الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِقَبْضِهِ مِلْكَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَزِمَهُ فِي الْحَالِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا دَفَعَ الْعَبْدُ الْأَوَّلُ إلَى الثَّانِي، فَإِنَّهُ لَوْ أَمَرَ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ بِقَبْضِهِ فَقَبَضَهُ وَدِيعَةً وَضَاعَ لَيْسَ لِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَ الْأَوَّلَ قَبْلَ الْعِتْقِ اتِّفَاقًا.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الثَّانِيَ يُضَمَّنُ بَعْدَ الْعِتْقِ.
(وَمَنْ مَعَهُ أَلْفُ) دِرْهَمٍ (فَادَّعَى كُلُّ) وَاحِدٍ (مِنْ اثْنَيْنِ إيدَاعَهَا) أَيْ الْأَلْفِ (عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ مَنْ ادَّعَى (فَنَكَلَ) عَنْ الْحَلِفِ (لَهُمَا) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ بَعْدَ أَنْ اسْتَحْلَفَاهُ (فَهِيَ) أَيْ الْأَلْفُ (لَهُمَا) لِلِاثْنَيْنِ (وَضَمِنَ لَهُمَا) أَيْ لِلِاثْنَيْنِ (مِثْلَهَا) أَيْ مِثْلَ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُمَا صَحِيحَةٌ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لَهُمَا، فَإِنْ حَلَفَ لَهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ، وَإِنْ حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ قَضَى بِهِ لِمَنْ نَكَلَ لَهُ دُونَ الْآخَرِ لِوُجُودِ الْحُجَّةِ فِي حَقِّهِ دُونَ الْآخَرِ، وَإِنْ نَكَلَ لَهُمَا قَضَى بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، ثُمَّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَلْفٌ أُخْرَى لِإِقْرَارِهِ لَهُمَا وَلِلْقَاضِي أَنْ يَبْدَأَ أَيُّهُمَا شَاءَ بِالتَّحْلِيفِ، وَالْأَوْلَى الْقُرْعَةُ وَفِي التَّحْلِيفِ لِلثَّانِي يَقُولُ: بِاَللَّهِ مَا هَذِهِ الْعَيْنُ لَهُ وَلَا قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهَا لِلْأَوْلَى ثَبَتَ الْحَقُّ فِيهَا لَهُ فَلَا يُفِيدُ إقْرَارُهُ بِهَا لِلثَّانِي فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ لَكَانَ صَادِقًا.
وَفِي الْبَحْرِ لَوْ قَالَ: أَوْدَعَنِيهَا أَحَدُكُمَا، وَلَا أَدْرِي أَيُّكُمَا، فَإِنْ اصْطَلَحَا عَلَى أَخْذِهَا بَيْنَهُمَا فَلَهُمَا ذَلِكَ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ التَّسْلِيمِ بَعْدَ الصُّلْحِ وَإِلَّا فَإِنْ ادَّعَاهَا كُلُّ وَاحِدٍ أَخْذَهَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ مَجْهُولٌ وَلِكُلٍّ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ، فَإِنْ حَلَفَ قَطَعَ دَعْوَاهُمَا، وَإِنْ نَكَلَ فَكَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: عَلَيَّ الْأَلْفُ لِهَذَا وَلِهَذَا.
وَفِي التَّنْوِيرِ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا، وَقَالَ: ادْفَعْهَا الْيَوْمَ إلَى فُلَانٍ فَلَمْ يَدْفَعْهَا حَتَّى ضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: احْمِلْ إلَيَّ الْوَدِيعَةَ فَقَالَ: افْعَلْ وَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَضَى الْيَوْمُ قَالَ لِلْمُودَعِ: ادْفَعْ الْوَدِيعَةَ إلَى فُلَانٍ فَقَالَ: دَفَعْت، وَكَذَّبَهُ فُلَانٌ وَضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ صُدِّقَ الْمُودَعُ مَعَ يَمِينِهِ قَالَ: لَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ لَا يَضْمَنُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا لَوْ قَالَ: ذَهَبَتْ وَلَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ.
وَفِي الْمِنَحِ قَالَ: لَا أَدْرِي دُفِنَتْ فِي دَارِي أَوْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَضْمَنُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَكَانَ الدَّفْنِ لَكِنَّهُ سُرِقَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ الْمَكَانِ الْمَدْفُونِ فِيهِ لَا يَضْمَنُ.
وَفِي الْعُدَّةِ إذَا دَفَنَ الْوَدِيعَةَ فِي الْأَرْضِ إنْ جَعَلَ هُنَاكَ عَلَامَةً لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا ضَمِنَ وَفِي الْمَفَازَةِ يَضْمَنُ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[كِتَاب الْعَارِيَّةِ]
ِ أَخَّرَهَا عَنْ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ فِيهَا تَمْلِيكًا، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الْأَمَانَةِ هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَرِيَّةِ وَهِيَ الْعَطِيَّةُ الْمَخْصُوصَةُ بِالْأَعْيَانِ وَمُسْتَعْمَلَةٌ فِي تِلْكَ الْمَنَافِعِ وَرَدَّهُ الْمُطَرِّزِيُّ وَغَيْرُهُ بِالْمُشْتَقَّاتِ اسْتَعَارَهُ مِنْهُ فَأَعَارَهُ وَاسْتَعَارَهُ الشَّيْءَ عَلَى حَذْفِ مِنْ وَقِيلَ هِيَ مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَيْبٌ وَعَارٌ عَلَى مَا قَالَهُ الْجَوْهَرُ وَابْنُ الْأَثِيرِ وَرَدَّ الرَّاغِبُ
وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْعَارَ يَائِيٌّ وَالْعَارِيَّةَ وَاوِيَّةٌ عَلَى مَا صَرَّحُوا أَنْفُسُهُمْ بِهِ.
وَفِي الْمُغْرِبِ أَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارَةِ اسْمٌ مِنْ الْإِعَارَةِ.
وَفِي النِّهَايَةِ إنَّ مَا فِي الْمُغْرِبِ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام بَاشَرَ الِاسْتِعَارَةَ فَلَوْ كَانَ الْعَارُ فِي طَلَبِهَا لَمَا بَاشَرَهَا، وَقِيلَ هِيَ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ مَوْضُوعٌ بِلَا نِسْبَةٍ كَالدُّرْدِيِّ وَالْكُرْسِيِّ، وَهِيَ مِنْ التَّعَاوُرِ، وَهُوَ التَّنَاوُبُ بِلَا تَشْدِيدٍ فَكَأَنَّهُ يَجْعَلُ لِلْغَيْرِ نَوْبَةً، وَلِنَفْسِهِ نَوْبَةً، وَقِيلَ هِيَ اسْمُ الْعَيْنِ الْمُعَارِ، وَشَرِيعَةً (هِيَ) أَيْ الْعَارِيَّةُ بِمَعْنَى الْإِعَارَةِ لِلْعَارِيَّةِ الَّتِي هِيَ اسْمٌ لِمَا أُعِيرَ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ حَمْلُ التَّمْلِيكِ عَلَيْهِ (تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ) مِنْ عَيْنٍ مَعَ بَقَائِهَا احْتِرَازٌ عَنْ قَرْضِ نَحْوِ الدَّرَاهِمِ، وَعَنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ (بِلَا بَدَلٍ) احْتِرَازٌ عَنْ الْإِجَارَةِ.
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ هِيَ إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لَا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ، وَتَبْطُلُ بِالنَّهْيِ، وَالتَّمْلِيكُ لَا يَبْطُلُ بِهِ كَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ، وَلِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ مِنْ غَيْرِهِ، وَمَنْ مَلَكَ الْمَنَافِعَ مَلَكَ إجَارَتَهَا، وَلِأَنَّ التَّمْلِيكَ غَيْرُ جَائِزٍ مَعَ الْجَهْلِ بِخِلَافِ الْإِبَاحَةِ إذْ فِيهَا لَا يُشْتَرَطُ ضَرْبُ الْمُدَّةِ، وَلَنَا أَنَّ الْعَارِيَّةَ تُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ لِكَوْنِهَا مِنْ الْعَرِيَّةِ هِيَ الْعَطِيَّةُ مِنْ الثِّمَارِ؛ وَلِذَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ، وَإِنَّمَا انْعَقَدَتْ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهَا اُسْتُعِيرَتْ لِلتَّمْلِيكِ بِلَا عِوَضٍ كَانْعِقَادِ الْإِجَارَةِ بِلَفْظَةِ الْإِبَاحَةِ، وَالنَّهْيُ لَيْسَ إبْطَالًا لِلْمِلْكِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بَلْ يَمْنَعُ عَنْ التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الرُّجُوعِ وَالِاسْتِرْدَادِ، وَإِنَّمَا لَا يَمْلِكُ الْمُسْتَعِيرُ الْإِجَارَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ الضَّرَرِ بِالْمُعِيرِ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَ الْمُسْتَعِيرَ الْمَنَافِعَ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ مَتَى شَاءَ، فَلَوْ مَلَكَ الْمُسْتَعِيرُ الْإِجَارَةَ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْمُعِيرُ مِنْ ذَلِكَ، وَالْجَهْلُ فِيهَا لَيْسَ بِمُضِرٍّ لِعَدَمِ الْإِفْضَاءِ إلَى النِّزَاعِ لِجَوَازِ رُجُوعِ الْمُعِيرِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَلَحْظَةٍ، وَالْمَنَافِعُ قَابِلَةٌ لِلتَّمْلِيكِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ بِضَرْبِ الْمُدَّةِ، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهَا مُسْتَحَبَّةً، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ أَوْ وَاجِبَةً، وَهُوَ قَوْلُ الْبُعْدِ.
وَشَرْطُهَا قَابِلِيَّةُ الْعَيْنِ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا مَعَ بَقَائِهَا، وَسَبَبُهَا مَا مَرَّ مِنْ التَّعَاضُدِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ الْمَدَنِيُّ بِالطَّبْعِ، وَمَحَاسِنُهَا النِّيَابَةُ عَنْ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ فِي إجَابَةِ الْمُضْطَرِّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا لِلْمُحْتَاجِ كَالْقَرْضِ فَلِهَذَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ بِعَشَرَةٍ، وَالْقَرْضَ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ (وَلَا تَكُونُ) الْعَارِيَّةُ (إلَّا فِيمَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ)
اعْلَمْ أَنَّ الْإِعَارَةَ نَوْعَانِ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ، فَالْحَقِيقَةُ: إعَارَةُ الْأَعْيَانِ الَّتِي يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا كَالثَّوْبِ وَالدَّارِ وَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ، وَالْمَجَازُ إعَارَةُ مَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونَاتِ فَتَكُونُ إعَارَةً صُورَةً وَقَرْضًا مَعْنًى، وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَإِعَارَةُ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ قَرْضٌ) ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا إنَّمَا يُمْكِنُ بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهَا فَاقْتَضَى إعَارَتَهَا تَمْلِيكُهَا، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْهِبَةِ أَوْ الْقَرْضِ لِكَوْنِهِ أَدْنَى ضَرَرًا؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ (إلَّا إذَا عَيَّنَ انْتِفَاعًا يُمْكِنُ رَدُّ الْعَيْنِ بَعْدَهُ)
أَيْ بَعْدَ الِانْتِفَاعِ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ دَرَاهِمَ لِيُعَايِرَ بِهَا مِيزَانًا أَوْ لِيُزَيِّنَ بِهَا دُكَّانًا صَارَتْ عَارِيَّةً لَا قَرْضًا.
(وَتَصِحُّ) الْعَارِيَّةُ (بِأَعَرْتُكَ) أَيْ جَعَلْتهَا عَارِيَّةً لَك لِكَوْنِهِ صَرِيحًا فِيهَا لَكِنْ فِي الْمُضْمَرَاتِ أَنَّ أَرْكَانَهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَشَرْطَهَا الْقَبْضُ (وَمَنَحْتُك) هَذَا الثَّوْبَ بِمَعْنَى أَعْطَيْتُك؛ لِأَنَّ هَذَا إذَا أُضِيفَ إلَى مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ فَهُوَ عَارِيَّةٌ إذًا أَصْلُهُ إعْطَاءُ الشَّيْءِ لِآخَرَ لِيَنْتَفِعَ بِهِ أَيَّامًا، ثُمَّ يَرُدُّهُ فَرُوعِيَ أَصْلُهُ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ فَهُوَ هِبَةٌ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَطْعُومِ وَالْمَشْرُوبِ
(وَأَطْعَمْتُك أَرْضِي) هَذِهِ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ إذَا قَارَنَ إلَى مَا يُطْعَمُ عَيْنُهُ كَالْبُرِّ يُرَادُ بِهِ تَمْلِيكُ عَيْنِهِ، وَإِذَا قَارَنَ إلَى مَا لَا يُطْعَمُ كَالْأَرْضِ يُرَادُ بِهِ أَخْذُ غَلَّتِهَا إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ (وَحَمَلْتُك عَلَى دَابَّتِي) هَذِهِ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ: حَمَلَ فُلَانٌ فُلَانًا دَابَّتَهُ إذَا أَعَارَهُ إيَّاهَا، وَإِذَا وَهَبَهُ إيَّاهَا، فَإِذَا نَوَى أَحَدُهُمَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَإِذَا لَمْ يَنْوِ حُمِلَ عَلَى الْأَدْنَى لِئَلَّا يَلْزَمَ الْأَعْلَى بِالشَّكِّ؛ وَلِأَنَّ الْحَمْلَ هُوَ الْإِرْكَابُ حَقِيقَةً فَكَانَ عَارِيَّةً.
وَفِي الدُّرَرِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ كَلَامٌ تَتَبَّعْ (وَأَخْدَمْتُك عَبْدِي) ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْدَامِ، وَهُوَ الْعَارِيَّةُ (إذَا لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ) أَيْ بِكُلٍّ مِنْ الْإِطْعَامِ وَالْحَمْلِ وَالْإِخْدَامِ (الْهِبَةَ) .
فَإِذَا نَوَى أَحَدَهَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حُمِلَ عَلَى الْأَدْنَى كَمَا مَرَّ (وَدَارِي لَك سُكْنَى) أَيْ مِنْ جِهَةِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّ دَارِي مُبْتَدَأٌ وَلَك خَبَرُهُ وَسُكْنَى تَمْيِيزٌ عَنْ النِّسْبَةِ إلَى الْمُخَاطَبِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَك يَحْتَمِلُ تَمْلِيكَ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ، وَقَوْلُهُ: سُكْنَى مُحْكِمٌ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ مُعَيِّنٌ لِلثَّانِي بِحُكْمِ التَّفْسِيرِ فَيَكُونُ عَارِيَّةً (أَوْ) دَارِي لَك (عُمْرِي سُكْنَى) فَعُمْرِي مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَعْمَرْتُهَا لَك عُمْرِي وَالْعُمْرَى جَعْلُ الدَّارِ لِأَحَدٍ مُدَّةَ عُمْرِهِ وَسُكْنَى تَمْيِيزٌ وَتَخْصِيصٌ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الْعَارِيَّةِ.
(وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا) أَيْ فِي الْعَارِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ أَوْ الْمُقَيَّدَةِ (مَتَى شَاءَ) لِعَدَمِ لُزُومِهَا هَذَا إذَا لَمْ يَنْقَلِبْ إجَارَةً وَإِلَّا فَلَا يَرْجِعُ كَمَا إذَا اسْتَعَارَ أَمَةً لِتُرْضِعَ ابْنَهُ فَأَرْضَعَتْهُ فَلَمَّا صَارَ الصَّبِيُّ لَا يَأْخُذُ ثَدْيَ غَيْرِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهَا، وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ خَادِمَتِهِ إلَى أَنْ يُفْطَمَ، وَكَذَا لَوْ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ فَرَسًا لِيَغْزُوَ عَلَيْهِ فَأَعَارَهُ إيَّاهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ لَقِيَهُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَأَرَادَ أَخْذَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَقِيَهُ فِي بِلَادِ الشِّرْكِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكِرَاءِ أَوْ الشِّرَاءِ كَانَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ لَا يَدْفَعَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا ضَرَرٌ بَيِّنٌ، وَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ أَجْرُ مِثْلِ الْفَرَسِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي طَلَبَ صَاحِبُهُ إلَى أَدْنَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِدُ فِيهِ كِرَاءً أَوْ شِرَاءً.
(وَلَوْ هَلَكَتْ) الْعَارِيَّةُ (بِلَا تَعَدٍّ) مِنْ الْمُسْتَعِيرِ (فَلَا ضَمَانَ) ، وَلَوْ بِشَرْطِ الضَّمَانِ، فَإِنَّهُ شَرْطٌ بَاطِلٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي التَّبْيِينِ.
وَالْعَارِيَّةُ إذَا اشْتَرَطَ فِيهَا الضَّمَانَ يَضْمَنُ عِنْدَنَا فِي رِوَايَةٍ، وَصَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ جَزَمَ بِأَنَّ الْعَارِيَّةَ تَصِيرُ مَضْمُونَةً بِشَرْطِ الضَّمَانِ، وَلَمْ يَقُلْ فِي رِوَايَةٍ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَعِرْنِي هَذَا عَلَى أَنَّهُ إنْ ضَاعَ فَأَنَا ضَامِنٌ وَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْ انْتَهَى، وَهَذَا
إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلْغَيْرِ، فَإِنْ ظَهَرَ اسْتِحْقَاقُهَا ضَمِنَهَا وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُعِيرِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ، وَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعِيرَ، وَإِذَا ضَمَّنَهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَلَا يَمْلِكُ وَالِدُ الصَّغِيرِ إعَارَةَ مَالِ وَلَدِهِ، وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ يَمْلِكُ أَنْ يُعِيرَ، وَالْمَرْأَةُ إذَا أَعَارَتْ شَيْئًا مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ فَهَلَكَ إنْ كَانَ شَيْئًا دَاخِلَ الْبَيْتِ، وَمَا يَكُونُ فِي أَيْدِيهِنَّ عَادَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ أَمَّا فِي الْفَرَسِ وَالثَّوْرِ فَيَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ الْمَرْأَةُ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ فِي غَيْرِ حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «الْعَارِيَّةُ مَضْمُونَةٌ» ؛ وَلِأَنَّهُ قَبَضَ لِنَفْسِهِ فَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ» ، وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ سَوَاءٌ هَلَكَتْ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ أَوْ لَا، وَمَا رَوَيَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى ضَمَانِ الرَّدِّ.
(وَلَا تُؤَجَّرُ) الْعَارِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا دُونَ الْإِجَارَةِ، وَالشَّيْءُ لَا يَسْتَتْبِعُ فَوْقَهُ (وَلَا تُرْهَنُ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَفِّيَ دَيْنَهُ بِمَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَهُ أَنْ يُودِعَ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ عَدَمَهُ كَمَا فِي الْمِنَحِ (كَالْوَدِيعَةِ) أَيْ كَمَا لَا تُؤَجَّرُ وَلَا تُرْهَنُ الْوَدِيعَةُ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا (فَإِنْ آجَرَهَا) أَيْ آجَرَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ (فَتَلِفَتْ) أَيْ هَلَكَتْ الْعَارِيَّةُ (ضَمَّنَ أَيَّهُمَا شَاءَ) أَيْ الْمُعِيرُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ يُضَمِّنُ الْمُسْتَعِيرَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا بِتَعَدِّيهِ أَوْ يُضَمِّنُ الْمُسْتَأْجِرَ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مِلْكَ الْمُعِيرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (فَإِنْ ضَمَّنَ) أَيْ الْمُعِيرُ (الْمُؤَجَّرَ) أَيْ الْمُسْتَعِيرَ (لَا يَرْجِعُ) بِمَا غَرِمَهُ (عَلَى أَحَدٍ) ؛ لِأَنَّهُ بِالضَّمَانِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَجَّرَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْأُجْرَةِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ
(وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُسْتَأْجِرَ رَجَعَ عَلَى الْمُؤَجَّرِ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ (إنْ لَمْ يَعْلَمْ) الْمُسْتَأْجِرُ (أَنَّهُ) أَيْ أَنَّ مَا اسْتَأْجَرَهُ (عَارِيَّةٌ) عِنْدَ مُؤَجَّرِهِ، وَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ لِكَوْنِهِ مَغْرُورًا مِنْ مُؤَجِّرِهِ قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَلِمَ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ غُرُورٌ وَصَارَ كَالْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْغَاصِبِ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْغَصْبِ.
(وَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَعِيرِ (أَنْ يُعِيرَ) مَا اسْتَعَارَهُ إنْ كَانَ (مَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ كَالْحَمْلِ عَلَى الدَّابَّةِ) وَالِاسْتِخْدَامِ وَالسُّكْنَى وَالزِّرَاعَةِ، وَإِنْ شَرَطَ الْمَالِكُ أَنْ يَنْتَفِعَ هُوَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ غَيْرُ مُفِيدٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ إبَاحَةُ الْمَنَافِعِ عِنْدَهُ فَلَا يَمْلِكُ إبَاحَتَهَا غَيْرُهُ، وَلَنَا أَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ فَيَمْلِكُ أَنْ يُعِيرَهَا كَمَا مَرَّ (لَا مَا يَخْتَلِفُ) بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ (كَالرُّكُوبِ) أَيْ رُكُوبِ الدَّابَّةِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ (إنْ عَيَّنَ) الْمُعِيرُ (مُسْتَعْمِلًا) ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ رَضِيَ بِذَلِكَ الْمُعَيَّنِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ رُكُوبَ الْعَسْكَرِيِّ لَا يَكُونُ كَرُكُوبِ السُّوقِيِّ، وَلُبْسَ الْقَصَّابِ لَيْسَ كَلُبْسِ الْبَزَّازِ.
(وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ) الْمُعِيرُ مُسْتَعْمِلًا (جَازَ أَيْضًا) كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُعِيرَ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الِاسْتِعْمَالِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْإِعَارَةُ مُطْلَقَةً حِينَئِذٍ (مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ) الْمُنْتَفِعُ بِفِعْلِ الْمُسْتَعِيرِ (فَإِنْ تَعَيَّنَ) الْمُنْتَفِعُ بِفِعْلِهِ (لَا يَجُوزُ) لَهُ أَنْ يُعِيرَهُ، وَفَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ
رَكِبَ هُوَ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ (لَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَعِيرِ (إرْكَابُ غَيْرِهِ، وَإِنْ أَرْكَبَ) الْمُسْتَعِيرُ (غَيْرَهُ) فَ (لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ هُوَ) يَعْنِي مَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً مُطْلَقًا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ أَوْ يُعِيرَ غَيْرَهُ لِلْحَمْلِ وَيَرْكَبَ بِنَفْسِهِ أَوْ يُرَكِّبَ غَيْرَهُ وَأَيًّا فَعَلَ مِنْ الْحَمْلِ أَوْ حَمْلِ الْغَيْرِ مِنْ الرُّكُوبِ أَوْ الْإِرْكَابِ فَقَدْ تَعَيَّنَ الْعَمَلُ فَلَيْسَ بَعْدَ حَمْلِهِ أَنْ يَحْمِلَ غَيْرَهُ، وَلَا عَكْسُ هَذَا وَإِلَّا ضَمِنَ، وَكَذَا حُكْمُ الْإِرْكَابِ بَعْدَ الرُّكُوبِ وَعَكْسِهِ لِتَعَيُّنِ الرُّكُوبِ فِي الْأَوَّلِ وَالْإِرْكَابِ فِي الثَّانِي، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ بَعْدَ الْإِرْكَابِ وَيَرْكَبَ بَعْدَ الرُّكُوبِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.
(وَإِنْ قُيِّدَتْ) الْإِعَارَةُ (بِنَوْعٍ أَوْ وَقْتٍ) أَيْ قَيَّدَ الْمُعِيرُ الْعَارِيَّةَ بِنَوْعٍ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِأَنْ شَرَطَ أَنْ يَنْتَفِعَ هُوَ بِنَفْسِهِ أَوْ فُلَانٌ مُعَيَّنٌ أَوْ قَيَّدَهَا بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ بِشَهْرٍ أَوْ جُمُعَةٍ مَثَلًا (أَوْ بِهِمَا) أَيْ قَيَّدَهَا بِالنَّوْعِ وَالْوَقْتِ جَمِيعًا (ضَمِنَ) الْمُسْتَعِيرُ (بِالْخِلَافِ) فِي وَاحِدٍ مِنْهَا (إلَى شَهْرٍ فَقَطْ) فَلَمْ يَضْمَنْ بِالْخِلَافِ إلَى مِثْلٍ أَوْ خَيْرٍ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ: احْمِلْ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ هَذِهِ الْحِنْطَةَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مِثْلَهَا أَوْ دُونَهَا فِي الضَّرَرِ كَحَمْلِ مِثْلِ الْحِنْطَةِ شَعِيرًا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالشَّيْءِ إذْنٌ بِمَا يُسَاوِيهِ، وَبِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ، فَإِنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لَا تُعْتَبَرُ الْمَنْفَعَةُ وَالضَّرَرُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: احْمِلْ عَلَيْهَا عَشْرَةَ أَقْفِزَةِ شَعِيرٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا عَشْرَةَ أَقْفِزَةِ بُرٍّ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ لَمْ يَرْضَ بِالشَّيْءِ الثَّقِيلِ فَيَضْمَنُ لِوُجُودِ التَّعَدِّي.
(وَإِنْ أَطْلَقَ) الْمُعِيرُ الِانْتِفَاعَ (فِيهِمَا) أَيْ فِي النَّوْعِ وَالْوَقْتِ (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَعِيرِ (الِانْتِفَاعُ بِأَيِّ نَوْعٍ شَاءَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ) عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي إيدَاعِ الْمُسْتَعِيرِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْكَرْخِيُّ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ الْبَاقِلَّانِيُّ: هَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّ لَهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ وَأَبُو اللَّيْثِ وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَبُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَفِي الْمِنَحِ وَجَعَلَ الْفَتْوَى فِي السِّرَاجِيَّةِ عَلَيْهِ أَيْضًا لَكِنْ فِي الصَّيْرَفِيَّةِ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْعَارِيَّةَ تُودَعُ أَوَّلًا تُودَعُ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ الْمُسْتَعِيرُ تَمَلَّكَ الْإِعَارَةَ، أَمَّا فِيمَا لَا يَمْلِكُهَا فَلَا يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ.
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَا حَمَلَ عَلَى الدَّابَّةِ، وَفِي مَسَافَةِ الرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ أَوْ فِي الْوَقْتِ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لِلْمُعِيرِ مَعَ يَمِينِهِ.
(وَتَصِحُّ إعَارَةُ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ) أَيْ غَرْسِ الشَّجَرِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا مَعْلُومَةٌ، وَتَجُوزُ إجَارَتُهَا فَكَذَا إعَارَتُهَا بَلْ أَوْلَى لِكَوْنِهَا تَبَرُّعًا (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُعِيرِ (أَنْ يَرْجِعَ) عَنْ الْعَارِيَّةِ بَعْدَ أَنْ بَنَى الْمُسْتَعِيرُ أَوْ غَرَسَ (مَتَى شَاءَ) ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ (وَيُكَلِّفُهُ) أَيْ الْمُعِيرُ الْمُسْتَعِيرَ (قَلْعَهُمَا) أَيْ قَلْعَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ عَنْ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ شَغَلَ أَرْضَ الْمُعِيرِ بِهِمَا فَيُؤْمَرُ بِتَفْرِيغِهِ إلَّا إذَا شَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُمَا بِقِيمَتِهِمَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تَسْتَضِرُّ بِالْقَلْعِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ لَا تَسْتَضِرُّ بِالْقَلْعِ حَيْثُ
لَا يَجُوزُ التَّرْكُ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (وَلَا يَضْمَنُ) الْمُعِيرُ مَا نَقَصَ مِنْ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ بِسَبَبِ الْقَلْعِ (إنْ لَمْ يُوَقِّتْ) الْعَارِيَّةَ إذْ الْمُسْتَعِيرُ بَنَى وَغَرَسَ فِي مَحَلٍّ كَانَ لِغَيْرِهِ حَقُّ الرُّجُوعِ فَاعْتَرَفَ بِنَفْسِهِ اعْتِمَادًا عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْبِقَ مِنْ الْمُعِيرِ وَعْدٌ.
(وَإِنْ وَقَّتَ) الْمُعِيرُ وَقْتًا مُعَيَّنًا (وَرَجَعَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي عَيَّنَهُ (كُرِهَ لَهُ) أَيْ لِلْمُعِيرِ (ذَلِكَ) الرُّجُوعُ لِمَا فِيهِ مِنْ خُلْفِ الْوَعْدِ (وَضَمِنَ) الْمُعِيرُ لِلْمُسْتَعِيرِ (مَا نَقَصَ) مِنْ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ (بِالْقَلْعِ) بِأَنْ يَقُومَ قَائِمًا غَيْرَ مَقْلُوعٍ يَعْنِي إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ إلَى وَقْتِ الْمَضْرُوبِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ مَثَلًا، وَإِذَا قَلَعَ فِي الْحَالِ يَكُونُ قِيمَةُ النَّقْصِ دِينَارَيْنِ يَرْجِعُ الْمُسْتَعِيرُ عَلَى الْمُعِيرِ بِثَمَانِيَةِ دِينَارٍ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ غَرَّهُ بِالتَّوْقِيتِ.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ وَالْإِطْلَاقَ فِيهَا سَوَاءٌ لِبُطْلَانِ التَّأْجِيلِ فِي الْعَوَارِيِّ (وَقِيلَ يَضْمَنُ) الْمُعِيرُ (قِيمَتَهُ) أَيْ قِيمَةَ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ (وَيَتَمَلَّكُهُ) أَيْ الْمُعِيرُ الْبِنَاءَ أَوْ الْغَرْسَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُسْتَعِيرُ أَنْ يَرْفَعَهُمَا، وَلَا يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُمَا فَيَكُونُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ قَالُوا: إذَا كَانَ فِي الْقَلْعِ ضَرَرٌ بِالْأَرْضِ فَالْخِيَارُ إلَى رَبِّ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَلِلْمُسْتَعِيرِ قَلْعُهُ) أَيْ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ (بِلَا تَضْمِينٍ إنْ لَمْ تَنْقُصْ الْأَرْضُ بِهِ) أَيْ بِالْقَلْعِ (كَثِيرًا، وَعِنْدَ ذَلِكَ) أَيْ عِنْدَ نُقْصَانِ الْأَرْضِ كَثِيرًا بِالْقَلْعِ (الْخِيَارُ لِلْمَالِكِ) بَيْنَ ضَمَانِ نُقْصَانِهِمَا وَضَمَانِ قِيمَتِهِمَا لَا لِلْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ أَصْلٍ وَالْمُسْتَعِيرُ صَاحِبُ تَبَعٍ وَالتَّرْجِيحُ بِالْأَصْلِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَفِي الْمُحِيطِ يَضْمَنُ الْمُعِيرُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْأَشْجَارِ قَائِمَةً عَلَى الْأَرْضِ غَيْرَ مَقْلُوعَةٍ مَنْقُوضَةٍ، وَإِنْ رَضِيَ الْمُسْتَعِيرُ قَلَعَ غَرْسَهُ وَبِنَاءَهُ وَلَا يَضْمَنُهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ الْقَلْعُ يَضُرُّ بِالْأَرْضِ لَا يَقْلَعُ إلَّا بِرِضَى صَاحِبِهَا، وَيَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا انْتَهَى، وَظَاهِرُهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ أَنَّ الْقَلْعَ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْأَرْضِ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُسْتَعِيرِ بَيْنَ قَلْعِهِ، وَبَيْنَ تَضْمِينِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْكَنْزِ حَيْثُ جَعَلَا لَهُ تَضْمِينَ مَا نَقَصَهُ الْقَلْعُ لَا تَضْمِينَ جَمِيعِ الْقِيمَةِ كَمَا فِي الْمِنَحِ.
(وَإِنْ أَعَارَهَا) أَيْ الْأَرْضَ (لِلزَّرْعِ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ التَّضْرِيرَ بِالْمُؤَمَّنِ حَرَامٌ (حَتَّى يَحْصُدَ) الزَّرْعَ بَلْ يُتْرَكُ فِي يَدِهِ بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ كَيْ لَا تَفُوتَ مَنْفَعَةُ أَرْضِهِ مَجَّانًا (وَقَّتَ) الْمُعِيرُ (أَمْ لَا) يُوَقِّتُ؛ لِأَنَّ لِلزَّرْعِ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَكَانَ فِي التَّرْكِ مُرَاعَاةُ الْحَقَّيْنِ، وَأَيْضًا فِي الْقَلْعِ إبْطَالُ مِلْكِ الْمُسْتَعِيرِ، وَفِي التَّرْكِ تَأْخِيرُ حَقِّ تَصَرُّفِ الْمُعِيرِ فِيهَا، وَالْأَوَّلُ أَشَدُّ ضَرَرًا فَيَصِيرُ إلَى الثَّانِي.
(وَأُجْرَةُ رَدِّ الْمُسْتَعَارِ، وَ) أُجْرَةُ رَدِّ (الْمُسْتَأْجَرِ الْوَدِيعَةِ وَالرَّهْنِ وَالْمَغْصُوبِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُؤَجَّرِ وَالْمُودَعِ وَالْمُرْتَهِنِ وَالْغَاصِبِ)
أَمَّا الْمُسْتَعَارُ فَلِأَنَّ رَدَّهُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْعَارِيَّةَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فَتَكُونُ أُجْرَةُ الرَّدِّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمُسْتَأْجَرُ فَلِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ لِمَنْفَعَةِ الْمُؤَجِّرِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ سُلِّمَ لَهُ فَلَا يَكُونُ رَدُّهُ وَاجِبًا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بَلْ عَلَى الْمُؤَجِّرِ فَتَكُونُ مُؤْنَةُ رَدِّهِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ فَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ حِفْظِهَا عَائِدَةٌ لَهُ فَكَانَتْ مُؤْنَةُ رَدِّهَا عَلَيْهِ، وَأَمَّا الرَّهْنُ فَلِأَنَّ قَبْضَهُ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ فَكَانَ قَابِضًا لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا الْمَغْصُوبُ فَلِأَنَّ الْغَاصِبَ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ إلَى يَدِ مَالِكِهَا كَمَا كَانَتْ فَتَكُونُ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ رَدِّهَا.
وَفِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى نَفَقَةُ الْعَبْدِ الْمُسْتَعَارِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَكِسْوَتُهُ عَلَى الْمُعِيرِ.
(وَإِذَا رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ) الْمُسْتَعَارَةَ (إلَى إصْطَبْلِ رَبِّهَا) أَيْ صَاحِبِ الدَّابَّةِ (أَوْ) رَدَّ (الْعَبْدَ) الْمُسْتَعَارَ (أَوْ الثَّوْبَ) الْمُسْتَعَارَ (إلَى دَارِ مَالِكِهِ بَرِئَ) عَنْ الضَّمَانِ إذَا هَلَكَتْ الدَّابَّةُ أَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ أَوْ الثَّوْبُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبْرَأَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُمْ إلَى أَصْحَابِهِمْ، وَإِنَّمَا ضَيَّعَهُمْ تَضْيِيعًا، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أَتَى بِالتَّسْلِيمِ الْمُتَعَارَفِ، وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ (بِخِلَافِ الْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ) ، فَإِنَّ الْغَاصِبَ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ إلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِإِثْبَاتِ يَدِهِ فِيهَا فَلَا تَكُونُ إزَالَتُهَا إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ حَقِيقَةً، وَأَمَّا الْمُودِعُ فَلَا يَبْرَأُ أَيْضًا إلَّا بِتَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ إلَى مَالِكِهَا؛ لِأَنَّهَا لِلْحِفْظِ وَلَمْ يَرْضَ بِحِفْظِ غَيْرِهِ إذْ لَوْ رَضِيَ بِهِ لَمَا أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ.
(وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ مَعَ عَبْدِهِ أَوْ أَجِيرِهِ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً بَرِئَ) إذَا هَلَكَتْ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عِيَالِ الْمُسْتَعِيرِ وَلَهُ رَدُّهَا بِيَدِ مَنْ فِي عِيَالِهِ.
(وَكَذَا إنْ رَدَّهَا) أَيْ الدَّابَّةَ (مِنْ أَجِيرِ رَبِّهَا) أَيْ رَبِّ الدَّابَّةِ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً (أَوْ) مَعَ (عَبْدِهِ) أَيْ رَبِّ الدَّابَّةِ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ إذَا هَلَكَتْ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبْرَأَ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى صَاحِبِهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا هَذَا فِي زَمَانِهِمْ، وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى يَدِ صَاحِبِهَا كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ (يَقُومُ) حَالٌ مِنْ أَجِيرٍ لَا صِفَةُ عَبْدٍ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ نَكِرَةٌ (عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ لَا) يَقُومُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ دَائِمًا إلَّا أَنَّهَا تُدْفَعُ إلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَيَكُونُ رِضَى الْمَالِكِ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ مَوْجُودًا (بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَالْأَجِيرِ مُيَاوَمَةً) ، فَإِنَّهُ إذَا رَدَّهَا مَعَ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ الْأَجِيرِ مُيَاوَمَةً لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مِنْ الْعِيَالِ فَلَا يَرْضَى الْمَالِكُ بِهِ فَيَضْمَنُ إنْ هَلَكَتْ قَبْلَ الْوُصُولِ.
(وَ) بِخِلَافِ (رَدِّ شَيْءٍ نَفِيسٍ) كَعُقَدِ اللَّآلِئِ (إلَى دَارِ مَالِكِهِ) ، فَإِنَّهُ إنْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ تَسْلِيمًا فِي الْعُرْفِ.
(وَيَكْتُبُ مُسْتَعِيرُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ قَدْ أَطْعَمْتنِي أَرْضَكَ لَا أَعَرْتَنِي) أَيْ إذَا أُعِيرَتْ الْأَرْضُ لِلزِّرَاعَةِ وَأَرَادَ الْمُسْتَعِيرُ أَنْ يَكْتُبَ كِتَابًا يَكْتُبُ إنَّك قَدْ أَطْعَمْتَنِي أَرْضَك وَلَا يَكْتُبُ قَدْ أَعَرْتَنِي عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِطْعَامِ أَدَلُّ عَلَى الزِّرَاعَةِ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الْأَرْضِ لَا يُطْعَمُ، وَإِنَّمَا يُطْعَمُ مَا يُحَصَّلُ مِنْهَا بِخِلَافِ