الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَارْتِفَاعِ الْخِلَافِ مَعْنًى فَلَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْأَجْرِ، وَالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي حَالَتَيْنِ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ.
(وَإِنْ عَيَّنَ زَرْعَ بُرٍّ فَزَرَعَ رَطْبَةً) أَيْ مَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا حِنْطَةً فَزَرَعَهَا رَطْبَةً (ضَمِنَ مَا نَقَصَتْ الْأَرْضُ) ؛ لِأَنَّ الرِّطَابَ أَكْثَرُ ضَرَرًا بِالْأَرْضِ مِنْ الْبُرِّ لِانْتِشَارِ عُرُوقِهَا فِيهَا وَكَثْرَةِ الْحَاجَةِ إلَى سَقْيِهَا فَكَانَ خِلَافًا إلَى شَرٍّ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ النُّقْصَانِ (وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَالَفَ صَارَ غَاصِبًا فَاسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِالْغَصْبِ فَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ بِهِ قَالَ الْعَيْنِيُّ، وَإِنْ زَرَعَ مَا هُوَ أَقَلُّ ضَرَرًا مِنْ الْبُرِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ فَلَا يَصِيرُ بِهِ غَاصِبًا، وَفِي الْمِنَحِ مَا ذَكَرَ هَهُنَا مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْأَجْرِ وَوُجُوبِ مَا نَقَصَ مِنْ الْأَرْضِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ الْمَشَايِخِ، وَأَمَّا مَذْهَبُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ لِلْوَقْفِ أَوْ لِلْيَتِيمِ أَوْ أَعَدَّهَا صَاحِبُهَا لِلِاسْتِغْلَالِ كَالْخَانِ وَنَحْوِهِ.
(وَإِنْ أُمِرَ بِخِيَاطَةِ الثَّوْبِ قَمِيصًا فَخَاطَهُ قَبَاءً خُيِّرَ الْمَالِكُ بَيْنَ تَضْمِينِ قِيمَتِهِ) أَيْ الثَّوْبِ (وَبَيْنَ أَخْذِ الْقَبَاءِ وَدَفْعِ أَجْرِ مِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُشْبِهُ الْقَمِيصَ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْأَتْرَاكَ يَسْتَعْمِلُونَهُ اسْتِعْمَالَ الْقَمِيصِ كَانَ مُوَافِقًا مِنْ وَجْهٍ مُخَالِفًا مِنْ وَجْهٍ، فَإِنْ شَاءَ مَالَ إلَى جَانِبِ الْوِفَاقِ وَأَخَذَ الثَّوْبَ، وَإِنْ شَاءَ مَالَ إلَى جَانِبِ الْخِلَافِ وَضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ، وَإِنَّمَا وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ دُونَ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ إنَّمَا رَضِيَ بِالْمُسَمَّى عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ يَحْصُلْ (لَا يُزَادُ عَلَى مَا سَمَّى) كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ.
وَفِي الْبَحْرِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْقَمِيصِ، وَمَا إذَا شَقَّهُ وَجُعِلَ قَبَاءً خِلَافًا لِلْإِسْبِيجَابِيِّ فِي الثَّانِي حَيْثُ أَوْجَبَ فِيهِ الضَّمَانَ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِرَبِّ الثَّوْبِ فِي الْكُلِّ بَلْ يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ (وَكَذَا) خُيِّرَ الْمَالِكُ (لَوْ أَمَرَ بِقَبَاءٍ فَخَاطَ سَرَاوِيلَ فِي الْأَصَحِّ) لِلِاتِّحَادِ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ وَصَارَ كَمَنْ أَمَرَ بِضَرْبِ طَسْتٍ مِنْ شَبَهٍ فَضَرَبَ مِنْهُ كُوزًا، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ فَكَذَا هَهُنَا (وَقِيلَ يَضْمَنُهُ هُنَا بِلَا خِيَارٍ) لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمَنْفَعَةِ.
[بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ]
ِ وَجْهُ التَّأْخِيرِ عَنْ الصَّحِيحَةِ ظَاهِرٌ (يَجِبُ فِيهَا) أَيْ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ (أَجْرُ الْمِثْلِ لَا تُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى) الْمَعْلُومُ عِنْدَنَا.
وَعِنْدَ زُفَرَ، وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَجِبُ الْأَجْرُ بَالِغًا مَا بَلَغَ اعْتِبَارًا بِبَيْعِ الْأَعْيَانِ، وَلَنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ بِنَفْسِهَا بَلْ بِالْعَقْدِ ضَرُورَةً لِحَاجَةِ النَّاسِ، وَقَدْ أَسْقَطَ الْمُتَعَاقِدَانِ بِالتَّسْمِيَةِ الزِّيَادَةَ فِيهِ وَإِذَا نَقَصَ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا تَجِبُ زِيَادَةُ الْمُسَمَّى لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ تَقَوُّمَ الْأَعْيَانِ لَيْسَ
بِضَرُورِيٍّ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ مُسَاوِيًا لِأَجْرِ الْمِثْلِ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ فَأَجْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ فَالْمُسَمَّى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْفَسَادُ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى أَوْ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ، فَإِنْ كَانَ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى أَوْ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ يَجِبُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُهُ مَعْلُومًا وَبَعْضُهُ غَيْرَ مَعْلُومٍ مِثْلُ أَنْ يُسَمِّيَ دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا أَوْ يَسْتَأْجِرَ الدَّارَ أَوْ الْحَمَّامَ عَلَى أُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ بِشَرْطِ أَنْ يَعْمُرَهَا أَوْ يَرُمَّهَا وَقَالُوا: إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى أَنْ لَا يَسْكُنَهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ إنْ سَكَنَهَا (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا صَحَّ الْعَقْدُ فِي شَهْرٍ) وَاحِدٍ (فَقَطْ) وَفَسَدَ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ " كُلَّ " لِلْعُمُومِ، وَقَدْ يَتَعَذَّرُ الْعَمَلُ بِهَا؛ لِأَنَّ الشُّهُورَ لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَالْوَاحِدُ مُعَيَّنٌ فَيَصِحُّ فِيهِ، وَإِذَا تَمَّ الشَّهْرُ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُ الْإِجَارَةِ لِانْتِهَاءِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِ مَحْضَرِ صَاحِبِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَبِمَحْضَرِهِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَقِيلَ لَا: يُفْسَخُ إلَّا بِمَحْضَرِ صَاحِبِهِ بِالِاتِّفَاقِ (إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ جُمْلَةَ الشُّهُورِ) أَيْ إلَّا أَنْ يُعَيَّنَ كُلَّ الْأَشْهُرِ بِأَنْ يَقُولَ: آجَرْتُهَا عَشَرَةَ أَشْهُرٍ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تُعْلَمُ الْمُدَّةُ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ (وَكُلُّ شَهْرٍ سَكَنَ) الْمُسْتَأْجِرُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الشَّهْرِ (سَاعَةً صَحَّ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ الَّذِي سَكَنَ سَاعَةً لِحُصُولِ رِضَاهُمَا بِذَلِكَ (وَسَقَطَ حَقُّ الْفَسْخِ) أَيْ لَا يَكُونُ لِلْمُؤَجِّرِ إخْرَاجُهُ إلَى أَنْ يَنْقَضِيَ ذَلِكَ الشَّهْرُ إلَّا بِعُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ تَمَّ الْعَقْدُ بِهِ لِتَرَاضِيهِمَا فِي أَوَّلِهِ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ، وَقَدْ مَالَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ بَقَاؤُهُ) أَيْ بَقَاءُ حَقِّ الْفَسْخِ (فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَيَوْمِهَا) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ الدَّاخِلِ، وَيَوْمِهَا، وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رَأْسُ الشَّهْرِ، وَفِي اعْتِبَارِ أَوَّلِ الشَّهْرِ نَوْعُ حَرَجٍ لِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي سَاعَةِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَلَوْ فَسَخَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ لَمْ يَنْفَسِخْ، وَقِيلَ يَنْفَسِخُ إذَا خَرَجَ الشَّهْرُ، وَلَوْ قَالَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ: فَسَخْت فِي رَأْسِ الشَّهْرِ يَنْفَسِخُ إذَا أَهَلَّ الشَّهْرُ بِلَا شُبْهَةٍ، وَلَوْ قَدَّمَ أُجْرَةَ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَقَبَضَ الْأُجْرَةَ لَا يَكُونُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ فِيمَا عَجَّلَ.
(وَإِنْ آجَرَهَا) أَيْ الدَّارَ (سَنَةً بِكَذَا صَحَّ، وَإِنْ) وَصَلْيَةٌ (لَمْ يُبَيِّنْ قَسَّطَ كُلَّ شَهْرٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ صَارَتْ مَعْلُومَةً بِبَيَانِ الْمُدَّةِ، وَالْأُجْرَةُ مَعْلُومَةٌ فَتَصِحُّ وَتُقَسَّمُ الْأُجْرَةُ عَلَى الْأَشْهُرِ عَلَى السَّوَاءِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَفَاوُتُ الْأَسْعَارِ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ (وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ) أَيْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ (مَا سَمَّى) إنْ وَقَعَتْ التَّسْمِيَةُ بِأَنْ يَقُولَ: مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ مَثَلًا (وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يَقَعْ تَسْمِيَتُهُ (فَوَقْتُ الْعَقْدِ) هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَوْقَاتِ كُلَّهَا سَوَاءٌ فِي حُكْمِ الْإِجَارَةِ، وَفِي مِثْلِهِ يَتَعَيَّنُ الزَّمَانُ الَّذِي يَلِي الْعَقْدَ
كَالْأَجَلِ، وَالْيَمِينِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا شَهْرًا هَذَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ بَيَّنَ الْمُدَّةَ تَعَيَّنَ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ (فَإِنْ كَانَ) عَقْدُ الْإِجَارَةِ (حِينَ يُهَلُّ) عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ بِمَعْنَى يُبْصَرُ الْهِلَالُ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْحِينِ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الشَّهْرِ دُونَ لَيْلِهِ كَمَا فِي الْيَمِينِ (تُعْتَبَرُ) السَّنَةُ كُلُّهَا (بِالْأَهِلَّةِ) ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ فِي الشُّهُورِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 189]
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ حِينَ يُهَلُّ الْهِلَالُ بَلْ كَانَ بَعْدَمَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ (فَبِالْأَيَّامِ) أَيْ فَتُعْتَبَرُ الْأَيَّامُ فِي الشُّهُورِ بِالْعَدَدِ، وَهُوَ أَنْ يَعْتَبِرَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ بِالْأَهِلَّةِ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الثَّانِي، وَالثَّالِثِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ لَمَّا وَجَبَ تَكْمِيلُهُ مِنْ الثَّانِي لِكَوْنِهِ مُتَّصِلًا بِهِ نَقَصَ الثَّانِي أَيْضًا فَوَجَبَ تَكْمِيلُهُ مِنْ الثَّالِثِ وَهَكَذَا إلَى آخِرِ الْمُدَّةِ
(وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْأَوَّلُ) أَيْ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ (بِالْأَيَّامِ، وَالْبَاقِي بِالْأَهِلَّةِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشُّهُورِ اعْتِبَارُهَا بِالْأَهِلَّةِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ، وَقَدْ أَمْكَنَ ذَلِكَ فِي الشُّهُورِ الْمُتَخَلِّلَةِ، وَتَعَذَّرَ بِالْأَوَّلِ فَيُكْمِلُ بِالْأَيَّامِ الشَّهْرَ الْآخَرَ (وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ) أَيْ مَعَ مُحَمَّدٍ (فِي رِوَايَةٍ وَمَعَ الْإِمَامِ فِي أُخْرَى، وَكَذَا الْعِدَّةُ) ، فَإِنَّ الْإِيقَاعَ إذَا كَانَ حِينَ يُهَلُّ الْهِلَالُ تُعْتَبَرُ شُهُورُ الْعِدَّة بِالْأَهِلَّةِ، وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ، وَإِذَا كَانَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَفِي حَقِّ تَفْرِيقِ الطَّلَاقِ يُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ اتِّفَاقًا، وَكَذَا فِي حَقِّ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عِنْدَهُ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيُعْتَبَرُ شَهْرٌ وَاحِدٌ بِالْأَيَّامِ وَشَهْرَانِ بِالْأَهِلَّةِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْعِدَّةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَيَجُوزُ أَخْذُ) الْحَمَّامِيِّ (أُجْرَةَ الْحَمَّامِ) لِلتَّوَارُثِ، وَالتَّعَارُفِ قَالَ:«صلى الله عليه وسلم مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» فَلَا تُعْتَبَرُ جَهَالَةُ الْمَنْفَعَةِ فِي مِثْلِ هَذَا، وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ كَرِهَ الْحَمَّامَ؛ لِأَنَّهُ شَرُّ بَيْتٍ بِإِشَارَةِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ اتِّخَاذَهُ لِلنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَخْلُو اجْتِمَاعُهُنَّ عَنْ فِتْنَةٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِهِ لِلرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ.
(وَ) يَجُوزُ أَخْذُ (الْحَجَّامِ) أُجْرَتَهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَأَعْطَى أُجْرَتَهُ فَكَانَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: إنَّ مِنْ الْحَرَامِ السُّحْتِ كَسْبَ الْحَجَّامِ» مَنْسُوخًا بِمَا رُوِيَ (لَا) يَجُوزُ (أَخْذُ أُجْرَةِ عَسْبِ التَّيْسِ) هُوَ أَنْ يُؤَاجِرَ فَحْلًا لِيَنْزُوَ عَلَى الْإِنَاثِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «إنَّ مِنْ السُّحْتِ عَسْبَ التَّيْسِ» بِمَعْنَى أَخْذِ أُجْرَةِ عَسْبِ التَّيْسِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، وَالْمُضَافِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْعَسْبِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِبَقَاءِ النَّسْلِ وَلِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ لِلْإِحْبَالِ، وَالْإِنْزَاءِ وَهُوَ أَمْرٌ
مَوْهُومٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ.
(وَلَا) يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ (عَلَى الطَّاعَاتِ) .
وَفِي شَرْحِ الْوَافِي، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ طَاعَةٍ يَخْتَصُّ بِهَا الْمُسْلِمُ فَالِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا بَاطِلٌ (كَالْأَذَانِ، وَالْحَجِّ، وَالْإِمَامَةِ) ، وَالتَّذْكِيرِ، وَالتَّدْرِيسِ، وَالْغَزْوِ (وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَالْفِقْهِ وَقِرَاءَتِهِمَا) ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ تَقَعُ عَلَى الْعَامِلِ وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ» أَيْ عَلِّمُوا وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ بِخِلَافِ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَكِتَابَةِ الْمُصْحَفِ، وَالْفِقْهِ وَتَعْلِيمِ الْكِتَابَةِ، وَالنُّجُومِ، وَالطِّبِّ، وَالتَّعْبِيرِ، وَالْعُلُومِ الْأَدَبِيَّةِ، فَإِنَّ أَخْذَ الْأُجْرَةِ فِي الْجَمِيعِ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ فِي كُلِّ مَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَجِيرِ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَجُوزُ عَلَى الْإِمَامَةِ إذَا جَمَعَهَا مَعَ الْأَذَانِ (أَوْ الْمَعَاصِي) أَيْ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْمَعَاصِي (كَالْغِنَاءِ، وَالنَّوْحِ، وَالْمَلَاهِي) ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُهَا بِالْعَقْدِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ، وَإِنْ أَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَقَبَضَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ.
وَفِي الْمُحِيطِ إذَا أَخَذَ الْمَالَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ يُبَاحُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَنْ طَوْعٍ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ.
وَفِي شَرْحِ الْكَافِي لَا يَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ، وَالْمَزَامِيرِ، وَالطَّبْلِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ اللَّهْوِ وَلَا عَلَى قِرَاءَةِ الشِّعْرِ وَلَا أَجْرَ فِي ذَلِكَ.
وَفِي الْوَلْوَالِجِيِّ: رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَضْرِبَ لَهُ الطَّبْلَ إنْ كَانَ لِلَّهْوِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ لِلْغَزْوِ أَوْ الْقَافِلَةِ أَوْ الْعُرْسِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ فِيهَا (وَيُفْتَى الْيَوْمَ بِالْجَوَازِ) أَيْ بِجَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ (عَلَى الْإِمَامَةِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَالْفِقْهِ) ، وَالْأَذَانِ كَمَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخِي اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: بَنَى أَصْحَابُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ الْجَوَابَ عَلَى مَا شَاهَدُوا مِنْ قِلَّةِ الْحُفَّاظِ وَرَغْبَةِ النَّاسِ فِيهِمْ، وَكَانَتْ لَهُمْ عَطِيَّاتٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَافْتِقَادٌ مِنْ الْمُتَعَلِّمِينَ فِي مُجَازَاةِ الْإِحْسَانِ بِالْإِحْسَانِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ مُرُوءَةٍ يُعِينُونَهُمْ عَلَى مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ، وَكَانُوا يُفْتُونَ بِوُجُوبِ التَّعْلِيمِ خَوْفًا مِنْ ذَهَابِ الْقُرْآنِ وَتَحْرِيضًا عَلَى التَّعْلِيمِ حَتَّى تَنْهَضُوا لِإِقَامَةِ الْوَاجِبِ فَيَكْثُرَ حُفَّاظُ الْقُرْآنِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَذَهَبَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَانْقَطَعَتْ الْعَطِيَّاتُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِسَبَبِ اسْتِيلَاءِ الظَّلَمَةِ وَاشْتَغَلَ الْحُفَّاظُ بِمَعَاشِهِمْ وَقَلَّمَا يُعَلِّمُونَ الْحِسْبَةَ وَلَا يَتَفَرَّغُونَ لَهُ أَيْضًا، فَإِنَّ حَاجَتَهُمْ يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ يُفْتَحْ بَابُ التَّعْلِيمِ بِالْأَجْرِ لَذَهَبَ الْقُرْآنُ فَأَفْتَوْا بِجَوَازِهِ لِذَلِكَ وَرَأَوْهُ حَسَنًا، وَقَالُوا: الْأَحْكَامُ قَدْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ أَلَا يُرَى أَنَّ «النِّسَاءَ كُنَّ تَخْرُجْنَ إلَى الْجَمَاعَاتِ فِي زَمَانِهِ عليه الصلاة والسلام وَزَمَانِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَتَّى مَنَعَهُنَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِ» وَكَانَ
ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
وَفِي النِّهَايَةِ يُفْتِي بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْفِقْهِ أَيْضًا فِي زَمَانِنَا.
وَفِي الْخَانِيَّةِ خِلَافُهُ تَتَبَّعْ، وَفِي الْمَجْمَعِ يُفْتِي بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التَّعْلِيمِ، وَالْفِقْهِ، وَالْإِمَامَةِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَالرَّوْضَةِ وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمُصْحَفِ وَكُتُبِ الْفِقْهِ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ.
(وَيُجْبَرُ الْمُسْتَأْجِرُ) وَهُوَ الصَّبِيُّ أَوْ وَلِيُّهُ (عَلَى دَفْعِ مَا سَمَّى) مِنْ الْأَجْرِ (وَيُحْبَسُ بِهِ) أَيْ بِالْأَجْرِ الَّذِي سَمَّى.
(وَ) يُجْبَرُ (عَلَى) دَفْعِ (الْحَلْوَةِ الْمَرْسُومَةِ) الْحَلْوَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ هَدِيَّةٌ تُهْدَى إلَى الْمُعَلِّمِينَ عَلَى رُءُوسِ بَعْضِ سُوَرِ الْقُرْآنِ سُمِّيَتْ بِهَا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ إهْدَاءُ الْحَلَاوَى وَهِيَ لُغَةٌ يَسْتَعْمِلُهَا أَهْلُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا قَوْلٌ وَشَرْطٌ يُؤْمَرُ بِإِرْضَائِهِ الْمُعَلِّمَ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا: رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيُعَلِّمَ وَلَدَهُ أَوْ عَبْدَهُ الْحِرْفَةَ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ تَجُوزُ.
وَفِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ لَا تَجُوزُ، فَإِنْ بَيَّنَ لِذَلِكَ وَقْتًا مَعْلُومًا سَنَةً أَوْ شَهْرًا جَازَتْ الْإِجَارَةُ وَيَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى تَعَلَّمَ الْوَلَدُ أَوْ لَمْ يَتَعَلَّمْ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لِذَلِكَ وَقْتًا لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ، وَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ إنْ تَعَلَّمَ الْوَلَدُ، وَالْعَبْدُ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ فَلَا أَجْرَ لَهُ.
وَفِي الْجَوَاهِرِ اُسْتُؤْجِرُوا لِحَمْلِ جِنَازَةِ مُسْلِمٍ أَوْ لِغُسْلِ مَيِّتٍ، فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُوجَدُ مَنْ يُغَسِّلُهُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ فَلَا أَجْرَ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ إنَاسٌ غَيْرُهُمْ فَلَهُمْ الْأَجْرُ، وَفِي النُّتَفِ إجَارَةُ السُّفُنِ جَائِزَةٌ وَهِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، وَالْآخَرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا إلَى مَكَان مَعْلُومٍ وَكِلَاهُمَا جَائِزَانِ إنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَهِيَ فِي الْبَحْرِ فَلَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ الْبَحْرِ وَيُعْطِبَهُ أَجْرَ مِثْلِهَا، وَكَذَا إجَارَةُ الْخِيَامِ، وَالْفُسْطَاطِ جَائِزَةٌ وَلَهُ أَنْ يَنْصِبَ ذَلِكَ كَمَا يَنْصِبُ النَّاسُ، فَإِنْ احْتَرَقَ فِي الشَّمْسِ أَوْ فَسَدَ فِي السَّفَرِ مِنْ الْمَطَرِ أَوْ الثَّلْجِ أَوْ تَخَرَّقَ مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ أَوْ خِلَافٍ فَلَا ضَمَانَ، وَكَذَا إجَارَةُ الْأَسْلِحَةِ جَائِزَةٌ وَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا إنْ هَلَكَتْ، وَإِنْ تَعَدَّى عَلَيْهَا فَهَلَكَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ.
(وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ الْمَشَاعِ) سَوَاءٌ كَانَ الشُّيُوعُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْعُرُوضِ أَوْ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْعَبْدِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ إجَارَةَ الدَّارِ مَثَلًا إنَّمَا هِيَ لِلِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهَا، وَهَذَا غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي الْمَشَاعِ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ بِخِلَافِ بَيْعِهِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الشُّيُوعِ الشُّيُوعُ الْأَصْلِيُّ؛ لِأَنَّ الطَّارِئَ لَا يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعَنْهُ يُفْسِدُهَا (إلَّا مِنْ الشَّرِيكِ) ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَشَاعًا بِالْإِجْمَاعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مُجْتَمِعٌ عَلَى مِلْكِهِ فَلَا يَلْزَمُ الشُّيُوعُ.
وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ أَيْضًا ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ قِيلَ: لَا يَنْعَقِدُ حَتَّى لَا يَجِبَ الْأَجْرُ أَصْلًا، وَقِيلَ: يَنْعَقِدُ فَاسِدًا حَتَّى يَجِبَ أَجْرُ الْمِثْلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ (وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ) إجَارَةُ الْمَشَاعِ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ آجَرَ نَصِيبَهُ شَرِيكَهُ أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَمْلِيكٍ فَيَجُوزُ كَالْبَيْعِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ، وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِ إجَارَةِ الْمَشَاعِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْكُلَّ ثُمَّ يَفْسَخَ
فِي النِّصْفِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يُفْسِدُهَا كَمَا مَرَّ وَيَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِجَوَازِهِ.
وَفِي الْمُغْنِي الْفَتْوَى فِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ عَلَى قَوْلِهِمَا لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَبِهِ جَزَمَ أَصْحَابُ الْمُتُونِ، وَالشُّرُوحِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ كَمَا فِي الْمِنَحِ.
(وَإِنْ آجَرَ دَارًا مِنْ رَجُلَيْنِ صَحَّ اتِّفَاقًا) ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ يَقَعُ جُمْلَةً ثُمَّ الشُّيُوعُ لِتَفَرُّقِ الْمِلْكِ بَيْنَهُمَا طَارِئٌ.
(وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ) وَهِيَ مُرْضِعَةٌ (بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ) ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ كَإِجَارَةِ الْبَقَرِ أَوْ الشَّاةِ لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا وَإِجَارَةِ الْبُسْتَانِ لِيَأْكُلَ ثَمَرَهُ
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ، وَقَدْ جَرَى بِهِ التَّعَامُلُ فِي الْإِعْصَارِ بِلَا نَكِيرٍ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ هِيَ تَرْبِيَةُ الصَّبِيِّ، وَاللَّبَنُ تَابِعٌ، وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ، وَالْإِيضَاحِ وَأَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْكَافِي وَقِيلَ: عَقْدٌ عَلَى اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، وَالْخِدْمَةُ تَابِعَةٌ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ.
وَفِي الْعِنَايَةِ كَلَامٌ فَلْيُطَالَعْ (وَكَذَا) يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا (بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا) اسْتِحْسَانًا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ هُنَا لَا تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى الظِّئْرِ شَفَقَةً عَلَى الْوَلَدِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا: لَا يَجُوزُ قِيَاسًا لِلْجَهَالَةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنْ سَمَّى الطَّعَامَ دَرَاهِمَ وَوَصَفَ جِنْسَ الْكِسْوَةِ وَأَجَلَهَا وَبَيَّنَ ذِرَاعَهَا جَازَ إجْمَاعًا وَمَعْنَى تَسْمِيَةِ الطَّعَامِ دَرَاهِمَ أَنْ تُجْعَلَ الْأُجْرَةُ دَرَاهِمَ ثُمَّ يُدْفَعُ الطَّعَامُ عِوَضًا عَنْهَا، وَلَوْ بَيَّنَ جِنْسَ الطَّعَامِ وَوَصْفَهُ وَقَدْرَهُ جَازَ أَيْضًا، وَفِي الطَّعَامِ لَا يُشْتَرَطُ الْأَجَلُ (وَعَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الظِّئْرِ (غَسْلُ الصَّبِيِّ وَغَسْلُ ثِيَابِهِ) عَنْ الْبَوْلِ، وَالْغَائِطِ لَا عَنْ الْوَسَخِ (وَإِصْلَاحُ طَعَامِهِ) بِالْمَضْغِ أَوْ الطَّبْخِ (وَدَهْنُهُ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ جَعْلُ الصَّبِيِّ مُطْلًى بِالدُّهْنِ بِالضَّمِّ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا عَلَيْهَا عُرْفًا، وَالْعُرْفُ مُعْتَبَرٌ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ وَ (لَا) يَجِبُ عَلَى الظِّئْرِ (ثَمَنُ شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ (بَلْ هُوَ) أَيْ ثَمَنُ طَعَامِهِ وَدُهْنِهِ وَمَا غَسَلَ بِهِ ثِيَابَهُ مِنْ الصَّابُونِ وَنَحْوِهِ (وَأَجْرُهَا) أَيْ أَجْرُ الظِّئْرِ (عَلَى مَنْ نَفَقَتُهُ) أَيْ نَفَقَةُ الصَّبِيِّ (عَلَيْهِ) سَوَاءٌ كَانَ، وَالِدَهُ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَلَوْ مَاتَ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَعَلَى الْوَصِيِّ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ فَلَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنَّهَا تَبْطُلُ إذَا كَانَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ أَنَّ الدُّهْنَ، وَالرَّيْحَانَ عَلَى الظِّئْرِ فَبِنَاءٌ عَلَى مَا هُوَ عُرْفُ الْكُوفَةِ ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ) أَيْ أَرْضَعَتْ الظِّئْرُ الصَّبِيَّ بِمَعْنَى أَوْجَرَتْهُ فَقَوْلُهُمْ: فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ (فِي الْمُدَّةِ) أَيْ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ (بِلَبَنِ شَاةٍ) فِي فَمِهِ (أَوْ غَذَّتْهُ) مِنْ التَّغْذِيَةِ (بِطَعَامٍ) وَمَضَتْ الْمُدَّةُ (فَلَا أَجْرَ لَهَا) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَأْتِ بِالْعَمَلِ
الْوَاجِبِ عَلَيْهَا وَهُوَ الْإِرْضَاعُ، وَهَذَا إيجَارٌ وَلَيْسَ بِإِرْضَاعٍ وَهُوَ غَيْرُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَوْجَرَ الصَّبِيُّ بِلَبَنِ الظِّئْرِ فِي الْمُدَّةِ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْإِرْضَاعُ، وَالْعَمَلُ دُونَ الْعَيْنِ وَهُوَ اللَّبَنُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اسْتَأْجَرَ شَاةً لِتُرْضِعَ جَدْيًا أَوْ صَبِيًّا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ لِلَبَنِ الْبَهَائِمِ قِيمَةً فَوَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَلَا يَجُوزُ وَلَيْسَ لِلَبَنِ الْمَرْأَةِ قِيمَةٌ فَلَا تَقَعُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَقَعُ عَلَى فِعْلِ الْإِرْضَاعِ، وَالتَّرْبِيَةِ، وَالْحَضَانَةِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ، فَإِنْ جَحَدَتْهُ الظِّئْرُ فَالِاعْتِبَارُ لِيَمِينِهَا وَلِبَيِّنَتِهِمْ، وَإِنْ أَقَامَ كُلَّ بَيِّنَةٍ فَبَيِّنَتُهَا وَهَذَا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ شَاةٍ وَمَا أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ نَفْسِهَا فَلَوْ اكْتَفَى بِالنَّفْيِ لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ النَّفْيَ فِيهَا دَخَلَ فِي ضِمْنِ الْإِثْبَاتِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْغُرَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَتْهُ إلَى خَادِمَتِهَا حَتَّى أَرْضَعَتْهُ حَيْثُ تَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ (وَلِزَوْجِهَا) أَيْ لِزَوْجِ الظِّئْرِ (وَطْؤُهَا) إذَا أَرَادَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ إبْطَالِهِ (لَا) وَطْؤُهَا (فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ) إذَا مَنَعَ الْمُسْتَأْجِرُ عَنْ الْوَطْءِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَيَمْنَعُهُ، فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ بَلْ أَذِنَ فِيهِ جَازَ (وَلَهُ) أَيْ لِزَوْجِ الظِّئْرِ (فَسْخُهَا) أَيْ الْإِجَارَةِ (إنْ لَمْ تَكُنْ) الْإِجَارَةُ (بِرِضَاهُ) سَوَاءٌ كَانَ تَشِينُهُ إجَارَتُهَا بِأَنْ كَانَ وَجِيهًا بَيْنَ النَّاسِ أَوْ لَمْ تَشِنْهُ فِي الْأَصَحِّ لَكِنْ لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ (إنْ) كَانَ (نِكَاحُهُ) أَيْ نِكَاحُ الزَّوْجِ (ظَاهِرًا) بَيْنَ النَّاسِ أَوْ يَكُونُ عَلَيْهِ شُهُودٌ صِيَانَةً لِحَقِّهِ (لَا) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ (إنْ أَقَرَّتْ) الْمَرْأَةُ (بِهِ) أَيْ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ الْمُسْتَأْجِرُ (وَلِأَهْلِ الطِّفْلِ فَسْخُهَا) أَيْ الْإِجَارَةِ (إنْ مَرِضَتْ) الظِّئْرُ (أَوْ حَبِلَتْ) ؛ لِأَنَّ الْحُبْلَى، وَالْمَرِيضَةَ تَضُرُّ بِالصَّغِيرِ، وَكَذَا تَفْسَخُ الْمُرْضِعَةُ إذَا مَرِضَتْ أَوْ حَبِلَتْ إنْ خِيفَ عَلَيْهَا، وَكَذَا تَفْسَخُ إذَا تَقَيَّأَ لَبَنَهَا أَوْ كَانَتْ سَارِقَةً أَوْ فَاجِرَةً ثَابِتًا فُجُورُهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ كَافِرَةً كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ وَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ صَحَّ اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ الْكَافِرَةِ، وَالْفَاجِرَةِ لَكِنْ نُهِيَ عَنْ إرْضَاعِ الْحَمْقَاءِ نَوْعَ مُخَالَفَةٍ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْفَاجِرَةِ غَيْرُ ثَابِتٍ فُجُورُهَا أَوْ يُرَادَ صِحَّةُ الِاسْتِئْجَارِ فَقَطْ، وَكَذَا تُفْسَخُ إذَا كَانَ الصَّبِيُّ لَا يَأْخُذُ ثَدْيَهَا، وَلَهَا أَيْضًا فَسْخُهَا إذَا كَانَتْ تَتَأَذَّى مِنْهُمْ، وَكَذَا إذَا لَمْ تَجْرِ عَادَةٌ بِإِرْضَاعِ وَلَدِ غَيْرِهَا وَلَا تَفْسَخُ بِمَوْتِ أَبِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَاقِعَةٌ لِلصَّبِيِّ لَا لِلْأَبِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِ مَوْتِ الصَّبِيِّ أَوْ الظِّئْرِ، فَإِنَّهَا انْتَقَضَتْ، وَلَوْ سَافَرَتْ هِيَ وَأَهْلُ الصَّبِيِّ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ.
(وَفَسَدَ اسْتِئْجَارُ حَائِكٍ لِيَنْسِجَ لَهُ غَزْلًا بِنِصْفِهِ) أَيْ بِنِصْفِ الْغَزْلِ أَوْ ثُلُثِهِ (أَوْ) اسْتِئْجَارُ (حِمَارٍ لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ طَعَامًا) إلَى بَيْتِهِ (بِقَفِيزٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الطَّعَامِ بِأَنْ جَعَلَ الْقَفِيزَ أُجْرَتَهُ (أَوْ) اسْتِئْجَارُ (ثَوْرٍ
لِيَطْحَنَ لَهُ بُرًّا بِقَفِيزٍ مِنْ دَقِيقِهِ) أَيْ دَقِيقِ ذَلِكَ الْبُرِّ أَمَّا فَسَادُ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَجْرَ بَعْضَ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ فَصَارَ فِي مَعْنَى «قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَقَدْ نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِ الْأَجِيرِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَقْدِرُ بِغَيْرِهِ فَلَا يُعَدُّ قَادِرًا فَفَسَدَ قَالَ أَبُو الْمَكَارِمِ قَالَ قَاضِي خَانْ يَجُوزُ النَّسْجُ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَالْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ وَالْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ (وَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي الْكُلِّ لَا يُجَاوِزُ الْمُسَمَّى) ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَمَّا فَسَدَتْ وَجَبَ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ لِرِضَاهُ بِخَطِّ الزِّيَادَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ نِصْفَ طَعَامِهِ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ فِيهِ مَلَكَ النِّصْفَ فِي الْحَالِّ بِالتَّعْجِيلِ فَصَارَ حَامِلًا طَعَامًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، وَبِحَمْلِ طَعَامٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا لَا يَجِبُ الْأَجْرُ إذْ مَا مِنْ جُزْءٍ يَحْمِلُهُ إلَّا وَهُوَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَفِي الْمِنَحِ إشْكَالٌ وَجَوَابٌ إنْ شِئْت فَارْجِعْ.
وَفِي الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَكَا فِي الِاحْتِطَابِ حَيْثُ يَجِبُ الْأَجْرُ بَالِغًا مَا بَلَغَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى هُنَاكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَلَمْ يَصِحَّ الْحَطُّ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُجَاوِزُ بِأُجْرَةِ نِصْفِ ثَمَنِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِنِصْفِ الْمُسَمَّى حَيْثُ اشْتَرَكَ هَذَا إذَا احْتَطَبَ أَحَدُهُمَا وَجَمَعَ الْآخَرُ، وَأَمَّا إذَا احْتَطَبَا جَمِيعًا فَهُمَا شَرِيكَانِ عَلَى السَّوَاءِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَالْعِنَايَةِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَصِيدَ لَهُ أَوْ يَحْتَطِبَ، فَإِنْ وَقَّتَ جَازَ وَإِلَّا لَا إلَّا إذَا عَيَّنَ الْحَطَبَ وَهُوَ مِلْكُهُ.
(وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْبِزَ لَهُ الْيَوْمَ قَفِيزًا بِدِرْهَمٍ فَسَدَ) الْعَقْدُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ ذَكَرَهُ فِيهِ أَمْرَيْنِ يَحْتَمِلُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَالْوَقْتُ فَالْعَمَلُ يَنْفَعُ الْمُسْتَأْجِرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْطِي الْأَجْرَ إلَى الْمُؤَجِّرِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ، وَالْوَقْتُ يَنْفَعُ الْأَجِيرَ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ سَوَاءٌ عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ وَلَا رُجْحَانَ فِي أَحَدِهِمَا فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ كِلَيْهِمَا يَلْزَمُ أَنْ يَعْمَلَ مُسْتَغْرِقًا لِهَذَا الْيَوْمِ فَذَلِكَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ عَادَةً (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا: هَذِهِ جَائِزَةٌ وَيَكُونُ الْعَقْدُ عَلَى الْعَمَلِ دُونَ الْيَوْمِ حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْهُ نِصْفَ النَّهَارِ فَلَهُ الْأَجْرُ كَامِلًا، وَإِنْ لَمْ يَفْرَغْهُ فِي الْيَوْمِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْغَدِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ وَذِكْرُ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ.
(وَلَوْ قَالَ: فِي الْيَوْمِ) أَيْ بِكَلِمَةِ فِي (صَحَّ اتِّفَاقًا) ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي لِلظَّرْفِ لَا لِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ فَلَا يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ فَكَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلَ وَهُوَ الْمَعْلُومُ بِخِلَافِ مَا إذَا حُذِفَتْ فِي، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْبِزَ لَهُ كَذَا مِنْ الدَّقِيقِ عَلَى أَنْ يَفْرَغَ مِنْهُ الْيَوْمَ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ.
(وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَكْرُبَهَا) مِنْ كَرَبَ الْأَرْضَ إذَا أَصْلَحَهَا بِالْمِحْرَاثِ مِنْ بَابِ
نَصَرَ (وَيَزْرَعَهَا أَوْ) اسْتَأْجَرَهَا عَلَى أَنْ (يَسْقِيَهَا وَيَزْرَعَهَا صَحَّ) الِاسْتِئْجَارُ لِكَوْنِهِ شَرْطًا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الزِّرَاعَةَ لَا تَتَأَتَّى إلَّا بِالْكِرَابِ، وَالسَّقْيِ.
(وَ) إنْ اسْتَأْجَرَهَا (عَلَى أَنْ يُثَنِّيَهَا) إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالتَّثْنِيَةِ أَنْ يَرُدَّ الْأَرْضَ مَكْرُوبَةً تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ لِبَقَاءِ نَفْعِ الْكِرَابِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَهَذَا شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَسَبَبُ الْفَسَادِ بَقَاءُ النَّفْعِ لِرَبِّ الْأَرْضِ فَتُوجَدُ صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ وَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ كَرَبَ الْأَرْضَ مَرَّتَيْنِ وَكَانَتْ الْأَرْضُ تُخْرِجُ الزَّرْعَ بِكَرْبِهَا مَرَّةً، وَالْمُدَّةُ سَنَةٌ وَاحِدَةٌ تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ أَيْضًا لِمَا مَرَّ، وَإِنْ كَانَتْ تُخْرِجُهُ بِكَرْبِهَا مَرَّتَيْنِ لَا تَفْسُدُ لِعَدَمِ بَقَاءِ أَثَرِ التَّثْنِيَةِ، وَكَذَا لَا تَفْسُدُ إنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لِعَدَمِ مَنْفَعَةِ التَّثْنِيَةِ (أَوْ) اسْتَأْجَرَهَا عَلَى أَنْ (يُكْرِيَ نَهْرَهَا) أَيْ يَحْفِرَ أَنْهَارَهَا الْعِظَامَ تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ لِبَقَاءِ مَنْفَعَتِهِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ بِخِلَافِ الْجَدَاوِلِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (أَوْ) عَلَى أَنْ (يُسَرْقِنَهَا) أَيْ يَجْعَلَ السِّرْقِينَ عَلَيْهَا وَهُوَ الزِّبْلُ وَهُوَ مُعَرَّبٌ وَيُقَالُ لَهُ السِّرْجِينُ تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ لِبَقَاءِ الْأَثَرِ بَعْدَ الِانْقِضَاءِ إلَّا إذَا كَانَ الرِّيعُ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِالسَّرْقَنَةِ أَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ طَوِيلَةً (لَا يَصِحُّ) الِاسْتِئْجَارُ فِي الْكُلِّ لِمَا قَرَرْنَاهُ آنِفًا (وَكَذَا) لَا يَصِحُّ (الِاسْتِئْجَارُ لِلزِّرَاعَةِ) أَيْ لِزِرَاعَةِ الْأَرْضِ (بِزِرَاعَةِ) أَرْضٍ أُخْرَى بِأَنْ جُعِلَتْ زِرَاعَةُ الْأَرْضِ الْأُخْرَى أُجْرَةً بِهَا (وَلِلرُّكُوبِ) أَيْ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا (بِرُكُوبِ) دَابَّةٍ أُخْرَى لِيَرْكَبَهَا الْآخَرُ بِمُقَابَلَتِهَا (وَلِلسُّكْنَى) أَيْ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَارٍ لِيَسْكُنَهَا (بِسُكْنَى) دَارٍ أُخْرَى لِيَسْكُنَهَا الْآخَرُ بِمُقَابَلَتِهَا (وَلِلُّبْسِ) أَيْ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ ثَوْبٍ لِيَلْبَسَهُ (بِلُبْسِ) ثَوْبٍ آخَرَ لِيَلْبَسَهُ الْآخَرُ بِمُقَابَلَتِهِ وَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ بَيْعِ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً وَذَا لَا يَجُوزُ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ.
وَفِي الدُّرَرِ كَلَامٌ إنْ شِئْت فَلْيُطَالَعْ ثُمَّ لَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا الْمَنْفَعَةَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ اسْتَأْجَرَ شَرِيكَهُ أَوْ حِمَارَهُ) أَيْ حِمَارَ شَرِيكِهِ (لِحَمْلِ طَعَامٍ هُوَ) أَيْ الطَّعَامُ (لَهُمَا لَا يَلْزَمُ الْأَجْرُ) الَّذِي سَمَّاهُ وَلَا أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ شَيْئًا لِشَرِيكِهِ إلَّا وَيَقَعُ بَعْضُهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْآخَرَ.
وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تَجُوزُ هَذِهِ الْإِجَارَةُ، وَيَجِبُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى الْمَشْرُوطَ عَنْهُ (كَرَاهِنٍ اسْتَأْجَرَ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ) أَيْ كَمَا لَا يَجُوزُ لِلرَّاهِنِ اسْتِئْجَارُ الرَّاهِنِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مِلْكُ الرَّاهِنِ، وَالْمُرْتَهِنُ لَيْسَ بِمَالِكٍ حَتَّى يُؤَجِّرَهُ مِنْهُ.
وَفِي الْمِنَحِ لَوْ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا فَدَخَلَ الْآجِرُ مَعَ بَعْضِ أَصْدِقَائِهِ الْحَمَّامَ، فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَرِدُّ بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَنْفَعَةُ الْحَمَّامِ فِي الْمُدَّةِ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ.
(وَإِنْ اسْتَأْجَرَ)