الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِالْخِيَارِ لَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ إذَا صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً، إلَّا أَنْ يُكَذِّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ، وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ كَإِقْرَارِهِ بِدَيْنٍ بِسَبَبِ كَفَالَةٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي مُدَّةٍ وَلَوْ كَانَتْ طَوِيلَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ إنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، وَفِي الْغَرَرِ: اشْهَدَا عَلَى أَلْفٍ فِي مَجْلِسٍ، وَآخَرَانِ فِي آخَرَ، لَزِمَ أَلْفَانِ.
الْأَمْرُ بِكِتَابَةِ الْإِقْرَارِ إقْرَارِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ، قِيلَ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ وَقِيلَ حِصَّتُهُ لَكِنَّ الْفَتْوَى فِي زَمَنِنَا بِالْأَوَّلِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ أَقَرَّ ثُمَّ ادَّعَى الْمُقِرُّ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي الْإِقْرَارِ يُحَلَّفُ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ يُفْتَى، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي مَسَائِلَ شَتَّى وَكَذَا لَوْ ادَّعَى وَارِثُ الْمُقِرِّ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى وَرَثَةِ الْمُقَرِّ لَهُ فَالْيَمِينُ عَلَيْهِمْ بِالْعِلْمِ: إنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ كَاذِبًا.
وَفِي الْمِنَحِ: إذَا قَالَ ذُو الْيَدِ: لَيْسَ هَذَا لِي أَوْ لَيْسَ مِلْكِي، أَوْ لَا حَقَّ لِي فِيهِ، أَوْ لَيْسَ لِي فِيهِ حَقٌّ، أَوْ مَا كَانَ لِي، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَلَا مُنَازِعَ لَهُ حِينَمَا قَالَ ثُمَّ ادَّعَى ذَلِكَ أَحَدٌ، فَقَالَ ذُو الْيَدِ: هُوَ لِي صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَهَذَا التَّنَاقُضُ لَا يَمْنَعُ.
أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِعَيْنٍ لَا يَمْلِكُهُ صَحَّ إقْرَارُهُ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ.
طَلَبُ الصُّلْحِ عَنْ الدَّعْوَى لَا يَكُونُ إقْرَارًا وَطَلَبُ الصُّلْحِ عَنْ الْمُدَّعَى يَكُونُ إقْرَارًا " أَبْرَأَنِي عَنْ الدَّعْوَى " لَيْسَ بِإِقْرَارٍ " أَبْرَأَنِي عَنْ هَذَا الْمَالِ " إقْرَارٌ الْإِقْرَارُ بِشَيْءٍ مُحَالٍ بَاطِلٌ وَتَمَامُهُ فِيهِ، فَلْيُطَالَعْ.
[بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ]
ُ لَمَّا ذَكَرَ مُوجَبَ الْإِقْرَارِ بِلَا تَغَيُّرٍ شَرَعَ فِي بَيَانِ مُوجَبِهِ مَعَ التَّغْيِيرِ، وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فِي كَوْنِهِ مُغَيِّرًا لِلسَّابِقِ كَالشَّرْطِ وَنَحْوِهِ. وَالِاسْتِثْنَاءُ: تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا بِاعْتِبَارِ الْحَاصِلِ مِنْ مَجْمُوعِ التَّرْكِيبِ، وَنَفْيٌ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ هَذَا عِنْدَنَا.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: إخْرَاجٌ بَعْدَ الدُّخُولِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ جَائِزٌ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَلَوْ كَانَ إخْرَاجًا لَمَا صَحَّ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ الرُّجُوعَ وَالرَّفْعَ بَعْدَ الْوُقُوعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَشُرِطَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الِاتِّصَالُ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إلَّا إذَا انْفَصَلَ عَنْهُ لِضَرُورَةِ نَفَسٍ أَوْ سُعَالٍ أَوْ أَخْذِ فَمٍ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ الِاتِّصَالَ كَمَا فِي الطَّلَاقِ.
وَالنِّدَاءُ بَيْنَهُمَا لَا يَضُرُّ كَقَوْلِهِ لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ - يَا فُلَانُ - إلَّا عَشَرَةً بِخِلَافِ لَك أَلْفٌ - فَاشْهَدُوا - إلَّا كَذَا وَنَحْوِهِ مِمَّا يُعَدُّ فَاصِلًا، فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَصِحُّ مَعَهُ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَثْنَى مُنْفَصِلًا عَنْ إقْرَارِهِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ، وَالرُّجُوعُ عَنْهُ غَيْرُ جَائِزٍ مُطْلَقًا فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ (صَحَّ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ لَوْ) كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ (مُتَّصِلًا) بِإِقْرَارِهِ (وَلَزِمَهُ بَاقِيهِ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَعَ الْجُمْلَةِ أَيْ الصَّدْرِ عِبَارَةٌ عَنْ الْبَاقِي، لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ " عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا دِرْهَمًا " مَعْنَى قَوْلِهِ " عَلَيَّ تِسْعَةٌ "، سَوَاءٌ اسْتَثْنَى الْأَقَلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ وَهُوَ قَوْلٌ لِلْأَكْثَرِ لِوُرُودِهِمَا فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ اسْتِثْنَاءُ
الْأَكْثَرِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِذَلِكَ وَهُوَ مَذْهَبُ زُفَرَ.
وَفِي النِّهَايَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ اسْتِثْنَاءِ الْأَقَلِّ أَوْ الْأَكْثَرِ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ الْعَرَبُ، وَلَا يُمْنَعُ صِحَّةً إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِطَرِيقِهِمْ كَاسْتِثْنَاءِ الْكُسُورِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ الْعَرَبُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مِمَّا لَا يُقَسَّمُ أَوْ مِمَّا يُقَسَّمُ حَتَّى إذَا قَالَ: هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ إلَّا ثُلُثَهُ أَوْ قَالَ إلَّا ثُلُثَيْهِ صَحَّ.
(وَبَطَلَ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ) وَإِنْ ذَكَرَهُ مَوْصُولًا فَيَلْزَمُهُ كُلُّهُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بَيَانًا لِكَلَامِهِ بَلْ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ إقْرَارِهِ، وَذَا غَيْرُ جَائِزٍ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ: مُقْتَضَى هَذَا الْكَلَامِ صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ فِيمَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي تَنْوِيرِهِ: وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَغْرِقُ بَاطِلٌ وَلَوْ فِيمَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ كَوَصِيَّةٍ إنْ كَانَ بِلَفْظِ الصَّدْرِ أَوْ مُسَاوِيَةٍ، وَإِنْ بِغَيْرِهِمَا كَعَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا هَؤُلَاءِ، أَوْ إلَّا سَالِمًا وَغَانِمًا وَرَاشِدًا - وَهُمْ الْكُلُّ - صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَتَفْصِيلُهُ مَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ.
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ إنَّمَا يَبْطُلُ إذَا كَانَ بِعَيْنِ لَفْظِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِهِ فَصَحِيحٌ كَمَا لَوْ قَالَ: ثُلُثُ مَالِي لِزَيْدٍ إلَّا أَلْفًا - وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفٌ - فَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَا يَكُونُ لِزَيْدٍ شَيْءٌ كَمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ.
وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ رُجُوعٌ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ كُلَّ الْكَلَامِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ اسْتِثْنَاءٌ فَاسِدٌ وَلَيْسَ بِرُجُوعٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى.
(وَإِنْ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ وَاسْتَثْنَى أَحَدَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا وَبَعْضَ الْآخَرِ بَطَلَ اسْتِثْنَاؤُهُ) يَعْنِي لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ وَكُرُّ شَعِيرٍ إلَّا كُرَّ حِنْطَةٍ وَقَفِيزَ شَعِيرٍ، فَاسْتِثْنَاءُ كُرٍّ وَقَفِيزٍ بَاطِلٌ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْقَفِيزِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُتَّصِلٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ " إلَّا كُرَّ حِنْطَةٍ " اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ لَفْظًا إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ، وَإِذَا كَانَ كَلَامًا مُتَّصِلًا كَانَ اسْتِثْنَاءُ الْقَفِيزِ مُتَّصِلًا فَيَصِحُّ.
وَلَهُ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكُرِّ بَاطِلٌ إجْمَاعًا فَكَانَ لَغْوًا فَكَانَ قَاطِعًا لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا، وَإِنَّمَا صَوَّرْنَاهَا بِتَقْدِيمِ الْكُرِّ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ الْقَفِيزَ بِأَنْ قَالَ: إلَّا قَفِيزَ شَعِيرٍ وَكُرَّ حِنْطَةٍ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْقَفِيزِ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الْفَاصِلِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ بِمَحَلِّهِ بَلْ يَلْزَمُ التَّفْصِيلُ تَأَمَّلْ.
(وَإِنْ اسْتَثْنَى بَعْضَ أَحَدِهِمَا) بِأَنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ وَكُرُّ شَعِيرٍ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ، أَوْ إلَّا قَفِيزَ شَعِيرٍ (أَوْ بَعْضَ كُلٍّ مِنْهُمَا) بِأَنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ أَوْ كُرُّ شَعِيرٍ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ وَقَفِيزَ شَعِيرٍ (صَحَّ اتِّفَاقًا) فِي الصُّورَتَيْنِ لِعَدَمِ تَحَلُّلِ الْقَاطِعِ فِي الْأُولَى، وَفِي الثَّانِيَةِ أَنَّ قَوْلَهُ " إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ " اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ مُفِيدٌ فَلَا يَكُونُ قَاطِعًا فَصَحَّ الْعَطْفُ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ كُرُّ حِنْطَةٍ وَكُرُّ شَعِيرٍ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ وَقَفِيزَ شَعِيرٍ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ.
(وَلَوْ اسْتَثْنَى كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا أَوْ عَدَدِيًّا مُتَقَارِبًا مِنْ دَرَاهِمَ) بِأَنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا قَفِيزَ بُرٍّ، أَوْ إلَّا دِينَارًا، أَوْ إلَّا مِائَةَ جَوْزٍ (صَحَّ بِالْقِيمَةِ) اسْتِحْسَانًا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَلَزِمَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا قِيمَةَ الْقَفِيزِ، أَوْ الدِّينَارِ، أَوْ الْجَوْزِ لِأَنَّ
الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ الْبَعْضِ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، إذْ الْمُقَدَّرَاتُ جِنْسٌ وَاحِدٌ مَعْنًى وَلَوْ أَجْنَاسًا صُورَةً؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ فِي الذِّمَّةِ ثَمَنًا فَكَانَتْ جِنْسًا وَاحِدًا فِي حُكْمِ الثُّبُوتِ فِي الذِّمَّةِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَصِحَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَعَنْ هَذَا قَالَ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا الِاسْتِثْنَاءُ لَكَانَ دَاخِلًا تَحْتَ الصَّدْرِ وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي خِلَافِ الْجِنْسِ.
(وَلَوْ اسْتَثْنَى مِنْهَا) أَيْ مِنْ الدَّرَاهِمِ (شَاةً أَوْ ثَوْبًا أَوْ دَارًا بَطَلَ اتِّفَاقًا) لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا يُفِيدُ الِاتِّحَادَ الْجِنْسِيَّ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وَصْفِ الثَّمَنِيَّةِ وَلَوْ مَعْنًى.
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ وَالْعَدَدِيِّ لِتَحَقُّقِ الْمُجَانَسَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ فَيُطْرَحُ قَدْرُ قِيمَةِ الْمُسْتَثْنَى وَلَزِمَهُ الْبَاقِي.
وَفِي التَّنْوِيرِ: وَإِذَا اسْتَثْنَى عَدَدَيْنِ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الشَّكِّ كَانَ الْأَقَلُّ مُخْرَجًا، نَحْوُ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا مِائَةً، أَوْ خَمْسِينَ فَيَلْزَمُهُ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولًا يَثْبُتُ أَكْثَرُ، نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا شَيْئًا، أَوْ قَلِيلًا، أَوْ بَعْضًا لَزِمَهُ أَحَدٌ وَخَمْسُونَ وَتَمَامُ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي شَرْحِهِ، فَلْيُطَالَعْ.
(وَمَنْ وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ " بَطَلَ إقْرَارُهُ) لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - إبْطَالٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَبَطَلَ قَبْلَ انْعِقَادِهِ لِلْحُكْمِ وَتَعْلِيقٍ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَكَانَ إعْدَامًا مِنْ الْأَصْلِ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ، لَكِنَّ فِي الْعِنَايَةِ خِلَافَهُ لِأَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِقْرَارُ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - إمَّا إبْطَالٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ، أَوْ تَعْلِيقٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ فَتَلْزَمُ الْمُنَافَاةُ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ.
(وَكَذَا إنْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ مَنْ لَا تُعْرَفُ مَشِيئَتُهُ كَالْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ) أَيْ: إنْ شَاءَ الْجِنُّ أَوْ الْمَلَائِكَةُ لِأَنَّهُ لَا نَعْرِفُ مَشِيئَتَهُمْ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَمِ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ.
وَفِي الْبَحْرِ، وَكَذَا بِمَشِيئَةِ فُلَانٍ، وَإِنْ شَاءَ، وَكَذَا كُلُّ إقْرَارٍ عُلِّقَ بِشَرْطٍ عَلَى خَطَرٍ وَلَمْ يَتَضَمَّنْ دَعْوَى أَجَلٍ، كَأَنْ قَالَ: إنْ حَلَفْت فَلَكَ مَا ادَّعَيْت بِهِ وَإِنْ بِشَرْطٍ كَائِنٍ فَتَنْجِيزٌ، كَعَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ مِتّ لَزِمَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَإِنْ تَضَمَّنَ دَعْوَى الْأَجَلِ كَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا لَزِمَهُ لِلْحَالِ وَيُسْتَحْلَفُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْأَجَلِ.
(وَلَوْ أَقَرَّ بِدَارٍ وَاسْتَثْنَى بِنَاءَهَا) بِأَنْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ وَالْبِنَاءُ لِنَفْسِي (كَانَا) أَيْ الدَّارُ وَالْبِنَاءُ جَمِيعًا (لِلْمُقَرِّ لَهُ) لِأَنَّ الْبِنَاءَ دَاخِلٌ فِي إقْرَارٍ مَعْنًى لَا لَفْظًا، وَالِاسْتِثْنَاءُ تَصَرُّفٌ فِي اللَّفْظِ فَلَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ اسْتِثْنَاءِ الْبَيْتِ مِنْ الدَّارِ كَاسْتِثْنَاءِ ثُلُثِهَا، لِأَنَّ أَجْزَاءَ الدَّارِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الدَّارِ فَصَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْبِنَاءِ مِنْهَا.
(وَلَوْ قَالَ) الْمُقِرُّ (بِنَاؤُهَا لِي وَالْعَرْصَةُ) أَيْ الْبُقْعَةُ
(لَهُ كَانَ) الْحُكْمُ أَوْ الْإِقْرَارُ (كَمَا قَالَ) بِأَنْ يَكُونَ الْبِنَاءُ لَهُ وَالْعَرْصَةُ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّ الْعَرْصَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْبُقْعَةِ دُونَ الْبِنَاءِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ بَيَاضُ هَذِهِ الْأَرْضِ دُونَ الْبِنَاءِ لِفُلَانٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ إلَيَّ وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ الْبِنَاءُ أَيْضًا لِأَنَّ الْأَرْضَ كَالدَّارِ فَيَتْبَعُهَا الْبِنَاءُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِزَيْدٍ، وَالْأَرْضُ لِعَمْرٍو حَيْثُ يَكُونُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ (وَفَصُّ الْخَاتَمِ، وَنَخْلُ الْبُسْتَانِ كَبِنَائِهَا) ، وَكَذَا طَوْقُ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ دُخُولَ الْفَصِّ فِي الْخَاتَمِ بِالتَّبَعِيَّةِ، وَكَذَا دُخُولُ النَّخْلِ فِي الْبُسْتَانِ، فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: الْحُقَّةُ لِفُلَانٍ وَالْفَصُّ لِي وَالْأَرْضُ لَهُ وَالنَّخْلُ لِي يَصِحُّ.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ) دِرْهَمٍ (مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ) اشْتَرَيْته مِنْهُ (لَمْ أَقْبِضْهُ) أَيْ الْعَبْدَ، الْجُمْلَةُ صِفَةُ عَبْدٍ (فَإِنْ عَيَّنَهُ) أَيْ الْمُقِرُّ الْعَبْدَ بِأَنْ ذَكَرَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ، وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي شِرَائِهِ وَعَدَمِ قَبْضِهِ (قِيلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ: سَلِّمْ) الْعَبْدَ إلَى الْمُقِرِّ (وَتَسَلَّمْ) أَمْرٌ مِنْ التَّفَعُّلِ، أَيْ: خُذْ ثَمَنَهُ مِنْهُ (إنْ شِئْت) فَإِنْ سَلَّمَ الْمُقَرُّ لَهُ الْعَبْدَ الْمُعَيَّنَ بِأَنْ يُحْضِرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَلْزَمُ عَلَى الْمُقِرِّ أَلْفٌ بِهَذَا الْقَيْدِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ عَلَى صِفَةٍ فَيَلْزَمُهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ الْعَبْدَ إلَى الْمُقِرِّ لَا يَلْزَمُهُ أَلْفٌ إجْمَاعًا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا مَا ذُكِرَ هُنَا.
وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ الْمُقَرُّ لَهُ: الْقِنُّ قِنُّك مَا بِعْته وَإِنَّمَا بِعْتُك قِنًّا غَيْرَهُ، وَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ.
وَالثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ: الْقِنُّ قِنِّي مَا بِعْتُكَهُ وَحُكْمُهُ أَنْ لَا يَلْزَمَ عَلَى الْمُقِرِّ شَيْءٌ.
وَالرَّابِعُ أَنْ يَقُولَ: الْقِنُّ قِنِّي مَا بِعْتُكَهُ، وَأَنَا بِعْتُك غَيْرَهُ، وَحُكْمُهُ أَنْ يَتَحَالَفَا لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمَبِيعِ، وَهُوَ يُوجِبُ التَّحَالُفَ، وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ، فَلْيُرَاجَعْ.
(وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ) أَيْ الْمُقِرُّ الْعَبْدَ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي عَدَمِ قَبْضِهِ (لَزِمَهُ) أَيْ الْمُقِرَّ (الْأَلْفُ وَلَغَا قَوْلُهُ لَمْ أَقْبِضْهُ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ بَعْدَ الْإِقْرَارِ فَلَا يَصِحُّ لَا مَوْصُولًا وَلَا مَفْصُولًا، وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ وَعِنْدَهُمَا إنْ وَصَلَ صُدِّقَ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَإِنْ فَصَلَ فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ سَبَبَ الْوُجُوبِ لَمْ يُصَدَّقْ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ لِأَنَّهُ بَيَانُ تَغْيِيرٍ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ.
(وَلَوْ قَالَ) لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ لَا يُصَدَّقُ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَلَ أَوْ فَصَلَ وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ (وَعِنْدَهُمَا) وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (إنْ وَصَلَ صُدِّقَ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ عَلَى مَا مَرَّ آنِفًا، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَهُوَ حَرَامٌ أَوْ رِبًا، فَهِيَ لَازِمَةٌ لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هَذَا حَلَالًا عِنْدَ غَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ: زُورًا أَوْ بَاطِلًا إنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَذَّبَهُ لَزِمَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَلَوْ قَالَ) : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ، أَوْ أَقْرَضَنِي وَهِيَ) أَيْ الْأَلْفُ (زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ) أَوْ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ (لَزِمَهُ الْجِيَادُ) لِأَنَّ الْبَيْعَ أَوْ الْقَرْضَ يَقَعُ عَلَى الْجِيَادِ فَلَا يَجُوزُ التَّفْسِيرُ بِضِدِّهَا هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ إقْرَارِهِ
وَصَلَ أَوْ فَصَلَ (وَقَالَا يَلْزَمُهُ مَا قَالَ إنْ وَصَلَ) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ بَيَانُ تَغْيِيرٍ فَيُصَدَّقُ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ.
(وَإِنْ قَالَ) لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (مِنْ غَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ وَهِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ صُدِّقَ) اتِّفَاقًا وَصَلَ أَوْ فَصَلَ فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ، وَكَذَا الْوَدِيعَةُ لِأَنَّ الشَّخْصَ يَغْصِبُ بِمَا يَجِدُهُ وَيُودِعُ بِمَا يَمْلِكُهُ فَلَا يَكُونُ رُجُوعًا بَلْ بَيَانًا لِلنَّوْعِ فَصُدِّقَ مُطْلَقًا.
(وَلَوْ قَالَ) : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ غَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ وَهِيَ (سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ فَإِنْ وَصَلَ صُدِّقَ) لِأَنَّهُ بَيَانُ تَغْيِيرٍ (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ، وَإِنْ فَصَلَ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ، إلَّا أَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَتَنَاوَلُهُمَا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ فَكَانَ بَيَانًا مُغَيِّرًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْوَصْلِ.
(وَلَوْ قَالَ غَصَبْت ثَوْبًا وَجَاءَ بِمَعِيبٍ) أَيْ بِثَوْبٍ مَعِيبٍ (صُدِّقَ) الْمُقِرُّ مَعَ الْحَلِفِ إنْ لَمْ يُثْبِتْ الْخَصْمُ سَلَامَتَهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْغَصْبَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالسَّلِيمِ كَالْوَدِيعَةِ.
(وَلَوْ قَالَ) : لَهُ (عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَنَّهُ يَنْقُصُ مِائَةً صُدِّقَ إنْ وَصَلَ، وَإِلَّا لَزِمَ الْأَلْفُ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَجُوزُ مُتَّصِلًا لَا مُنْفَصِلًا.
(وَلَوْ قَالَ) الْمُقِرُّ: (أَخَذْت مِنْك أَلْفًا وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ) فِي يَدِي مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ (وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ) : بَلْ (أَخَذْتَهَا) مِنِّي حَالَ كَوْنِهَا (غَصْبًا ضَمِنَ) الْمُقِرُّ مَا أَقَرَّ بِأَخْذِهِ لَهُ، لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ - وَهُوَ الْأَخْذُ - ثُمَّ إنَّهُ ادَّعَى مَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ - وَهُوَ الْإِذْنُ بِالْأَخْذِ - وَالْآخَرُ يُنْكِرُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ الْمُقَرُّ لَهُ: بَلْ أَخَذْتَهَا قَرْضًا حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُقَرِّ لَهُ، لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ حَصَلَ بِإِذْنِهِ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْآخِذِ إلَّا بِاعْتِبَارِ عَقْدِ الضَّمَانِ، فَالْمَالِكُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْعَقْدَ وَذَلِكَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ.
(وَلَوْ قَالَ) الْمُقِرُّ: (بَدَلَ " أَخَذْتُ " أَعْطَيْتَنِي لَا يَضْمَنُ) الْمُقِرُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ بَلْ أَقَرَّ بِالْإِعْطَاءِ، وَهُوَ فِعْلُ الْمُقَرِّ لَهُ، فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبِ الضَّمَانِ، وَالْمُقَرُّ لَهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ.
(وَلَوْ قَالَ: غَصَبْت هَذَا الشَّيْءَ مِنْ زَيْدٍ لَا بَلْ مِنْ عَمْرٍو فَهُوَ) أَيْ الشَّيْءُ (لِزَيْدٍ وَعَلَيْهِ) أَيْ الْمُقِرِّ (قِيمَتُهُ لِعَمْرٍو) لِأَنَّ قَوْلَهُ " مِنْ زَيْدٍ " إقْرَارٌ لَهُ ثُمَّ قَوْلُهُ لَا رُجُوعَ عَنْهُ فَلَا يُقْبَلُ وَقَوْلُهُ " بَلْ لِعَمْرٍو " إقْرَارٌ مِنْهُ لِعَمْرٍو وَقَدْ اسْتَهْلَكَهُ بِالْإِقْرَارِ لِزَيْدٍ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِعَمْرٍو.
وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا بَلْ أَلْفَانِ يَلْزَمُهُ أَلْفَانِ اسْتِحْسَانًا.
وَفِي الْقِيَاسِ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَلَوْ: قَالَ غَصَبْته عَبْدًا أَسْوَدَ لَا بَلْ أَبْيَضَ لَزِمَهُ عَبْدٌ أَبْيَضُ، وَلَوْ قَالَ: غَصَبْتُهُ ثَوْبًا هَرَوِيًّا لَا بَلْ مَرْوِيًّا لَزِمَاهُ، وَكَذَا لَهُ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ لَا بَلْ كُرُّ شَعِيرٍ لَزِمَاهُ وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا بَلْ لِفُلَانٍ لَزِمَهُ الْمَالَانِ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا بَلْ خَمْسُمِائَةٍ لَزِمَهُ الْأَلْفُ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ " لَا بَلْ " مَتَى تَخَلَّلَتْ بَيْنَ الْمَالَيْنِ مِنْ جِنْسَيْنِ لَزِمَاهُ وَكَذَلِكَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ إذَا كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ
اثْنَيْنِ فَإِذَا كَانَ وَاحِدًا، وَالْجِنْسُ وَاحِدٌ لَزِمَ أَكْثَرُ الْمَالَيْنِ، وَتَمَامُهُ فِي الِاخْتِيَارِ، فَلْيُرَاجَعْ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ قَالَ: الدَّيْنُ الَّذِي لِي عَلَى فُلَانٍ لِفُلَانٍ، أَوْ الْوَدِيعَةُ الَّتِي عِنْدَ فُلَانٍ هِيَ لِفُلَانٍ فَهُوَ إقْرَارٌ لَهُ، وَحَقُّ الْقَبْضِ لِلْمُقِرِّ وَلَكِنْ لَوْ سَلَّمَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ بَرِئَ.
(وَلَوْ قَالَ) لِآخَرَ: (هَذَا) الشَّيْءُ (كَانَ) لِي (وَدِيعَةً عِنْدَك فَأَخَذْته وَقَالَ الْآخَرُ: هُوَ لِي دَفَعَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْآخَرِ لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِالْيَدِ لَهُ ثُمَّ بِالْأَخْذِ مِنْهُ، وَهُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى اسْتِحْقَاقَهُ عَلَيْهِ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ عَيْنِهِ - قَائِمًا - وَقِيمَتِهِ - هَالِكًا - ثُمَّ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى صِدْقِ دَعْوَاهُ إنْ قَدَرَ.
(وَإِنْ قَالَ آجَرْت فَرَسِي أَوْ ثَوْبِي هَذَا فُلَانًا فَرَكِبَهُ) أَيْ الْفَرَسَ (أَوْ لَبِسَهُ) أَيْ الثَّوْبَ (وَرَدَّهُ) أَيْ رَدَّ الْفَرَسَ أَوْ الثَّوْبَ (عَلَيَّ)، وَقَالَ فُلَانٌ: بَلْ هُمَا لِي (أَوْ أَعَرْته أَوْ أَسْكَنْته دَارِي ثُمَّ رَدَّهَا) أَيْ الدَّارَ (عَلَيَّ صُدِّقَ) يَعْنِي: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ فِي ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّ الْيَدَ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ تَثْبُتُ ضَرُورَةَ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ فَيَكُونُ الْيَدُ عَدَمًا فِيمَا عَدَا الضَّرُورَةَ، فَالْإِقْرَارُ لَهُ بِالْيَدِ لَا يَكُونُ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ وَالْقَرْضِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِمَا مَقْصُودَةٌ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ بِهِمَا إقْرَارًا لَهُمَا بِالْيَدِ (وَعِنْدَهُمَا) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (الْقَوْلُ) مَعَ يَمِينِهِ (لِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ) وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّ الْمُقِرَّ اعْتَرَفَ بِيَدِ الْمُقَرِّ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ الِاسْتِحْقَاقَ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ لَهُ دُونَ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ ثُمَّ يُقِيمُ عَلَى صِدْقِ دَعْوَاهُ بَيِّنَةً إنْ قَدَرَ.
(وَلَوْ قَالَ) لِآخَرَ: (خَاطَ ثَوْبِي هَذَا بِكَذَا ثُمَّ قَبَضْته مِنْهُ وَادَّعَاهُ الْآخَرُ) أَيْ قَالَ: الثَّوْبُ ثَوْبِي (فَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ) أَيْ يُصَدَّقُ الْقَابِضُ عِنْدَ الْإِمَامِ لَا عِنْدَهُمَا (فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُقِرِّ بِالْإِجْمَاعِ.
وَفِي الْأَسْرَارِ: الِاخْتِلَافُ، إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّابَّةُ أَوْ الثِّيَابُ مَعْرُوفَةً لِلْمُقِرِّ وَلَوْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وِفَاقًا.
(وَلَوْ قَالَ) لَهُ: (اقْتَضَيْت) أَيْ قَبَضْت (مِنْ فُلَانٍ أَلْفًا كَانَتْ لِي عَلَيْهِ أَوْ أَقْرَضْته أَلْفًا ثُمَّ أَخَذْتهَا مِنْهُ، وَأَنْكَرَ فُلَانٌ فَالْقَوْلُ لَهُ) فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ وَهَذَا أَظْهَرُ لِأَنَّ الْقَابِضَ قَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهُ اقْتِضَاءً بِحَقِّهِ، وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، إذْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَإِذَا أَقَرَّ بِالِاقْتِضَاءِ فَقَدْ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ مَا يُبْرِئُهُ مِنْ الضَّمَانِ، وَهُوَ تَمَلُّكُهُ عَلَيْهِ بِمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الدَّيْنِ مُقَاصَّةً، وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ.
(وَلَوْ قَالَ زَرَعَ فُلَانٌ هَذَا الزَّرْعَ أَوْ بَنَى هَذِهِ الدَّارَ أَوْ غَرَسَ هَذَا الْكَرْمَ لِي اسْتَعَنْت بِهِ) أَيْ بِفُلَانٍ (فِيهِ) أَيْ فِي الزَّرْعِ أَوْ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ (وَادَّعَى فُلَانٌ ذَلِكَ) أَيْ قَالَ: الْمِلْكُ مِلْكِي وَفَعَلْتُ ذَلِكَ لِنَفْسِي لَا بِالْإِعَانَةِ لَك وَلَا بِأَجْرٍ مِنْك كَمَا زَعَمْت (فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ) لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ لَهُ بِالْيَدِ إنَّمَا أَقَرَّ بِمُجَرَّدِ فِعْلٍ مِنْهُ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي مِلْكٍ فِي يَدِ الْمُقِرِّ، وَصَارَ كَمَا قَالَ: خَاطَ لِي الْخَيَّاطُ قَمِيصِي هَذَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ قَبَضْته مِنْهُ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالْيَدِ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ لِمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِفِعْلٍ مِنْهُ وَقَدْ يَخِيطُ ثَوْبًا فِي يَدِ