الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَاب إحْيَاء الْمَوَات]
مُنَاسَبَةُ هَذَا الْكِتَابِ بِكِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَسَائِلَ هَذَا الْكِتَابِ مَا يُكْرَهُ وَمَا لَا يُكْرَهُ وَمِنْ مَحَاسِنِهِ التَّسْبِيبُ فِي الْخِصْبِ فِي أَقْوَاتِ الْأَنَامِ وَمَشْرُوعِيَّتُهُ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» وَشُرُوطُهُ سَتُذْكَرُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ وَسَبَبُهُ تَعَلُّقُ الْبَاءِ الْمُقَدَّرِ وَحُكْمُهُ تَمَلُّكُ الْمُحْيِي مَا أَحْيَاهُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ الْمَوَاتُ لُغَةً حَيَوَانٌ مَاتَ وَسُمِّيَ بِهِ أَرْضٌ لَا مَالِكَ لَهَا وَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا تَشْبِيهًا بِالْمَوَاتِ بِالْحَيَوَانِ إذَا مَاتَ وَبَطَلَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَالْمُرَادُ مِنْ الْإِحْيَاءِ عُرْفًا التَّصَرُّفُ وَالِانْتِفَاعُ بِأَنْ يَبْنِيَ فِيهَا بِنَاءً أَوْ يَزْرَعَ فِيهَا زَرْعًا أَوْ يَغْرِسَ فِيهَا شَجَرًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَشَرْعًا (هِيَ) أَيْ الْمَوَاتُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا عَلَى وَزْنِ فَعَالٍ مِنْ الْمَوْتِ (أَرْضٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا) أَيْ بِالْأَرْضِ لِانْقِطَاعِ مَائِهَا أَصْلًا أَوْ عَارِضًا بِحَيْثُ لَا يُرْجَى عَوْدُهُ أَوْ لِغَلَبَةِ الْمَاءِ عَلَيْهَا أَوْ نَحْوِهِمَا مِمَّا يَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ مِثْلُ غَلَبَةِ الرَّمَلِ وَالْحَجَرِ وَالشَّوْكِ وَمِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْأَرْضُ مَالِحَةً أَوْ غَيْرَهَا (عَادِيَّةً) أَيْ قَدِيمَةً غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ مِنْ زَمَانٍ بَعِيدٍ وَلِذَا نُسِبَتْ إلَى عَادٍ (أَوْ مَمْلُوكَةً فِي الْإِسْلَامِ) لَكِنْ (لَيْسَ لَهَا) الْيَوْمَ (مَالِكٌ مُعَيَّنٌ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ) سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا آثَارُ الْعِمَارَةِ أَوْ لَا فَإِنَّ حُكْمَهَا كَالْمَوَاتِ حَيْثُ يَتَصَرَّفُ فِيهَا الْإِمَامُ كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي الْمَوَاتِ لَكِنْ لَوْ ظَهَرَ لَهَا مَالِكٌ يَرُدُّ عَلَيْهِ وَيَضْمَنُ نُقْصَانَهَا إنْ نَقَصَتْ بِالزِّرَاعَةِ وَإِلَّا فَلَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يُحْيِ مَالَهُ آثَارُ الْعِمَارَةِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ التُّرَابُ كَالْقُصُورِ الْخَرِبَةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ قَيَّدَ بِمَا لَيْسَ لَهَا بِمَالِكٍ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لَمْ يَكُنْ مَوَاتًا وَإِنْ مَضَتْ عَلَيْهِ الْقُرُونُ وَصَارَتْ خَرِبَةً.
وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْأَرَاضِيَ الَّتِي انْقَرَضَ أَهْلُهَا كَالْمَوَاتِ وَقِيلَ كَاللُّقَطَةِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ مُلِكَتْ فِي الْإِسْلَامِ لَا تَكُونُ مَوَاتًا) عُلِمَ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ أَوْ لَا بَلْ تَكُونُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ (وَيُشْتَرَطُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَوْنُهَا) أَيْ الْأَرْضِ (بَعِيدَةً عَنْ الْعَامِرِ) أَيْ الْبَلَدِ وَالْقَرْيَةِ فَإِنَّ الْعَامِرَ بِمَعْنَى الْمَعْمُورِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا يَكُونُ قَرِيبًا مِنْ الْقَرْيَةِ لَا يَنْقَطِعُ احْتِيَاجُ أَهْلِهَا إلَيْهِ كَرَعْيِ مَوَاشِيهِمْ وَطَرْحِ حَصَائِدِهِمْ فَلَا يَكُونُ مَوَاتًا (وَحَدُّ الْبَعِيدِ) أَنْ يَكُونَ فِي مَكَان بِحَيْثُ (لَوْ صِيحَ مِنْ أَقْصَاهُ) أَيْ لَوْ وَقَفَ إنْسَانٌ فِي أَقْصَى الْعَامِرِ فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ (لَا يُسْمَعُ فِيهَا) فَإِنَّهُ مَوَاتٌ وَإِنْ كَانَ يُسْمَعُ فَلَيْسَ بِمَوَاتٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّ الْبُعْدَ قَدْرُ غَلْوَةٍ كَمَا فِي الظَّهِيرَةِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) يُشْتَرَطُ (أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِهَا) أَيْ بِالْأَرْضِ (أَهْلُ الْعَامِرِ) مِنْ حَيْثُ الِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
(وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (قَرِيبَةٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَامِرِ حَتَّى لَا يَجُوزَ إحْيَاءُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْلُ الْقَرْيَةِ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا وَيَجُوزُ إحْيَاءُ مَا لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْعَامِرِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ اعْتَمَدَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ يُفْتَى كَمَا فِي زَكَاةِ الْكُبْرَى وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ
وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ التَّسْهِيلِ أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي اشْتِرَاطِهِ الْبُعْدَ حَيْثُ قَالَ اعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ عَدَمَ الِارْتِفَاقِ لَا الْبُعْدِ خِلَافًا لَهُمَا (مَنْ أَحْيَاهَا) أَيْ الْمَوَاتَ (بِإِذْنِ الْإِمَامِ) أَوْ نَائِبِهِ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (ذِمِّيًّا مَلَكَهَا) أَيْ مَلَكَ الْمُحْيِي الْمَوَاتَ (وَبِلَا إذْنِهِ) أَيْ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ (لَا) يَمْلِكُهَا عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّ عِنْدَهُمَا يَمْلِكُهَا بِدُونِ الْإِذْنِ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُبَاحَةً وَيَدُهُ سَبَقَتْ إلَيْهَا بِالْخُصُوصِ فَيَمْلِكُهُ كَمَا فِي الْحَطْبِ وَالصَّيْدِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ إلَّا عِنْدَ مَالِكٍ لَوْ تَشَاحَّا أَهْلُ الْعَامِرِ يُعْتَبَرُ الْإِذْنُ وَإِلَّا لَا وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْأَرْضَ مَغْنُومَةٌ لِاسْتِيلَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْتَصَّ بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ كَسَائِرِ الْمَغَانِمِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَإِنْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا فَلَا يَمْلِكُهَا أَصْلًا بِالِاتِّفَاقِ.
وَفِي التَّبْيِينِ وَلَوْ تَرَكَهَا بَعْدَ الْإِحْيَاءِ وَزَرَعَهَا غَيْرُهُ قِيلَ الثَّانِي أَحَقُّ بِهَا لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَلَكَ اسْتِغْلَالَهَا دُونَ رَقَبَتِهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَوَّلَ أَحَقُّ بِهَا لِأَنَّهُ مَلَكَ رَقَبَتَهَا بِالْإِحْيَاءِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِالتَّرْكِ وَلَوْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً ثُمَّ أَحَاطَ الْأَحْيَاءُ بِجَوَانِبِهَا الْأَرْبَعَةِ مِنْ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَلَى التَّعَاقُبِ تَعَيَّنَ طَرِيقُ الْأَوَّلِ فِي الْأَرْضِ لِرَابِعَةٍ فِي الْمَرْوِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْيَا الْجَوَانِبَ الثَّلَاثَةَ تَعَيَّنَ الْجَانِبُ الرَّابِعُ لِلِاسْتِطْرَادِ وَيَمْلِكُ الذِّمِّيُّ بِالْإِحْيَاءِ كَالْمُسْلِمِ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ انْتَهَى.
(وَلَا يَجُوزُ إحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ بَلْ يُتْرَكُ مَرْعًى لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ وَمَطْرَحًا لِحَصَائِدِهِمْ) لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا فَصَارَ كَالنَّهْرِ وَالطَّرِيقِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ بِهِ مَا لَا غِنَاءَ لِلْمُسْلِمِينَ عَنْهُ كَالْمِلْحِ وَالْآبَارِ الَّتِي يُسْتَقَى مِنْهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنْ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا نُقِلَ آنِفًا عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَيَجُوزُ إحْيَاءُ مَا لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْعَامِرِ أَوْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِهَا الْعَامِرُ وَلَوْ قَرِيبَةً مِنْهُ مُخَالَفَةً لِأَنَّ مُقْتَضَاهُمَا أَنْ يَجُوزَ إحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ انْتِفَاعِهِمْ بِهَا تَتَبَّعْ.
(وَلَا) يَجُوزُ إحْيَاءُ (مَا) أَيْ مَحَلٍّ (عَدَلَ) أَيْ رَجَعَ (عَنْهُ مَاءُ الْفُرَاتِ وَنَحْوِهَا) كَدِجْلَةَ وَالشَّطِّ وَغَيْرِهِمَا (وَاحْتُمِلَ عَوْدُهُ) إلَيْهِ لِحَاجَةِ الْعَامَّةِ إلَى كَوْنِهِ نَهْرًا (فَإِنْ) الظَّاهِرُ وَإِنْ بِالْوَاوِ (لَمْ يُحْتَمَلْ) عَوْدُهُ إلَى مَكَانِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ حَرِيمًا لِعَامِرٍ (جَازَ) إحْيَاؤُهُ لِكَوْنِهِ مُلْحَقًا بِالْمَوَاتِ.
(وَمَنْ حَجَرَ أَرْضًا ثَلَاثَ سِنِينَ وَلَمْ يَعْمُرْهَا) أَيْ الْأَرْضَ (أُخِذَتْ) الْأَرْضُ (مِنْهُ) أَيْ غَيْرِ الْحَجْرِ (وَدُفِعَتْ إلَى غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُحْجِرِ لِأَنَّ الدَّفْعَ كَانَ إلَى الْأَوَّلِ لِيَعْمُرَهَا فَتَحْصُلُ الْمَنْفَعَةُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ حَيْثُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ فَإِذَا لَمْ تَحْصُلْ يَدْفَعُهُ إلَى غَيْرِهِ تَحْصِيلًا لِلْمَقْصُودِ وَلِأَنَّ التَّحْجِيرَ لَيْسَ بِإِحْيَاءٍ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ جَعْلُهَا صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ وَالتَّحْجِيرَ لِلْإِعْلَامِ بِوَضْعِ الْأَحْجَارِ حَوْلَهَا أَنَّهُ قَصَدَ إحْيَاءَهَا لِكَوْنِهِ مِنْ الْحَجَرِ بِالْحَرَكَةِ وَقِيلَ اشْتِقَاقُهُ مِنْ الْحَجْرِ بِالسُّكُونِ هُوَ الْمَنْعُ لِأَنَّ مَنْ أَعْلَمَ فِي قِطْعَةِ أَرْضٍ مِنْ الْمَوَاتِ عَلَامَةً بِوَضْعِ الْأَحْجَارِ أَوْ الشَّوْكِ
فِي أَطْرَافِهَا أَوْ بِإِحْرَاقِ مَا فِيهَا مِنْ الشَّوْكِ وَغَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ يَمْنَعُ الْغَيْرَ فَسُمِّيَ فِعْلُهُ تَحْجِيرًا وَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فَبَقِيَتْ مُبَاحَةً عَلَى حَالِهَا لَكِنَّهُ هُوَ أَوْلَى بِهَا وَإِنَّمَا قُدِّرَ بِثَلَاثِ سِنِينَ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَيْسَ لِمُتَحَجِّرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ حَقٌّ وَهَذَا مِنْ طَرِيقِ الدِّيَانَةِ فَأَمَّا إذَا أَحْيَاهَا غَيْرُهُ قَبْلَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ مَلَكَهَا لِتَحَقُّقِ الْإِحْيَاءِ مِنْهُ دُونَ الْأَوَّلِ وَنَظِيرُهُ الِاسْتِيَامُ وَحَفْرُ الْمَعْدِنِ وَإِنْ حَفَرَ بِهَا بِئْرًا فَهُوَ تَحْجِيرٌ وَلَيْسَ بِإِحْيَاءٍ وَكَذَا إذَا جَعَلَ الشَّوْكَ حَوْلَهَا وَلَوْ كَرَبَهَا أَوْ ضَرَبَ عَلَيْهَا الْمُسَنَّاةَ أَوْ شَقَّ لَهَا نَهْرًا فَهُوَ إحْيَاءٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ فَلَهُ حَرِيمُهَا إنْ) حَفَرَهَا (بِإِذْنِ الْإِمَامِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ إحْيَاءٌ بِالْإِذْنِ عِنْدَهُ وَإِلَّا لَا.
(وَكَذَا) لَهُ حَرِيمُهَا (إنْ) حَفَرَهَا (بِغَيْرِ إذْنِهِ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّ حَفْرَ الْبِئْرِ إحْيَاءٌ عِنْدَهُمَا سَوَاءٌ بِالْإِذْنِ أَوْ بِغَيْرِ الْإِذْنِ (وَحَرِيمُ) بِئْرِ (الْعَطَنِ) الَّتِي يُنْزَحُ الْمَاءُ مِنْهَا بِالْيَدِ وَيُنَاخُ الْإِبِلُ حَوْلَهَا لِلشُّرْبِ (أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا) مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مِمَّا حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا» (مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ وَلِأَنَّ الْحَافِرَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِبِئْرِهِ إلَّا بِحَرِيمِهَا (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ الْأَرْبَعُونَ مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ لِأَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ يَجْمَعُ الْجَوَانِبَ الْأَرْبَعَةَ وَالصَّحِيحُ مَا فِي الْمَتْنِ لِأَنَّ فِي الْأَرَاضِي الرَّخْوَةِ يَتَحَوَّلُ الْمَاءُ إلَى مَا يُحْفَرُ دُونَهَا فَيُؤَدِّي إلَى اخْتِلَافِ حَقِّهِ.
(وَكَذَا) أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فِي الصَّحِيحِ (حَرِيمُ) الْبِئْرِ (النَّاضِحِ) الَّتِي نَزَحَ الْمَاءَ بِالنَّاضِحِ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا لِلنَّاضِحِ سِتُّونَ) أَيْ فَحَرِيمُهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «حَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَحَرِيمُ بِئْرِ الْعَطَنِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا وَحَرِيمُ بِئْرٍ نَاضِحٍ سِتُّونَ ذِرَاعًا» وَلَهُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مَا حَوْلَهُ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» وَلَمَّا تَعَارَضَ الْخَبَرَانِ أَخَذْنَا بِالْأَقَلِّ لِتَيَقُّنِهِ.
وَفِي الْمُحِيطِ إذَا كَانَ عُمْقُ الْمَاءِ زَائِدًا عَلَى أَرْبَعِينَ يُزَادُ عَلَيْهَا (وَحَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الْعَيْنَ تُسْتَخْرَجُ لِلزِّرَاعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَكَان يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ وَمِنْ حَوْضٍ يُجْمَعُ فِيهِ الْمَاءُ وَمِنْ مَوْضِعٍ يَنْزِلُ فِيهِ الْمُسَافِرُ وَالدَّوَابُّ وَمِنْ مَوْضِعٍ يَجْرِي مِنْهُ إلَى الْمَزَارِعِ وَالْمَرَاتِعِ فَقُدِّرَ بِالزِّيَادَةِ قِيلَ لَوْ كَانَ عَادِيَّةٌ فَحَرِيمُهَا خَمْسُونَ ذِرَاعًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ فِي الْحَرِيمِ مُطْلَقًا.
(وَيُمْنَعُ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ حَافِرِ الْبِئْرِ أَوْ الْعَيْنِ (مِنْ الْحَفْرِ فِي حَرِيمِهِ) لِأَنَّهُ بِالْحَفْرِ مَلَكَ حَرِيمَ ذَلِكَ الْمَحْفُورِ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ (لَا) يُمْنَعُ مِنْ الْحَفْرِ (فِيمَا وَرَاءَهُ) أَيْ فِيمَا وَرَاءَ الْحَرِيمِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِمَا وَرَاءَهُ (فَإِنْ حَفَرَ أَحَدٌ) بِئْرًا (فِيهِ) أَيْ فِي دَاخِلِ الْحَرِيمِ (ضَمَّنَ) بِالتَّشْدِيدِ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي (النُّقْصَانَ) لِتَعُدِّي الثَّانِي بِتَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ النُّقْصَانِ أَنْ يُقَوِّمَ الْأُولَى قَبْلَ حَفْرِ الثَّانِيَةِ
وَبَعْدَهُ فَيَضْمَنُ نُقْصَانَ مَا بَيْنَهُمَا (وَيَكْبِسُ) الْأَوَّلُ بِنَفْسِهِ أَيْ يَمْلَؤُهَا بِالتُّرَابِ كَمَا إذَا هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِأَنْ يَبْنِيَ جِدَارَهُ بَلْ يَضْمَنُ قِيمَةَ بِنَائِهِ ثُمَّ يَبْنِيَ بِنَفْسِهِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَقِيلَ لَا يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ وَأَنْ يَأْخُذَهُ بِكَبْسِ مَا احْتَفَرَهُ لِأَنَّ إزَالَةَ جِنَايَةِ حَفْرِهِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْكُنَاسَةِ يُلْقِيهَا فِي دَارِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِرَفْعِهَا وَمَا عَطِبَ فِي الْأُولَى فَلَا ضَمَانَ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ أَمَّا إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَظَاهِرٌ وَكَذَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ عِنْدَهُمَا وَالْعُذْرُ لِلْإِمَامِ أَنَّهُ يَجْعَلُ الْحَفْرَ تَحْجِيرًا وَهُوَ تَسْبِيلٌ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَالْمُتَحَجِّرُ لَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فَلَا يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُهُ بِدُونِ الْإِذْنِ وَمَا عَطِبَ فِي الثَّانِيَةِ فَفِيهِ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ حَيْثُ حَفَرَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَإِنْ حَفَرَ) بِئْرًا بِأَمْرِ الْإِمَامِ (فِيمَا وَرَاءَهُ) أَيْ فِي غَيْرِ حَرِيمِ الْأَوَّلِ قَرِيبَةً مِنْهُ فَذَهَبَ مَاءُ الْبِئْرِ الْأُولَى وَعَرَفَ أَنَّ ذَهَابَهُ مِنْ حَفْرِ الثَّانِي (فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيمَا صَنَعَ وَالْمَاءُ تَحْتَ الْأَرْضِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ فِي تَحْوِيلِ مَاءِ بِئْرِهِ إلَى الْبِئْرِ الثَّانِي كَالتَّاجِرِ إذَا كَانَ لَهُ حَانُوتٌ فَاِتَّخَذَ آخَرُ بِجَنْبِهِ حَانُوتًا لِمِثْلِ تِلْكَ التِّجَارَةِ فَكَسَدَتْ تِجَارَةُ الْأَوَّلِ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الثَّانِيَ كَمَا فِي الدُّرَرِ (وَلَهُ) أَيْ لِلَّذِي حَفَرَ فِيمَا وَرَاءَ الْحَرِيمِ مُتَّصِلًا بِحَرِيمِ الْبِئْرِ الْأُولَى (الْحَرِيمُ) مِنْ الْجَوَانِبِ الثَّلَاثَةِ (مِمَّا) أَيْ مِنْ جَانِبٍ (سِوَى حَرِيمِ) الْحَافِرِ (الْأَوَّلِ) لِسَبْقِ مِلْكِ الْحَافِرِ الْأَوَّلِ فِيهِ وَإِنْ أَرَادَ التَّوْسِعَةَ عَلَيْهِ حَفَرَ بَعِيدًا مِنْ حَرِيمِ الْبِئْرِ الْأُولَى.
(وَلِلْقَنَاةِ) أَيْ مَجْرَى الْمَاءِ تَحْتَ الْأَرْضِ (حَرِيمٌ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهَا) أَيْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِلْقَاءِ الطِّينِ وَنَحْوِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقِيلَ لَا حَرِيمَ لَهَا مَا لَمْ يَظْهَرْ مَاؤُهَا) عِنْدَهُ لِكَوْنِهَا جَوْفَ الْأَرْضِ كَالنَّهْرِ وَقِيلَ إنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَعِنْدَهُمَا هِيَ) أَيْ الْقَنَاةُ (كَالْبِئْرِ) فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَرِيمِ.
(وَإِنْ ظَهَرَ مَاؤُهَا) أَيْ مَاءُ الْقَنَاةِ (فَهِيَ كَالْعَيْنِ) الْفَوَّارَةِ (إجْمَاعًا) فَيُقَدَّرُ حَرِيمُهَا بِخَمْسِمِائَةِ ذِرَاعٍ.
(وَلَا حَرِيمَ لِنَهْرٍ) فَهُوَ مَجْرًى كَبِيرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْكَرْيِ فِي كُلِّ حِينٍ (فِي أَرْضِ الْغَيْرِ إلَّا بِحُجَّةٍ) أَيْ مَنْ كَانَ لَهُ نَهْرٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ حَرِيمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى ثُبُوتِ الْحَرِيمِ لَهُ (وَعِنْدَهُمَا لَهُ) أَيْ لِلنَّهْرِ (مُسَنَّاةٌ) أَيْ مُسَنَّاةُ نَهْرِهِ لَأَنْ يَمْشِيَ عَلَيْهَا وَيُلْقِيَ طِينَهُ عَلَيْهَا قِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِنَاءً عَلَى مَنْ أَحْيَا نَهْرًا فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لَا يَسْتَحِقُّ الْحَرِيمَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَسْتَحِقُّهُ لَكِنَّ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا قَالُوا إنَّ لَهُ الْحَرِيمَ بِالِاتِّفَاقِ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِلْقَاءِ الطِّينِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ التَّتِمَّةِ وَهَذَا الْحَرِيمُ (بِقَدْرِ نِصْفِ عَرْضِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْحَاجَةُ الْغَالِبَةُ وَذَلِكَ بِنَقْلِ تُرَابِهِ إلَى حَافَّتَيْهِ فَيَكْفِي مَا ذَكَرْنَاهُ (وَبِقَدْرِ عَرْضِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِأَنَّهُ
قَدْ لَا يُمْكِنُهُ إلْقَاءُ التُّرَابِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَيَحْتَاجُ إلَى إلْقَائِهِ فِي أَحَدِهِمَا فَيُقَدَّرُ فِي كُلِّ طَرَفٍ بِبَطْنِ النَّهْرِ وَالْحَوْضُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لَهُمَا أَنَّهُ لَا انْتِفَاعَ بِالنَّهْرِ إلَّا بِالْحَرِيمِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْمَشْيِ فِيهِ لِتَسْيِيلِ الْمَاءِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عَادَةً فِي بَطْنِهِ وَإِلَى إلْقَاءِ الطِّينِ وَلَا يُمْكِنُهُ النَّقْلُ إلَى مَكَان بَعِيدٍ إلَّا بِحَرَجٍ فَيَكُونُ لَهُ الْحَرِيمُ اعْتِبَارًا بِالْبِئْرِ وَلَهُ أَنَّ الْحَرِيمَ ثَبَتَ فِي الْبِئْرِ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِهِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ فِي الْبِئْرِ أَكْثَرُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِمَاءِ الْبِئْرِ بِدُونِ الِاسْتِقَاءِ وَالِاسْتِقَاءُ إلَّا بِالْحَرِيمِ وَأَمَّا النَّهْرُ فَيُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِمَائِهِ بِدُونِ الْحَرِيمِ.
وَفِي الشُّمُنِّيِّ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْإِمَامُ وَصَاحِبَاهُ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ النَّهْرُ مُوَازِيًا لِلْأَرْضِ وَلَا فَاصِلَ بَيْنَهُمَا وَأَنْ لَا يَكُونَ الْحَرِيمُ مَشْغُولًا بِحَقِّ أَحَدِهِمَا كَالْغَرْسِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَشْغُولًا بِحَقِّ أَحَدِهِمَا كَانَ أَحَقَّ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ انْتَهَى وَإِنَّمَا قُلْنَا هُوَ مَجْرًى كَبِيرٌ لِأَنَّ الْمَجْرَى لَوْ كَانَ صَغِيرًا يَحْتَاجُ إلَى الْكَرْيِ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَلَهُ الْحَرِيمُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ (وَهُوَ) أَيْ قَوْلُ مُحَمَّدٍ (الْأَرْفَقُ) بِالنَّاسِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ النَّهْرِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْكَرْمَانِيِّ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (فَالْمُسَنَّاةُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَتَفْرِيعٌ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْبُورِ يَعْنِي الْمُسَنَّاةَ الَّتِي (بَيْنَ النَّهْرِ) أَيْ بَيْنَ نَهْرِ رَجُلٍ صِفَةُ الْمُسَنَّاةِ (وَالْأَرْضُ) أَيْ وَأَرْضُ الْآخَرِ.
(وَ) الْحَالُ أَنَّهَا (لَيْسَتْ فِي يَدِ أَحَدٍ) مِنْهُمَا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا غَرْسٌ وَلَا طِينٌ مُلْقًى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِلَّا فَصَاحِبُ الشَّغْلِ أَوْلَى لِأَنَّهُ صَاحِبُ يَدٍ وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدٌ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهَا وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ غَرْسٌ لَا يُدْرَى مَنْ غَرَسَهُ فَهُوَ مِنْ مَوَاضِعِ الْخِلَافِ (لِصَاحِبِ الْأَرْضِ) هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ إذْ لَا حَرِيمَ لِلنَّهْرِ عِنْدَهُ (فَلَا يَغْرِسُ فِيهَا صَاحِبُ النَّهْرِ وَلَا يُلْقِي عَلَيْهَا طِينَهُ وَلَا يَمُرُّ) لِكَوْنِهَا تَعَدِّيًا مِنْهُ فِي حَقِّ مَالِكِهَا (وَقِيلَ لَهُ) أَيْ لِصَاحِبِ النَّهْرِ (الْمُرُورُ وَإِلْقَاءُ الطِّينِ) فِيهَا (مَا لَمْ يُفْحِشْ) وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ حَقُّ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَبِذَلِكَ جَرَتْ الْعَادَةُ وَلَكِنْ لَا يَغْرِسُ فِيهِ إلَّا الْمَالِكُ (وَعِنْدَهُمَا هِيَ) أَيْ الْمُسَنَّاةُ (لِرَبِّ النَّهْرِ فَلَهُ ذَلِكَ) أَيْ الْغَرْسُ وَالْإِلْقَاءُ وَالْمُرُورُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا كَمَا مَرَّ آنِفًا وَ (قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَخَذَ بِقَوْلِ الْإِمَامِ فِي الْغَرْسِ وَبِقَوْلِهِمَا فِي إلْقَاءِ الطِّينِ) فَلَا يَغْرِسُ فِيهَا صَاحِبُ النَّهْرِ كَيْ لَا يُبْطِلَ حَقَّ مَالِكِهَا وَلَكِنْ يُلْقِي الطِّينَ لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ.
(وَمَنْ غَرَسَ شَجَرَةً فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ فَلَهُ حَرِيمُهَا خَمْسَةَ أَذْرُعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُخْتَارِ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ غَرَسَ شَجَرَةً فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ فَحَرِيمُهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ لَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَغْرِسَ فِيهِ انْتَهَى (يُمْنَعُ غَيْرُهُ مِنْ الْغَرْسِ فِيهِ) لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْحَرِيمِ لِجِذَاذِ ثَمَرِهِ وَالْوَضْعِ فِيهِ.