الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِأَنَّ فِي الْعَيْنَيْنِ صَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَرَكَهَا عَلَى الْفَاقِئِ وَضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ كَامِلَةً وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَفِي عَيْنِ الْفَرَسِ أَوْ الْبَغْلِ أَوْ الْحِمَارِ أَوْ بَعِيرِ الْجَزَّارِ أَوْ بَقَرَتِهِ رُبْعُ الْقِيمَةِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ الْقِيمَةِ» وَهَكَذَا قَضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلِأَنَّ إقَامَةَ الْعَمَلِ إنَّمَا يَكُونُ بِأَرْبَعِ أَعْيُنٍ عَيْنَاهَا وَعَيْنَيْ الْمُسْتَعْمِلِ لَهَا فَصَارَتْ كَأَنَّهَا ذَاتُ أَعْيُنٍ أَرْبَعٍ فَيَجِبُ الرُّبْعُ بِفَوَاتِ إحْدَاهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ النُّقْصَانُ كَمَا فِي الشَّاةِ قِيلَ: وَالْقَصَّابُ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَالْحُكْمُ فِي كُلِّ بَقَرَةٍ وَبَعِيرٍ رُبْعُ الْقِيمَةِ فِي الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ وَفِي كُلِّ شَاةٍ النُّقْصَانُ وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي بَقَرَةِ الْجَزَّارِ وَجَزُورِهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُمَا مُعَدَّانِ لِلَّحْمِ فَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الشَّاةِ وَتَرَكَ فِي الْإِصْلَاحِ إضَافَةَ الشَّاةِ إلَى الْقَصَّابِ مُعَلِّلًا بِقَوْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَظِنَّةِ الِاخْتِصَاصِ خُصُوصًا عِنْدَ مُلَاحَظَةِ التَّعْلِيلِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَجَوَابُهُ أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي شَاةِ الْقَصَّابِ أَيْضًا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلَّحْمِ فَلَا يُعْتَبَرُ النُّقْصَانُ فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِاللَّحْمِ بَلْ يُوجَدُ نُقْصَانٌ فِي مَالِيَّتِهَا لِكَوْنِهَا فِي حُكْمِ اللَّحْمِ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ.
[بَاب فِي جِنَايَة الرَّقِيق وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ]
ِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْمَالِكِ وَهُوَ الْحُرُّ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَهُوَ الْعَبْدُ وَأَخَّرَهُ لِانْحِطَاطِ رُتْبَةِ الْعَبْدِ عَنْ رُتْبَةِ الْحُرِّ كَمَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ مَا وَقَعَ الْفَرَاغُ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْحُرِّ مُطْلَقًا بَلْ بَقِيَ مِنْهُ جِنَايَةُ الْحُرِّ عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ إنَّمَا يَتَبَيَّنُ فِي هَذَا الْبَابِ فَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ جِنَايَةِ الْحُرِّ عَلَى الْحُرِّ شَرَعَ فِي بَيَانِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَلَمَّا كَانَ فِيهِ تَعَلُّقٌ بِالْمَمْلُوكِ أَلْبَتَّةَ مِنْ جَانِبٍ أَخَّرَهُ لِانْحِطَاطِ الْمَمْلُوكِ رُتْبَةً مِنْ الْمَالِكِ اعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي مُوجِبِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ قِيلَ: مُوجِبُهَا الْأَرْشُ لِأَنَّ النُّصُوصَ مُطْلَقَةٌ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ إلَّا أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ بِالدَّفْعِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ وَقِيلَ: مُوجِبُهَا الدَّفْعُ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ بِالْفِدَاءِ وَلِهَذَا يَبْرَأُ الْمَوْلَى بِهَلَاكِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ غَيْرَهُ لَمَا بَرِئَ بِهَلَاكِهِ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ الدَّفْعُ لَا الْفِدَاءُ (جِنَايَاتُ الْمَمْلُوكِ لَا تُوجِبُ إلَّا دَفْعًا وَاحِدًا لَوْ) كَانَ (مَحِلًّا لِلدَّفْعِ) بِأَنْ كَانَ قِنًّا وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِ الْحُرِّيَّةِ كَالتَّدْبِيرِ وَأُمُومَةِ الْوَلَدِ وَالْكِتَابَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحِلًّا لِلدَّفْعِ بِأَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِ الْحُرِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَا سَلَفَ فَتُوجِبُ (قِيمَةَ وَاحِدَةٍ لَوْ) كَانَ (غَيْرَ مَحِلٍّ لَهُ) أَيْ لِلدَّفْعِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ وَإِلَّا يُفِيدُ مَا صَرَّحَ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ
غَيْرَ مَحِلٍّ لَهُ فَهُوَ مُسْتَدْرَكٌ بِلَا فَائِدَةٍ وَفُرِّعَ بِقَوْلِهِ.
(فَلَوْ جَنَى عَبْدٌ خَطَأً) هَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَالتَّقْيِيدُ بِالْخَطَأِ هُنَا إنَّمَا يُفِيدُ فِي الْجِنَايَةِ فِي النَّفْسِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَأَمَّا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَلَا يُفِيدُ لِأَنَّ خَطَأَ الْعَبْدِ وَعَمْدَهُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ سَوَاءٌ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْمَالَ فِي الْحَالَيْنِ إذْ الْقِصَاصُ لَا يَجْرِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْعَبْدِ وَلَا بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ هَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ كَبِيرًا وَأَمَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا فَعَمْدُهُ كَالْخَطَأِ (فَإِنْ شَاءَ مَوْلَاهُ دَفَعَهُ) أَيْ الْعَبْدَ (بِهَا) أَيْ بِالْجِنَايَةِ (وَيَمْلِكُهُ وَلِيُّهَا) أَيْ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ.
(وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا) أَيْ الْجِنَايَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا مَالَ لَهُ وَلَا عَاقِلَةَ وَلَا يُمْكِنُ إهْدَارُ الدَّمِ فَجُعِلَتْ رَقَبَتُهُ مَقَامَ الْأَرْشِ إلَّا أَنَّهُ خُيِّرَ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ لِئَلَّا يَفُوتَ حَقُّهُ فِي الْعَبْدِ بِالْكُلِّيَّةِ (حَالًا) قُيِّدَ لِلدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ جَمِيعًا أَمَّا الدَّفْعُ فَلِأَنَّهُ عَيْنٌ وَلَا تَأْجِيلَ فِي الْأَعْيَانِ وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلِأَنَّهُ بَدَلُ الْعَيْنِ فَيَكُونُ فِي حُكْمِهِ ثُمَّ الْأَصْلُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَنَّ الْخَطَأَ هُوَ الْأَرْشُ وَعِنْدَهُمَا الْأَصْلُ هُوَ أَنْ يَصْرِفَ الْمَالَ إلَى الْجِنَايَةِ كَمَا فِي الْعَمْدِ فَإِذَا اخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي فَالْعَبْدُ عَبْدُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَيُؤَدِّي الْأَرْشَ مَتَى وَجَدَ وَعِنْدَهُمَا إنْ لَمْ يُؤَدِّ الدِّيَةَ فِي الْحَالِ فَعَلَيْهِ الدَّفْعُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْأَوْلِيَاءُ وَفِي الِاقْتِصَارِ عَلَى دَفْعِ الْعَبْدِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَسَبَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ كَسْبًا وَاخْتَارَ الْمَوْلَى دَفْعَهُ لَا يَدْفَعُ الْكَسْبَ اتِّفَاقًا وَلَوْ وَلَدَتْ أَمَةُ الْجِنَايَةِ لَا يُدْفَعُ الْوَلَدُ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُحِيطِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَدْفَعُ الْوَلَدُ كَمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ (وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ شَيْئًا) مِنْ الدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ (بَطَلَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ) لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَاجِبِ.
(وَإِنْ) مَاتَ (بَعْدَمَا اخْتَارَ) الْمَوْلَى (الْفِدَاءَ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَبْرَأْ الْمَوْلَى لِتَحَوُّلِ الْحَقِّ حِينَئِذٍ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إلَى ذِمَّةِ الْمَوْلَى وَبِمَوْتِ الْعَبْدِ لَا تَفْسُدُ ذِمَّتُهُ (فَإِنْ فَدَاهُ) الْمَوْلَى (فَجَنَى) أَيْ الْعَبْدُ ثَانِيًا (فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ) لِأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ وَخَلَصَ عَنْ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَيَجِبُ بِالثَّانِيَةِ الدَّفْعُ أَوْ الْفِدَاءُ (وَإِنْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ دَفَعَهُ) أَيْ الْمَوْلَى الْعَبْدَ (بِهِمَا) أَيْ بِالْجِنَايَتَيْنِ (فَيَقْتَسِمَانِهِ بِنِسْبَةِ حُقُوقِهِمَا) أَيْ لِلْعَبْدِ الْمَدْفُوعِ عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا (أَوْ فَدَاهُ بِأَرْشِهِمَا) أَيْ بِأَرْشِ
كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْأُولَى بِرَقَبَتِهِ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الثَّانِيَةِ بِهَا كَالدُّيُونِ الْمُتَلَاحِقَةِ ثُمَّ إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِمْ اقْتَسَمُوهُ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ وَحَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْشُ جِنَايَتِهِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْتَدِيَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ وَيَدْفَعَ الْبَاقِيَ إلَى غَيْرِهِ لِاخْتِلَافِ الْحُقُوقِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ وَاحِدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ أَوْ أَوْلِيَاءُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْتَدِيَ مِنْ الْبَعْضِ وَيَدْفَعَ الْبَاقِيَ إلَى الْبَعْضِ لِاتِّحَادِ الْحَقِّ.
(فَإِنْ بَاعَهُ) أَيْ الْمَوْلَى الْعَبْدَ الْجَانِيَ (أَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَهَا) أَيْ الْجَارِيَةَ الْجَانِيَةَ حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ عَالِمٍ بِهَا) أَيْ بِالْجِنَايَةِ (ضَمِنَ) أَيْ الْمَوْلَى (الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ، وَ) الْأَقَلَّ (مِنْ الْأَرْشِ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ حَقَّهُ بِمَا صَنَعَ فَيَضْمَنُهُ وَحَقُّهُ فِي أَقَلِّهِمَا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ يُخَاطَبُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَقْلُ الْمِلْكِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ وَأَلْحَقَهُ الْكَرْخِيُّ بِالْبَيْعِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ ظَاهِرًا وَلَوْ بَاعَهَا مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ مُخْتَارٌ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَهُ مِنْهُ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ أَخَذَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَكِنْ فِي الْهِبَةِ دُونَ الْبَيْعِ وَإِعْتَاقُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ إعْتَاقِ الْمَوْلَى لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ مُضَافٌ إلَى الْآمِرِ وَلَوْ ضَرَبَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ فَنَقَصَهُ فَهُوَ مُخْتَارٌ لِأَنَّهُ حَبْسُ جُزْءٍ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ وَطِئَ الْبِكْرَ دُونَ الثَّيِّبِ إلَّا إذَا عَلَّقَهَا بِخِلَافِ التَّزْوِيجِ لِأَنَّهُ عَيْبٌ حُكْمِيٌّ وَبِخِلَافِ الِاسْتِخْدَامِ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ وَكَذَا بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ وَإِنْ رَكِبَهُ دُيُونٌ لِأَنَّ الْإِذْنَ وَالدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ الدَّفْعَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ وَمَالِكٍ ضَمِنَ الْأَرْشَ فَقَطْ.
(وَإِنْ عَالِمًا بِهَا) أَيْ بِالْجِنَايَةِ (ضَمِنَ الْأَرْشَ) فَقَطْ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ.
(كَمَا لَوْ عَلَّقَ) أَيْ الْمَوْلَى (عِتْقَهُ بِقَتْلِ زَيْدٍ أَوْ رَمْيِهِ أَوْ شَجِّهِ) بِأَنْ قَالَ لَهُ: إنْ قَتَلْت فُلَانًا أَوْ رَمَيْت زَيْدًا أَوْ شَجَجْت رَأْسَهُ فَأَنْتَ حُرٌّ (فَفَعَلَ) أَيْ قَتَلَ أَوْ رَمَى أَوْ شَجَّ كَانَ الْمَوْلَى مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لِأَنَّ وَقْتَ تَكَلُّمِهِ لَا جِنَايَةَ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِوُجُودِهِ وَبَعْدَ الْجِنَايَةِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ يَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَلَنَا أَنَّ تَعْلِيقَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ يُعْتَقُ عِنْدَ الْقَتْلِ دَلِيلُ اخْتِيَارِهِ فَتَلْزَمُهُ الدِّيَةُ.
(وَإِنْ قَطَعَ عَبْدٌ يَدَ حُرٍّ) حَالَ كَوْنِهِ (عَمْدًا) أَيْ عَامِدًا (فَدَفَعَ) الْعَبْدُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْحُرِّ الَّذِي قُطِعَتْ يَدُهُ (فَأَعْتَقَهُ) أَيْ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ (فَسَرَى) أَيْ الْقَطْعُ إلَى النَّفْسِ فَمَاتَ (فَالْعَبْدُ صَلَحَ بِالْجِنَايَةِ) لِأَنَّهُ قَصَدَ صِحَّةَ الْإِعْتَاقِ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِالصُّلْحِ عَنْ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا ابْتِدَاءً وَلِهَذَا لَوْ نَصَّ عَلَيْهِ وَرَضِيَ بِهِ جَازَ وَكَانَ مُصَالِحًا عَنْ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعْتَقَهُ) أَيْ الْعَبْدَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ وَمَاتَ مِنْ السِّرَايَةِ (يُرَدُّ) الْعَبْدُ (عَلَى سَيِّدِهِ فَيُقَادُ أَوْ يُعْفَى) لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الصُّلْحَ كَانَ بَاطِلًا لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى الْمَالِ وَهُوَ الْعَبْدُ عَنْ دِيَةِ الْيَدِ إذْ الْقِصَاصُ لَا يَجْرِي بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي الْأَطْرَافِ وَبِالسِّرَايَةِ ظَهَرَ أَنَّ دِيَةَ الْيَدِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ
وَأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقَوَدُ فَصَارَ الصُّلْحُ بَاطِلًا لِأَنَّ الصُّلْحَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُصَالَحٍ عَنْهُ وَالْمُصَالَحُ عَنْهُ الْمَالُ فَلَمْ يُوجَدْ فَبَطَلَ الصُّلْحُ فَوَجَبَ الْقِصَاصُ فَالْأَوْلِيَاءُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا عَفَوْا عَنْهُ وَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ (وَكَذَا لَوْ كَانَ الْقَاطِعُ حُرًّا فَصَالَحَ الْمَقْطُوعُ) يَدُهُ (عَلَى عَبْدٍ وَدَفَعَهُ) أَيْ الْقَاطِعُ الْعَبْدَ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمَقْطُوعِ (فَإِنْ أَعْتَقَهُ) الْمَقْطُوعُ (ثُمَّ سَرَى) الْقَطْعُ إلَى الْقَتْلِ فَمَاتَ (فَهُوَ) أَيْ الْعَبْدُ (صَلَحَ بِهَا) بِالْجِنَايَةِ.
(وَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهُ فَسَرَى رُدَّ) الْعَبْدُ إلَى الْقَاطِعِ (وَأُقِيدَ) أَوْ عَفَا وَالْوَجْهُ مَا بُيِّنَ فَاتَّحَدَ الْحُكْمُ وَالْعِلَّةُ.
وَفِي الْهِدَايَةِ وَفِي هَذَا الْوَضْعِ يَرُدُّ إشْكَالًا فِيمَا إذَا عَفَا عَنْ الْيَدِ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ حَيْثُ لَا يَجِبُ هُنَاكَ وَهُنَا قَالَ: يَجِبُ: قِيلَ مَا ذُكِرَ هُنَا جَوَابُ الْقِيَاسِ فَيَكُونُ الْوَضْعَانِ جَمِيعًا عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَقِيلَ: بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ صَحَّ ظَاهِرًا لِأَنَّ الْحَقَّ كَانَ لَهُ فِي الْيَدِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَيَصِحُّ الْعَفْوُ ظَاهِرًا فَبَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ بَطَلَ حُكْمًا يَبْقَى مَوْجُودًا حَقِيقَةً فَكَفَى لِمَنْعِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ أَمَّا هَهُنَا الصُّلْحُ لَا يُبْطِلُ الْجِنَايَةَ بَلْ يُقَرِّرُهَا حَيْثُ صَالَحَ عَنْهَا عَلَى مَالٍ فَأَمَّا إذَا لَمْ تَبْطُلْ الْجِنَايَةُ لَمْ تَمْتَنِعْ الْعُقُوبَةُ هَذَا إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ أَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ فَالتَّخْرِيجُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ.
(وَإِنْ جَنَى) عَبْدٌ (مَأْذُونٌ مَدْيُونٌ) جِنَايَةً (خَطَأً فَأَعْتَقَهُ) أَيْ سَيِّدُهُ (غَيْرَ عَالِمٍ بِهَا) أَيْ بِالْجِنَايَةِ (ضَمِنَ) أَيْ السَّيِّدُ (لِرَبِّ الدَّيْنِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ دَيْنِهِ، وَ) ضَمِنَ (لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ (وَمِنْ أَرْشِهَا) أَيْ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ حَقَّيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونٌ بِكُلِّ الْقِيمَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ الدَّفْعُ لِلْأَوْلِيَاءِ وَالْبَيْعُ لِلْغُرَمَاءِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ إيفَاءً مِنْ الرَّقَبَةِ الْوَاحِدُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا بِأَنْ يَدْفَعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ فَيَضْمَنُهُمَا السَّيِّدُ الْمُعْتِقُ بِالْإِتْلَافِ وَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ لِأَوْلِيَاءِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ.
(وَلَوْ وَلَدَتْ مَأْذُونَةٌ مَدْيُونَةٌ يُبَاعُ) الْوَلَدُ (مَعَهَا) أَيْ مَعَ أُمِّهِ (فِي دَيْنِهَا) أَيْ الْأُمِّ الْمَأْذُونَةِ (وَلَوْ جَنَتْ) فَوَلَدَتْ (لَا يُدْفَعُ) الْوَلَدُ (فِي جِنَايَتِهَا) أَيْ الْجِنَايَةِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ حُكْمِيٌّ فِيهَا وَاجِبٌ فِي ذِمَّتِهَا مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهَا فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَوَلَدِ الْمَرْهُونَةِ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ وُجُوبَ الدَّفْعِ فِي ذِمَّةِ الْوَلِيِّ لَا فِي ذِمَّتِهَا فَلَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ السِّرَايَةِ إلَى الْوَلَدِ أَنْ تَكُونَ الْوِلَادَةُ بَعْدَ لُحُوقِ الدَّيْنِ أَمَّا إذَا وَلَدَتْ ثُمَّ لَحِقَهَا الدَّيْنُ لَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالْوَلَدِ بِخِلَافِ الْأَكْسَابِ حَيْثُ يَتَعَلَّقُ الْغُرَمَاءُ بِهَا سَوَاءٌ كَسَبَتْ قَبْلَ الدَّيْنِ أَوْ بَعْدَهُ.
(وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ أَنَّ زَيْدًا حَرَّرَ عَبْدَهُ فَقَتَلَ ذَلِكَ الْعَبْدُ) فَاعِلُ قَتَلَ (وَلِيَّ الْمُقِرِّ خَطَأً فَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ لِلْمُقِرِّ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَبْدٌ زَعَمَ رَجُلٌ آخَرُ أَنَّ مُوَلَّى ذَلِكَ الْعَبْدِ أَعْتَقَهُ ثُمَّ إنَّ هَذَا الْعَبْدَ قَتَلَ وَلِيًّا لِهَذَا الزَّاعِمِ
خَطَأً فَلَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّهُ مَتَى زَعَمَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ فَقَدْ ادَّعَى دِيَتَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِبْرَاءَ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى فَلَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يُصَدَّقْ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِلَا حُجَّةٍ.
(وَإِنْ قَالَ مُعْتَقٌ) عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ: (قَتَلْت أَخَا زَيْدٍ) قَتْلًا خَطَأً (قَبْلَ عِتْقِي وَقَالَ زَيْدٌ: بَلْ بَعْدَهُ)(فَالْقَوْلُ لِلْمُعْتَقِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلضَّمَانِ لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ وَهَذَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى دَفْعًا أَوْ فِدَاءً فَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُ الضَّمَانِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ عَلَى الْعَبْدِ فِي حَالِ رَقِّهِ بِحَالٍ.
(وَإِنْ قَالَ الْمَوْلَى لِأَمَةٍ: أَعْتَقَهَا) أَيْ أَمَةَ نَفْسِهِ (قَطَعْت) عَلَى صِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ (يَدَك قَبْلَ الْعِتْقِ وَقَالَتْ) الْأَمَةُ: لَا (بَلْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لَهَا) أَيْ لِلْأَمَةِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ وَهِيَ تُنْكِرُ فَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ.
(وَكَذَا) الْقَوْلُ (فِي كُلِّ مَا نَالَ مِنْهَا) أَيْ أَخَذَ الْمَوْلَى مِنْ الْأَمَةِ (إلَّا الْجِمَاعَ وَالْغَلَّةَ) بِأَنْ قَالَ: وَطِئْتُك وَأَنْتِ أَمَتِي وَقَالَتْ: لَا بَلْ بَعْدَ الْعِتْقِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَكَذَا إذَا أَخَذَ مِنْ غَلَّتِهَا أَيْ أَكْسَابِهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَإِنْ كَانَتْ مَدْيُونَةً وَهَذَا عِنْدَهُمَا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَضْمَنُ) الْمَوْلَى (إلَّا شَيْئًا) قَائِمًا (بِعَيْنِهِ يُؤْمَرُ) الْمَوْلَى (بِرَدِّهِ إلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْأَمَةِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وُجُوبَ الضَّمَانِ لِإِسْنَادِهِ الْفِعْلَ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَكَمَا فِي الْوَطْءِ وَالْغَلَّةِ وَفِي الشَّيْءِ الْقَائِمِ أَقَرَّ بِيَدِهَا حَيْثُ اعْتَرَفَ بِالْأَخْذِ مِنْهَا ثُمَّ ادَّعَى التَّمَلُّكَ عَلَيْهَا وَهِيَ مُنْكِرَةٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ فَلِهَذَا يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ إلَيْهَا وَلَهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ: فَقَأْت عَيْنَك الْيُمْنَى وَعَيْنِي الْيُمْنَى صَحِيحَةٌ ثُمَّ فُقِئَتْ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: لَا بَلْ فَقَأْتَهَا وَعَيْنُك الْيُمْنَى ذَاهِبَةٌ وَلِي عَلَيْك الْأَرْشُ فَالْقَوْلُ لِلْمَفْقُوءِ عَيْنُهُ وَعَلَى الْفَاقِئِ الْأَرْشُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ حَصَلَ مَضْمُونًا بِتَصَادُقِهِمَا إلَّا أَنَّ الْفَاقِئَ يَدَّعِي الْبَرَاءَةَ وَخَصْمَهُ مُنْكِرٌ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ.
(وَلَوْ أَمَرَ عَبْدٌ مَحْجُورٌ أَوْ صَبِيٌّ صَبِيًّا بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ) لِأَنَّهُ هُوَ الْقَاتِلُ حَقِيقَةً وَعَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْآمِرِ سَوَاءٌ كَانَ عَبْدًا مَحْجُورًا أَوْ صَبِيًّا لِأَنَّهُمَا لَا يُؤَاخَذَانِ بِأَقْوَالِهِمَا لِعَدَمِ اعْتِبَارِهَا شَرْعًا (وَرَجَعُوا) أَيْ الْعَاقِلَةُ (عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ عِتْقِهِ) لِأَنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِ قَوْلِ الْعَبْدِ إنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ حَقُّ الْمَوْلَى بِالْإِعْتَاقِ (لَا عَلَى الصَّبِيِّ الْأَمْرِ) أَيْ لَا تَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ عَلَى الصَّبِيِّ الْآمِرِ لِنُقْصَانِ الْأَهْلِيَّةِ.
وَفِي التَّبْيِينِ لَا تَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ عَلَى الْعَبْدِ أَيْضًا لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ جِنَايَةٍ وَهُوَ عَلَى الْمَوْلَى لَا عَلَى الْعَبْدِ وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَابُهُ عَلَى الْمَوْلَى لِمَكَانِ الْحَجْرِ وَهَذَا أَوْفَقُ لِلْقَوَاعِدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَقَرَّ بَعْدَ الْعِتْقِ بِالْقَتْلِ قَبْلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِكَوْنِهِ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ وَلِهَذَا لَوْ حَفَرَ الْعَبْدُ بِئْرًا فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ وَقَعَ فِيهِ إنْسَانٌ فَهَلَكَ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ لَا تُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا تُوجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فَتَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ مَاتَ فِيهَا
أَلْفٌ فَيَقْتَسِمُونَهَا بِالْحِصَصِ.
(وَلَوْ كَانَ مَأْمُورُ الْعَبْدِ مِثْلَهُ) بِأَنْ أَمَرَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَبْدًا مَحْجُورًا مِثْلَهُ بِقَتْلِ رَجُلٍ (دَفَعَ السَّيِّدُ) الْعَبْدَ (الْقَاتِلَ أَوْ فِدَاءً إنْ كَانَ) الْقَتْلُ (خَطَأً) أَوْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا (أَوْ) الْعَبْدُ (الْمَأْمُورُ صَغِيرًا) لِأَنَّ عَمْدَ الصَّغِيرِ كَالْخَطَأِ (وَلَا يَرْجِعُ) السَّيِّدُ (عَلَى الْآمِرِ فِي الْحَالِ) لِأَنَّ الْأَمْرَ قَوْلٌ وَقَوْلُ الْمَحْجُورِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ بَلْ (وَيَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ) السَّيِّدُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعَبْدِ (بَعْدَ عِتْقِهِ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى (بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْفِدَاءِ) لِأَنَّ الْقِيمَةَ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الْفِدَاءِ فَالْمَوْلَى غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَى إعْطَاءِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْقِيمَةِ بَلْ يَدْفَعُ الْعَبْدُ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْجِعَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَمْ يَصِحَّ وَالْأَمْرُ لَمْ يُوقِعْهُ فِي هَذِهِ الْوَرْطَةِ لِكَمَالِ عَقْلِ الْمَأْمُورِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ صَبِيًّا انْتَهَى.
(وَإِنْ كَانَ) الْقَتْلُ (عَمْدًا وَالْمَأْمُورُ) عَبْدًا (كَبِيرًا اقْتَصَّ) لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ.
وَفِي النِّهَايَةِ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ مِنْ الْحُكْمِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ وَالْمَأْمُورُ مَحْجُورًا عَلَيْهِمَا لَا مَحَالَةَ بَلْ يَكْتَفِي بِأَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إذَا أَمَرَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْآمِرُ عَبْدًا مَأْذُونًا وَالْمَأْمُورُ عَبْدًا مَحْجُورًا أَوْ مَأْذُونًا يَرْجِعُ مَوْلَى الْعَبْدِ الْقَاتِلِ بَعْدَ الدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ عَلَى رَقَبَةِ الْعَبْدِ الْآمِرِ فِي الْحَالِ بِقِيمَةِ عَبْدِهِ لِأَنَّ الْآمِرَ بِأَمْرِهِ صَارَ غَاصِبًا لِلْمَأْمُورِ فَصَارَ كَإِقْرَارِهِ بِالْغَصْبِ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَوْ أَقَرَّ بِالْغَصْبِ يُؤَاخَذُ بِهِ فِي حَالِ رِقِّهِ بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ.
(وَإِنْ قَتَلَ عَبْدٌ حُرَّيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُ وَلِيِّ كُلٍّ مِنْهُمَا دَفَعَ) السَّيِّدُ (نِصْفَهُ) أَيْ نِصْفَ الْعَبْدِ (إلَى الْآخَرَيْنِ أَوْ فَدَى بِدِيَةٍ لَهُمَا) يَعْنِي لِلْمَوْلَى الْخِيَارُ إنْ شَاءَ دَفَعَ نِصْفَ الْعَبْدِ إلَى اللَّذَيْنِ لَمْ يَعْفُوَا مِنْ وَلِيِّ الْقَتِيلَيْنِ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِدِيَةٍ كَامِلَةٍ لِأَنَّهُ لَمَّا عَفَا أَحَدُ وَلِيِّ كُلٍّ مِنْهُمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ فِي الْكُلِّ وَانْقَلَبَ نَصِيبُ السَّاكِتِينَ مَالًا وَهُوَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَبِيلَتَيْنِ يَجِبُ لَهُ قِصَاصٌ كَامِلٌ عَلَى حِدَةٍ فَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ وَجَبَ أَنْ يَنْقَلِبَ كُلُّهُ مَالًا وَذَلِكَ دِيَتَانِ فَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى عِشْرُونَ أَلْفًا أَوْ يَدْفَعُ الْعَبْدُ غَيْرَ أَنَّ نَصِيبَ الْعَافِينَ سَقَطَ مَجَّانًا وَانْقَلَبَ نَصِيبُ السَّاكِتِينَ مَالًا وَذَلِكَ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ أَوْ دَفَعَ نِصْفَ الْعَبْدِ لَهُمَا فَيُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَهُمَا.
(وَإِنْ قَتَلَ) الْعَبْدُ (أَحَدَهُمَا) أَيْ أَحَدَ الْحُرَّيْنِ (عَمْدًا وَ) قَتَلَ (الْآخَرَ خَطَأً فَعَفَا أَحَدُ وَلِيِّ الْعَمْدِ فَدَى) السَّيِّدُ (بِدِيَةٍ) كَامِلَةٍ (لِوَلِيِّ الْخَطَأِ، وَ) فَدَى (بِنِصْفِهَا لِأَحَدِ وَلِيِّ الْعَمْدِ) الَّذِي لَمْ يَعْفُ لِأَنَّ نِصْفَ الْحَقِّ بَطَلَ بِالْعَفْوِ فَبَقِيَ النِّصْفُ وَصَارَ مَالًا وَيَكُونُ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَبْطُلْ شَيْءٌ مِنْ حَقِّ وَلِيِّ الْخَطَأِ وَكَانَ حَقُّهُمَا فِي كُلِّ الدِّيَةِ عَشْرَةُ آلَافٍ (أَوْ دَفَعَ) أَيْ دَفَعَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ (إلَيْهِمْ) أَيْ إلَى الْأَوْلِيَاءِ (يَقْتَسِمُونَهُ أَثْلَاثًا) ثُلُثَاهُ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ وَثُلُثُهُ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ