الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي الْكَسْبِ]
ِ وَفِي الِاخْتِيَارِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ حَسَنٍ يَقُولُ طَلَبُ الْكَسْبِ فَرِيضَةٌ كَمَا أَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ وَهَذَا صَحِيحٌ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ «طَلَبُ الْكَسْبِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ» وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «طَلَبُ الْكَسْبِ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ أَيْ الْفَرِيضَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ» وَلِأَنَّهُ لَا يُتَوَسَّلُ إلَى إقَامَةِ الْفَرْضِ إلَّا بِهِ وَكَانَ فَرْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ إلَّا بِقُوَّةِ بَدَنِهِ وَقُوَّةِ بَدَنِهِ بِالْقُوتِ عَادَةً وَخِلْقَةً وَتَحْصِيلُ الْقُوتِ بِالْكَسْبِ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي الطَّهَارَةِ إلَى آلَةِ الِاسْتِقَاءِ وَالْآنِيَةِ وَفِي الصَّلَاةِ إلَى مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَكُلُّ ذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ عَادَةً بِالِاكْتِسَابِ، وَالرُّسُلُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانُوا يَكْتَسِبُونَ وَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلٍ جَمَاعَةٍ أَنْكَرُوا ذَلِكَ وَتَمَامُهُ فِيهِ إنْ شِئْت فَلْيُرَاجَعْ.
وَطَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ أَيْضًا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ حُكِيَ عَنْ أَبِي مُطِيعٍ أَنَّهُ قَالَ النَّظَرُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ طَلَبُ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ إذَا صَحَّتْ النِّيَّةُ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ أَفْعَالِ الْبِرِّ وَكَذَا الِاشْتِغَالُ بِزِيَادَةِ الْعِلْمِ إذَا صَحَّتْ النِّيَّةُ
وَهُوَ أَقْسَامٌ: فَرْضٌ وَهُوَ مِقْدَارُ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِقَامَةِ الْفَرَائِضِ وَمَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَمُسْتَحَبٌّ وَقُرْبَةٌ كَتَعَلُّمِ مَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَعْلِيمِ مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَمُبَاحٌ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ لِلزِّينَةِ وَالْكَمَالِ، وَمَكْرُوهٌ وَهُوَ التَّعَلُّمُ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ وَيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ وَلِذَلِكَ كَرِهَ الْإِمَامُ تَعَلُّمَ الْكَلَامِ وَالْمُنَاظَرَةَ فِيهِ وَرَاءَ قَدْرِ الْحَاجَةِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَتَعَلُّمُ عِلْمِ النُّجُومِ لِمَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ وَأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ لَا بَأْسَ بِهِ وَالزِّيَادَةُ حَرَامٌ وَالْحِيلَةُ وَالتَّمْوِيهُ فِي الْمُنَاظَرَةِ إنْ تَكَلَّمَ مُسْتَرْشِدًا مُنْصِفًا بِلَا تَعَنُّتٍ لَا يُكْرَهُ وَكَذَا إنْ غَيْرَ مُسْتَرْشِدٍ لَكِنَّهُ مُنْصِفٌ غَيْرُ مُتَعَنِّتٍ فَإِنْ أَرَادَ بِالْمُنَاظَرَةِ طَرْحَ الْمُتَعَنِّتِ لَا بَأْسَ بِهِ وَيَحْتَالُ كُلَّ الْحِيلَةِ لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ التَّعَنُّتَ، وَالتَّعَنُّتُ لِدَفْعِ التَّعَنُّتِ مَشْرُوعٌ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَتَعَلُّمُ الْمَنْطِقِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَفِي قُوتِ الْقُلُوبِ جَعَلَ الْجُهَّالُ أَصْحَابَ الْمَنْطِقِ عُلَمَاءَ انْتَهَى.
وَالتَّعْلِيمُ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِقَامَةِ الْفَرْضِ فَرْضٌ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْفَقِيهِ أَنْ يُجِيبَ عَنْ كُلِّ مَا يَسْأَلُ عَنْهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يُجِيبُ غَيْرُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ يَلْزَمُهُ الْجَوَابُ لِأَنَّ الْفَتْوَى وَالتَّعْلِيمَ فَرْضُ كِفَايَةٍ.
(أَفْضَلُهُ) أَيْ الْكَسْبِ (الْجِهَادُ) لِأَنَّ فِيهِ الْجَمْعَ بَيْنَ حُصُولِ الْكَسْبِ وَإِعْزَازِ الدِّينِ وَقَهْرِ عَدُوِّ اللَّهِ (ثُمَّ التِّجَارَةُ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام حَثَّ عَلَيْهَا فَقَالَ «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ مَعَ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ» (ثُمَّ الْحِرَاثَةُ) وَأَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ آدَم عليه الصلاة والسلام (ثُمَّ الصِّنَاعَةُ) ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام -
حَرَّضَ عَلَيْهَا فَقَالَ «الْحِرْفَةُ أَمَانٌ مِنْ الْفَقْرِ» لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ ثُمَّ الْمَذْهَبُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْكَسْبِ فِي الْإِبَاحَةِ عَلَى السَّوَاءِ هُوَ الصَّحِيحُ.
(وَمِنْهُ) أَيْ وَبَعْضُ الْكَسْبُ (فَرْضٌ وَهُوَ) أَيْ الْكَسْبُ (قَدْرُ الْكِفَايَةِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَتَوَسَّلُ إلَى إقَامَةِ الْفَرْضِ إلَّا بِهِ خُصُوصًا إلَى قَضَاءِ الدِّينِ وَنَفَقَةِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَإِنْ تَرَكَ الِاكْتِسَابَ بَعْدَ ذَلِكَ وَسِعَهُ وَإِنْ اكْتَسَبَ مَا يَدَّخِرُهُ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ فَهُوَ فِي سَعَةٍ لِأَنَّ «النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام ادَّخَرَ قُوتَ عِيَالِهِ سَنَةً» كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ.
(وَمُسْتَحَبٌّ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَدْرِ الْكِفَايَةِ (لِيُوَاسِيَ بِهِ) أَيْ بِالزَّائِدِ (فَقِيرًا أَوْ يَصِلَ بِهِ قَرِيبًا) فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِنَفْلِ الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ النَّفْلِ تَخُصُّهُ وَمَنْفَعَةَ الْكَسْبِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ قَالَ عليه السلام «النَّاسُ عِيَالُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَأَحَبُّهُمْ إلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ» .
(وَمُبَاحٌ وَهُوَ الزِّيَادَةُ لِلتَّجَمُّلِ) وَالتَّنَعُّمِ قَالَ عليه السلام «نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ» وَقَالَ عليه السلام «مَنْ طَلَبَ مِنْ الدُّنْيَا حَلَالًا مُتَعَفِّفًا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَوَجْهُهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ» كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ.
(وَحَرَامٌ وَهُوَ الْجَمْعُ لِلتَّفَاخُرِ وَالْبَطَرِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (كَانَ مِنْ حِلٍّ) قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا مُفَاخِرًا مُكَاثِرًا لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» .
(وَيُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ بِلَا إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ) وَلَا يَتَكَلَّفُ لِتَحْصِيلِ جَمِيعِ شَهَوَاتِهِمْ وَلَا يَمْنَعُهُمْ جَمِيعًا بَلْ يَكُونُ وَسَطًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67]«وَلَا يَسْتَدِيمُ الشِّبَعُ قَالَ عليه السلام أَجُوعُ يَوْمًا وَأَشْبَعُ يَوْمًا» (وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ لَزِمَهُ) أَيْ مِنْ الْكَسْبِ لِمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا (وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْكَسْبِ (لَزِمَهُ السُّؤَالُ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ اكْتِسَابٍ لَكِنْ لَا يَحِلُّ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ قَالَ عليه السلام «السُّؤَالُ آخَرُ كَسْبِ الْعَبْدِ» (فَإِنْ تَرَكَهُ) أَيْ السُّؤَالَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ (حَتَّى مَاتَ) مِنْ جُوعِهِ (أَثِمَ) لِأَنَّهُ أَلْقَى نَفْسَهُ إلَى التَّهْلُكَةِ فَإِنَّ السُّؤَالَ يُوَصِّلُهُ إلَى مَا تَقُومُ بِهِ نَفْسُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْكَسْبِ وَلَا ذُلَّ فِي السُّؤَالِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
(وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ السُّؤَالِ الْكَسْبِ (يُفْرَضُ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِهِ) أَيْ بِعَجْزِهِ (أَنْ يُطْعِمَهُ أَوْ يَدُلَّ عَلَيْهِ مَنْ يُطْعِمُهُ) صَوْنًا لَهُ عَنْ الْهَلَاكِ فَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ اشْتَرَكُوا فِي الْإِثْمِ وَإِذَا أَطْعَمَهُ وَاحِدٌ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ وَمَنْ كَانَ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ لَا يَحِلُّ السُّؤَالُ (وَيُكْرَهُ إعْطَاءُ سُؤَالِ) جَمْعُ سَائِلٍ كَنُصَّارٍ جَمْعُ نَاصِرٍ (الْمَسْجِدِ) فَقَدْ جَاءَ فِي الْأَثَرِ يُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِيَقُمْ مَنْ يُبْغِضُ اللَّهُ فَيَقُومُ سُؤَالُ الْمَسْجِدِ (وَقِيلَ إنْ كَانَ) أَيْ السَّائِلُ فِي الْمَسْجِدِ (لَا يَتَخَطَّى رِقَابَ
النَّاسِ وَلَا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ مُصَلٍّ لَا يُكْرَهُ) إعْطَاؤُهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام حَتَّى رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَصَدَّقَ بِخَاتَمِهِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ.
(وَلَا يَجُوزُ قَبُولُ هَدِيَّةِ أُمَرَاءَ الْجَوْرِ) لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي مَالِهِمْ الْحُرْمَةُ (إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّ أَكْثَرَ مَالِهِ مِنْ حِلٍّ) بِأَنْ كَانَ صَاحِبَ تِجَارَةٍ أَوْ زَرْعٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ غَالِبُ مَالِ الْمُهْدِي إنْ حَلَالًا لَا بَأْسَ بِقَبُولِ هَدِيَّتِهِ وَأَكْلِ مَالِهِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ مِنْ حَرَامٍ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَ النَّاسِ لَا يَخْلُو عَنْ حَرَامٍ فَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ وَإِنْ غَالَبَ مَالَهُ الْحَرَامُ لَا يَقْبَلُهَا وَلَا يَأْكُلُ إلَّا إذَا قَالَ إنَّهُ حَلَالٌ أُورِثْتُهُ وَاسْتَقْرَضْتُهُ وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ أَخَذَ مُورِثُهُ رِشْوَةً أَوْ ظُلْمًا إنْ عَلِمَ وَارِثُهُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ بِعَيْنِهِ لَهُ أَخَذَهُ حُكْمًا لَا دِيَانَةً فَيَتَصَدَّقُ بِهِ بِنِيَّةِ الْخُصَمَاءِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَكَانَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْحَكِيمُ يَأْخُذُ جَوَائِزَ السُّلْطَانِ وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا بِمَالٍ مُطْلَقٍ ثُمَّ يَنْقُدُهُ مِنْ أَيِّ مَالٍ شَاءَ كَذَا رَوَاهُ الثَّانِي عَنْ الْإِمَامِ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْمُبْتَلَى بِطَعَامِ الظُّلْمَةِ يَتَحَرَّى إنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ حِلُّهُ قَبِلَ وَأَكَلَ وَإِلَّا لَا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «اسْتَفْتِ قَلْبَك» الْحَدِيثَ وَجَوَابُ الْإِمَامِ فِيمَنْ بِهِ وَرَعٌ وَصَفَاءُ قَلْبٍ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُدْرِكُ بِالْفِرَاسَةِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ السُّلْطَانُ إذَا قَدَّمَ شَيْئًا مِنْ الْمَأْكُولَاتِ إنْ اشْتَرَاهُ يَحِلُّ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِهِ وَلَكِنَّ الرَّجُلَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ فِي الطَّعَامِ شَيْئًا مَغْصُوبًا بِعَيْنِهِ يُبَاحُ أَكْلُهُ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ غَصَبَ لَحْمًا فَطَبَخَهُ أَوْ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيُّ يَحِلُّ لَهُ أَكْلُهُ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ إذَا غَصَبَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا أَوْ لَحْمًا فَطَبَخَهُ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ وَيَصِيرُ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَكْلُهُ حَرَامٌ قَبْلَ أَنْ يَرْضَى صَاحِبُهَا.
(وَلَا تُكْرَهُ إجَارَةُ بَيْتٍ بِالسَّوَادِ) أَيْ بِالْقَرْيَةِ (لِيُتَّخَذَ بَيْتَ نَارٍ أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بِيعَةً أَوْ يُبَاعَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِيُتَّخَذَ أَيْ لِيُبَاعَ (فِيهِ الْخَمْرُ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَارِدَةٌ عَلَى مَنْفَعَةِ الْبَيْتِ وَلَا مَعْصِيَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا مَعْصِيَتُهُ بِفِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ وَهُوَ فِعْلُ الْفَاعِلُ الْمُخْتَارُ فَقَطْعُ نِسْبَتُهُ مِنْهُ كَبَيْعِ الْجَارِيَةِ لِمَنْ لَا يَسْتَبْرِئُهَا أَوْ يَأْتِيهَا مِنْ دُبُرِهَا أَوْ بَيْعُ الْغُلَامِ مِنْ اللُّوطِيِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْغُلَامِ مِنْ اللُّوطِيِّ وَالْمَنْقُولُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ أَنَّهُ يُكْرَهُ (وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ) أَنْ يُؤَجِّرَ بَيْتًا لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ قَالُوا إنَّ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مُخْتَصٌّ بِسَوَادِ الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّ أَغْلَبَ أَهْلِهَا ذِمِّيٌّ وَأَمَّا فِي سَوَادِنَا فَأَعْلَامُ الْإِسْلَامِ ظَاهِرَةٌ فَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ إجَارَةِ الْبَيْتِ لِيَتَّخِذَهُ مَعْبَدًا وَمَفْسَقًا فِي الْأَصَحِّ كَمَا لَا يُمَكَّنُونَ فِي الْأَمْصَارِ لِعَدَمِ الْإِذْنِ مِنْ الْحُكَّامِ فِيمَا تَغْلِبُ فِيهِ شَعَائِرُ الْإِسْلَامِ وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَيُكْرَهُ فِي الْمِصْرِ إجْمَاعًا وَكَذَا فِي سَوَادٍ غَالِبُهُ أَهْلُ الْإِسْلَامِ) لِمَا مَرَّ أَنَّ شَعَائِرَ الْإِسْلَامِ ظَاهِرَةٌ.
(وَمَنْ حَمَلَ لِذِمِّيٍّ
خَمْرًا بِأَجْرٍ طَابَ لَهُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ) لَهُ ذَلِكَ لِوُجُودِ الْإِعَانَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام «لَعَنْ فِي الْخَمْرِ عَشْرًا وَعَدَّ مِنْهَا حَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَ إلَيْهِ» وَلَهُ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ فِي شُرْبِهَا لَا فِي حَمْلِهَا مَعَ الْحَمْلِ يُحْمَلُ عَلَى الْإِرَاقَةِ أَوْ التَّخْلِيلِ وَالْحَدِيثُ مَحْمُولُ عَلَى الْحَمْلِ الْمَقْرُونِ بِقَصْدِ الْمَعْصِيَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا آجَرَ دَابَّةً لِيَنْقُلَ عَلَيْهَا الْخَمْرَ أَوْ آجَرَ نَفْسَهُ لِيَرْعَى الْخَنَازِيرَ وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الزُّنَّارِ مِنْ النَّصَارَى وَالْقَلَنْسُوَةِ مِنْ الْمَجُوسِيِّ وَلَوْ أَنَّ إسْكَافًا أَمَرَهُ إنْسَانٌ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ خُفًّا عَلَى زِيِّ الْمَجُوسِيِّ أَوْ الْفَسَقَةِ أَوْ خَيَّاطًا أَمَرَهُ إنْسَانٌ أَنْ يَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا عَلَى زِيِّ الْفُسَّاقِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ.
(وَلَا بَأْسَ بِقَبُولِ هَدِيَّةِ الْعَبْدِ التَّاجِرِ وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ وَاسْتِعَارَةِ دَابَّتِهِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لَكِنْ جَوَّزَ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ لِلضَّرُورَةِ اسْتِحْسَانًا كَمَا مَرَّ فِي الْمَأْذُونِ (وَكُرِهَ قَبُولُ كِسْوَتِهِ ثَوْبًا وَإِهْدَائِهِ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي الشَّيْءِ الْكَثِيرِ كَالدَّرَاهِمِ وَالثَّبَاتِ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ الْجَوَازِ.
(وَيُقْبَلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ قَوْلُ الْفَرْدِ وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ كَانَ (أُنْثَى أَوْ عَبْدًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ كَافِرًا كَقَوْلِهِ) أَيْ قَوْلِ الْفَرْدِ (شَرَيْت اللَّحْمَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ فَيَحِلُّ أَوْ) شَرَيْته (مِنْ مَجُوسِيٍّ فَيَحْرُمُ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْكَنْزِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ شَارِحَهُ الزَّيْلَعِيَّ قَالَ هَذَا سَهْوٌ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ مِنْ الدِّيَانَاتِ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ خَاصَّةً لِلضَّرُورَةِ انْتَهَى لَكِنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى السَّهْوِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِيمَا يُؤَدِّي إلَى الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ لِأَنَّهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ أَرَادَ بِالْحِلِّ الْحِلَّ الضِّمْنِيَّ وَبِالْحُرْمَةِ الْحُرْمَةَ الضِّمْنِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ حَاصِلَ مَسْأَلَةٍ فِي الْهِدَايَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ وَمَنْ أَرْسَلَ أَجِيرًا لَهُ مَجُوسِيًّا أَوْ خَادِمًا فَاشْتَرَى لَحْمًا فَقَالَ اشْتَرَيْته مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ وَسِعَهُ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْكَافِرِ مَقْبُولٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ صَحِيحٌ لِصُدُورِهِ عَنْ عَقْلٍ وَدِينٍ تُعْتَقَدُ فِيهِ حُرْمَةُ الْكَذِبِ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى قَبُولِهِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْمُعَامَلَاتِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ ذَبِيحَةً غَيْرَ الْكِتَابِيِّ وَالْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ لَمَّا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْحِلِّ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ فِي الْحُرْمَةِ وَمُرَادُ الشَّيْخِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ هُوَ هَذَا أَعْنِي لَمَّا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْحِلِّ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ فِي الْحُرْمَةِ فَافْهَمْ قَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْفَاسِقِ وَالْكَافِرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّهَا يَكْثُرُ وُجُودُهَا فِيمَا بَيْنَ أَجْنَاسِ النَّاسِ فَلَوْ شَرَطْنَا شَرْطًا زَائِدًا أَدَّى إلَى الْحَرَجِ فَقَبِلَ قَوْلَهُ مُطْلَقًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ كَمَا إذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ وَكِيلُ فُلَانٍ فِي بَيْعِ كَذَا فَيَجُوزُ الشِّرَاءُ مِنْهُ وَكَذَا فِي الْوَكَالَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى الرَّأْيِ صِدْقُهُ أَمَّا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ كَذِبُهُ فَلَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ.
(وَ) يُقْبَلُ (قَوْلُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَالصَّبِيِّ فِي الْهَدِيَّةِ) بِأَنْ قَالَ الْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ