الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ كَانَ ظَهْرُهُ مِنْ فَوْقٍ أُكِلَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَافٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ لَا بَأْسَ بِهِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ مَيْتَةَ الْبَحْرِ مَوْصُوفَةٌ بِالْحِلِّ بِالْحَدِيثِ وَلَنَا مَا رَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ «مَا انْصَبَّ عَنْهُ الْمَاءُ فَكُلُوا وَمَا لَفَظَهُ الْمَاءُ فَكُلُوا وَمَا طَفِئَ فَلَا تَأْكُلُوا» .
(وَإِنْ مَاتَ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ) أَوْ فِي كَدَرِ الْمَاءِ (فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) فِي رِوَايَةٍ يُؤْكَلُ لِوُجُودِ السَّبَبِ بِمَوْتِهَا.
وَفِي الْمِنَحِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحِلُّ أَكْلُهُ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي أُخْرَى لَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَقْتُلُ السَّمَكَ حَارًّا أَوْ بَارِدًا وَبِهِ أَخَذَ السَّرَخْسِيُّ.
وَفِي الدُّرَرِ وَإِنْ ضَرَبَ سَمَكَةً فَقَطَعَ بَعْضَهَا يَحِلُّ أَكْلُهُ مَا أَبَيْنَ وَمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبٍ وَمَا أَبَيْنَ مِنْ الْحَيِّ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَمَيْتَتُهُ حَلَالٌ لِلْحَدِيثِ وَكَذَا إنْ وُجِدَ فِي بَطْنِهَا سَمَكَةٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّ ضِيقَ الْمَكَانِ سَبَبٌ لِمَوْتِهَا وَكَذَا إنْ قَتَلَهَا شَيْءٌ مِنْ طَيْرِ الْمَاءِ أَوْ مَاتَتْ فِي جُبِّ مَاءٍ أَوْ جَمَعَهَا فِي حَظِيرَةٍ لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مِنْهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا بِغَيْرِ صَيْدٍ فَمِتْنَ فِيهَا؛ لِأَنَّ ضِيقَ الْمَكَانِ سَبَبٌ لِمَوْتِهَا وَإِذَا مَاتَتْ فِي الشَّبَكَةِ وَهِيَ لَا تَقْدِرُ عَلَى التَّخْلِيصِ مِنْهَا أَوْ أَكَلَ شَيْئًا أَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ لِيَأْكُلَهُ فَمَاتَتْ مِنْهُ أَوْ رَبَطَهَا فِي الْمَاءِ فَمَاتَتْ أَوْ انْجَمَدَ الْمَاءُ فَبَقِيَتْ بَيْنَ الْجَمَدِ فَمَاتَتْ يُؤْكَلُ
وَفِي الْمِنَحِ إذَا رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْوًا أَكْلُ الصَّيْدِ دُونَ الْعُضْوِ وَلَوْ قُطِعْنَ نِصْفَيْنِ أُكِلَا انْتَهَى (وَيَحِلُّ هُوَ) أَيْ السَّمَكُ (وَالْجَرَادُ بِلَا ذَكْوَةٍ) لِمَا رَوَيْنَاهُ لَكِنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَهُوَ أَنَّ الْجَرَادَ يُؤْكَلُ وَإِنْ مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهِ بِخِلَافِ السَّمَكِ وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا بُدَّ مِنْ مَوْتِ الْجَرَادِ مِنْ سَبَبٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَعَنْ مَالِكٍ يُعْتَبَرُ قَطْعُ رَأْسِهِ وَيَشْوِيهِ.
(وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهَا فَتَحَرَّكَتْ أَوْ خَرَجَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الشَّاةِ (دَمٌ) مِنْ غَيْرِ تَحَرُّكٍ (حَلَّتْ) أَكْلُهَا لِأَنَّ الْحَرَكَةَ وَخُرُوجَ الدَّمِ لَا يَكُونَانِ إلَّا مِنْ الْحَيِّ وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ إنْ خَرَجَ الدَّمُ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ لَا يَحِلُّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّك أَوْ لَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ (فَلَا) تَحِلُّ إنْ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ وَقْتَ الذَّبْحِ.
(وَإِنْ عُلِمَتْ) حَيَاتُهَا وَقْتَ الذَّبْحِ (حَلَّتْ مُطْلَقًا) أَيْ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً مَرِيضَةً لَمْ تَتَحَرَّكْ مِنْهَا إلَّا فُوهُهَا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إنْ فَتَحْت عَيْنَهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنَّ فَتَحْت عَيْنَهَا تُؤْكَلُ وَإِنْ مَدَّتْ رِجْلَهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ قَبَضَتْ رِجْلَهَا أُكِلَتْ وَإِنْ نَامَ شَعَرُهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ قَامَ شَعَرُهَا أُكِلَتْ
وَفِي التَّنْوِيرِ سَمَكَةٌ فَإِنْ كَانَتْ الْمَظْرُوفَةُ صَحِيحَةً حَلَّتَا وَإِلَّا حَلَّ الظَّرْفُ لَا الْمَظْرُوفُ.
[كِتَاب الْأُضْحِيَّة]
(كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ) عَقَّبَ بِهِ الذَّبَائِحَ لِأَنَّهَا كَالْمُقَدِّمَةِ لَهُ إذْ بِهَا تُعْرَفُ التَّضْحِيَةُ أَيْ الذَّبْحِ فِي أَيَّامِ الْأَضْحَى وَهِيَ أَفَعُولَةٌ وَكَانَ أَصْلُهُ أُضْحُويَةَ اجْتَمَعَتْ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسَبَقَتْ إحْدَاهُمَا
بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ فِي الْيَاءِ وَكُسِرَتْ الْحَاءُ لِثَبَاتِ الْيَاءِ وَيُجْمَعُ عَلَى أَضَاحِيِّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَفِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ أُضْحِيَّةٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبِكَسْرِهَا وَضَحِيَّةٌ بِفَتْحِ الضَّادِ عَلَى وَزْنِ فَعِيلَةٍ وَيُجْمَعُ عَلَى ضَحَايَا كَهَدِيَّةِ عَلَى هَدَايَا وَضَحَاةٍ وَجَمْعُهُ أَضْحَى كَأَرْطَاةَ وَأَرْطَى.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ الْأَضْحَى يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَفِي الشَّرْعِ هِيَ ذَبْحُ حَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ يَوْمُ الْأَضْحَى وَشَرَائِطُهَا الْإِسْلَامُ وَالْيَسَارُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ فَتَجِبُ عَلَى الْأُنْثَى وَسَبَبُهَا الْوَقْتُ وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ وَرُكْنُهَا ذَبْحُ مَا يَجُوزُ ذَبْحُهَا وَحُكْمُهَا الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ فِي الدُّنْيَا وَالْوُصُولِ إلَى الثَّوَابِ فِي الْعُقْبَى (هِيَ) أَيْ الْأُضْحِيَّةُ (وَاجِبَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ (وَقِيلَ هُوَ) أَيْ كَوْنُهَا سُنَّةً (قَوْلُهُمَا) يَعْنِي ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا وَوَجْهُ الْوُجُوبِ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ وَجَدَ سَعَةً وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» هَذَا وَعِيدٌ يَلْحَقُ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَوَجْهُ السُّنَّةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ مِنْكُمْ شَاةً فَلَا يَأْخُذُ مِنْ شَعَرِهِ وَأَظْفَارِهِ شَيْئًا»
إذْ التَّعْلِيقُ بِالْإِدَارَةِ يُنَافِي الْوُجُوبَ لَكِنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْإِرَادَةِ الْقَصْدُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ السَّهْوِ لَا التَّخْيِيرُ لِأَنَّهُ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالتَّرْكِ فَكَأَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ وَقَالَ مَنْ قَصَدَ مِنْهُمْ أَنْ يُضَحِّيَ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْوُجُوبِ فَصَارَ هَذَا نَظِيرَ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» لَمْ يُرِدْ التَّخْيِيرَ هُنَاكَ فَكَذَا هُنَا.
(وَإِنَّمَا تَجِبُ) التَّضْحِيَةُ دُونَ الْأُضْحِيَّةِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْوُجُوبَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ إلَّا أَنَّ الْقُدُورِيَّ وَمَنْ تَبِعَهُ قَالَ: ذَلِكَ تَوْسِعَةٌ وَمَجَازٌ وَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ الْوُجُوبُ الْعَمَلِيُّ لَا الِاعْتِقَادِيُّ حَتَّى لَا يَكْفُرَ جَاحِدُهَا كَمَا فِي الْمِنَحِ (عَلَى حُرٍّ) فَلَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ (مُسْلِمٍ) فَلَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ (مُقِيمٍ) فَلَا تَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَيْسَ عَلَى مُسَافِرٍ جُمُعَةٌ وَلَا أُضْحِيَّةٌ وَعَنْ مَالِكٍ لَا يُشْتَرَطُ الْإِقَامَةُ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُقِيمُ بِالْمِصْرِ وَالْقَوِيُّ وَالْبَوَادِي (مُوسِرٍ) ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الْقَادِرِ وَهُوَ الْغَنِيُّ دُونَ الْفَقِيرِ وَمِقْدَارُهُ مَا تَجِبُ فِيهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَقَوْلُهُ (عَنْ نَفْسِهِ) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ تَجِبُ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْوُجُوبِ عَلَيْهِ (لَا عَنْ طِفْلِهِ) أَيْ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِكَوْنِهَا قُرْبَةً مَحْضَةً فَلَا تَجِبُ عَلَى الْغَيْرِ بِسَبَبِ الْغَيْرِ (وَقِيلَ) أَيْ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ (تَجِبُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الطِّفْلِ (أَيْضًا) أَيْ كَنَفْسِهِ لِكَوْنِهَا قُرْبَةً مَالِيَّةً وَالطِّفْلُ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ (وَقِيلَ يُضَحِّي عَنْهُ) أَيْ عَنْ الطِّفْلِ (أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ مِنْ مَالِهِ) إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ (فَيُطْعِمُ) الطِّفْلَ (مِنْهَا مَا أَمْكَنَ) الْإِطْعَامُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ (وَيَسْتَبْدِلُ بِالْبَاقِي مَا يَنْتَفِعُ بِهِ
مَعَ بَقَائِهِ) كَالثَّوْبِ وَالْخُفِّ فَلَا يَسْتَبْدِلُ بِمَا يَنْتَفِعُ بِهِ بِالِاسْتِهْلَاكِ كَالْخُبْزِ وَالْإِدَامِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ إرَاقَةُ الدَّمِ فَالتَّصَدُّقُ بِاللَّحْمِ تَبَرُّعٌ وَهُوَ لَا يَجْرِي فِي مَالِ الصَّبِيِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُطْعِمَ الطِّفْلَ وَيَدَّخِرَ لَهُ وَيَسْتَبْدِلَ الْبَاقِي بِالْأَشْيَاءِ الَّتِي يَنْتَفِعُ الطِّفْلُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ أَعْيَانِهَا اعْتِبَارًا بِجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ
وَفِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ يُضَحِّي عَنْهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ فَالْخِلَافُ فِي هَذَا كَالْخِلَافِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَقِيلَ لَا تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ مِنْ مَالِهِ الصَّغِيرِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِمَا قَرَّرْنَاهُ قُبَيْلَهُ وَالْأَصَحُّ أَنْ يُضَحِّيَ مِنْ مَالِهِ يَأْكُلُ مِنْهُ مَا أَمْكَنَهُ وَيَبْتَاعُ بِمَا بَقِيَ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ.
(وَهِيَ) أَيْ الْأُضْحِيَّةُ (شَاةٌ) تَجُوزُ مِنْ فَرْدٍ فَقَطْ (أَوْ بَدَنَةٌ) تَجُوزُ مِنْ وَاحِدٍ أَيْضًا (أَوْ سُبْعٌ) بِضَمِّ السِّينِ بِمَعْنَى وَاحِدٍ مِنْ السَّبْعِ (بَدَنَةٌ) بَيَانٌ لِلْقَدْرِ الْوَاجِبِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ الْبَدَنَةُ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْقُرْبَةُ وَالْقُرْبَةُ لَا تَتَجَزَّأُ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِالْأَثَرِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» وَلَا نَصَّ فِي الشَّاةِ فَيَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ ثُمَّ أَرَادَ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ أَوْ سُبْعَ بَدَنَةٍ فَقَالَ (بِأَنْ اشْتَرَكَ) الْمُضَحِّي (مَعَ سِتَّةِ فِي بَقَرَةٍ أَوْ بَعِيرٍ وَكُلُّ) وَاحِدٍ مِنْهُمْ (يُرِيدُ الْقُرْبَةَ وَهُوَ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (مِنْ أَهْلِهَا) أَيْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ بِكَوْنِهِمْ مُسْلِمِينَ (وَلَمْ يَنْقُصْ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا عَنْ سُبْعِ) ثُمَّ فَرَّعَهُ فَقَالَ (فَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ بِنَصِيبِهِ اللَّحْمَ أَوْ كَانَ كَافِرًا أَوْ نَصِيبُهُ) أَيْ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ (أَقَلُّ مِنْ سُبْعٍ لَا يَجُوزُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ) لِمَا مَرَّ أَنَّ وَصْفَ الْقُرْبَةِ لَا يَتَجَزَّأُ حَتَّى إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ امْرَأَةً وَابْنًا وَبَقَرَةً فَضَحَّيَاهَا يَوْمَ الْعِيدِ لَا يَجُوزُ فِي نَصِيبِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ السُّبْعِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ فِي نَصِيبِ الِابْنِ لِانْعِدَامِ وَصْفِ الْقُرْبَةِ فِي الْبَعْضِ.
وَقَالَ مَالِكٌ تَجُوزُ الْبَدَنَةُ عَنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ وَلَا تَجُوزُ عَنْ أَهْلِ بَيْتَيْنِ وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْهَا (وَيَجُوزُ اشْتِرَاكُ أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ وَلَوْ) كَانَتْ الْبَدَنَةُ بَيْنَ (اثْنَيْنِ) نِصْفَيْنِ فِي الْأَصَحِّ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَتَجُوزُ عَنْ سِتَّةٍ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ عَنْ السَّبْعَةِ فَعَنْ دُونِهِ أَوْلَى وَلَا تَجُوزُ عَنْ الثَّمَانِيَةِ لِعَدَمِ النَّقْلِ فِيهِ (وَيُقَسَّمُ لَحْمُهَا) أَيْ إذَا جَازَ عَلَى الشَّرِكَةِ فَيُقَسَّمُ اللَّحْمُ (وَزْنًا) بَيْنَ الشُّرَكَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ (لَا جُزَافًا) لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ فَلَا يَجُوزُ جُزَافًا عِنْدَ وُجُودِ الْجِنْسِ وَالْوَزْنِ وَلَا يَجُوزُ التَّحْلِيلُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْهِبَةِ وَهِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا يُقَسَّمُ لَا تَجُوزُ (إلَّا إذَا خُلِطَ) وَضُمَّ (بِهِ) أَيْ بِاللَّحْمِ (مِنْ أَكَارِعِهِ أَوْ جِلْدِهِ) أَيْ يَكُونُ فِي كُلِّ جَانِبٍ شَيْءٌ مِنْ اللَّحْمِ وَمِنْ الْأَكَارِعِ أَوْ يَكُونُ فِي كُلِّ جَانِبٍ شَيْءٌ مِنْ اللَّحْمِ وَبَعْضِ الْجِلْدِ أَوْ يَكُونُ فِي جَانِبٍ لَحْمٌ وَأَكَارِعُ وَفِي آخَرَ لَحْمٌ
وَجِلْدٌ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ صَرْفًا لِلْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ كَمَا فِي الدُّرَرِ.
(وَلَوْ شَرَى بَدَنَةً لِلْأُضْحِيَّةِ ثُمَّ أَشْرَكَ فِيهَا سِتَّةً جَازَ اسْتِحْسَانًا) وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرُ وَرِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ أَعَدَّهَا لِلْقُرْبَةِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ قَدْ يَجِدُ بَقَرَةً سَمِينَةً وَلَا يَجِدُ الشَّرِيكَ وَقْتَ الشِّرَاءِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى هَذَا (وَالِاشْتِرَاكُ قَبْلَ الشِّرَاءِ أَحَبُّ) إذْ بِهِ يَبْعُدُ عَنْ الْخِلَافِ وَيَسْلَمُ عَنْ الرُّجُوعِ فِي الْقُرْبَةِ وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ كَرَاهَةَ الِاشْتِرَاكِ بَعْدَهُ.
(وَأَوَّلُ وَقْتِهَا) أَيْ أَوَّلُ وَقْتِ تَضْحِيَةِ الْأُضْحِيَّةِ (بَعْدَ فَجْرِ النَّحْرِ، وَ) لَكِنْ (لَا تُذْبَحُ فِي الْمِصْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلِيُعِدْ ذَبِيحَتَهُ» وَهَذَا الشَّرْطُ لِمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْعِيدِ وَيَذْبَحُ غَيْرُ الْمِصْرِيِّ كَأَهْلِ الْقُرَى قَبْلَ الصَّلَاةِ وَمِنْ هُنَا ظَهَرَ أَنَّ وَقْتَ التَّضْحِيَةِ فِي حَقِّ الْبَعْضِ الَّذِي لَا تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْعِيدِ مِنْ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لِانْعِدَامِ الْمَانِعِ وَهُوَ الِاشْتِغَالُ بِالصَّلَاةِ وَفِي حَقِّ الْبَعْضِ يُعْتَبَرُ بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ صَلَاةَ الْعِيدِ الْوَاجِبَةِ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ أَهْلُ الْمِصْرِ لَا يَذْبَحُونَ قَبْلَ ذَبْحِ الْإِمَامِ أَيْضًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ صَحَّ قَبْلَ الصَّلَاةِ لَوْ مَضَى مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ مَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مَعَ خُطْبَتَيْنِ (وَآخِرُهُ) أَيْ آخِرُ وَقْتِهَا (قُبَيْلَ غُرُوبِ) الشَّمْسِ فِي (الْيَوْمِ الثَّالِثِ) عِنْدَنَا لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ قَالُوا أَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةُ أَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا وَقَدْ قَالُوهُ سَمَاعًا؛ لِأَنَّ الرَّأْيَ لَا يَهْتَدِي إلَى الْمُقَادِرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَرْبَعَةٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ كُلُّهَا أَيَّامُ ذَبْحٍ» قُلْنَا إذَا كَانَ فِي الْأَخْبَارِ تَعَارُضٌ فَالْأَخْذُ بِالْمُتَيَقَّنِ أَوْلَى ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مَكَانُ الْأُضْحِيَّةِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي السَّوَادِ وَالْمُضَحِّي فِي الْمِصْرِ يَجُوزُ مِنْ انْشِقَاقِ الْفَجْرِ وَعَلَى عَكْسِهِ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَحِيلَةُ الْمِصْرِيِّ إذَا أَرَادَ التَّعْجِيلَ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا إلَى خَارِجِ الْمِصْرِ فَيُضَحِّي بِهَا كَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ اعْتِبَارٌ بِالزَّكَاةِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَلَوْ ضَحَّى بَعْدَمَا صَلَّى أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُصَلِّ أَهْلُ الْجَبَّانَةِ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا وَالْمُعْتَبَرُ هِيَ الصَّلَاةُ دُونَ الْخُطْبَةِ (وَاعْتُبِرَ آخِرُهُ) أَيْ آخِرُ وَقْتِهَا (لِلْفَقِيرِ وَضِدِّهِ وَالْوِلَادَةِ وَالْمَوْتِ) فَلَوْ كَانَ غَنِيًّا فِي أَوَّلِ الْأَيَّامِ فَقِيرًا فِي آخَرهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَفِي الْعَكْسِ تَجِبُ وَإِنْ وُلِدَ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ تَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ فِيهِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ يُعَادُ الصَّلَاةُ دُونَ التَّضْحِيَةِ كَمَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ يَوْمُ الْعِيدِ عِنْدَ الْإِمَامِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِيدَ ثُمَّ ضَحَّوْا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُمْ الصَّلَاةُ وَالتَّضْحِيَةُ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ وَقَعَتْ فِي الْبَلَدِ فِتْنَةٌ وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا وَالٍ لِيُصَلِّيَ بِهِمْ الْعِيدَ فَضَحَّوْا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُمْ كَمَا
فِي الْمِنَحِ (وَأَوَّلُهَا) أَيْ أَوَّلُ أَيَّامِ النَّحْرِ (أَفْضَلُهَا) لِمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا.
(وَكُرِهَ الذَّبْحُ لَيْلًا) وَإِنْ جَازَ لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ.
وَفِي الْمِنَحِ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ لِلتَّنْزِيهِ وَمَرْجِعُهَا إلَى خِلَافِ الْأُولَى إذْ احْتِمَالُ الْغَلَطِ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ الَّتِي نِسْبَتُهَا إلَى الْحَرَامِ كَنِسْبَةِ الْوَاجِبِ إلَى الْفَرْضِ (فَإِنْ فَاتَ وَقْتُهَا قَبْلَ ذَبْحِهَا) أَيْ وَلَوْ لَمْ يُضَحِّ مَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنْ عَيَّنَ شَاةً فِي مِلْكِهِ، وَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ الشَّاةِ (لَزِمَ التَّصَدُّقُ بِعَيْنِ الْمَنْذُورَةِ حَيَّةٌ) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمُوجِبُ فَقِيرًا أَوْ غَنِيًّا.
وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا يَقَعُ عَلَى الشَّاةِ وَلَا يَأْكُلُ النَّاذِرُ مِنْهَا وَلَوْ أَكَلَ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَهُ؛ لِأَنَّ سَبِيلَهَا التَّصَدُّقُ وَلَيْسَ لِلْمُتَصَدِّقِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ صَدَقَتِهِ.
(وَكَذَا) أَيْ لَزِمَ التَّصَدُّقُ بِعَيْنِ الْمَنْذُورَةِ حَيَّةً (مَا شَرَاهَا فَقِيرٌ لِلتَّضْحِيَةِ) ؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ إذَا شَرَاهَا بِنِيَّةِ التَّضْحِيَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْمَحَلِّ (وَالْغَنِيُّ يَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهَا شِرَاءً) أَيْ الشَّاةِ (أَوَّلًا) لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ.
(وَإِنَّمَا يُجْزِئُ فِيهَا) أَيْ فِي الْأُضْحِيَّةِ (الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ) الْجَذَعُ شَاةٌ تَمَّتْ لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ إذَا كَانَتْ عَظِيمَةً لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً إلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ» وَعِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ وَذَكَرَ الزَّعْفَرَانِيُّ أَنَّهُ ابْنُ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ مِنْ الْمَعْزِ لِسَنَةٍ وَمِنْ الضَّأْنِ لِثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ (وَالثَّنِيُّ فَصَاعِدًا مِنْ الْجَمِيعِ) وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَحَوْلَيْنِ مِنْ الْبَقَرِ وَالْجَامُوسِ وَحَوْلٍ مِنْ الشَّاةِ وَالْمَعْزِ؛ لِأَنَّهُ عُرِفَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهَا وَالْمَوْلُودُ بَيْنَ الْأَهْلِيِّ وَالْوَحْشِيِّ يَتْبَعُ الْأُمَّ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ فِي التَّبَعِيَّةِ فَيَجُوزُ بِالْبَغْلِ الَّذِي أُمُّهُ بَقَرَةٌ وَبِالظَّبْيِ الَّذِي أُمُّهُ شَاةٌ (وَتَجُوزُ الْجَمَّاءُ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَهِيَ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا بِالْخِلْقَةِ إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَقْصُودُ وَكَذَا مَكْسُورُ الْقَرْنِ بَلْ أَوْلَى لِمَا قُلْنَا (وَالْخَصِيُّ) .
وَعَنْ الْإِمَامِ إنَّ الْخَصِيَّ أَوْلَى لِأَنَّ لَحْمَهُ أَلَذُّ وَأَطْيَبُ (وَالثَّوْلَاءُ) وَهِيَ الْمَجْنُونَةُ إذَا لَمْ يَمْنَعْهَا مِنْ السَّوْمِ وَالرَّعْيِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ وَإِنْ مَنَعَهَا مِنْ ذَلِكَ لَا تَجُوزُ إذْ يَخِلُّ الْمَقْصُودُ (وَالْجَرْبَاءُ السَّمِينَةُ) وَلَمْ يَتْلَفْ جِلْدُهَا؛ لِأَنَّ الْجَرَبَ فِي الْجِلْدِ وَلَا نُقْصَانَ فِي اللَّحْمِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالسَّمِينَةِ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَهْزُولَةً لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْجَرَبَ إذَا كَانَ فِي اللَّحْمِ انْتَقَصَ (لَا) تَجُوزُ (الْعُمْيَانُ) وَهِيَ الذَّاهِبَةُ الْعَيْنَيْنِ (وَالْعَوْرَاءُ) وَهِيَ الذَّاهِبَةُ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ (وَالْعَجْفَاءُ) أَيْ الْمَهْزُولَةُ (الَّتِي لَا تُنْقِي) أَيْ يَبْلُغُ عَجْفُهَا إلَى حَدٍّ لَا يَكُونُ فِي عَظْمِهَا مُخٌّ (وَالْعَرْجَاءُ الَّتِي لَا تَمْشِي إلَى الْمَنْسَكِ) أَيْ الْمَذْبَحِ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُنَّ (وَلَا) لَا تَجُوزُ (مَقْطُوعَةُ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ) لِنُقْصَانِهَا (وَذَاهِبَةُ أَكْثَرِ الْعَيْنِ أَوْ) أَكْثَرِ (الْأُذُنِ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ وَأَنْ لَا نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ وَلَا مُدَابَرَةٍ
وَلَا شَرْقَاءَ وَلَا خَرْقَاءَ» (أَوْ أَكْثَرِ الذَّنَبِ) ؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ كَامِلٌ مَقْصُودٌ فَصَارَ كَالْأُذُنِ (أَوْ) أَكْثَرُ (الْأَلْيَةِ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ الذَّهَابَ بِالْأَكْثَرِ لِأَنَّهُ أَنْ يَبْقَى الْأَكْثَرُ مِنْ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ وَالذَّنَبِ وَنَحْوِهَا جَازَ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ بَقَاءً وَذَهَابًا.
وَفِي الْمِنَحِ وَاخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (وَفِي ذَهَابِ النِّصْفِ رِوَايَتَانِ) عَنْ الْإِمَامِ وَكَذَا عَنْهُمَا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي كَوْنِ النِّصْفِ مَانِعًا رِوَايَتَانِ عَنْهُمَا كَمَا فِي انْكِشَافِ الْعُضْوِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (وَتَجُوزُ إنْ ذَهَبَ أَقَلُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ النِّصْفِ (وَقِيلَ إنْ ذَهَبَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ لَا تَجُوزُ) قَالَ ابْنُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ قَلِيلٌ وَلِذَا تَنْفُذُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ بِخِلَافِ مَا زَادَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَكْثَرَ (وَقِيلَ إنْ ذَهَبَ الثُّلُثُ لَا يَجُوزُ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي حَدِيثِ وَصِيَّةِ «الثُّلُثِ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» .
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ الرُّبُعُ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ كُلَّ عَيْبٍ مَانِعٍ لَهَا إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ الْعَيْنِ أَنْ تُشَدَّ الْعَيْنُ الْمَعْلُولَةُ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ جَائِعَةً فَيُقَرَّبُ إلَيْهَا الْعَلَفُ فَيَنْظُرَ إلَيْهَا مِنْ أَيِّ مَكَان رَأَتْ الْعَلَفَ ثُمَّ تُشَدُّ الْعَيْنُ الصَّحِيحَةُ وَيُقَرَّبُ الْعَلَفُ فَيَنْظُرَ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْمَكَانَيْنِ فَإِنْ كَانَ ثُلُثًا فَقَدْ ذَهَبَ الثُّلُثُ وَهَكَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَا يَجْمَعُ مَا ذَهَبَ مِنْ الْأُذُنَيْنِ عَلَى مَا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الرَّازِيّ وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ إنَّهُ يَجْمَعُ.
وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ وَلَا يَجُوزُ الْهَتْمَاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا أَسْنَانَ لَهَا وَلَا السَّكَّاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا أُذُنَ لَهَا خِلْقَةً وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَجُوزُ
وَلَا الْجَلَّالَةُ وَهِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ وَلَا تَأْكُلُ غَيْرَهَا وَلَا الْجَدَّاءُ وَهِيَ الْمَقْطُوعَةُ ضَرْعُهَا وَلَا الْمُصَرَّمَةُ وَهِيَ الَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرْضِعَ فَصِيلَهَا وَلَا الْجِدَاءُ وَهِيَ الَّتِي يَبِسَ ضَرْعُهَا.
وَفِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْعُيُوبُ قَائِمَةً وَقْتَ الشِّرَاءِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا سَلِيمَةً ثُمَّ تَعَيَّبَتْ بِعَيْبٍ مَانِعٍ إنْ كَانَ غَنِيًّا عَلَيْهِ غَيْرُهَا وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا يَجْزِيهِ بِهَذِهِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْغَنِيِّ بِالشَّرْعِ ابْتِدَاءً فَلَمْ يَتَعَيَّنُ بِهِ وَعَلَى الْفَقِيرِ بِشِرَائِهِ بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ فَتَعَيَّنَتْ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ نُقْصَانِهِ كَمَا فِي نِصَابِ الزَّكَاةِ وَعَنْ هَذَا الْأَصْلِ قَالُوا إذَا مَاتَتْ الْمُشْتَرَاةُ لِلتَّضْحِيَةِ عَلَى مُوسِرٍ تَجِبُ مَكَانَهَا أُخْرَى وَلَا شَيْءَ عَلَى الْفَقِيرِ وَلَوْ ضَلَّتْ أَوْ سُرِقَتْ وَاشْتَرَى أُخْرَى ثُمَّ ظَهَرَتْ الْأُولَى فِي أَيَّامِ النَّحْرِ عَلَى الْمُوسِرِ ذَبْحُ إحْدَاهُمَا وَعَلَى الْفَقِيرِ ذَبْحُهُمَا (وَلَا يَضُرُّ تَعْيِيبُهَا مِنْ اضْطِرَابِهَا عِنْدَ الذَّبْحِ) .
وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ أَضْجَعَهَا فَاضْطَرَبَتْ فَانْكَسَرَ رِجْلُهَا فَذَبَحَهَا أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّ حَالَةَ الذَّبْحِ وَمُقَدَّمَاتِهِ مُلْحَقُ الذَّبْحِ فَكَأَنَّهُ حَصَلَ بِهِ اعْتِبَارًا أَوْ حُكْمًا وَكَذَا لَوْ تَعَيَّبَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَانْفَلَتَتْ ثُمَّ أُخِذَتْ مِنْ فَوْرِهِ وَكَذَا بَعْدَ فَوْرِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِمُقَدِّمَاتِ الذَّبْحِ.
(وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ سَبْعَةٍ) الَّذِينَ شَارِكُوا فِي الْبَدَنَةِ (وَقَالَ
وَرَثَتُهُ) وَهُمْ كِبَارٌ (اذْبَحُوهَا) أَيْ الْبَدَنَةَ (عَنْكُمْ وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمَيِّتِ (صَحَّ) ذَبْحُهَا اسْتِحْسَانًا عَنْ الْجَمِيعِ لِوُجُودِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ مِنْ الْكُلِّ وَالتَّضْحِيَةِ عَنْ الْغَيْرِ عُرِفَتْ قُرْبَةً؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام ضَحَّى عَنْ أُمَّتِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِالْإِتْلَافِ فَلَا يَجُوزُ عَنْ غَيْرِهِ (وَكَذَا) .
وَصَحَّ (لَوْ ذَبَحَ بَدَنَةً عَنْ أُضْحِيَّةٍ وَمُتْعَةٍ وَقِرَانٍ) مَعَ اخْتِلَافِ جِهَاتِ قُرْبَتِهِمْ عِنْدَنَا لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْقُرْبَةُ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَإِنْ كَانَ شَرِيكُ السِّتَّةِ نَصْرَانِيًّا أَوْ مُرِيدَ اللَّحْمِ لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (وَيَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ وَيُطْعِمُ مَنْ شَاءَ مِنْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ ثُمَّ قَالَ كُلُوا وَتَزَوَّدُوا وَادُّخِرُوا» وَالنُّصُوصُ كَثِيرَةٌ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ (وَنُدِبَ أَنْ لَا تَنْقُصَ الصَّدَقَةُ عَنْ الثُّلُثِ) ؛ لِأَنَّ الْجِهَاتِ ثَلَاثٌ الْأَكْلُ وَالْإِدْخَالُ وَالتَّصَدُّقُ وَهَذَا لَا يُنَافِي اسْتِحْبَابَ التَّصَدُّقِ بِمَا فَوْقَهُ كَالنِّصْفِ مَثَلًا (وَتَرْكُهُ) أَيْ وَنَدْبُ تَرْكِ التَّصَدُّقِ (لِذِي عِيَالٍ تَوْسِعَةً عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْعِيَالِ.
(وَ) نُدِبَ (أَنْ يَذْبَحَ بِيَدِهِ إنْ أَحْسَنَ) الذَّبْحَ لِكَوْنِهِ عِبَادَةً (وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يُحْسِنْهُ (يَأْمُرُ غَيْرَهُ) بِالذَّبْحِ كَيْ لَا يَجْعَلَهَا مَيْتَةً (وَيَحْضُرُهَا)«لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِفَاطِمَةَ رضي الله عنها قَوْمِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَك فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَك بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ» .
(وَيُكْرَهُ أَنْ يَذْبَحَهَا كِتَابِيٌّ) ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا وَلَوْ أَمَرَهُ فَذَبَحَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّبْحِ بِخِلَافِ الْمَجُوسِيِّ.
(وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا) لِكَوْنِهِ جُزْءًا مِنْهَا (أَوْ يَعْمَلُهُ آلَةً كَجِرَابٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ فَرْوٍ) لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ لَيْسَ بِحَرَامٍ (أَوْ يَشْتَرِي بِهِ) أَيْ بِالْجِلْدِ (مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَائِهِ) أَيْ بَقَاءِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ اسْتِحْسَانًا (كَغِرْبَالِ وَنَحْوِهِ) ؛ لِأَنَّ لِلْبَدَلِ حُكْمَ الْمُبْدَلِ (لَا مَا يُسْتَهْلَكُ) أَيْ لَا يَشْتَرِي بِهِ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ (كَخَلٍّ وَشَبَهِهِ) وَلَا يَبِيعُهُ بِالدَّرَاهِمِ لِيُنْفِقَ الدَّرَاهِمَ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَالْمَعْنَى إنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ وَاللَّحْمُ بِمَنْزِلَةِ الْجِلْدِ فِي الصَّحِيحِ حَتَّى لَا يَبِيعَهُ بِمَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ (فَإِنْ بَدَّلَ اللَّحْمَ أَوْ الْجِلْدَ بِهِ) أَيْ بِمَا يَنْتَفِعُ بِالِاسْتِهْلَاكِ جَازَ وَ (يَتَصَدَّقُ بِهِ) لِانْتِقَالِ الْقُرْبَةِ إلَى الْبَدَلِ وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام -
«مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ» يُفِيدُ كَرَاهَةَ الْبَيْعِ
أَمَّا الْبَيْعُ جَائِزٌ لِقِيَامِ الْمِلْك وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ بَيْعُ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ جِلْدِهَا أَوْ لَحْمِهَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ
وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَا يُعْطَى أَجْرُ الْجَزَّارِ مِنْهَا.
وَيُكْرَهُ جَزُّ صُوفِهَا قَبْلَ الذَّبْحِ لِيُنْتَفَعَ بِهِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ وَيُكْرَهُ الِانْتِفَاعُ بِلَبَنِهَا قَبْلَهُ.
(وَلَوْ ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ جَازَ) اسْتِحْسَانًا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الذَّابِحِ وَلَا يَجُوزُ قِيَاسًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرُ لِأَنَّهُ ذَبْحُ شَاةِ غَيْرٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَيَضْمَنُ كَمَا إذَا ذَبَحَ شَاةً اشْتَرَاهَا الْقَصَّابُ وَإِذَا ضَمِنَ لَا يَجْزِيهِ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهَا لِلْأُضْحِيَّةِ فَقَدْ تَعَيَّنَتْ لِلذَّبْحِ أُضْحِيَّةٌ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا فَصَارَ مُسْتَغْنِيًا بِكُلِّ مَنْ يَكُونُ أَهْلًا لِلذَّبْحِ آذِنًا لَهُ دَلَالَةً؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَعْجِزُ عَنْ إقَامَتِهَا لِعَارِضٍ يَعْرِضُ لَهُ فَصَارَ كَمَا إذَا ذَبَحَ شَاةً شَدَّ الْقَصَّابُ رِجْلَهَا لِيَذْبَحَهَا وَإِنْ كَانَ تَفُوتُهُ الْمُبَاشَرَةُ وَحُضُورُهَا لَكِنْ يَحْصُلُ لَهُ تَعْجِيلُ الْبِرِّ وَحُصُولُ مَقْصُودِهِ بِالتَّضْحِيَةِ بِمَا عَيَّنَهُ فَيَرْضَى بِهِ ظَاهِرًا.
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَلَوْ ذَبَحَ الرَّاعِي وَالْأَجْنَبِيُّ شَاةً لَا يُرْجَى حَيَاتُهَا لَا يَضْمَنُ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ يَضْمَنُ.
(وَلَوْ غَلِطَ اثْنَانِ فَذَبَحَ كُلٌّ شَاةَ الْآخَرِ صَحَّ وَلَا ضَمَانَ) اسْتِحْسَانًا وَلَا يَصِحُّ قِيَاسًا وَيَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ لِمَا مَرَّ قُبَيْلَهُ (وَيَتَحَالَّانِ) يَعْنِي يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّتَهُ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَلَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ إنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً يُحَلِّلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَيُجْرِيهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَهُ الْكُلَّ فِي الِابْتِدَاءِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَكَذَا لَهُ أَنْ يَحِلَّ لَهُ فِي الِانْتِهَاءِ (وَإِنْ تَشَاحَّا) أَيْ تَنَازَعَا بِأَنَّ أُضْحِيَّتِي أَعْظَمُ وَأَسْمَنُ وَلَمْ يَرْضَيَا (ضَمَّنَ كُلُّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (صَاحِبَهُ قِيمَةَ لَحْمِهِ) ؛ لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ لَمَّا وَقَعَتْ لِصَاحِبِهِ كَانَ اللَّحْمُ لَهُ وَمَنْ أَتْلَفَ لَحْمَ أُضْحِيَّةِ غَيْرِهِ ضَمَّنَهُ (وَتَصَدَّقَ بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ.
(وَصَحَّتْ التَّضْحِيَةُ بِشَاةِ الْغَصْبِ دُونَ شَاةِ الْوَدِيعَةِ وَضَمِنَهَا) ؛ لِأَنَّ فِي الْغَصْبِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ فَكَانَتْ التَّضْحِيَةُ وَارِدَةً