الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ رَجُلَيْنِ شَيْئًا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ وَلَيْسَتْ بِبَاطِلَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ، فَإِذَا قَبَضَا ثَبَتَ لَهُمَا الْمِلْكُ عَلَى قَوْلٍ وَبِهِ يُفْتِي كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ الْفَسَادُ لَا الْبُطْلَانُ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى (خِلَافًا لَهُمَا) ، فَإِنَّ عِنْدَهُمَا تَصِحُّ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ عَقْدٌ وَاحِدٌ فَلَا شُيُوعَ كَمَا إذَا رَهَنَ مِنْ رَجُلَيْنِ.
وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَهَبَ مِنْ رَجُلَيْنِ دِرْهَمًا صَحِيحًا تَجُوزُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهَا هِبَةُ مَشَاعٍ لَا يُقْسَمُ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْمَغْشُوشَ فِي حُكْمِ الْعُرُوضِ فَيَكُونُ مِمَّا يُقْسَمُ فَلَا تَصِحُّ هِبَتُهُ لِلرَّجُلَيْنِ لِلشُّيُوعِ.
(وَصَحَّ تَصَدُّقُ عَشَرَةِ) دَرَاهِمَ (عَلَى فَقِيرَيْنِ وَهِبَتُهَا) أَيْ هِبَةُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ (لَهُمَا) أَيْ الْفَقِيرَيْنِ (وَلَا تَصِحَّانِ) أَيْ لَا يَصِحُّ التَّصَدُّقُ بِعَشَرَةٍ وَلَا هِبَتُهَا (لِغَنِيَّيْنِ) هَذَا رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجَازًا عَنْ الْآخَرِ حَيْثُ جَعَلَ الْهِبَةَ لِلْفَقِيرَيْنِ صَدَقَةً، وَالصَّدَقَةَ عَلَى الْغَنِيَّيْنِ هِبَةً، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فِي حُكْمٍ حَيْثُ أَجَازَ الصَّدَقَةَ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَمْ يُجِزْ الْهِبَةَ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّدَقَةَ يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، وَهُوَ وَاحِدٌ، وَالْفَقِيرُ نَائِبٌ عَنْهُ، وَلَا كَذَلِكَ الْهِبَةُ فَيَكُونُ تَمْلِيكًا مِنْ اثْنَيْنِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى ثُلُثَ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ صَحَّ، وَإِنْ كَانُوا مَجْهُولِينَ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَلَوْ أَوْصَى بِهِ لِأَغْنِيَاءَ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ لَا يَجُوزُ فِي الْأَصْلِ سِوَى بَيْنَهُمَا فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ فِي الْبَاقِينَ، فَكَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَصْلِ الصَّدَقَةُ عَلَى غَنِيَّيْنِ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) ، فَإِنَّ عِنْدَهُمَا الْهِبَةَ مِنْ شَخْصٍ جَائِزَةٌ فَالصَّدَقَةُ أَوْلَى.
[بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَة]
بَابُ الرُّجُوعِ عَنْهَا أَيْ عَنْ الْهِبَةِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ حُكْمَ الْهِبَةِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُوهَبِ لَهُ غَيْرُ لَازِمٍ فَكَانَ الرُّجُوعُ صَحِيحًا، وَقَدْ يَمْنَعُ عَنْ ذَلِكَ مَانِعٌ فَيَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ ذَلِكَ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ فَقَالَ:(يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهَا) أَيْ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَلَوْ مَعَ إسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ الرُّجُوعِ بِأَنْ قَالَ: أَسْقَطْت حَقِّي مِنْ الرُّجُوعِ (كُلًّا أَوْ بَعْضًا) مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ مِنْ الْمَوَانِعِ الْآتِيَةِ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ إلَّا لِلْوَالِدِ فِيمَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«لَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يُعْطِي لِوَلَدِهِ وَالْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» .
وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ، وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ عَنْهَا» أَيْ مَا لَمْ يُعَوَّضْ، وَالْمُرَادُ بِهِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ هِبَةً حَقِيقَةً قَبْلَهُ فَلِهَذَا قَيَّدْنَا بِبَعْدِ الْقَبْضِ، وَتَأْوِيلُ مَا رَوَوْهُ أَنَّ الْوَاهِبَ لَا يَسْتَبِدُّ بِالرُّجُوعِ مِنْ غَيْرِ تَرَاضٍ وَلَا حُكْمِ حَاكِمٍ إلَّا الْوَالِدُ، فَإِنَّ لَهُ
أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ابْنِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَاءٍ وَلَا قَضَاءٍ كَسَائِرِ أَمْوَالِ ابْنِهِ.
(وَيُكْرَهُ) أَيْ الرُّجُوعُ تَحْرِيمًا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ الزَّاهِدِيَّ قَدْ وَصْفَ الرُّجُوعَ بِالْقُبْحِ، وَكَذَا الْحَدَّادِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الشَّارِحِينَ وَلَا يُقَالُ لِلْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا قَبِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحِ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ كَمَا فِي الْمِنَحِ.
(وَيَمْنَعُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الرُّجُوعِ (حُرُوفُ دَمْعٍ خُزُقَةٍ) أَخَذَهَا مِنْ بَيْتِ شَعْرٍ قِيلَ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ
وَمَانِعٌ عَنْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَهْ
…
يَا صَاحِبِي حُرُوفُ دَمْعٍ خُزُقَهْ
وَفِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ اثْنَيْ عَشَرَ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الرُّجُوعِ إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ كَانَتْ زَوْجَتَهُ أَوْ كَانَ زَوْجَهَا أَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا وَعَوَّضَهَا، وَقَالَ: خُذْ هَذَا عِوَضَ هِبَتِك أَوْ بَدَلًا عَنْهَا، أَوْ جَزَاءً عَنْهَا أَوْ مُكَافَأَةً عَنْهَا أَوْ فِي مُقَابِلِهَا، أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ زَادَ فِيهَا زِيَادَةً مُتَّصِلَةً بِأَنْ كَانَ عَبْدًا صَغِيرًا فَكَبِرَ، أَوْ كَانَ مَهْزُولًا فَسَمِنَ أَوْ كَانَتْ أَرْضًا فَبَنَى فِيهَا أَوْ كَانَ ثَوْبًا فَخَاطَهُ أَوْ صَنَعَهُ صُنْعًا يَزِيدُ أَوْ غَيَّرَهُ بِأَنْ كَانَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا أَوْ دَقِيقًا فَخَبَزَهُ أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ، أَوْ كَانَ لَبَنًا فَاتَّخَذَهُ جُبْنًا أَوْ سَمْنًا أَوْ أَقِطًا أَوْ كَانَتْ جَارِيَةً فَعَلَّمَهَا الْقُرْآنَ أَوْ الْكِتَابَةَ أَوْ الْمِشَاطَةَ، تِسْعَةُ أَشْيَاءَ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الرُّجُوعِ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ أَوْ وَلَدَتْ الْمَوْهُوبَةُ يَرْجِعُ فِي الْأُمِّ دُونَ الْوَلَدِ أَوْ أَثْمَرَتْ الشَّجَرَةُ يَرْجِعُ فِي الشَّجَرِ دُونَ الثَّمَرِ أَوْ كَانَ ثَوْبًا قَطَعَهُ وَلَمْ يَخِطْهُ أَوْ كَانَ دَارًا فَانْهَدَمَ شَيْءٌ مِنْهَا أَوْ وَهَبَ لِبَنِي عَمِّهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ لِوَرَثَتِهِ، ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ عَقِبَهُ فَلِوَرَثَتِهِ الرُّجُوعُ فِيهِ أَوْ وَهَبَ لِأَخِيهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ عَبْدًا يَرْجِعُ فِي نَصِيبِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ يَرْجِعُ فِي الْهِبَةِ أَوْ اسْتَحَقَّ الْهِبَةَ يَرْجِعُ فِي الْعِوَضِ انْتَهَى، ثُمَّ شَرَعَ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ بِالْفَاءِ التَّفْصِيلِيَّةِ بِقَوْلِهِ (فَالدَّالُ) مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ (الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ) بِالْمَوْهُوبِ (كَالْبِنَاءِ) عَلَى الْأَرْضِ إذَا كَانَ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُ لَا يُمْنَعُ الرُّجُوعُ، وَإِنْ كَانَ يُوجِبُ فِي قِطْعَةٍ مِنْهَا بِأَنْ كَانَتْ الْأَرْضُ كَبِيرَةً بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ مِثْلُهُ زِيَادَةً فِيهَا كُلِّهَا امْتَنَعَ مِنْ تِلْكَ الْقِطْعَةِ دُونَ غَيْرِهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
وَفِي السِّرَاجِيَّةِ إذَا وَهَبَ أَرْضًا فَبَنَى الْمَوْهُوبُ لَهُ فِيهَا بِنَاءً بَطَلَ الرُّجُوعُ، وَلَوْ زَالَ عَادَ حَقُّ الرُّجُوعِ (وَالْغَرْسِ) .
وَفِي الْمِنَحِ: رَجُلٌ وَهَبَ لِرَجُلٍ أَرْضًا بَيْضَاءَ أَنْبَتَتْ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا نَخْلًا أَوْ بَنَى فِيهَا بَيْتًا أَوْ دُكَّانًا كَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِيهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا (وَالسَّمْنِ) بِأَنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ هُزَالًا فَسَمِنَ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَاحْتَرَزَ بِالْمُتَّصِلَةِ عَنْ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ.
وَعَنْ هَذَا قَالَ (لَا الْمُنْفَصِلَةِ) كَالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ قَيَّدَ بِالزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ كَالْحَبْلِ وَقَطْعِ الثَّوْبِ بِفِعْلِ الْمَوْهُوبِ أَوَّلًا غَيْرُ مَانِعٍ لِمَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي الْجَارِيَةِ الْمَوْهُوبَةِ إذَا وَلَدَتْ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ وَلَدُهَا، فَإِذَا جُعِلَتْ وَلَمْ تُرَدَّ فَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ نُقْصَانٌ انْتَهَى. لَكِنْ يُخَالِفُ مَا فِي السِّرَاجِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لَهُ
جَارِيَةً فَحَبِلَتْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَأَرَادَ الرُّجُوعَ فِيهَا قَبْلَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِزِيَادَةٍ لَمْ تَكُنْ مَوْهُوبَةً تَتَبَّعْ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالِاتِّصَالِ هُوَ أَنْ يَكُونَ فِي نَفْسِ الْمَوْهُوبِ شَيْءٌ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْقِيمَةِ كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ، وَكَالْجَمَالِ وَالْخِيَاطَةِ وَالصِّبْغِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ زَادَ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ فَلَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ لَا زِيَادَةَ لِلْعَيْنِ، وَكَذَا إذَا زَادَ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزِيدَ فِي الْقِيمَةِ كَمَا إذَا طَالَ الْغُلَامُ الْمَوْهُوبُ؛ لِأَنَّهُ نُقْصَانٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا يُمْنَعُ الرُّجُوعُ، وَلَوْ نَقَلَهُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان حَتَّى ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ وَاحْتَاجَ فِيهِ إلَى مُؤْنَةِ النَّقْلِ عِنْدَهُمَا يَنْقَطِعُ الرُّجُوعُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ وَهَبَ عَبْدًا كَافِرًا فَأَسْلَمَ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ وَهَبَ عَبْدًا حَلَالَ الدَّمِ فَعَفَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ، وَهُوَ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا يَرْجِعُ، وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً فَفَدَاهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَلَا يَسْتَرِدُّ مِنْهُ الْفِدَاءَ، وَلَوْ عَلَّمَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْعَبْدَ الْقُرْآنَ أَوْ الْكِتَابَةَ أَوْ الصَّنْعَةَ لَمْ يَمْنَعْ الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ زِيَادَةً فِي الْعَيْنِ فَأَشْبَهَتْ الزِّيَادَةَ فِي السِّعْرِ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَرَوَى الْخِلَافَ فِي الْعَكْسِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الزِّيَادَةِ فَالْقَوْلُ لِلْوَاهِبِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ لُزُومَ الْعَقْدِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَشَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ عَلَّمَ الْقُرْآنَ أَوْ الْكِتَابَةَ وَالْقِرَاءَةَ، أَوْ كَانَتْ أَعْجَمِيَّةً فَعَلَّمَهَا الْكَلَامَ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْحُرُوفِ لَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ لِحُدُوثِ الزِّيَادَةِ فِي الْعَيْنِ انْتَهَى هَذَا يُخَالِفُ مَا فِي التَّبْيِينِ كَمَا فِي الْمِنَحِ، وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ التَّبْيِينِ أَشَارَ إلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ فَقَالَ: وَيُرْوَى الْخِلَافُ فِي الْعَكْسِ تَدَبَّرْ.
وَلَوْ أَنَّ مَرِيضًا وَهَبَ لِرَجُلٍ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ، ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ تُرَدُّ الْهِبَةُ، وَيَجِبُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ الْعُقْرُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
(وَالْمِيمُ مَوْتُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ) أَمَّا مَوْتُ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلِخُرُوجِ الْمَوْهُوبِ عَنْ مِلْكِهِ وَانْتِقَالِهِ إلَى وَارِثِهِ، وَأَمَّا مَوْتُ الْوَاهِبِ فَلِتَعَذُّرِ الرُّجُوعِ مِنْهُ، وَالْوَارِثُ لَيْسَ بِوَاهِبٍ وَالنَّصُّ فِي حَقِّ الْوَاهِبِ هَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بَطَلَتْ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَرُجُوعُ الْمُسْتَأْمَنِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ مُبْطِلٌ لَهَا كَالْمَوْتِ، فَإِنْ كَانَ الْحَرْبِيُّ أَذِنَ لِلْمُسْلِمِ فِي قَبْضِهِ وَقَبَضَهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ جَازَ اسْتِحْسَانًا.
(وَالْعَيْنُ الْعِوَضُ الْمُضَافُ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الْهِبَةِ (إذَا قَبَضَ) الْوَاهِبُ الْعِوَضَ وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: (نَحْوُ خُذْ هَذَا عِوَضًا عَنْ هِبَتِك أَوْ بَدَلًا عَنْهَا) أَيْ عَنْ هِبَتِك (أَوْ) خُذْهُ (فِي مُقَابَلَتِهَا) أَيْ مُقَابَلَةِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي كَوْنِهِ عِوَضًا أَنْ يَذْكُرَ لَفْظًا يَعْلَمُ الْوَاهِبُ أَنَّهُ عِوَضٌ.
(وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (كَانَ) التَّعْوِيضُ (مِنْ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ جَازَ الْعِوَضُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَسَقَطَ حَقُّ الْوَاهِبِ فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ إذَا قَبَضَ الْعِوَضَ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ لِإِسْقَاطِ الْحَقِّ فَيَصِحُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَبَدَلِ الْخُلْعِ، وَلَوْ كَانَ التَّعْوِيضُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَا رُجُوعَ لِلْمُعَوِّضِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَلَوْ كَانَ شَرِيكَهُ سَوَاءٌ
كَانَ بِإِذْنِهِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ التَّعْوِيضَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ لِإِنْسَانٍ إلَّا إذَا قَالَ: عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ (فَلَوْ لَمْ يُضِفْ) أَيْ لَمْ يَقُلْ الْمَوْهُوبُ لَهُ: خُذْ عِوَضَ هِبَتِك يَكُونُ فِعْلُهُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً لَا تَعْوِيضًا فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْهِبَةِ مِنْ الْقَبْضِ (فَلِكُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ) .
وَفِي الْمَبْسُوطِ هَذَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْهِبَةُ شَيْئًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَسَوَاءٌ كَانَ الْعِوَضُ مِنْ جِنْسِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ حَتَّى يَتَحَقَّقَ فِيهَا الرِّبَا، وَإِنَّمَا هِيَ لِقَطْعِ الرُّجُوعِ.
(وَالْخَاءُ الْخُرُوجُ) أَيْ خُرُوجُ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ (عَنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ) بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، فَإِنْ تَبَدَّلَ الْمِلْكُ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ فَلَوْ ضَحَّى الشَّاةَ الْمَوْهُوبَةَ أَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهَا، وَصَارَتْ لَحْمًا لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ.
(وَالزَّايُ الزَّوْجِيَّةُ) أَيْ الزَّوْجِيَّةُ مَانِعَةٌ مِنْ الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا الصِّلَةُ أَيْ الْإِحْسَانُ كَمَا فِي الْقَرَابَةِ (وَقْتَ الْهِبَةِ فَلَهُ الرُّجُوعُ لَوْ وَهَبَ، ثُمَّ نَكَحَ) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً وَقْتَ الْهِبَةِ (لَا) يَرْجِعُ (لَوْ وَهَبَ، ثُمَّ أَبَانَ) لِوُجُودِ الزَّوْجِيَّةِ الْمَانِعَةِ وَقْتَ الْهِبَةِ.
(وَالْقَافُ الْقَرَابَةُ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا صِلَةُ الرَّحِمِ، وَقَدْ حَصَلَ وَفِي الرُّجُوعِ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ فَلَا يَرْجِعُ سَوَاءٌ كَانَ الْقَرِيبُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، ثُمَّ فَسَّرَ الْقَرَابَةَ بِقَوْلِهِ:(فَلَا رُجُوعَ فِيمَا وَهَبَ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ) مِنْ الْوَاهِبِ، وَإِنْ وَهَبَ لِمَحْرَمٍ بِلَا رَحِمٍ كَأَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَأُمَّهَاتِ النِّسَاءِ وَالرَّبَائِبِ وَأَزْوَاجِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَقَيَّدَ بِالْمَحْرَمِ؛ لِأَنَّ الرَّحِمَ بِلَا مَحْرَمٍ كَابْنِ عَمِّهِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَلَوْ وَهَبَ لِعَبْدِ أَخِيهِ أَوْ لِأَخِيهِ، وَهُوَ عَبْدٌ لِأَجْنَبِيٍّ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا لَا يَرْجِعُ فِي الْأُولَى، وَيَرْجِعُ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَوْ كَانَا أَيْ الْعَبْدُ وَمَوْلَاهُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْوَاهِبِ فَلَا رُجُوعَ فِيهَا أَيْ فِي الْهِبَةِ لِلْوَاهِبِ اتِّفَاقًا عَلَى الْأَصَحِّ.
(وَالْهَاءُ هَلَاكُ الْمَوْهُوبِ) ، فَإِنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ لِتَعَذُّرِهِ بَعْدَ الْهَلَاكِ إذْ هُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ (وَالْقَوْلُ فِيهِ) أَيْ فِي الْهَلَاكِ (قَوْلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِوُجُوبِ الرَّدِّ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ الْمُودَعَ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ: هَلَكَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ الْوَاهِبُ: هِيَ هَذِهِ حَلَفَ الْمُنْكِرُ أَنَّهَا لَيْسَتْ هَذِهِ كَمَا يَحْلِفُ الْوَاهِبُ
أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَيْسَ بِأَخِيهِ إذَا ادَّعَى الْأَخُ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمِنَحِ (وَفِي الزِّيَادَةِ قَوْلُ الْوَاهِبِ) أَيْ لَوْ ادَّعَى الْمَوْهُوبُ لَهُ ازْدِيَادَ مَا فِي يَدِهِ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً وَأَنْكَرَهَا الْوَاهِبُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ خِلَافًا لِزُفَرَ.
(وَلَوْ عَوَّضَ) الْمَوْهُوبُ لَهُ (فَاسْتَحَقَّ نِصْفَ الْهِبَةِ رَجَعَ بِنِصْفِ الْعِوَضِ) ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْعِوَضِ عِوَضٌ عَنْ نِصْفِ الْهِبَةِ فَلَمَّا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ نِصْفَ الْهِبَةِ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْعِوَضِ كَمَا فِي الْبَيْعِ.
(وَإِنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعِوَضِ لَا يَرْجِعُ) الْوَاهِبُ (بِشَيْءٍ حَتَّى يَرُدَّ بَاقِيَهُ) أَيْ بَاقِيَ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ لَيْسَ بِبَدَلٍ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعَوِّضَهُ أَقَلَّ مِنْ جِنْسِهِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ، وَلَوْ كَانَ مُعَاوَضَةً لَمَا جَازَ لِلرِّبَا، وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ لِيُسْقِطَ حَقَّهُ فِي الرُّجُوعِ كَمَا مَرَّ آنِفًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ إلَّا بِسَلَامَةِ كُلِّ الْعِوَضِ، فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ كُلُّهُ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْعِوَضِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْبَاقِيَ عَلَيْهِ، وَيَرْجِعُ فِي الْهِبَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ إذْ عِنْدَهُ يَرْجِعُ بِالنِّصْفِ اعْتِبَارًا بِالْمَوْهُوبِ.
(وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْكُلَّ رَجَعَ بِالْكُلِّ فِيهِمَا) أَيْ لَوْ اسْتَحَقَّ كُلَّ الْهِبَةِ كَانَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي جَمِيعِ الْعِوَضِ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَبِمِثْلِهِ إنْ هَالِكًا، وَهُوَ مِثْلِيٌّ وَبِقِيمَتِهِ إنْ قِيَمِيًّا، وَلَوْ اسْتَحَقَّ كُلَّ الْعِوَضِ حَيْثُ يَرْجِعُ فِي كُلِّ الْهِبَةِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً لَا إنْ هَالِكَةً، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا تَزْدَادَ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ فَلَوْ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ، وَقَدْ ازْدَادَتْ الْهِبَةُ لَمْ يَرْجِعْ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ.
(وَلَوْ عَوَّضَ عَنْ نِصْفِهَا) أَيْ الْهِبَةِ (فَلَهُ) أَيْ لِلْوَاهِبِ (أَنْ يَرْجِعَ بِمَا لَمْ يُعَوِّضْ) ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ قَدْ خَصَّ النِّصْفَ، غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الشُّيُوعُ فِي الْهِبَةِ لَكِنَّهُ طَارَ فَلَا يَضُرُّهُ.
وَفِي الْمِنَحِ نَقْلًا عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّ الْعِوَضَ الْمَانِعَ مِنْ الرُّجُوعِ هُوَ الْمَشْرُوطُ فِي عَقْدِ الْهِبَةِ أَمَّا إذَا عَوَّضَهُ بَعْدَهُ فَلَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ غَيْرَهُ، وَفُرُوعُ الْمَذْهَبِ فِي هَذَا الْبَابِ مُطْلَقَةٌ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ دَقِيقَ الْحِنْطَةِ يَصْلُحُ عِوَضًا عَنْهَا، وَمِنْ أَنَّهُ لَوْ عَوَّضَهُ وَلَدَ أَحَدِ جَارِيَتَيْنِ مَوْهُوبَتَيْنِ وُجِدَ بَعْدَ الْهِبَةِ، فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ، وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ.
(وَلَوْ خَرَجَ نِصْفُهَا) أَيْ نِصْفُ الْهِبَةِ (عَنْ مِلْكِهِ) أَيْ الْمَوْهُوبِ لَهُ (فَلَهُ) أَيْ لِلْوَاهِبِ (أَنْ يَرْجِعَ بِمَا لَمْ يَخْرُجْ) عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الرُّجُوعِ، وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ مِلْكِهِ لَمْ يُوجَدْ إلَّا فِي النِّصْفِ فَيَتَقَدَّرُ الِامْتِنَاعُ بِقَدْرِهِ؛ وَلِأَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِي كُلِّ الْهِبَةِ فَفِي النِّصْفِ أَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَا لَمْ يُعَوِّضْ.
(وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ) عَنْ الْهِبَةِ (إلَّا بِتَرَاضٍ) مِنْ الطَّرَفَيْنِ (أَوْ حُكْمِ قَاضٍ) بِالرُّجُوعِ لِوِلَايَتِهِ عَلَى الْعَامَّةِ وَلِوِلَايَتِهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا كَالرِّدَّةِ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ إذْ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَعَدَمِهِ خَفَاءٌ؛ لِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الثَّوَابَ وَالتَّحَبُّبَ، وَعَلَى هَذَا لَا يَرْجِعُ لِحُصُولِ الْمَرَامِ وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْعِوَضَ، وَعَلَى هَذَا يَرْجِعُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِلْزَامِ وَالْقَضَاءِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَصِحُّ بِدُونِهِمَا، ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ.
(فَلَوْ أَعْتَقَ الْمَوْهُوبُ لَهُ) الْعَبْدَ
الْمَوْهُوبَ (بَعْدَ الرُّجُوعِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَالتَّسْلِيمِ نَفَذَ) إعْتَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَى فَيَصِحُّ إعْتَاقُهُ قَبْلَهَا.
(وَلَوْ مَنَعَهُ) أَيْ مَنَعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَوْهُوبَ عَنْ الْوَاهِبِ بَعْدَ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ (فَهَلَكَ) الْمَوْهُوبُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ (لَا يَضْمَنُ) ؛ لِأَنَّ يَدَهُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ إلَّا إذَا طَلَبَهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَمَنَعَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ لِمَنْعِهِ طَلَبَهُ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَنْعِ بَعْدَ الرُّجُوعِ وَبَيْنَ الْمَنْعِ بَعْدَ الطَّلَبِ (وَهُوَ) أَيْ الرُّجُوعُ (مَعَ أَحَدِهِمَا) أَيْ مَعَ التَّرَاضِي أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي (فَسْخٌ) لِعَقْدِ الْهِبَةِ (مِنْ الْأَصْلِ) ، أَوْ إعَادَةٌ لِلْمِلْكِ الْقَدِيمِ (لَا هِبَةٌ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ) وَعِنْدَ زُفَرَ الرُّجُوعُ بِالتَّرَاضِي عَقْدٌ جَدِيدٌ فَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ الْمُبْتَدَأَةِ. وَلَنَا أَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ وَقَعَ جَائِزًا مُوجِبًا لِحَقِّ الْفَسْخِ، فَإِذَا رَجَعَ الْوَاهِبُ كَانَ مُسْتَوْفِيًا لِحَقٍّ ثَابِتٍ لَهُ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ غَيْرَ لَازِمٍ لَا ابْتِدَاءً لِعَقْدٍ جَدِيدٍ، ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ) أَيْ الْوَاهِبِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ إنَّمَا يَعْتَمِدُ فِي انْتِقَالِ الْمِلْكِ لَا فِي عَوْدِهِ إلَى الْمِلْكِ الْقَدِيمِ.
(وَصَحَّ) أَيْ الرُّجُوعُ (فِي الْمَشَاعِ) الْقَابِلِ لِلْقِسْمَةِ بِأَنْ وَهَبَ دَارًا وَرَجَعَ فِي نِصْفِهَا، وَلَوْ كَانَ هِبَةً مُبْتَدَأَةً لَمَا صَحَّ فِي الْمَشَاعِ الْقَابِلِ لِلْقِسْمَةِ.
(وَإِنْ تَلِفَ الْمَوْهُوبُ) عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ (فَاسْتَحَقَّ) مُسْتَحِقٌّ (فَضَمِنَ الْمَوْهُوبُ لَهُ) قِيمَتَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ (لَا يَرْجِعُ عَلَى وَاهِبِهِ) بِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَبَرُّعٌ، وَهُوَ غَيْرُ عَامِلٍ لَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ السَّلَامَةَ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْغُرُورُ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ عَامِلٌ لَهُ، وَبِخِلَافِ الْمُعَاوَضَاتِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُعَاوَضَةِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ، وَالْإِعَارَةُ كَالْهِبَةِ هُنَا كَمَا فِي التَّنْوِيرِ.
(وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ هِبَةُ ابْتِدَاءٍ) أَيْ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ (فَشَرْطُ الْقَبْضِ فِي الْعِوَضَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي الْهِبَةِ لِمَا مَرَّ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاهِبٌ مِنْ وَجْهٍ (وَمَنْعُهَا) أَيْ الْهِبَةِ (الشُّيُوعَ) فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ (فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ هِبَةَ الْمَشَاعِ لَا تَصِحُّ (بَيْعُ انْتِهَاءٍ) أَيْ فِي انْتِهَاءِ الْعَقْدِ بَعْدَ التَّقَابُضِ (فَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ) إذَا كَانَ عَقَارًا كَمَا مَرَّ (وَخِيَارُ الْعَيْبِ وَالشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَشَرْطُ وَفِي قَوْلِهِ فَتَثْبُتُ نَتِيجَةُ مَا قَبْلَهُمَا مِنْ الْكَلَامِ.
وَعِنْدَ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بَيْعٌ مُطْلَقًا أَيْ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ بِبَدَلٍ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَكَانَ بَيْعًا، وَلَنَا أَنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى وَجْهَيْنِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا مَا أَمْكَنَ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ فَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ مُعْتَبَرًا بِلَفْظِهِ فَيُجْرِي فِيهِ أَحْكَامَ الْهِبَةِ وَانْتِهَاؤُهُ مُعْتَبَرًا بِمَعْنَاهُ فَيُجْرِي فِيهِ أَحْكَامَ الْبَيْعِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ مِنْ حُكْمِهَا تَأْخِيرُ الْمِلْكِ إلَى الْقَبْضِ وَمِنْ حُكْمِ الْبَيْعِ اللُّزُومُ وَقَدْ يَنْقَلِبُ الْهِبَةُ الْبَيْعَ بِالتَّعْوِيضِ هَذَا إذَا ذَكَرَهُ بِكَلِمَةِ عَلَى بِأَنْ يُقَالَ: وَهَبْتُك ذَا عَلَى أَنْ تُعَوِّضَنِي كَذَا إذْ لَوْ قَالَ