الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْ يُبْرِئَ الْمُدَّعِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي) بِأَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي: أَبْرَأْتُك أَوْ بَرِئْتَ مِنْ دَعْوَى هَذِهِ الدَّارِ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ دَعْوَى الْعَيْنِ جَائِزٌ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ.
[فَصَلِّ فِي حُكْم الصُّلْح عَنْ وَعَلَى مجهول]
فَصَلِّ (يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ مَجْهُولٍ) لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ (وَلَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى مَعْلُومٍ) لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فَيُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَالصُّلْحُ عَلَى أَرْبَعَةٍ أَوْجُهٍ: عَنْ مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ، وَعَنْ مَجْهُولٍ عَلَى مَعْلُومٍ وَهُمَا جَائِزَانِ.
وَعَنْ مَجْهُولٍ عَلَى مَجْهُولٍ، وَعَنْ مَعْلُومٍ عَلَى مَجْهُولٍ وَهُمَا فَاسِدَانِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا يُحْتَاجُ إلَى قَبْضِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، لِأَنَّ جَهَالَتَهُ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَمَا لَا يُحْتَاجُ إلَى قَبْضِهِ يَكُونُ إسْقَاطًا فَلَا يُحْتَاجُ إلَى عِلْمِهِ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا، فَلْيُطَالَعْ.
(فَيَجُوزُ) الصُّلْحُ (عَنْ دَعْوَى الْمَالِ) لِوُجُودِ مَعْنَى الْبَيْعِ، فَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ صُلْحُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ سُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ (وَ) عَنْ دَعْوَى (الْمَنْفَعَةِ) كَأَنْ يَدَّعِيَ فِي دَارٍ سُكْنَى سَنَةٍ وَصِيَّةً مِنْ صَاحِبِهَا، فَجَحَدَ الْوَارِثُ أَوْ أَقَرَّ فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ عَلَى مَنْفَعَةٍ، جَازَ لِأَنَّ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْهَا بِالْإِجَارَةِ جَائِزٌ، فَكَذَا الصُّلْحُ، لَكِنْ إنَّمَا يَجُوزُ عَنْ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ إذَا كَانَتَا مُخْتَلِفَتَيْ الْجِنْسِ، بِأَنْ يُصَالِحَ عَنْ السُّكْنَى عَلَى خِدْمَةِ الْعَبْدِ مَثَلًا، وَأَمَّا إذَا اتَّحَدَ جِنْسُهُمَا كَمَا إذَا صَالَحَ عَنْ السُّكْنَى عَلَى السُّكْنَى مَثَلًا فَلَا يَجُوزُ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى هَذَا التَّصْوِيرِ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَحْفُوظَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى اسْتِئْجَارَ عَيْنٍ، وَالْمَالِكُ يُنْكِرُ ثُمَّ صَالَحَ لَمْ يَجُزْ
كَمَا فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ مُطْلَقًا وَالْمَنْفَعَةِ جَائِزٌ كَصُلْحِ الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ الْمُؤَجِّرِ عِنْدَ إنْكَارِهِ الْإِجَارَةَ، أَوْ مِقْدَارَ الْمُدَّةِ الْمُدَّعَى بِهَا، أَوْ الْأُجْرَةَ، وَكَذَا الْوَرَثَةُ إذَا صَالَحُوا الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ عَلَى مَالٍ مُطْلَقًا، وَالْمَنَافِعِ - إنْ اخْتَلَفَ جِنْسُهَا - فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَا إنْ اتَّحَدَ انْتَهَى.
(وَ) يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى (الْجِنَايَةِ فِي النَّفْسِ) مِنْ الْقَتْلِ.
(وَ) فِي (مَا دُونَهَا) مِنْ نَحْوِ شَجِّ الرَّأْسِ وَقَطْعِ الْيَدِ (عَمْدًا) كَانَتْ الْجِنَايَةُ (أَوْ خَطَأً) أَمَّا الْعَمْدُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] الْآيَةَ أَيْ مَنْ أُعْطِيَ لَهُ بَدَلَ أَخِيهِ الْمَقْتُولِ شَيْءٌ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ، وَأَمَّا الْخَطَأُ فَلِأَنَّ مُوجَبَهُ الْمَالُ فَالصُّلْحُ كَانَ عَنْ الْمَالِ لَكِنَّهُ لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ وَالْأَرْشِ عَلَى أَخْذِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ لِلرِّبَا، إلَّا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِأَخْذِ مَقَادِيرِهَا فَصَالَحَ عَلَى جِنْسٍ آخَرَ مِنْهَا بِزِيَادَةٍ جَازَ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ الْقَوَدِ حَيْثُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ، وَكَذَا عَلَى الْأَقَلِّ لِأَنَّهُ لَا مُوجَبَ لَهُ فِي الْمَالِ، وَلَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ مَقَادِيرِهَا جَازَ كَيْفَ مَا كَانَ لِعَدَمِ الرِّبَا، لَكِنْ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ لِيَخْرُجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا بِدَيْنٍ.
(وَ) يَصِحُّ الصُّلْحُ أَيْضًا (عَنْ دَعْوَى الرِّقِّ) كَمَا إذَا ادَّعَى عَلَى مَجْهُولِ النَّسَبِ أَنَّهُ عَبْدُهُ ثُمَّ تَصَالَحَا عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ (وَكَانَ عِتْقًا بِمَالٍ) فِي حَقِّ الْمُدَّعِي، وَفِي حَقِّ الْآخَرِ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَصَحَّ (وَلَا وَلَاءَ) لَهُ (عَلَيْهِ) لِإِنْكَارِ الْعَبْدِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فَتُقْبَلَ فِي حَقِّ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ عَلَيْهِ لَا غَيْرُ، هَذَا إذَا أَنْكَرَ الْعَبْدُ الرِّقَّ، أَمَّا إذَا صَالَحَهُ بِإِقْرَارِهِ فَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ.
(وَ) صَحَّ الصُّلْحُ عَنْ (دَعْوَى الزَّوْجِ النِّكَاحَ وَكَانَ خُلْعًا) مُطْلَقًا فِي زَعْمِهَا إنْ كَانَ بِإِقْرَارٍ فَتَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِإِقْرَارٍ يَكُونُ خُلْعًا فِي زَعْمِهِ وَدَفْعًا فِي زَعْمِهَا وَلَا تَلْزَمُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا قَضَاءً فَإِنْ أَقَامَ عَلَى التَّزْوِيجِ بَيِّنَةً بَعْدَ الصُّلْحِ لَمْ تُقْبَلْ (وَيَحْرُمُ) أَخْذُ الْمَالِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُدَّعِي (دِيَانَةً إنْ كَانَ مُبْطِلًا) فِي دَعْوَاهُ وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الصُّلْحِ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ بِطِيبِ نَفْسِهِ فَيَكُونَ تَمْلِيكًا عَلَى طَرِيقِ الْهِبَةِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.
(وَلَوْ صَالَحَهَا بِمَالٍ لِتُقِرَّ لَهُ بِالنِّكَاحِ) جَازَ وَتُجْعَلُ زِيَادَةً فِي الْمَهْرِ، لِأَنَّهَا تَزْعُمُ أَنَّهَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ ابْتِدَاءً بِالْمُسَمَّى، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ زَادَ فِي مَهْرِهَا (وَلَا يَجُوزُ إنْ ادَّعَتْهُ) أَيْ النِّكَاحَ (الْمَرْأَةُ) هَكَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ صَرَّحَ بِهِ الزَّاهِدِيُّ وَلِذَلِكَ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ بَذَلَ لَهَا الْمَالَ لِتَتْرُكَ الدَّعْوَى فَإِنْ جُعِلَ تَرْكُ الدَّعْوَى مِنْهَا فُرْقَةً، فَالزَّوْجُ لَا يُعْطِي الْعِوَضَ فِي الْفُرْقَةِ وَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ فَالْحَالُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدَّعْوَى فَلَا شَيْءَ يُقَابِلُهُ الْعِوَضُ فَلَمْ يَصِحَّ.
(وَقِيلَ يَجُوزُ) وَجْهُهُ أَنْ يُجْعَلَ بَدَلُ الصُّلْحِ زِيَادَةً فِي مَهْرِهَا.
(وَلَا) يَصِحُّ الصُّلْحُ (عَنْ دَعْوَى الْحَدِّ) مِنْ الْحُدُودِ
فَلَوْ أَخَذَ زَانِيًا أَوْ سَارِقًا أَوْ شَارِبَ خَمْرٍ فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ عَلَى أَنْ لَا يَرْفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ بَطَلَ الصُّلْحُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا دَفَعَ، وَكَذَا إذَا أَخَذَ قَاذِفَ الْمُحْصَنِ أَوْ الْمُحْصَنَةِ فَصَالَحَهُ لِأَنَّ الْحُدُودَ حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - لَا حَقُّ الْمُرَافِعِ (وَالِاعْتِيَاضُ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ) كَصُلْحِ وَاحِدٍ عَنْ حَقِّ الْعَامَّةِ كَمَا إذَا صَالَحَهُ عَمَّا أَشْرَعَهُ إلَى الطَّرِيقِ، نَعَمْ لِلْإِمَامِ ذَلِكَ إذَا كَانَ فِيهِ صَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ وَيَضَعُ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ.
(وَإِنْ قَتَلَ عَبْدٌ مَأْذُونٌ رَجُلًا عَمْدًا وَصَالَحَ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ) لِأَنَّ رَقَبَتَهُ لَيْسَتْ مِنْ تِجَارَتِهِ وَلِذَا لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهَا بَيْعًا فَلَا يَمْلِكُ اسْتِخْلَاصًا بِمَالِ الْمَوْلَى، إلَّا أَنَّ وَلِيَّ الْقَتْلِ لَا يَقْبَلُهُ بَعْدَ الصُّلْحِ لِأَنَّهُ عَفَا عَنْهُ بِبَدَلِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ لِلْحَالِ، وَيَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ نَفْسِهِ.
(بِخِلَافِ صُلْحِهِ) أَيْ الْمَأْذُونِ (عَنْ نَفْسِ عَبْدٍ لَهُ) أَيْ لِلْمَأْذُونِ (قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا) جَازَ صُلْحُهُ، لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِي عَبْدِهِ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بَيْعًا وَاسْتِخْلَاصًا.
(وَإِنْ صَالَحَ) الْغَاصِبُ (عَنْ مَغْصُوبٍ - تَلِفَ - بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ) أَيْ قِيمَةِ الْعَبْدِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ (جَازَ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ غَصَبَ ثَوْبًا أَوْ عَبْدًا - قِيمَتُهُ أَلْفٌ -، أَوْ اسْتَهْلَكَهُ فَصَالَحَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ جَازَ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا يَبْطُلُ الْفَضْلُ) مِنْ قِيمَتِهِ (إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ) النَّاسُ (فِيهِ) لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقِيمَةِ، وَالزَّائِدُ عَلَيْهَا رِبًا، وَلَهُ أَنَّ حَقَّهُ فِي الْهَالِكِ بَاقٍ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَى الْأَكْثَرِ كَانَ اعْتِيَاضًا فَلَا يَكُونُ رِبًا.
(وَإِنْ) صَالَحَ عَنْهُ (بِعَرْضٍ صَحَّ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ أَوْ لَا (اتِّفَاقًا) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَظْهَرُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا قَبْلَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ صَالَحَا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَ كَمَا قَيَّدْنَا لَكَانَ أَوْلَى.
قَيَّدَ بِكَوْنِ الصُّلْحِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ إذْ لَوْ كَانَ قَبْلَهُ يَجُوزُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ صَالَحَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَكَذَا لَوْ صَالَحَ عَلَى طَعَامٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ حَالًا وَقَبَضَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.
(وَإِنْ أَعْتَقَ مُوسِرٌ عَبْدًا مُشْتَرَكًا) بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ (وَصَالَحَ) الشَّرِيكَ (عَنْ بَاقِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ (بَطَلَ الْفَضْلُ) بِالِاتِّفَاقِ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ، وَالْفَرْقُ لِلْإِمَامِ أَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْعِتْقِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَتَقْدِيرُ الشَّرْعِ لَا يَكُونُ دُونَ تَقْدِيرِ الْقَاضِي فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا (وَإِنْ) صَالَحَهُ (بِعَرْضٍ صَحَّ كَيْفَ مَا كَانَ لِمَا مَرَّ) أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الْفَضْلُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، قَيَّدَ الْمُعْتِقَ بِقَوْلِهِ مُوسِرًا؛ إذْ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا لَا تَلْزَمُ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ بَلْ تَلْزَمُ عَلَى الْعَبْدِ سِعَايَتُهُ كَمَا مَرَّ.
(وَيَجُوزُ صُلْحُ الْمُدَّعِي بِمَالٍ يَدْفَعُهُ إلَى الْمُنْكِرِ لِيُقِرَّ لَهُ) بِالْعَيْنِ، صُورَتُهُ: رَجُلٌ ادَّعَى عَيْنًا عَلَى رَجُلٍ فِي يَدِهِ فَأَنْكَرَهُ فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ لِيَعْتَرِفَ لَهُ بِالْعَيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَيَكُونُ فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ كَالْبَيْعِ، وَفِي حَقِّ الْمُدَّعِي كَالزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ
كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ.
(وَبَدَلُ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ عَمْدٍ أَوْ عَلَى بَعْضِ دَيْنٍ يَدَّعِيهِ) عَلَى آخَرَ مِنْ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ (يَلْزَمُ) أَيْ الْبَدَلُ (الْمُوَكِّلَ لَا الْوَكِيلَ) لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْقَوَدِ مُعَاوَضَةٌ بِإِسْقَاطِ الْحَقِّ، وَالصُّلْحَ عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ إسْقَاطٌ مَحْضٌ، فَالْوَكِيلُ فِيهِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ كَمَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ (إلَّا إنْ ضَمِنَهُ) أَيْ الْوَكِيلُ الْبَدَلَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُؤَاخَذًا بِعَقْدِ الضَّمَانِ لَا بِعَقْدِ الصُّلْحِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ (وَبَدَلُ مَا) أَيْ بَدَلُ صُلْحٍ (هُوَ كَبَيْعٍ) بِأَنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ مَعَ إقْرَارٍ (يُلْزِمُ) الْبَدَلَ (الْوَكِيلَ) لَا الْمُوَكِّلَ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ أَصِيلٌ، وَفِي الْمُعَاوَضَةِ الْإِسْقَاطِيَّةِ سَفِيرٌ، قَيَّدْنَا مَعَ إقْرَارٍ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الصُّلْحُ مَعَ إنْكَارٍ لَا يَجِبُ الْبَدَلُ عَلَى الْوَكِيلِ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَمَا فِي الْإِصْلَاحِ مِنْ أَنَّ كَوْنَ الْبَدَلِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، كَيْفَ وَالصُّلْحُ عَنْ فَرَسٍ بِفَرَسٍ جَائِزٌ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ صَحَّ مَعَ إقْرَارٍ كَبَيْعٍ إنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ.
ثُمَّ قَالَ فِي تَعْلِيلِهِ: لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ فَهُوَ حَطٌّ وَإِبْرَاءٌ أَوْ قَبْضٌ وَاسْتِيفَاءٌ أَوْ أَفْضَلُ وَرِبًا، تَدَبَّرْ.
(وَإِنْ صَالَحَ فُضُولِيٌّ) أَيْ صَالَحَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ آخَرَ بِلَا أَمْرٍ (وَضَمِنَ) الْفُضُولِيُّ (الْبَدَلَ، أَوْ أَضَافَ إلَى مَالِهِ) أَيْ إلَى مَالِ نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ: صَالَحْتُك عَلَى أَلْفِي، أَوْ عَلَى عَبْدِي هَذَا (أَوْ أَشَارَ إلَى عَرْضٍ أَوْ نَقْدٍ بِلَا إضَافَةٍ) بِأَنْ قَالَ: صَالَحْتُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ (أَوْ أَطْلَقَ) بِأَنْ قَالَ: صَالَحْتُك عَلَى أَلْفٍ (وَسَلَّمَ) الْقَدْرَ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ إلَى الْمُدَّعِي (صَحَّ) الصُّلْحُ أَمَّا إذَا ضَمِنَ الْبَدَلَ فَلِأَنَّ الْحَاصِلَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ إلَّا الْبَرَاءَةَ، وَفِي حَقِّهَا الْأَجْنَبِيُّ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهِ سَوَاءٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفُضُولِيُّ أَصِيلًا إذَا ضَمِنَ كَالْفُضُولِيِّ بِالْخُلْعِ إذَا ضَمِنَ الْبَدَلَ، وَأَمَّا إذَا أَضَافَ إلَى مَالِهِ فَلِأَنَّهُ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ الْتَزَمَ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُدَّعِي، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ، وَأَمَّا إذَا أَشَارَ إلَى نَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ فَلِأَنَّهُ تَعْيِينٌ لِلتَّسْلِيمِ بِشَرْطٍ، فَيَتِمُّ بِهِ الصُّلْحُ، وَأَمَّا إذَا أَطْلَقَ وَسَلَّمَ فَلِأَنَّ التَّسْلِيمَ إلَيْهِ يُوجِبُ سَلَامَةَ الْعِوَضِ لَهُ فَيَتِمُّ الْعَقْدُ لِحُصُولِ مَقْصُودِهِ (وَكَانَ) الْفُضُولِيُّ (مُتَبَرِّعًا) لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِلَا إذْنِ الْمُدَّعِي وَعَلَيْهِ.
(وَإِنْ أَطْلَقَ) أَيْ صَالَحْتُك عَلَى أَلْفٍ (وَلَمْ يُسَلِّمْ تَوَقَّفَ) أَيْ صَارَ الصُّلْحُ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ (فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَازَ) الصُّلْحُ (وَلَزِمَهُ الْبَدَلُ) لِالْتِزَامِهِ إيَّاهُ بِاخْتِيَارِهِ هَذَا اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ يَنْفُذُ عَلَى الْمُصَالِحِ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ، إلَّا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ (بَطَلَ) الصُّلْحُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِرًّا أَوْ لَا، وَالْبَدَلُ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا، لِأَنَّ الْمُصَالِحَ هُنَا - وَهُوَ الْفُضُولِيُّ - لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ عَلَيْهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَالْخُلْعُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ كَالصُّلْحِ.
ادَّعَى وَقْفِيَّةَ أَرْضٍ عَلَى آخَرَ وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي عَلَى