المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أَرْض جَارِهِ) أَوْ غَرِقَتْ لِأَنَّهُ مُسَبِّبٌ وَلَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِيهِ فَلَا - مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر - جـ ٢

[داماد أفندي عبد الرحمن شيخي زاده]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَاب الْبُيُوع]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ وَمَا لَا لَا يَدْخُلُ]

- ‌[بَابُ الْخِيَارَاتِ]

- ‌[خِيَار الشَّرْط]

- ‌[فَصَلِّ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ]

- ‌[بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ]

- ‌[بَيْع الطَّيْر فِي الْهَوَاء]

- ‌[بَيْع الْحَمْل أَوْ النِّتَاج]

- ‌[بَيْع اللَّبَن فِي الضَّرْع]

- ‌[بَيْع اللُّؤْلُؤ فِي الصَّدَف]

- ‌[بَيْع اللَّحْم فِي الشَّاة]

- ‌[بَيْع الْمُزَابَنَة]

- ‌[بَيْع الْمُحَاقَلَة]

- ‌[بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَإِلْقَاءِ الْحَجَرِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي قبض الْمُشْتَرِي الْمَبِيع بَيْعًا بَاطِلًا بِإِذْنِ بَائِعَة]

- ‌[بَيْع النَّجْش]

- ‌[بَاب الْإِقَالَة]

- ‌[بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان الْبَيْع قَبْل قبض الْمَبِيع]

- ‌[بَاب الربا]

- ‌[عِلَّة الربا]

- ‌[بَابُ الْحُقُوقِ وَالِاسْتِحْقَاقِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام الِاسْتِحْقَاق]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ]

- ‌[مَا يَصِحّ فِيهِ السَّلَم]

- ‌[شَرْط جَوَازِ السَّلَم]

- ‌[مَسَائِل شَتَّى فِي الْبَيْع]

- ‌[كِتَاب الصَّرْف]

- ‌[كِتَاب الْكِفَالَة]

- ‌[أَرْكَان الْكِفَالَة]

- ‌[أَنْوَاع الْكِفَالَة]

- ‌[فَصَلِّ دَفْعِ الْأَصِيل الْمَال إلَى كَفِيلِهِ]

- ‌[بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَوَالَةِ]

- ‌[مَا تَصِحّ فِيهِ الْحَوَالَةِ]

- ‌[حُكْم السَّفْتَجَة]

- ‌[كِتَابُ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كِتَابِ الْقَاضِي]

- ‌[فَصَلِّ قَضَاء الْمَرْأَة فِي غَيْر حَدّ وقود]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّحْكِيمِ]

- ‌[مَسَائِلُ شَتَّى مِنْ كِتَاب الْقَضَاء]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ]

- ‌[كِتَابُ الشَّهَادَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ مَا يَتَحَمَّلُهُ الشَّاهِدُ]

- ‌[بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ]

- ‌[بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ]

- ‌[بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ]

- ‌[بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَكَالَةِ]

- ‌[شُرُوط الْوَكَالَة]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام مِنْ يَجُوز لِلْوَكِيلِ أَنْ يَعْقِد مَعَهُ وَمنْ لَا يَجُوز]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ]

- ‌[بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ]

- ‌[كِتَابُ الدَّعْوَى]

- ‌[بَابُ التَّحَالُف فِي الدَّعْوَى]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام دَفْعِ الدَّعَاوَى]

- ‌[بَابُ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّنَازُعِ بِالْأَيْدِي]

- ‌[بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِقْرَارِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ]

- ‌[بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ]

- ‌[كِتَابُ الصُّلْحِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي حُكْم الصُّلْح عَنْ وَعَلَى مجهول]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ وَالتَّخَارِيجِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ]

- ‌[بَابٌ الْمُضَارِب يُضَارِب مَعَ آخِر]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ]

- ‌[كِتَاب الْوَدِيعَة]

- ‌[كِتَاب الْعَارِيَّةِ]

- ‌[كِتَاب الْهِبَة]

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْهِبَة]

- ‌[أَرْكَان الْهِبَة]

- ‌[بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَة]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَة فِي الْهِبَة]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا لَا يَجُوزُ]

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌[فَصَلِّ أَحْكَام الْأَجِير وَأَنْوَاعه]

- ‌[بَاب فَسْخ الْإِجَارَة]

- ‌[مَسَائِل مَنْثُورَة فِي الْإِجَارَة]

- ‌[كِتَابُ الْمُكَاتَبِ]

- ‌[بَابُ تَصَرُّفِ الْمُكَاتَبِ]

- ‌[فَصَلِّ إذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَة مِنْ مَوْلَاهَا]

- ‌[بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ]

- ‌[بَابُ الْعَجْزِ وَالْمَوْتِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَلَاءِ]

- ‌[فَصَلِّ وَلَاء المولاة]

- ‌[كِتَابُ الْإِكْرَاهِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْبُلُوغِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَأْذُونِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ]

- ‌[كِتَابُ الْغَصْبِ]

- ‌[فَصَلِّ غَيْر الْغَاصِب مَا غَصْبه بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَسَائِلَ تَتَّصِلُ بِمَسَائِلِ الْغَصْبِ]

- ‌[كِتَابُ الشُّفْعَةِ]

- ‌[فَصَلِّ اخْتِلَاف الشَّفِيع وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَن]

- ‌[بَاب مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَة وَمَالًا تجب]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَة]

- ‌[كِتَابُ الْقِسْمَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُهَايَأَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ]

- ‌[كِتَاب الْمُسَاقَاة]

- ‌[مَا تَبْطُلُ بِهِ الْمُسَاقَاة]

- ‌[كِتَابُ الذَّبَائِحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ]

- ‌[كِتَاب الْأُضْحِيَّة]

- ‌[كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَكْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْكَسْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام النَّظَر وَنَحْوه]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام الِاسْتِبْرَاء]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيْع العذرة]

- ‌[الِاحْتِكَار فِي أقوات الْآدَمِيِّينَ]

- ‌[حُكْم التَّسْعِير]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْمُتَفَرِّقَات]

- ‌[كِتَاب إحْيَاء الْمَوَات]

- ‌[فَصَلِّ فِي الشُّرْب]

- ‌[فَصَلِّ فِي كري الْأَنْهَار]

- ‌[كِتَاب الْأَشْرِبَة]

- ‌[كِتَاب الصَّيْد]

- ‌[كِتَاب الرَّهْن]

- ‌[بَاب مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالرَّهْنُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ]

- ‌[بَاب الرَّهْن يُوضَع عِنْد عَدْل]

- ‌[بَاب التَّصَرُّف فِي الرَّهْن وَجِنَايَته وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ]

- ‌[فَصَلِّ مَسَائِل مُتَفَرِّقَة فِي الرَّهْن]

- ‌[كِتَاب الْجِنَايَات]

- ‌[بَاب مَا يُوجِبُ الْقِصَاص وَمَا لَا يُوجِبهُ]

- ‌[بَاب الْقِصَاص فِيمَا دُون النَّفْس]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا يَسْقُط بِهِ الْقِصَاص]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَنْ قطع يَد رَجُل ثُمَّ قتله]

- ‌[بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ وَاعْتِبَارِ حَالِهِ]

- ‌[كِتَابُ الدِّيَاتِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي دِيَة النَّفْس]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَام الشِّجَاجِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي دِيَة الْجَنِين]

- ‌[بَاب مَا يَحْدُثُ فِي الطَّرِيق]

- ‌[فَصْل أَحْكَامِ الْقَتْلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْجَمَادِ]

- ‌[بَاب فِي جِنَايَة الْبَهِيمَة وَالْجِنَايَة عَلَيْهَا]

- ‌[بَاب فِي جِنَايَة الرَّقِيق وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ]

- ‌[فَصَلِّ دِيَة الْعَبْد]

- ‌[فَصَلِّ جِنَايَة المدبر أَوْ أُمّ وَلَد]

- ‌[بَاب غَصْب الْعَبْد وَالصَّبِيّ والمدبر وَالْجِنَايَة فِي ذَلِكَ]

- ‌[بَاب الْقَسَامَة]

- ‌[كِتَاب الْمَعَاقِلِ]

- ‌[كِتَاب الْوَصَايَا]

- ‌[شَرَائِط الْوَصِيَّة]

- ‌[أَرْكَان الْوَصِيَّة]

- ‌[بَابُ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ]

- ‌[بَاب الْعِتْق فِي الْمَرَض]

- ‌[بَاب الْوَصِيَّة لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرهمْ]

- ‌[بَاب الْوَصِيَّة بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَة]

- ‌[بَاب وَصِيَّة الذِّمِّيّ]

- ‌[بَاب الْوَصِيّ]

- ‌[فَصَلِّ شَهِدَ الْوَصِيَّانِ أَنْ الْمَيِّت أَوْصَى إلَى زَيْد مَعَهُمَا]

- ‌[كِتَاب الْخُنْثَى]

- ‌[مَسَائِل شَتَّى]

- ‌[كِتَاب الْفَرَائِض]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْعُصُبَات]

- ‌[فَصَلِّ فِي الحجب]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْعَوْل]

- ‌[فَصَلِّ فِي ذَوِي الْأَرْحَام]

- ‌[فَصَلِّ فِي مِيرَاث الْغَرْقَى والهدمى]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْمُنَاسَخَة]

- ‌[حِسَاب الْفَرَائِض]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا يَعْرِف بِهِ تداخل الْعَدَدَيْنِ]

- ‌[خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: أَرْض جَارِهِ) أَوْ غَرِقَتْ لِأَنَّهُ مُسَبِّبٌ وَلَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِيهِ فَلَا

أَرْض جَارِهِ) أَوْ غَرِقَتْ لِأَنَّهُ مُسَبِّبٌ وَلَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِيهِ فَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا وَإِنَّمَا قُلْنَا لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِيهِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَمْلَأَ أَرْضَهُ مَاءً وَيَسْقِيَهَا كَمَا فِي الْمِنَحِ.

وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ هَذَا إذَا سَقَى فِي نَوْبَتِهِ مِقْدَارَ حَقِّهِ وَأَمَّا إذَا سَقَى فِي غَيْرِ نَوْبَتِهِ أَوْ زَادَ عَلَى حَقِّهِ يَضْمَنُ عَلَى مَا قَالَ إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ وَذَكَرَهُ فِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ إذَا سَقَى سَقْيًا غَيْرَ مُعْتَادٍ فَتَعَدَّى ضَمِنَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.

(وَلَا يَضْمَنُ مَنْ سَقَى مِنْ شِرْبِ غَيْرِهِ) لِأَنَّ الشِّرْبَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَهُوَ مُخْتَارُ الْإِمَامِ الْمَعْرُوفِ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.

وَفِي الزَّاهِدِيِّ مَنْ سَقَى مِنْ شِرْبِ غَيْرِهِ يُرْفَعُ إلَى السُّلْطَانِ لِيُؤَدِّبَهُ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ.

وَفِي الْمِنَحِ وَإِنْ أَخَذَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ يُؤَدِّبُهُ السُّلْطَانُ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ إنْ رَأَى ذَلِكَ.

[كِتَاب الْأَشْرِبَة]

ذَكَرَ الْأَشْرِبَةَ بَعْدَ الشِّرْبِ لِأَنَّهُمَا شُعْبَتَا عِرْقٍ وَاحِدٍ لَفْظًا وَمَعْنًى وَقَدَّمَ الشِّرْبَ لِمُنَاسَبَتِهِ لِإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَمِنْ مَحَاسِنِهِ بَيَانُ حُرْمَتِهَا إذْ لَا شُبْهَةَ فِي حُسْنِ تَحْرِيمِ مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ الَّذِي هُوَ مَلَاكُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَشُكْرُ إنْعَامِهِ فَإِنْ قِيلَ مَا بَالُهُ حَلَّ لِلْأُمَمِ السَّالِفَةِ مَعَ احْتِيَاجِهِمْ إلَى ذَلِكَ قُلْتُ بِأَنَّ السُّكْرَ حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَحُرْمَةُ شُرْبِ الْقَلِيلِ عَلَيْنَا كَرَامَةً لَنَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِئَلَّا نَقَعَ فِي الْمَحْظُورِ وَنَحْنُ مَشْهُودٌ لَنَا بِالْحُرْمَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا سِوَى الْفُرُوجِ الْإِبَاحَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] وَقَالَ {كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا طَيِّبًا} [البقرة: 168] وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِعَارِضِ نَصٍّ مُطْلَقٍ أَوْ خَبَرٍ مَرْوِيٍّ فَمَا لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ الدَّلَائِلِ الْمُحَرِّمَةِ فَهِيَ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَقَدْ دَلَّ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: 90] الْآيَةَ وَقَوْلُ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ فَالشَّرَابُ لُغَةً اسْمٌ لِمَا يُشْرَبُ مَاءً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ حَلَالًا أَوْ غَيْرَهُ وَاصْطِلَاحًا مَا هُوَ مُسْكِرٌ وَمَا يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ عَشْرَةٍ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَالْمُضَافُ مَحْذُوفٌ أَيْ شُرْبُ الْأَشْرِبَةِ وَأُصُولُهَا الثِّمَارُ كَالْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْحُبُوبَاتِ كَالْبُرِّ وَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ وَالْحَلَاوَاتِ كَالسُّكَّرِ وَالْفَانِيذِ وَالْعَسَلِ وَالْأَلْبَانِ كَلَبَنِ الْإِبِلِ وَالرِّمَاكِ وَالْمُتَّخَذُ مِنْ الْعِنَبِ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ أَوْ سِتَّةٌ ثَلَاثَةٌ وَمِنْ الزَّبِيبِ اثْنَانِ وَمِنْ كُلِّ الْبَوَاقِي وَاحِدٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَوْعَيْنِ وَمَطْبُوخٌ كَمَا سَيَأْتِي.

(تَحْرُمُ الْخَمْرُ) وَإِنْ قَلَّتْ (وَهِيَ النِّيُّ)

ص: 568

بِكَسْرِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ (مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا غَلَا) مِنْ غَلَا يَغْلِي غَلْيًا وَغَلَيَانًا أَيْ صَارَ أَسْفَلُهُ أَعْلَى (وَاشْتَدَّ) أَيْ قَوِيَ بِحَيْثُ تَصِيرُ مُسْكِرًا (وَالْقَذْفُ بِالزَّبَدِ) بِالتَّحْرِيكِ أَيْ رَمْيُهُ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الزَّبَدِ فَيَصْفُو وَيَرِقُّ (شَرْطٌ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْغَلَيَانَ بِدَايَةُ الشِّدَّةِ وَالْقَذْفِ بِالزَّبَدِ، وَالسُّكُونُ كَمَالُ الشِّدَّةِ إذْ بِهِ يَتَمَيَّزُ الصَّافِي عَنْ الْكَدِرِ (خِلَافًا لَهُمَا) لِأَنَّ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَذْفُ بِالزَّبَدِ لِأَنَّهُ يُسَمَّى خَمْرًا قَبْلَ الْقَذْفِ.

وَفِي الْمِنَحِ وَالْغَلَيَانُ وَالشِّدَّةُ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ.

وَفِي النِّهَايَةِ وَلَا يُحَدُّ بِدُونِ الْقَذْفِ احْتِيَاطًا بِهِ قَالَ ابْنُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَخَصَّ اسْمَ الْخَمْرِ بِالنِّيِّ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا صَارَ مُسْكِرًا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَاسْتُعْمِلَ فِيهِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَفْظُ الْخَمْرِ اسْمٌ لِكُلِّ مُسْكِرٍ نِيًّا كَانَ أَوْ مَطْبُوخًا مِنْ مَاءِ عِنَبٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ مُخَامَرَةِ الْعَقْلِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ مُسْكِرٍ وَأُجِيبَ عَنْهُ إنَّمَا سُمِّيَ هَذَا خَمْرًا لِتَخَمُّرِهِ وَهُوَ الشِّدَّةُ وَالْقُوَّةُ أَوْ لِاخْتِمَارِهِ وَهُوَ تَغَيُّرُ رِيحِهِ لَا لِلْمُخَامَرَةِ وَلَوْ سُلِّمَ إنَّمَا سُمِّيَ لِمُخَامَرَتِهِ الْعَقْلَ وَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا يُخَامِرُ الْعَقْلَ يُسَمَّى خَمْرًا كَالنَّجْمِ لِأَنَّهُ اسْمٌ خَاصٌّ بِالْكَوَاكِبِ لِظُهُورِهِ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا ظَهَرَ يُسَمَّى نَجْمًا مَعَ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ فِي الْوَضْعِ تُعْتَبَرُ تَارَةً كَمَا فِي النَّجْمِ وَالْخَمْرِ وَقَدْ لَا تُعْتَبَرُ تَارَةً كَمَا فِي الْحَجَرِ وَالْجِدَارِ.

(وَ) يَحْرُمُ (الطِّلَاءُ) بِكَسْرِ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَمَدِّ الْأَلْفِ (وَهُوَ مَا طُبِخَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ (فَذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ) كَمَا فِي الْوِقَايَةِ وَالْكَنْزِ لَكِنْ فِي التَّبْيِينِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ الطِّلَاءُ اسْمٌ لِلْمُثَلَّثِ وَهُوَ مَا إذَا طُبِخَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَصَارَ مُسْكِرًا وَهُوَ الصَّوَابُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ الطِّلَاءِ مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ وَيُؤَيِّدُ الْمُحِيطُ تَفْسِيرَ الْجَوْهَرِيِّ إيَّاهُ بِمَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ.

وَفِي الْهِدَايَةِ كَمَا فِي الْمَتْنِ اعْتَبَرَ الذَّاهِبَ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثَيْهِ وَيُسَمَّى الْبَاذَقُ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ الذَّاهِبُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ الذَّاهِبُ ثُلُثَيْنِ (فَإِنْ ذَهَبَ نِصْفُهُ) بِالطَّبْخِ وَبَقِيَ النِّصْفُ (سُمِّيَ مُنَصَّفًا وَإِنْ طُبِخَ بِأَدْنَى طَبْخَةٍ سُمِّيَ بَاذِقًا) اسْمٌ لِمَا يُطْبَخُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ حَتَّى يَذْهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ النِّصْفِ بَعْدَمَا صَارَ مُسْكِرًا (إذَا غَلَا وَاشْتَدَّ) وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ عَلَى الِاخْتِلَافِ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ مُلِذٌّ مُطْرِبٌ يَدْعُو قَلِيلُهُ إلَى كَثِيرِهِ

ص: 569

كَالْخَمْرِ وَلِهَذَا يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْفُسَّاقُ فَيَحْرُمُ شُرْبُهُ دَفْعًا لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْفَسَادُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إنَّهُ مُبَاحٌ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ لِأَنَّهُ مَشْرُوبٌ طَيِّبٌ وَلَيْسَ بِخَمْرٍ.

(وَ) يَحْرُمُ (السَّكَرُ) وَفِي الْمَغْرِبِ بِفَتْحَتَيْنِ عَصِيرُ الرُّطَبِ وَلِهَذَا قَالَ (وَهُوَ الْأَحْمَزَ مِنْ مَاءِ الرُّطَبِ) .

وَفِي الْمِنَحِ وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ سَكَرَتْ الرِّيحُ إذَا سَكَنَتْ فَسَّرَهُ الْجَوْهَرِيُّ بِنَبِيذِ التَّمْرِ.

وَفِي الْهِدَايَةِ السَّكَرُ هُوَ الْأَحْمَزَ مِنْ مَاءِ التَّمْرِ أَيْ الرُّطَبِ.

وَفِي الْعِنَايَةِ إنَّمَا فَسَّرَ التَّمْرَ بِالرُّطَبِ لِأَنَّ الْمُتَّخَذَ مِنْ مَاءِ التَّمْرِ اسْمُهُ نَبِيذُ التَّمْرِ لَا السَّكَرِ وَهُوَ حَلَالٌ عَلَى قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ فَبَيْنَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ وَالْفُقَهَاءِ نَوْعُ مُخَالَفَةٍ فَلْيُتَأَمَّلْ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ (إذَا غَلَا وَاشْتَدَّ) وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ وَقِيلَ حَلَالٌ.

وَقَالَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ مُبَاحٌ وَإِنْ قَذَفَ بِالزَّبَدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل: 67] لِأَنَّ الذِّكْرَ وَقَعَ فِي مَوْضِعِ الْمِنَّةِ وَهِيَ لَا تَتَحَقَّقُ بِالْمُحَرَّمِ قِيلَ فِي جَوَابِهِ إنَّ تَوْصِيفَ الْمَعْطُوفِ بِالْحَسَنِ لَا يَخْلُو عَنْ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَيُجَامِعُ أَنَّ الِامْتِنَانَ مَشُوبٌ بِالتَّوْبِيخِ هُوَ تَتَّخِذُونَ سَكَرًا وَتَدَعُونَ رِزْقًا حَسَنًا.

(وَ) يَحْرُمُ (نَقِيعُ الزَّبِيبِ) وَهِيَ الْأَحْمَزَ مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ (إذَا غَلَا وَاشْتَدَّ) وَيَتَأَتَّى فِيهِ خِلَافُ الْأَوْزَاعِيِّ (وَاشْتَرَطَ قَذْفَ الزَّبَدِ فِيهِنَّ) أَيْ فِي النَّقِيعِ وَالسَّكَرِ وَالطِّلَاءِ (عَلَى مَا فِي الْخَمْرِ) أَيْ عَلَى الْخِلَافِ الْوَاقِعِ فِيهَا (وَالْكُلُّ) مِنْ الطِّلَاءِ وَالْمُنَصَّفِ وَالْبَاذِقِ وَالسَّكَرِ وَالنَّقِيعِ (حَرَامٌ) لِحَدِيثِ «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» وَلَعَلَّهُ لِإِخْلَالِهِ بِسَلَامَةِ الْعَقْلِ (وَحُرْمَتُهَا) أَيْ حُرْمَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ (دُونَ) حُرْمَةِ (الْخَمْرِ فَنَجَاسَةُ الْخَمْرِ غَلِيظَةٌ) رِوَايَةً وَاحِدَةً كَالْبَوْلِ لِثُبُوتِ حُرْمَتِهَا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ (وَنَجَاسَةُ هَذِهِ) الْأَشْيَاءِ (مُخْتَلَفٌ فِي غِلْظَتِهَا وَخِفَّتِهَا) فَإِنَّ نَجَاسَتَهَا خَفِيفَةٌ فِي رِوَايَةٍ.

(وَيُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّ الْخَمْرِ) لِإِنْكَارِهِ الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ (دُونَ هَذِهِ) الْأَشْيَاءِ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ بَلْ اجْتِهَادِيَّةٌ (وَيُحَدُّ بِشُرْبِ قَطْرَةٍ مِنْ الْخَمْرِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يُسْكِرْ بِخِلَافِ هَذِهِ) الْأَشْيَاءِ أَيْ لَا يُحَدُّ فِيهَا مَا لَمْ يَسْكَرْ مِنْهَا لِأَنَّ الْحَدَّ وَرَدَ فِي النِّيّ خَاصَّةً وَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْمَطْبُوخِ (وَيَجُوزُ بَيْعُ هَذِهِ) الْأَشْيَاءِ وَ (وَيَضْمَنُ مُتْلِفُهَا) عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) كَمَا مَرَّ فِي الْغَصْبِ (وَفِي الْخَمْرِ عَدَمُ جَوَازِ الْبَيْعِ وَعَدَمُ الضَّمَانِ) عَلَى الْمُتْلِفِ (إجْمَاعٌ) أَمَّا عَدَمُ جَوَازِ الْبَيْعِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا وَأَكْلَ ثَمَنِهَا» وَأَمَّا عَدَمُ الضَّمَانِ فَلِسُقُوطِ تَقَوُّمِهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ (وَلَوْ طُبِخَتْ الْخَمْرُ أَوْ غَيْرُهَا) مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ (بَعْدَ الِاشْتِدَادِ لَا تَحِلُّ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (ذَهَبَ الثُّلُثَانِ) وَبَقِيَ الثُّلُثُ لِأَنَّ الطَّبْخَ لِلْمَنْعِ مِنْ ثُبُوتِ

ص: 570

الْحُرْمَةِ لَا لِرَفْعِهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا (لَكِنْ قِيلَ لَا يُحَدُّ) مَنْ شَرِبَ ذَلِكَ الْمَطْبُوخَ (مَا لَمْ يَسْكَرْ) لِأَنَّ الْحَدَّ فِي الْقَلِيلِ وَرَدَ فِي النِّيّ وَالطَّبْخُ يُورِثُ الشُّبْهَةَ وَالْحَدُّ يَنْدَرِئُ بِهَا وَعِنْدَ السُّكْرِ يُلْحَقُ بِالْخَمْرِ.

(وَيَحِلَّ نَبِيذُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إذَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ) وَهُوَ أَنْ يُطْبَخَ إلَى أَنْ يَنْضَجَ.

(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (اشْتَدَّ) بِمُكْثِهِ (مَا لَمْ يَسْكَرْ) بِلَا نِيَّةِ لَهْوٍ وَطَرَبٍ بَلْ بِنِيَّةِ تَقَوٍّ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا تَنْتَبِذُوا الرُّطَبَ وَالزَّبِيبَ مَعًا وَلَكِنْ انْتَبَذُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ» وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْمُتَّخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فُرَادَى مُبَاحٌ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْمَطْبُوخِ مِنْهُ إذْ الْأَحْمَزَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.

وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ جَمَعَ فِي الطَّبْخِ بَيْنَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ أَوْ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ لِأَنَّ التَّمْرَ إنْ كَانَ يُكْتَفَى فِيهِ بِأَدْنَى طَبْخَةٍ فَعَصِيرُ الْعِنَبِ لَا بُدَّ أَنْ يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ فَيُعْتَبَرُ جَانِبُ الْعِنَبِ احْتِيَاطًا وَكَذَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَنَقِيعِ التَّمْرِ لِمَا قُلْنَا انْتَهَى هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَنَبِيذُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إذَا طُبِخَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَدْنَى طَبْخَةٍ حَلَالٌ تَتَبَّعْ.

(وَكَذَا) يَحِلُّ (نَبِيذُ الْعَسَلِ وَالتِّينِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ) .

وَفِي الْهِدَايَةِ وَنَبِيذُ الْعَسَلِ وَالتِّينِ وَنَبِيذُ الْحِنْطَةِ وَالذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ حَلَالٌ وَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ وَهَذَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ وَطَرَبٍ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ» وَأَشَارَ إلَى الْكَرْمَةِ وَالنَّخْلَةِ خَصَّ التَّحْرِيمَ بِهِمَا وَالْمُرَادُ بَيَانُ الْحُكْمِ انْتَهَى لَكِنْ يُنَافِي قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «حُرِّمَتْ الْخَمْرُ لِعَيْنِهَا وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ» إلَّا أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى سُكْرٍ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ يُتَّخَذُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ غَيْرِ الْخَمْرِ كَمَا فِي التَّسْهِيلِ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ قَلِيلُهُ حَرَامٌ» .

وَقَالَ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا لَيْسَ بِثَابِتٍ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا ثُبُوتَهُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَدَحِ الْأَخِيرِ تَتَبَّعْ، فَإِنَّ أَقْوَالَ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الْمَحِلِّ مُضْطَرِبَةٌ (وَالْخَلِيطَيْنِ) مِنْ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ (طُبِخَتْ أَوْ لَا) هَذَا قَيْدٌ لِقَوْلِهِ وَكَذَا نَبِيذُ الْعَسَلِ إلَى هُنَا لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ وَلَا بَأْسَ بِالْخَلِيطَيْنِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ قَالَ سَقَانِي ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - شَرْبَةً مَا كِدْتُ أَهْتَدِي إلَى أَهْلِي فَغَدَوْتُ إلَيْهِ مِنْ الْغَدِ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ مَا زِدْنَاكَ عَلَى عَجْوَةٍ وَزَبِيبٍ وَهَذَا مِنْ الْخَلِيطَيْنِ وَكَانَ مَطْبُوخًا لِأَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ عُمَرَ نَقِيعُ الزَّبِيبِ كَانَ حَرَامًا وَهُوَ الْأَحْمَزَ مِنْهُ وَإِلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّنَاقُصِ وَمَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْخَلِيطِ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْقَحْطِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ وَالْإِبَاحَةُ فِي حَالَةِ السَّعَةِ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا ظَهَرَ الْمُنَافَاةُ بَيْنَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ طُبِخَتْ أَوْ لَا وَبَيْنَ قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ وَكَانَ مَطْبُوخًا لَكِنْ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بَعْدَ الِاشْتِدَادِ وَقَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ مَا طُبِخَتْ أَوْ لَا قَبْلَ الِاشْتِدَادِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «نَنْتَبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -

ص: 571

فِي مَسْقَاهُ فَيَأْخُذُ قَبْضَةً مِنْ تَمْرٍ وَقَبْضَةً مِنْ زَبِيبٍ فَيَطْرَحُهُمَا فِيهِ ثُمَّ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَيَنْتَبِذُهُ غَدْوَةً فَيَشْرَبُهُ عَشِيَّةً وَيَنْتَبِذُهُ عَشِيَّةً فَيَشْرَبُهُ غَدْوَةً» فَعُلِمَ أَنَّهُ قَبْلَ الِاشْتِدَادِ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَدُّ فِي الْغَدْوَةِ وَكَذَا فِي الْعَشِيَّةِ غَالِبًا تَتَبَّعْ.

(وَكَذَا) يَحِلُّ (الْمُثَلَّثُ وَهُوَ عَصِيرُ الْعِنَبِ إذَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ) وَبَقِيَ الثُّلُثُ وَلَا يُعْتَبَرُ بِمَا خَرَجَ مِنْ الْقِدْرِ مِنْ شِدَّةِ الْغَلَيَانِ مِنْ الزَّبَدِ فَلَوْ طُبِخَ عَشْرَةُ أَصْوُعٍ مِنْ الْعَصِيرِ فَذَهَبَ صَاعٌ بِالزَّبَدِ طُبِخَ الْبَاقِي حَتَّى يَذْهَبَ سِتَّةٌ أَصْوُعٍ وَيَبْقَى الثُّلُثُ فَيَحِلُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُطْبَخَ مَوْصُولًا فَإِذَا انْقَطَعَ الطَّبْخُ ثُمَّ أُعِيدَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ بِحُدُوثِ الْمَرَارَةِ وَغَيْرِهَا حَلَّ وَإِلَّا حَرُمَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.

(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (اشْتَدَّ) وَقَذَفَ مَا لَمْ يُسْكِرْ بِلَا نِيَّةِ لَهْوٍ وَطَرَبٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّهُ لِغِلْظَتِهِ لَا يَدْعُو إلَى إكْثَارِ شُرْبِهِ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ غَدَاءٌ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ كَمَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ قُبَيْلَهُ.

وَفِي الْهِدَايَةِ وَاَلَّذِي يَصُبُّ الْمَاءَ بَعْدَمَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ حَتَّى يَرِقَّ ثُمَّ يَطْبُخَ طَبْخَةً فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُثَلَّثِ لِأَنَّ صَبَّ الْمَاءِ لَا يَزِيدُهُ إلَّا ضَعْفًا بِخِلَافِ مَا إذَا صَبَّ الْمَاءَ عَلَى الْعَصِيرِ ثُمَّ يُطْبَخُ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَا كُلٍّ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْمَاءَ يَذْهَبُ أَوَّلًا لِلَطَافَتِهِ أَوْ يَذْهَبُ مِنْهُمَا فَلَا يَكُونُ الذَّاهِبُ ثُلُثَيْ مَاءِ الْعِنَبِ (وَفِي الْحَدِّ بِالسُّكْرِ مِنْهَا) إلَى مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ (رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ وُجُوبُهُ) أَيْ وُجُوبُ الْحَدِّ لِأَنَّ الْفُسَّاقَ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ فِي زَمَانِنَا اجْتِمَاعَهُمْ عَلَى سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ بَلْ فَوْقَ ذَلِكَ.

(وَوُقُوعُ طَلَاقٍ مِنْ سُكْرٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ (تَابِعٌ لِلْحُرْمَةِ) فَمَنْ قَالَ إنَّهَا حَرَامٌ يَقَعُ طَلَاقُ مَنْ سَكِرَ مِنْهَا وَمَنْ قَالَ إنَّهَا حَلَالٌ لَا يَقَعُ طَلَاقُ مَنْ سَكِرَ مِنْهَا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّائِمِ وَذَهَابِ الْعَقْلِ بِالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ (وَالْكُلُّ حَرَامٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ (وَبِهِ) أَيْ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ (يُفْتَى) لِفَسَادِ الزَّمَانِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ مِثْلُ قَوْلِهِمَا وَعَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ وَعَنْهُ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِيهِ (وَالْخِلَافُ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْخَيْنِ (إنَّمَا هُوَ عِنْدَ قَصْدِ التَّقَوِّي) بِشُرْبِهَا (أَمَّا عِنْدَ قَصْدِ التَّلَهِّي فَحَرَامٌ إجْمَاعًا) فَإِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْإِجْمَاعِ

ص: 572

لِأَنَّ التَّلَهِّي حَرَامٌ وَمَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَامِ فَهُوَ حَرَامٌ أَيْضًا.

(وَخَلُّ الْخَمْرِ حَلَالٌ) لِزَوَالِ اشْتِدَادِهَا الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الْحُرْمَةِ.

(وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (خُلِّلَتْ بِعِلَاجٍ) بِإِلْقَاءِ مِلْحٍ أَوْ خَلٍّ عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «خَيْرُ خَلِّكُمْ خَلُّ خَمْرِكُمْ» وَلِأَنَّ التَّخْلِيلَ إصْلَاحٌ كَدَبْغِ الْجِلْدِ بِإِزَالَةِ صِفَةِ الْإِسْكَارِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُكْرَهُ تَخْلِيلُهَا وَلَا يَحِلُّ الْخَلُّ الْحَاصِلُ بِهِ إنْ كَانَ التَّخْلِيلُ بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا لِاحْتِمَالِ بَقَاءِ أَجْزَاءِ الْخَمْرِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهِ فَلَهُ فِي الْخَلِّ الْحَاصِلِ بِهِ قَوْلَانِ ثُمَّ إذَا صَارَتْ خَلًّا يَطْهُرُ مَا يُوَازِيهَا مِنْ الْإِنَاءِ وَأَمَّا أَعْلَاهُ وَهُوَ الَّذِي انْتَقَصَ مِنْهُ الْخَمْرُ فَقَدْ قِيلَ يَطْهُرُ تَبَعًا وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ وَلَوْ غُسِلَ بِالْخَلِّ فَخُلِّلَ مِنْ سَاعَتِهِ طَهُرَ لِلِاسْتِحَالَةِ.

(وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِبَاذِ) أَيْ اتِّخَاذِ النَّبِيذِ (فِي الدُّبَّاءِ) وَهُوَ الْقَرْعُ (وَالْحَنْتَمِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَهُوَ الْجَرَّةُ الْخَضْرَاءُ وَقِيلَ هُوَ الْجَرَّةُ الْحَمْرَاءُ يُحْمَلُ فِيهَا الْخَمْرُ وَيُؤَدَّى بِهَا مِنْ نَوَاحِي الْيَمَنِ (وَالْمُزَفَّتِ) هُوَ الْوِعَاءُ الْمَطْلِيُّ بِالزِّفْتِ (وَالنَّقِيرِ) هُوَ الْخَشَبُ الْمَنْقُورُ لِأَنَّ هَذِهِ الظُّرُوفَ كَانَتْ مُخْتَصَّةً بِالْخَمْرِ فَلَمَّا حُرِّمَتْ الْخَمْرُ حُرِّمَ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ الظُّرُوفِ تَشْدِيدًا فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ لِيَتْرُكَهُ النَّاسُ فَلَمَّا مَضَتْ الْأَيَّامُ أُبِيحَ اسْتِعْمَالُهَا لِاسْتِقْرَارِ الْأَمْرِ بِالتَّمَامِ وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِيهَا الْخَمْرُ ثُمَّ انْتَبَذَ فِيهَا يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْوِعَاءُ عَتِيقًا يُغْسَلُ ثَلَاثًا فَيَطْهُرُ وَإِنْ جَدِيدًا لَا يَطْهُرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِتَشَرُّبِهِ الْخَمْرَ فِيهِ بِخِلَافِ الْعَتِيقِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُغْسَلُ ثَلَاثًا وَيُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُمْلَأُ مَاءً مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى إذَا خَرَجَ الْمَاءُ صَافِيًا غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ الْخَمْرَ إذَا صَارَتْ خَلًّا يَطْهُرُ الظَّرْفُ كُلُّهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ التَّكَلُّفِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَدْرِ الشَّهِيدِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّ بُخَارَ الْخَلِّ يَرْتَفِعُ إلَى أَعْلَاهُ فَيَطْهُرُ كُلُّهُ.

(وَيُكْرَهُ شُرْبُ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ) وَهُوَ مَا يَبْقَى فِي أَسْفَلِهِ (وَالِامْتِشَاطُ بِهِ) أَيْ بِدُرْدِيِّ الْخَمْرِ وَإِنَّمَا خَصَّ الِامْتِشَاطَ بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ حَرَامٌ لِأَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي تَحْسِينِ الشَّعْرِ وَالْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ الْحُرْمَةُ لِأَنَّ فِيهِ أَجْزَاءَ الْخَمْرِ وَهَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَلِذَا قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوِقَايَةِ وَحُرِّمَ شُرْبُ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ (وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُ بِلَا سُكْرٍ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ لِلزَّجْرِ عَنْ الْمَيْلِ وَالطَّبْعُ لَا يَمِيلُ إلَى الدُّرْدِيِّ فَقَلِيلُهُ لَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ يُحَدُّ لِأَنَّهُ شُرْبُ جُزْءٍ مِنْ الْخَمْرِ.

(وَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْخَمْرِ) لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالنَّجَسِ حَرَامٌ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي الْكَرَاهِيَةِ (وَلَا) يَجُوزُ (أَنْ يُدَاوَى بِهَا) أَيْ بِالْخَمْرِ (جُرْحٌ) بِضَمِّ الْجِيمِ (وَلَا) يَجُوزُ أَنْ يُدَاوِيَ بِهَا (دَبَرَ دَابَّةٍ) لِأَنَّهُ نَوْعُ انْتِفَاعٍ وَالدَّبَرُ بِالتَّحْرِيكِ قُرْحَةُ دَابَّةٍ (وَلَا تُسْقَى آدَمِيًّا وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (صَبِيًّا لِلتَّدَاوِي) كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْكَرَاهِيَةِ (وَلَا تُسْقَى الدَّوَابَّ) مُطْلَقًا (وَقِيلَ) إنْ أُرِيدَ سَقْيُ

ص: 573