الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِهَدَايَا عِوَضًا لِلْهِبَةِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ هِبَةً لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِوَضًا، وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَسْتَرِدَّ.
(وَالصَّدَقَةُ كَالْهِبَةِ) ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ مِثْلُهَا، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (لَا تَصِحُّ) الصَّدَقَةُ (بِدُونِ الْقَبْضِ) بَلْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا مَقْبُوضَةً كَالْهِبَةِ (وَلَا) تَصِحُّ فِي مَشَاعٍ (يُقَسَّمُ) أَنْ يَحْتَمِلَ الْقِسْمَةَ كَسَهْمٍ مِنْ الدَّارِ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْهِبَةِ (وَلَا رُجُوعَ فِيهَا) أَيْ فِي الصَّدَقَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا هُوَ الثَّوَابُ دُونَ الْعِوَضِ.
(وَلَوْ) كَانَتْ الصَّدَقَةُ (لِغَنِيٍّ) اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ بِالصَّدَقَةِ عَلَى الْغَنِيِّ الثَّوَابَ لِكَثْرَةِ عِيَالِهِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْوَاهِبُ: كَانَتْ هِبَةً وَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ: صَدَقَةً فَالْقَوْل لِلْوَاهِبِ.
وَفِي الْعِنَايَةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ كَلَامٌ، وَفِي حَاشِيَتِهِ لِلْمَوْلَى سَعْدِي جَوَابٌ فَلْيُطَالَعْ.
(وَلَا) رُجُوعَ (فِي الْهِبَةِ لِفَقِيرٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الثَّوَابُ وَقَدْ حَصَلَ بِخِلَافِ الْهِبَةِ لِغَنِيٍّ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ لِعِوَضٍ دُنْيَوِيٍّ (لَوْ قَالَ: جَمِيعُ مَالِي أَوْ مَا أَمْلِكُهُ لِفُلَانٍ فَهُوَ هِبَةٌ) ؛ لِأَنَّ مَمْلُوكَهُ لَا يَصِيرُ لِغَيْرِهِ إلَّا بِتَمْلِيكِهِ.
(وَإِنْ قَالَ: مَا يَنْسُبُ إلَيَّ أَوْ مَا يَعْرِفُ لِي) فُلَانٌ (فَإِقْرَارٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ التَّمْلِيكُ، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ إنَّهُ مِلْكٌ لِفُلَانٍ وَلَكِنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيَّ بِكَوْنِهِ فِي يَدَيَّ فَيَكُونُ إقْرَارًا.
وَفِي التَّنْوِيرِ هِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَإِبْرَاؤُهُ عَنْهُ يَتِمُّ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ تَمْلِيكِ الدَّيْنِ مِمَّنْ لَيْسَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بَاطِلٌ إلَّا إذَا سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ.
وَفِي الْمِنَحِ نَقْلًا عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى لَمَّا سَأَلْته عَمَّنْ كَتَبَ قِصَّةً إلَى السُّلْطَانِ وَسَأَلَ مِنْهُ تَمْلِيكَ أَرْضٍ مَحْدُودَةٍ فَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِالتَّوْقِيعِ فَكَتَبَ كَاتِبُ السُّلْطَانِ عَلَى ظَهْرِ الْقِصَّةِ: إنِّي جَعَلْت الْأَرْضَ مِلْكًا لَهُ هَلْ تَصِيرُ الْأَرْضُ مِلْكًا لَهُ أَمْ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ مِنْ السُّلْطَانِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ قَالَ: الْقِيَاسُ نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ عَنْ السُّلْطَانِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَكِنْ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ أُقِيمَ السُّؤَالُ بِالْقِصَّةِ مَقَامَ حُضُورِهِ، فَإِذَا أَمَرَ بِذَلِكَ وَأَخَذَ مِنْهُ بِالتَّوْقِيعِ تَمَلَّكَ.
[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]
ِ عَقَّبَهُ بِالْهِبَةِ تَرَقِّيًا مِنْ الْأَعْلَى إلَى الْأَدْنَى، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ وَالْهِبَةَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ، وَالْعَيْنُ أَقْوَى وَهِيَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ وَهِيَ مَا يُسْتَحَقُّ عَلَى عَمَلِ الْخَيْرِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ، فَإِنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرَ آجَرَ زَيْدٌ يَأْجُرُ بِالضَّمِّ أَيْ صَارَ أَجِيرًا إلَّا أَنَّهَا فِي الْأَغْلَبِ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْإِيجَارِ الْمَصْدَرُ يُقَامُ بَعْضُهَا مَقَامَ الْبَعْضِ فَيُقَالُ: آجَرْت إجَارَةً أَيْ أَكْرَيْتُهَا وَلَمْ يَجِئْ مِنْ فَاعِلٍ بِهَذَا الْمَعْنَى عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ كَذَا فِي الرِّضَى.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: الْإِجَارَةُ فِعَالَةٌ مِنْ الْمُفَاعَلَةِ وَآجَرَ عَلَى وَزْنِ فَاعَلَ لَا أَفْعَلَ؛ لِأَنَّ الْإِيجَارَ لَمْ يَجِئْ مِنْهُ، وَالْمُضَارِعُ يُؤَاجِرُ، وَاسْمُ الْفَاعِلِ الْمُؤَاجِرُ وَعِنْدَ الْخَلِيلِ أَجَرْت زَيْدًا مَمْلُوكِي أُوجِرُهُ إيجَارًا وَفِي الْأَسَاسِ آجَرَ
وَهُوَ مُؤَجِّرٌ وَلَمْ يَقُلْ مُؤَاجِرٌ، فَإِنَّهُ غَلَطٌ وَمُسْتَعْمَلٌ فِي مَوْضِعٍ قَبِيحٍ، وَقَدْ جَوَّزَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي مُقَدِّمَةِ الْأَدَبِ كَوْنَ آجَرَهُ الدَّارَ مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ وَالْمُفَاعَلَةِ مَعًا.
وَفِي الْإِصْلَاحِ (هِيَ) أَيْ الْإِجَارَةُ (بَيْعُ مَنْفَعَةٍ) احْتِرَازٌ عَنْ بَيْعِ عَيْنٍ (مَعْلُومَةٍ) جِنْسًا وَقَدْرًا (بِعِوَضٍ) مَالِيٍّ أَوْ نَفْعٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَسُكْنَى دَارٍ بِرُكُوبِ دَابَّةٍ، وَلَا يَجُوزُ بِسُكْنَى دَارٍ أُخْرَى لِلرِّبَا (مَعْلُومٍ) قَدْرًا وَصِفَةً فِي غَيْرِ الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُمَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ (دَيْنٍ) أَيْ مِثْلِيٍّ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ (أَوْ عَيْنٍ) أَيْ قِيَمِيٍّ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِهِمَا فَخَرَجَ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالْعَارِيَّةُ وَالنِّكَاحُ، فَإِنَّهُ اسْتِبَاحَةُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ لَا تَمْلِيكُهَا.
وَفِي الدُّرَرِ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ قَوْلِهِمْ تَمْلِيكُ نَفْعٍ مَعْلُومٍ بِعِوَضٍ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ تَعْرِيفًا لِلْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا لِتَنَاوُلِهِ الْفَاسِدَةَ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَبِالشُّيُوعِ الْأَصْلِيِّ، وَإِنْ كَانَ تَعْرِيفًا لِلْأَعَمِّ لَمْ يَكُنْ تَقْيِيدُ النَّفْعِ وَالْعِوَضِ بِالْمَعْلُومِيَّةِ صَحِيحًا وَمَا اُخْتِيرَ هَهُنَا تَعْرِيفٌ لِلْأَعَمِّ انْتَهَى لَكِنَّ الْمَقْصُودَ قَيَّدَ الْبَدَلَيْنِ بِالْمَعْلُومِيَّةِ فَقَدْ أَخْرَجَ الْإِجَارَةَ الْفَاسِدَةَ بِالْجَهَالَةِ عَنْ التَّعْرِيفِ وَنَبَّهَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الشَّرْعِ هِيَ الْإِجَارَةُ الْغَيْرُ الْمُفْضِيَةِ إلَى النِّزَاعِ وَجَعَلَ ذِكْرَ الْمَعْلُومِ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ الْآتِي، وَالْمَنْفَعَةُ تُعْلَمُ تَارَةً إلَى آخِرِ تَدَبُّرٍ، وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَعْدُومٌ، وَإِضَافَةُ التَّمْلِيكِ إلَى مَا سَيُوجَدُ لَا يَصِحُّ لَكِنَّهُ جُوِّزَ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ، وَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَضَرْبٍ مِنْ الْمَعْقُولِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] وَشَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا لَازِمَةٌ مَا لَمْ يَظْهَرْ نَسْخُهَا، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ» وَقَوْلُهُ قَوْله تَعَالَى:«أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» ، وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَيْهِ وَلَا مَفْسَدَةَ فِيهِ وَتَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَالْمُرَادُ مِنْ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ سَاعَةً فَسَاعَةً فِي كَلَامِ مَشَايِخِنَا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ هُوَ عَمَلُ الْعِلَّةِ، وَنَفَاذُهَا فِي الْمَحَلِّ سَاعَةً فَسَاعَةً لِارْتِبَاطِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كُلَّ سَاعَةٍ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَشَايِخِ يُوهِمُ ذَلِكَ، وَالْحُكْمُ تَأَخَّرَ مِنْ زَمَانِ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ إلَى حُدُوثِ الْمَنَافِعِ سَاعَةً فَسَاعَةً؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَابِلٌ لِلتَّرَاخِي كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَتَمَامِهِ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ الْمَوْلَى سَعْدِي عَلَى الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُتَأَمَّلَ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَإِنَّ الِانْعِقَادَ هُوَ ارْتِبَاطُ الْقَبُولِ بِالْإِيجَابِ، فَإِذَا حَصَلَ الِارْتِبَاطُ بِإِقَامَةِ الدَّارِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ يَتَحَقَّقُ الِانْعِقَادُ فَمَا مَعْنَى الِانْعِقَادِ سَاعَةً فَسَاعَةً بَعْدَ ذَلِكَ تَدَبَّرْ وَمِنْ مَحَاسِنِ الْإِجَارَةِ دَفْعُ الْحَاجَةِ بِقَلِيلٍ مِنْ الْبَدَلِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَارٍ يَسْكُنُهَا وَحَمَّامٍ يَغْتَسِلُ فِيهَا وَإِبِلٍ يَحْمِلُ أَثْقَالَهُ إلَى بَلَدٍ لَمْ يَكُنْ يَبْلُغُهُ إلَّا بِمَشَقَّةِ النَّفْسِ وَسَبَبُهَا تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمُقَدَّرِ وَشَرْطُهَا مَعْلُومِيَّةُ الْبَدَلَيْنِ وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ
وَالْقَبُولُ بِلَفْظَيْنِ مَاضِيَيْنِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ لِعَقْدِ الْإِجَارَةِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَعَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا بِكَذَا، أَوْ وَهَبْتُك مَنَافِعَهَا.
وَتَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي كَالْبَيْعِ، وَشَرْطُهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ الْأُجْرَةِ وَالْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَتَيْنِ، وَحُكْمَا وُقُوعِ الْمِلْكِ فِي الْبَدَلَيْنِ سَاعَةً فَسَاعَةً كَمَا مَرَّ.
وَفِي الْمِنَحِ: وَلَا تَنْعَقِدُ الْإِجَارَةُ الطَّوِيلَةُ بِالتَّعَاطِي؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ قَدْ يَجْعَلُونَ لِكُلِّ سَنَةٍ دَانِقًا وَقَدْ يَجْعَلُونَ فُلُوسًا وَفِي غَيْرِ الطَّوِيلَةِ الْإِجَارَةُ تَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ قُلْت: مُفَادُ كَلَامِهِ أَنَّ الْأُجْرَةَ إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً فِي الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ تَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي انْتَهَى.
(وَمَا صَلَحَ ثَمَنًا) فِي الْبَيْعِ (صَلَحَ أُجْرَةً) فِي الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ بِثَمَنِ الْمَنْفَعَةِ فَيُعْتَبَرُ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَمُرَادُهُ مِنْ الثَّمَنِ مَا كَانَ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ فَدَخَلَ فِيهِ الْأَعْيَانُ، فَإِنَّ الْعَيْنَ يَصْلُحُ بَدَلًا فِي الْمُقَايَضَةِ فَتَصْلُحُ أُجْرَةً وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ دَرَاهِمَ انْصَرَفَتْ إلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ مُخْتَلِفَةً فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ مَا لَمْ يُبَيِّنْ نَقْدًا مِنْهَا، فَإِنْ بَيَّنَ جَازَ وَإِلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا أَوْ عَدَدِيًّا مُتَقَارِبًا فَالشَّرْطُ فِيهِ بَيَانُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ قَوْلُهُ وَمَا صَلَحَ ثَمَنًا صَلَحَ أُجْرَةً لَا يُنَافِي الْعَكْسَ حَتَّى صَلَحَ أُجْرَةً مَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا كَالْمَنْفَعَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ ثَمَنًا وَتَصْلُحُ أُجْرَةً إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ كَاسْتِئْجَارِ سُكْنَى الدَّارِ بِزِرَاعَةِ الْأَرْضِ، وَإِنْ اتَّحَدَ جِنْسُهُمَا لَا.
(وَتَفْسُدُ) الْإِجَارَةُ (بِالشُّرُوطِ) كَالْبَيْعِ (وَيَثْبُتُ فِيهَا) أَيْ فِي الْإِجَارَةِ (خِيَارُ الشَّرْطِ) كَمَا يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ.
(وَ) خِيَارُ (الرُّؤْيَةِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا.
(وَ) خِيَارُ (الْعَيْبِ) سَوَاءٌ كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ (وَتُقَالُ) الْإِجَارَةُ (وَتُفْسَخُ) كَمَا فِي الْبَيْعِ كَمَا سَيَأْتِي وَلَمَّا ذَكَرَ فِي التَّعْرِيفِ مَعْلُومِيَّةَ الْمَنْفَعَةِ احْتَاجَ إلَى مَا بِهِ تَكُونُ مَعْلُومَةً فَقَالَ (وَالْمَنْفَعَةُ تُعْلَمُ تَارَةً بِبَيَانِ الْمُدَّةِ كَالسُّكْنَى) أَيْ كَإِجَارَةِ الدَّارِ لِلسُّكْنَى (وَالزِّرَاعَةِ) أَيْ كَأُجْرَةِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ (فَتَصِحُّ) إجَارَتُهَا (مُدَّةً مَعْلُومَةً أَيَّ مُدَّةً كَانَتْ) ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً كَانَ قَدْرُ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا مَعْلُومًا إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لَا تَتَفَاوَتُ فَأَفَادَ أَنَّهَا تَجُوزُ، وَلَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ لَا يَعِيشُ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ إلَى مِثْلِهَا عَادَةً وَاخْتَارَهُ الْخَصَّافُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلَّفْظِ، وَإِنَّهُ يَقْتَضِي التَّوْقِيفَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلَى مِائَةِ سَنَةٍ، فَإِنَّهُ تَوْقِيتٌ فَيَكُونُ مُتْعَةً وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ كَالْمُتَيَقَّنِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ فَصَارَتْ الْإِجَارَةُ مُؤَبَّدَةً مَعْنًى، وَالتَّأْبِيدُ يُبْطِلُهَا فَأَفَادَ أَنَّهَا تَجُوزُ مُضَافَةً كَمَا لَوْ قَالَ: آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ غَدًا وَلِلْمُؤَجِّرِ بَيْعُهَا الْيَوْمَ وَتَنْتَقِضُ الْإِجَارَةُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ إلَى الْغَدِ، ثُمَّ بَاعَ مِنْ غَيْرِهِ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَيْسَ لِلْآجِرِ أَنْ يَبِيعَ قَبْلَ مَجِيءِ الْوَقْتِ.
وَفِي رِوَايَةٍ جَازَ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ الْمُضَافَةُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ، وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ فَلْيُطَالَعْ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لَا تَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ.
(وَفِي الْوَقْفِ يَتْبَعُ
شَرْطَ الْوَاقِفِ) ؛ لِأَنَّهُ كَنَصِّ الشَّارِعِ فِي وُجُوبِ الِاتِّبَاعِ (فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ) الْوَاقِفُ فِي إجَارَتِهِ مُدَّةً بَلْ سَكَتَ عَنْهَا (فَالْفَتْوَى أَنْ لَا يُزَادَ فِي) إجَارَةِ (الْأَرَاضِيِ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ وَفِي) إجَارَةِ (غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الْأَرَاضِيِ أَنْ لَا يُزَادَ (عَلَى سَنَةٍ) وَاحِدَةٍ كَيْ لَا يَدَّعِيَ الْمُسْتَأْجِرُ مِلْكَهَا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَدْ أَفْتَى الصَّدْرُ الشَّهِيدُ بِعَدَمِ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ فِي الضِّيَاعِ وَعَلَى سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فِي غَيْرِهَا إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي غَيْرِهِ.
وَفِي الْمُحِيطِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى فَلَوْ آجَرَهَا الْمُتَوَلِّي أَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرَ لَمْ تَصِحَّ وَقِيلَ تَصِحُّ وَتُفْسَخُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَمَا قَبْلَهَا ذُكِرَتْ فِي الْوَقْفِ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي تَكْرَارِهَا، وَالْحِيلَةُ فِي الزِّيَادَةِ أَنْ يَعْقِدَ عُقُودًا مُتَفَرِّقَةً كُلَّ عَقْدٍ عَلَى سَنَةٍ وَيَكْتُبَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ اسْتَأْجَرَ الْوَقْفَ كَذَا وَكَذَا سَنَةً بِكَذَا فَيَكُونُ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ لَازِمًا وَالْبَاقِي غَيْرَ لَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ فَلِمُتَوَلِّي الْوَقْفِ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ فِي الْعُقُودِ الْغَيْرِ اللَّازِمَةِ إذَا خَافَ بُطْلَانَ الْوَقْفِ لِعِلَّةٍ مَذْكُورَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ طَوِيلَةً بِعَقْدٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهَا لَازِمَةٌ فِي الْكُلِّ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا فَعَلَى هَذَا يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مِنْ أَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ الْجَوَازِ إذَا كَانَتْ هَذَا الْمَعْنَى أَيْ دَعْوَى الْمِلْكِ بِمُرُورِ الزَّمَانِ لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ الطَّوِيلَةُ بِعُقُودٍ مُخْتَلِفَةٍ كَمَا جَوَّزَهَا الْبَعْضُ تَجَاوَزَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ انْتَهَى، وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْحِيلَةَ فِي الزِّيَادَةِ أَنْ يَرْفَعَ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يُجِيزَهُ
وَاعْلَمْ أَنَّ إجَارَةَ الْوَقْفِ لَا تَجُوزُ إلَّا بِأَجْرِ الْمِثْلِ لَوْ أَكْثَرَ، وَلَوْ آجَرَ النَّاظِرُ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ، وَيَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ تَمَامُ أَجْرِ الْمِثْلِ.
وَفِي الْبَحْرِ مُتَوَلِّي أَرْضِ الْوَقْفِ آجَرَهَا بِغَيْرِ أَجْرِ الْمِثْلِ يَلْزَمُ مُسْتَأْجِرَهَا تَمَامُ أَجْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ بَعْضِ عُلَمَائِنَا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قِيلَ إنْ اسْتَأْجَرَ دَارَ الْوَقْفِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ إنْ كَانَ السِّعْرُ بِحَالِهَا حَيْثُ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ يَجُوزُ، وَإِنْ غَلَا أَجْرُ مِثْلِهَا يَفْسَخُ الْعَقْدَ وَيُجَدِّدُ ثَانِيًا وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا إلَى سَنَةٍ فَغَلَا السِّعْرُ بَعْدَ مُضِيِّ نِصْفِ السَّنَةِ يَفْسَخُ الْعَقْدَ وَيَجِبُ الْمُسَمَّى، وَيُجَدِّدُ ثَانِيًا فِيمَا بَقِيَ بِخِلَافِ الْكَرْمِ الْمُسْتَأْجَرِ لِيَأْكُلَ ثَمَرَتَهُ فِي رَأْسِ السَّنَةِ.
(وَ) الْمَنْفَعَةُ (تَارَةً تُعْلَمُ بِذِكْرِ الْعَمَلِ كَصَبْغِ الثَّوْب وَخِيَاطَتِهِ) أَيْ خِيَاطَةِ الثَّوْبِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُعَيِّنَ الثَّوْبَ الَّذِي يَصْبُغُ، وَلَوْنَ الصِّبْغِ بِأَنَّهُ أَحْمَرُ أَوْ نَحْوُهُ، وَقَدْرَ الصِّبْغِ إذَا كَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ، وَجِنْسَ الْخِيَاطَةِ وَالْمَخِيطِ (وَحَمْلِ قَدْرٍ مَعْلُومٍ عَلَى دَابَّةٍ مَسَافَةً مَعْلُومَةً) لِمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ اسْتِئْجَارَ الدَّابَّةِ لِلرُّكُوبِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ بَيَانِ الْوَقْتِ وَالْمَوْضِعِ حَتَّى لَوْ خَلَا عَنْهُمَا فَهِيَ فَاسِدَةٌ، وَبِهِ يُعْلَمُ فَسَادُ إجَارَةِ دَوَابِّ الْعَلَّافِينَ الْوَاقِعَةِ فِي زَمَانِنَا لِعَدَمِ بَيَانِ الْوَقْتِ وَالْمَوْضِعِ.
(وَ) الْمَنْفَعَةُ (تَارَةً) تُعْلَمُ (بِالْإِشَارَةِ كَنَقْلِ هَذَا) الطَّعَامِ (مَثَلًا إلَى مَوْضِعِ كَذَا) ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَرَفَ مَا يَنْقُلُهُ مَعَ مَوْضِعٍ يَنْتَهِي إلَيْهِ صَارَ مَعْلُومًا.
(وَالْأُجْرَةُ) فِي الْإِجَارَةِ (لَا تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ) أَيْ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُهَا
عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ يَظْهَرُ عِنْدَ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلِذَا يُقَامُ الْعَيْنُ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمَنْفَعَةِ كَمَا يُقَامُ السَّفَرُ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ فَتَجِبُ الْأُجْرَةُ مُؤَجَّلًا مُوَقَّتًا عَلَى تَحَقُّقِ أَحَدِ الْأُمُورِ الْآتِي ذِكْرُهَا.
وَعَنْ هَذَا وَقَالَ (بَلْ) تُسْتَحَقُّ (بِالتَّعْجِيلِ) هُوَ (أَوْ بِشَرْطِهِ) أَيْ بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِنَفْسِ الْعِتْقِ لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ، فَإِذَا عَجَّلَ أَوْ شَرَطَ التَّعْجِيلَ فَقَدْ أَبْطَلَ الْمُسَاوَاةَ الَّتِي هِيَ حَقُّهُ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ بِشَرْطِ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ، فَإِنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ لِامْتِنَاعِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ مِنْ التَّبَدُّلِ لِلتَّصْرِيحِ بِالْإِضَافَةِ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَالْمُضَافُ إلَى وَقْتٍ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا قَبْلَهُ وَلَا يَتَغَيَّرُ هَذَا الْمَعْنَى (أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا إذْ الْعَقْدُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ (أَوْ التَّمَكُّنِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ اسْتِيفَاءِ النَّفْعِ إقَامَةً لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الشَّيْءِ مَقَامَ ذَلِكَ الشَّيْءِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً فَأَمَّا إذَا كَانَتْ فَاسِدَةً لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ إلَّا بِحَقِيقَةِ الِانْتِفَاعِ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ.
(فَتَجِبُ) الْأُجْرَةُ (لَوْ قَبَضَ) الْمُسْتَأْجِرُ (الدَّارَ وَلَمْ يَسْكُنْهَا) أَيْ الدَّارَ (حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ) ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ نَفْسِ الْمَنْفَعَةِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ أُقِيمَ تَسْلِيمُ مَحَلِّهَا مَقَامَهَا إذْ التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ يَثْبُتُ بِهِ.
وَفِي النَّوَازِلِ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَّةَ فَلَمْ يَرْكَبْهَا إنْ كَانَ بِغَيْرِ عِلَّةٍ فِي الدَّابَّةِ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ، وَإِنْ كَانَ لِعِلَّةٍ فِيهَا فَلَا أَجْرَ.
(وَتَسْقُطُ) الْأُجْرَةُ (بِالْغَصْبِ) إلَّا إذَا أَمْكَنَ إخْرَاجُ الْغَاصِبِ مِنْ الدَّارِ بِشَفَاعَةٍ وَحِمَايَةٍ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ (بِقَدْرِ فَوْتِ التَّمَكُّنِ) يَعْنِي إذَا غَصَبَ الدَّارَ الْمُسْتَأْجَرَةَ غَاصِبٌ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ سَقَطَتْ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ غَصَبَ فِي بَعْضِهَا سَقَطَتْ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ تَسْقُطُ الْأُجْرَةُ إلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ بِالْغَصْبِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ خِلَافًا لِقَاضِي خَانْ، فَإِنَّهُ قَالَ لَا تَنْفَسِخُ، وَإِطْلَاقُهُ شَامِلٌ لِلْعَقَارِ وَغَيْرِهِ وَمُرَادُهُ مِنْ الْغَصْبِ هَهُنَا الْحَيْلُولَةُ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْعَيْنِ لَا حَقِيقَتُهُ إذْ الْغَصْبُ لَا يَجْرِي فِي الْعَقَارِ عِنْدَنَا قَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ: وَلَوْ أَنْكَرَ الْمُؤَجِّرُ الْغَصْبَ، وَأَعَادَهُ الْمُسْتَأْجِرُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَى دَعْوَاهُ بِحُكْمِ الْحَالِ، فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ هُوَ السَّاكِنَ فِي الدَّارِ حَالَ الْمُنَازَعَةِ فَالْقَوْلُ لِلْمُؤَجِّرِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا غَيْرُ الْمُسْتَأْجِرِ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ كَمَسْأَلَةِ الطَّاحُونَةِ وَفِي تَنْوِيرِهِ، وَلَوْ سَلَّمَهُ أَيْ سَلَّمَ الْآجِرُ الْمُسْتَأْجِرَ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الْمُدَّةِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِامْتِنَاعُ مِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَقْتٌ يَرْغَبُ فِي الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ لِأَجْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا وَقْتٌ كَذَلِكَ أَيْ يَرْغَبُ فِيهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ دُونَ وَقْتٍ كَمَا فِي بُيُوتِ مَكَّةَ وَمِنًى خُيِّرَ فِي قَبْضِ الْبَاقِي
وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَغَيْرِهَا إذَا سَكَنَ دَارًا مُعَدَّةً لِلْغَلَّةِ أَوْ زَرَعَ أَرْضًا مُعَدَّةً لِلِاسْتِغْلَالِ مِنْ غَيْرِ إجَارَةٍ تَجِبُ الْأُجْرَةُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَفِي الْقُنْيَةِ تَسْلِيمُ الْمِفْتَاحِ فِي الْمِصْرِ مَعَ التَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الدَّارِ تَسْلِيمٌ لِلدَّارِ حَتَّى تَجِبَ الْأُجْرَةُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ وَتَسْلِيمُ الْمِفْتَاحِ فِي السَّوَادِ لَيْسَ بِتَسْلِيمِ الدَّارِ، وَإِنْ حَضَرَ الْمِصْرَ وَالْمِفْتَاحُ فِي يَدِهِ.
(وَلِرَبِّ الدَّارِ وَالْأَرْضِ طَلَبُ الْأَجْرِ لِكُلِّ يَوْمٍ وَلِرَبِّ الدَّابَّةِ لِكُلِّ مَرْحَلَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ يَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ تَسْلِيمُهُ، وَلَوْ خُطْوَةً أَوْ سَكَنَ سَاعَةً إلَّا أَنَّا جَوَّزْنَا اسْتِحْسَانًا وَقَدَّرْنَا بِيَوْمٍ وَمَرْحَلَةٍ؛ لِأَنَّ هَذَا يُفْضِي إلَى الْحَرَجِ إلَّا إذَا بَيَّنَ زَمَانَ الطَّلَبِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَيُوقَفُ الْمُؤَجَّرُ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ لِكَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ التَّأْجِيلِ.
وَقَالَ زُفَرُ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَانْتِهَاءِ السَّفَرِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَوَّلًا.
(وَلِلْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ عَمَلِهِ) إذْ قَبْلَهُ لَا يَنْتَفِعُ بِالْبَعْضِ فَلَا اسْتِحْقَاقَ لِلْأَجْرِ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ) عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّجْرِيدِ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ وَقَاضِي خَانْ والتمرتاشي وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ إذَا خَاطَ الْبَعْضُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ يَجِبُ الْأَجْرُ لَهُ بِحِسَابِهِ كَمَا إذَا سُرِقَ الثَّوْبُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِحِسَابِهِ وَاسْتَشْهَدَ فِي الْأَصْلِ بِمَا اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا لِيَبْنِيَ لَهُ حَائِطًا فَبَنَى بَعْضَهُ، ثُمَّ انْهَدَمَ فَلَهُ أَجْرُ مَا بَنَى.
وَفِي التَّنْوِيرِ ثَوْبٌ خَاطَهُ الْخَيَّاطُ بِأَجْرٍ فَفَتَقَهُ رَجُلٌ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ رَبُّ الثَّوْبِ فَلَا أَجْرَ لَهُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِعَادَةِ، وَإِنْ كَانَ الْخَيَّاطُ هُوَ الْفَاتِقَ لِلثَّوْبِ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ كَأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ.
(وَلِلْخَبَّازِ) طَلَبُ الْأَجْرِ (بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُبْزِ) مِنْ التَّنُّورِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْعَمَلِ بِالْإِخْرَاجِ وَفِي إطْلَاقِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِإِخْرَاجِ الْبَعْضِ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ صَارَ مُسَلَّمًا إلَى صَاحِبِ الدَّقِيقِ (فَإِنْ احْتَرَقَ) الْخُبْزُ (قَبْلَ الْإِخْرَاجِ) مِنْ التَّنُّورِ (سَقَطَ الْأَجْرُ) سَوَاءٌ كَانَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ فِي بَيْتِ الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ هَذَا جِنَايَةُ يَدِهِ بِتَقْصِيرِهِ فِي الْقَلْعِ مِنْ التَّنُّورِ، فَإِنْ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مَخْبُوزًا أَعْطَاهُ الْأَجْرَ، وَإِنْ ضَمَّنَهُ دَقِيقًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجْرٌ كَمَا فِي الْغَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَبِهَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ قَوْلَ الْوِقَايَةِ، فَإِنْ احْتَرَقَ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ فَلَهُ الْأَجْرُ، وَقَبْلَهُ لَا وَلَا غُرْمَ فِيهِمَا.
وَقَوْلُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَيْ فِي الِاحْتِرَاقِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ وَبَعْدَ الْإِخْرَاجِ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِلْمَنْقُولِ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْفُحُولِ كَمَا فِي الدُّرَرِ لَكِنْ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامِ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ وَصَاحِبِ الْغَايَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالِاحْتِرَاقِ فِي الْوِقَايَةِ مَا لَا يَكُونُ بِصُنْعِهِ، وَفِي الْغَايَةِ مَا يَكُونُ بِصُنْعِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِي الْفَصْلَيْنِ عَلَى الْخَبَّازِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ غَيْرُ وَاقِعَةٍ مِنْهُ فِيهِمَا هَذَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ كَمَا قِيلَ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْجِنَايَةُ فَصَاحِبُ الْوِقَايَةِ اخْتَارَ مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَلَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ، ثُمَّ احْتَرَقَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَقَطْ لَا فِيمَا إذَا احْتَرَقَ قَبْلَهُ تَتَبَّعْ.
وَعَنْ هَذَا قَالَ: (وَإِنْ) احْتَرَقَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ
(فَلَا) يَسْقُطُ (إنْ) كَانَ يَخْبِزُ (فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ) ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ صَارَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ فِي مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ فَاسْتَحَقَّ الْأَجْرَ بِوَضْعِهِ فِيهِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ بِأَنَّ مَنْ كَانَ يَخْبِزُ فِي مَنْزِلِ نَفْسِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِالْإِخْرَاجِ بَلْ بِالتَّسْلِيمِ الْحَقِيقِيِّ (وَلَا ضَمَانَ) فِيهِمَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا: إنْ شَاءَ الْمُسْتَأْجِرُ ضَمَّنَهُ مِثْلَ دَقِيقِهِ وَلَا أَجْرَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ الْخُبْزَ وَلَهُ الْأَجْرُ) وَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْحَطَبِ وَالْمِلْحِ.
وَفِي النِّهَايَةِ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ مِنْ الِاخْتِلَافِ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ، وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِ فَهُوَ مُجْرَى عَلَى عُمُومِهِ، فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ بِالِاتِّفَاقِ أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَهْلِكْ مِنْ عَمَلِهِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ.
وَقَالَ الْقُدُورِيُّ: يَضْمَنُ عِنْدَهُمَا مِثْلَ دَقِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بَعْدَ حَقِيقَةِ التَّسْلِيمِ.
(وَلِلطَّبَّاخِ لِلْوَلِيمَةِ) طَلَبُ الْأَجْرِ (بَعْدَ الْغَرْفِ) أَيْ بَعْدَ وَضْعِ الطَّعَامِ فِي الْقِصَاعِ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْوَلِيمَةَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ فَلَا عُرْفَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، فَإِنْ أَفْسَدَ الطَّبَّاخُ أَوْ أَحْرَقَهُ أَوْ لَمْ يُنْضِجْهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلطَّعَامِ، وَإِذَا دَخَلَ الْخَبَّازُ أَوْ الطَّبَّاخُ الْبَيْتَ بِنَارٍ لِيَخْبِزَ بِهَا أَوْ يَطْبُخَ بِهَا فَوَقَعَتْ مِنْهُ شَرَارَةٌ فَاحْتَرَقَ بِهَا الْبَيْتُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
(وَلِضَارِبِ اللَّبِنِ) عَلَى وَزْنِ الْكَلِمِ أَيْ لِلَّذِي يَتَّخِذُ اللَّبِنَ مِنْ الطِّينِ طَلَبُ الْأُجْرَةِ (بَعْدَ إقَامَتِهِ) أَيْ إقَامَةِ اللَّبِنِ عَنْ مَحَلِّهِ عِنْدَ الْإِمَامِ حَتَّى لَوْ فَسَدَ بِالْمَطَرِ قَبْلَهَا فَلَا أَجْرَ لَهُ (وَقَالَا بَعْدَ تَشْرِيحِهِ) ، وَهُوَ جَعْلُ بَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ حَتَّى لَوْ فَسَدَ بَعْدَ الْإِقَامَةِ قَبْلَ النَّقْلِ فَلَا أَجْرَ لَهُ إذْ لَا يُؤْمَنُ الْفَسَادُ قَبْلَهُ
وَلَهُ أَنَّ الْفَرَاغَ هُوَ الْإِقَامَةُ، وَالتَّشْرِيجُ عَمَلٌ زَائِدٌ كَالنَّقْلِ إلَى مَوْضِعِ الْعِمَارَةِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُ طِينٌ مُنْتَشِرٌ هَذَا إذَا لَبَّنَ فِي أَرْضِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنْ لَبَّنَ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ لَا يَسْتَحِقُّ حَتَّى يُسَلِّمَهُ، وَذَلِكَ بِالْعَدِّ بَعْدَ الْإِقَامَةِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا بِالْعَدِّ بَعْدَ التَّشْرِيجِ قِيلَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَالْعُرْفُ فِي دِيَارِنَا عَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ.
(وَمَنْ) كَانَ (لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ)(كَصَبَّاغٍ) يُظْهِرُ لَوْنًا فِي الثَّوْبِ (وَقَصَّارٍ يُقَصِّرُ بِالنَّشَا وَالْبَيْضِ) هَذَا فِي دِيَارِ الشَّامِ لِيُظْهِرَ الْبَيَاضَ الْمَسْتُورَ، وَكَذَا حُكْمُ قَصَّارٍ يُقَصِّرُ بِالْمَاءِ الصَّافِي وَالرَّمَادِ كَمَا فِي دِيَارِنَا كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِابْنِ الشَّيْخِ (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْجِرِ (حَبْسُهَا) أَيْ الْعَيْنِ (لِلْأَجْرِ) أَيْ لِأَجْلِ الْأُجْرَةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهَا.
وَقَالَ زُفَرُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ صَارَ مُسَلَّمًا إلَى صَاحِبِ الْعَيْنِ بِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ فَيَسْقُطُ حَقُّ الْحَبْسِ بِهِ.
وَلَنَا أَنَّ اتِّصَالَ الْعَمَلِ بِالْمَحَلِّ ضَرُورَةُ إقَامَةِ الْعَمَلِ فَلَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهَذَا الِاتِّصَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَسْلِيمٌ بَلْ رِضَاهُ فِي تَحْقِيقِ عَمَلِ الصِّبْغِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَثَرِ فِي الْمَحَلِّ إذْ لَا وُجُودَ لِلْعَمَلِ إلَّا بِهِ، وَكَانَ مُضْطَرًّا إلَيْهِ وَالرِّضَى لَا يَثْبُتُ مَعَ الِاضْطِرَارِ هَذَا إذَا كَانَ حَالًّا أَمَّا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا فَلَا يَمْلِكُ حَبْسَهَا.
وَفِي الْخُلَاصَةِ هَذَا إذَا عَمِلَ فِي دُكَّانِهِ، وَأَمَّا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ (فَإِنْ حَبَسَهَا) لِلْأَجْرِ (فَضَاعَتْ)
الْعَيْنُ بِلَا تَعَدٍّ مِنْهُ (فَلَا ضَمَانَ) عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْحَبْسِ (وَلَا أَجْرَ) لَهُ إذَا هَلَكَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا: إنْ شَاءَ الْمَالِكُ ضَمِنَهُ مَصْبُوغًا، وَلَهُ الْأَجْرُ) ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ صَارَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ تَقْدِيرًا؛ لِوُصُولِ قِيمَتُهُ إلَيْهِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ صَارَ مُسَلَّمًا حَقِيقَةً (أَوْ غَيْرَ مَصْبُوغٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَمْ يَصِرْ مُسَلَّمًا إلَيْهِ.
(وَمَنْ لَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ فِيهَا) أَيْ فِي الْعَيْنِ (كَالْحَمَّالِ وَالْمَلَّاحِ وَغَاسِلِ الثَّوْبِ لَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْعَامِلِ (حَبْسُهَا) أَيْ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ نَفْسُ الْعَمَلِ، وَهُوَ عَرَضٌ، وَلَا لَهُ أَثَرٌ يَقُومُ مَقَامَهَا فَلَا يُتَصَوَّرُ حَبْسُهُ، وَلَوْ حَبَسَهَا ضَمِنَ ضَمَانَ الْغَصْبِ وَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ قِيمَتَهَا مَقْبُولَةً وَلَهُ الْأَجْرُ، وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مَحْمُولَةٍ وَلَا أَجْرَ (بِخِلَافِ رَادِّ الْآبِقِ) ، فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ عَلَى الْجُعْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ وَالْهَلَاكِ فَأَحْيَاهُ بِالرَّدِّ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ (وَإِذَا أَطْلَقَ) الْمُسْتَأْجِرُ (الْعَمَلَ لِلصَّانِعِ) وَلَمْ يُقَيِّدْ بِعَمَلِهِ (فَلَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ غَيْرَهُ) كَمَا إذَا أَمَرَ أَنْ يَخِيطَ هَذَا الثَّوْبَ بِدِرْهَمٍ فَاللَّازِمُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ سَوَاءٌ أَوْفَاهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِاسْتِعَانَةِ غَيْرِهِ كَالْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَقَوْلُهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ إطْلَاقٌ لَا تَقْيِيدٌ فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ غَيْرَهُ.
(وَإِنْ قَيَّدَهُ بِعَمَلِهِ بِنَفْسِهِ) بِأَنْ قَالَ: خُطَّهُ بِيَدِك (فَلَا) أَيْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ غَيْرَهُ، وَلَوْ غُلَامَهُ أَوْ أَجِيرَهُ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ يَكُونُ هُوَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ.
(وَمَنْ اسْتَأْجَرَهُ رَجُلٌ لِيَجِيءَ بِعِيَالِهِ) مِنْ مَوْضِعٍ (فَوَجَدَ بَعْضَهُمْ) أَيْ بَعْضَ الْعِيَالِ (قَدْ مَاتَ فَأَتَى بِمَنْ بَقِيَ) مِنْ الْعِيَالِ (فَلَهُ) أَيْ لِلْأَجِيرِ (أَجْرُهُ بِحِسَابِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِحِسَابِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ هَذَا إذَا كَانَ عِيَالُهُ مَعْلُومِينَ حَتَّى يَكُونَ الْأَجْرُ مُقَابِلًا بِجُمْلَتِهِمْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْلُومِينَ يَجِبُ الْأَجْرُ كُلُّهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: لَوْ كَانُوا مَعْلُومِينَ وَإِلَّا فَكُلُّهُ لَكَانَ أَوْلَى وَفِي الْخُلَاصَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَعْلُومِينَ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ.
(وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ لِإِيصَالِ طَعَامٍ إلَى زَيْدٍ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا) أَوْ لَمْ يَجِدْهُ (فَرَدَّهُ) أَيْ الطَّعَامَ (فَلَا أَجْرَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ نَقَضَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ، وَهُوَ حَمْلُ الطَّعَامِ وَإِيصَالُهُ إلَيْهِ.
وَقَالَ زُفَرُ لَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ بِمُقَابَلَةِ الْحَمْلِ إلَى الْبَصْرَةِ وَقَدْ أَوْفَى بِهِ، وَجَنَى فِي رَدِّهِ فَلَا يَسْقُطُ بِجِنَايَتِهِ حَقُّهُ مِنْ أُجْرَتِهِ.
(وَكَذَا) لَوْ اسْتَأْجَرَ (لِإِيصَالِ كِتَابٍ إلَيْهِ) أَيْ إلَى زَيْدٍ (فَرَدَّهُ)