّى أَوْ يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْمُتْعَةِ إذَا لَمْ يُسَمِّ (لَوْ) كَانَ (الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ) ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ يَصْلُحُ آلَةً لِلْحَامِلِ فِي إتْلَافِ الْمَالِ لَا فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ أَوْ الْمُتْعَةِ كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ مِنْ جِهَتِهَا كَالِارْتِدَادِ أَوْ تَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ وَقَدْ تَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ كَرْهًا وَكَانَ هَذَا تَقْرِيرًا لِلْمَالِ فَيُضَافُ التَّقْرِيرُ إلَى الْحَامِلِ فَكَانَ مُتْلِفًا لَهُ فَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهِ (وَلَا رُجُوعَ) عَلَيْهِ (لَوْ) كَانَ الطَّلَاقُ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ هُنَا تَقَرَّرَ بِالدُّخُولِ لَا بِالطَّلَاقِ وَالدُّخُولُ لَيْسَ بِصُنْعٍ مِنْ الْمُكْرَهِ
وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَأُكْرِهَ عَلَى الدُّخُولِ عَتَقَ وَلَمْ يَضْمَنْ الْمُكْرَهُ شَيْئًا وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً قَدْ كَانَ جَعَلَهَا طَالِقًا إنْ تَزَوَّجَهَا فَتَزَوَّجَهَا وَغَرِمَ نِصْفَ الْمَهْرِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ بِشَيْءٍ وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ مَمْلُوكٍ يَمْلِكُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ حُرًّا فَفَعَلَ ثُمَّ مَلَكَ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ شِرَاءٍ عَتَقَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَغْرَمْ الَّذِي أَكْرَهَهُ شَيْئًا وَلَوْ وَرِثَ مَمْلُوكًا ضَمِنَ الَّذِي أَكْرَهَهُ قِيمَتَهُ اسْتِحْسَانًا.
(وَصَحَّ يَمِينُ الْمُكْرَهِ) بِشَيْءٍ مِنْ الطَّاعَاتِ أَوْ الْمَعَاصِي (وَ) صَحَّ (نَذْرُهُ) أَيْ نَذْرُ الْمُكْرَهِ بِكُلِّ طَاعَةٍ كَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهَا.
(وَ) صَحَّ (ظِهَارُهُ) أَيْ ظِهَارُ الْمُكْرَهِ هُوَ تَشْبِيهُ امْرَأَتِهِ بِظَهْرِ أُمِّهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قُرْبَانُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْإِكْرَاهُ (وَلَا يَرْجِعُ) الْمُكْرَهُ عَلَى الْحَامِلِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ (بِمَا غَرِمَ بِسَبَبِ ذَلِكَ) إذْ لَا مَطَالِبَ لَهُ فِي الدُّنْيَا.
(وَ) صَحَّ (رَجْعَتُهُ) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ أَنْ يُرَاجِعَ امْرَأَتَهُ فَرَاجَعَهَا صَحَّ؛ لِأَنَّهَا اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ (وَإِيلَاؤُهُ) بِأَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ (وَفَيْؤُهُ) أَيْ بِاللِّسَانِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّهُ كَالرَّجْعَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا يَنْفُذُ مَعَ الْهَزْلِ يَنْفُذُ مَعَ الْإِكْرَاهِ (وَ) كَذَا يَصِحُّ (إسْلَامُهُ) أَيْ إذَا أَسْلَمَ مُكْرَهًا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ رَجَّحْنَا الْإِسْلَامَ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ إسْلَامَ الْمُكْرَهِ إسْلَامٌ عِنْدَنَا إنْ كَانَ حَرْبِيًّا وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَا يَكُونُ إسْلَامًا مَحْمُولٌ عَلَى جَوَابِ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ فِي الِاسْتِحْسَانِ كَمَا فِي الْمَتْنِ.
(لَكِنْ لَا قَتْلَ فِيهِ لَوْ ارْتَدَّ) بَعْدَ الْإِسْلَامِ مُكْرَهًا؛ لِأَنَّ فِي إسْلَامِهِ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْقَتْلِ وَنَظِيرُهُ السَّكْرَانُ فَإِنَّ إسْلَامَهُ وَكُفْرَهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يُحْكَمُ بِرِدَّتِهِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ (وَلَا يَصِحُّ إبْرَاؤُهُ) أَيْ إبْرَاءُ الْمُكْرَهِ دَيْنَهُ عَنْ مَدْيُونِهِ أَوْ عَنْ كِفْلِ مَدْيُونِهِ لِكَوْنِهِمَا مِمَّا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَالْبَيْعِ فَالْفَاعِلُ بَعْدَ زَوَالِ الْكُرْهِ يَصِيرُ مُخَيَّرًا
وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ الشَّفِيعُ عَلَى أَنْ يَسْكُتَ عَنْ طَلَبِ الشُّفْعَةِ فَسَكَتَ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ (وَلَا) تَصِحُّ (رِدَّتُهُ) لِمَا مَرَّ مِنْ الرُّخْصَةِ فِي إظْهَارِ الْكُفْرِ إذَا أُكْرِهَ بِالْمُلْجِئِ (فَلَا تَبِينُ بِهَا) أَيْ بِهَذِهِ الرِّدَّةِ (امْرَأَتُهُ) لِعَدَمِ الْحُكْمِ بِرِدَّتِهِ وَإِنَّمَا قَيَّدَنَا إذَا أُكْرِهَ بِالْمُلْجِئِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ بِغَيْرِهِ فَقَطْ صَحَّتْ رِدَّتُهُ فَتَبِينُ امْرَأَتُهُ.
(فَإِنْ ادَّعَتْ) الْمَرْأَةُ (تَحَقُّقَ مَا أَظْهَرَهُ وَادَّعَى) الْمُكْرَهُ (أَنَّ قَلْبَهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ صُدِّقَ) اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ الْكُفْرِ سَبَبٌ لِلْبَيْنُونَةِ بِهَا فَيَسْتَوِي فِيهَا الطَّائِعُ وَالْمُكْرَهُ كَلَفْظَةِ الطَّلَاقِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلْفِرْقَةِ وَإِنَّمَا يَقَعُ بِاعْتِبَارِ تَغَيُّرِ الِاعْتِقَادِ وَالْإِكْرَاهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَغَيُّرِهِ فَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ. .
(وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَاءِ فَفَعَلَ) الْمُكْرَهُ (حُدَّ مَا لَمْ يُكْرِهُهُ السُّلْطَانُ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَالزِّنَاءُ لَا يُوجَدُ مَعَ الْإِكْرَاهِ (وَعِنْدَهُمَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْإِكْرَاهَ يَتَحَقَّقُ مِنْ السُّلْطَانِ وَمِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُحَدُّ فِي الصُّورَتَيْنِ (وَبِهِ) أَيْ بِقَوْلِ الْإِمَامَيْنِ (يُفْتَى) إذْ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْحُجَّةِ فَإِنَّ حُكْمَ الْإِكْرَاهِ لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِي أَنْ يَقَعَ مِنْ غَيْرِ سُلْطَانٍ أَوَّلًا فَإِنْ وَقَعَ مِنْ غَيْرِهِ إكْرَاهٌ مُلْجِئٌ كَمَا فِي زَمَانِنَا يَجْرِي عَلَى حُكْمِهِ بِلَا نَكِيرٍ.
وَقَالَ زُفَرُ يُحَدُّ؛ لِأَنَّ انْتِشَارَ الْآلَةِ دَلِيلُ الطَّوَاعِيَةِ وَلَنَا أَنَّ انْتِشَارَ الْآلَةِ قَيْدٌ يَكُونُ طَبْعًا لَا طَوْعًا كَمَا فِي النَّائِمِ وَالصَّبِيِّ كَمَا فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا انْدَفَعَ عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ مِنْ أَنَّ مَدَارَ الْجَوَابِ هُنَا لَيْسَ عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ الْخِلَافُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاظِرِينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ قَرَّرَهُ الزَّاهِدِيُّ حَيْثُ قَالَ إنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الزِّنَاءِ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِانْتِشَارِ الْآلَةِ وَالْإِكْرَاهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الِانْتِشَارِ فَكَانَ طَوْعًا فَيَجِبُ الْحَدُّ إلَّا أَنْ يَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ إلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَيْهِ انْتَهَى لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْأَصْلِ مُعْتَبَرٌ بَلْ عَلَى زُفَرَ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِابْنِ الشَّيْخِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ أَكْرَهُهُ الْقَاضِي لِيُقِرَّ بِسَرِقَةٍ أَوْ قَتْلِ رَجُلٍ بِعَمْدٍ أَوْ بِقَطْعِ يَدِ رَجُلٍ بِعَمْدٍ فَأَقَرَّ بِذَلِكَ فَقُطِعَتْ يَدَهُ أَوْ قُتِلَ إنْ كَانَ الْمُقِرُّ مَوْصُوفًا بِالصَّلَاحِ اُقْتُصَّ مِنْ الْقَاضِي