الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَيَلْزَمُ الضَّامِنَ إحْضَارُهَا، وَتَسْلِيمُهَا، وَقِيمَتُهَا إنْ هَلَكَتْ، وَإِنْ كَانَ الْمَضْمُونُ مُسْتَهْلَكًا فَالْمَضْمُونُ قِيمَتُهُ (وَالْمَبِيعِ) بَيْعًا (فَاسِدًا) لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا هَلَكَ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ.
(وَ) تَجُوزُ الْكَفَالَةُ (بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي وَالْمَرْهُونِ إلَى الرَّاهِنِ وَالْمُسْتَأْجَرِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (إلَى الْمُسْتَأْجِرِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْعَيْنِ وَاجِبٌ عَلَى الْأَصِيلِ فَأَمْكَنَ الْتِزَامُهُ فَصَارَ نَظِيرَ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ لِأَنَّهُ مَا دَامَ قَائِمًا يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ وَإِنْ هَلَكَ يَبْرَأُ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ تَسْلِيمُهُ وَاجِبًا عَلَى الْأَصِيلِ كَالْعَارِيَّةِ جَازَتْ الْكَفَالَةُ بِتَسْلِيمِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَاجِبٍ عَلَى الْأَصِيلِ كَالْوَدِيعَةِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِتَسْلِيمِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَ) تَجُوزُ الْكَفَالَةُ (بِالثَّمَنِ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ صَحِيحٌ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي كَسَائِرِ الدُّيُونِ.
[فَصَلِّ دَفْعِ الْأَصِيل الْمَال إلَى كَفِيلِهِ]
فَصَلِّ (وَلَوْ دَفَعَ الْأَصِيلُ الْمَالَ إلَى كَفِيلِهِ) لِيَدْفَعَهُ إلَى الطَّالِبِ (قَبْلَ دَفْعِ الْكَفِيلِ إلَى الطَّالِبِ لَا يَسْتَرِدُّهُ) أَيْ لَا يَسْتَرِدُّ الْأَصِيلُ الْمَالَ الْمَدْفُوعَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْكَفِيلِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْقَابِضِ عَلَى احْتِمَالِ قَضَائِهِ الدَّيْنَ، فَلَا تَجُوزُ الْمُطَالَبَةُ مَا بَقِيَ هَذَا الِاحْتِمَالُ كَمَنْ عَجَّلَ زَكَاتَهُ وَرَفَعَهَا إلَى السَّاعِي، وَإِنَّمَا يَنْقَطِعُ هَذَا الِاحْتِمَالُ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ بِنَفْسِهِ فَإِذَا أَدَّى بِنَفْسِهِ يَسْتَرِدُّ مِنْ الْكَفِيلِ مَا أَخَذَهُ وَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ، وَإِطْلَاقُهُ شَامِلٌ مَا إذَا كَانَ الدَّفْعُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ بِأَنْ قَالَ: خُذْ هَذَا الْمَالَ، وَأَعْطِ الطَّالِبَ فَلَا يَسْتَرِدُّ، لَكِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ لِتَمَحُّضِهِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، وَإِنْ دَفَعَهُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ بِأَنْ قَالَ لَهُ: إنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَأْخُذَ الطَّالِبُ حَقَّهُ مِنْهُ فَأَنَا أَقْضِيك الْمَالَ قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَهُ لَمْ يَكُنْ رِسَالَةً، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْمِلْكِ الْمَدْفُوعِ لِلْقَابِضِ، وَعَدَمِهِ، وَأَمَّا مَا قَالَهُ الْفَاضِلُ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ، لِأَنَّهُ مَحْضُ أَمَانَةٍ فِي يَدِهِ مُخَالِفٌ لِأَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ كَمَا لَا يَخْفَى، تَدَبَّرْ.
وَأَشَارَ إلَى أَنَّ بِالْكَفَالَةِ صَارَ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ دَيْنٌ لَوْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ، وَلِذَا لَوْ أَخَذَ الْكَفِيلُ مِنْهُ رَهْنًا قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ جَازَ وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْكَفِيلُ أَوْ وَهَبَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ عَنْهُ صَحَّ حَتَّى لَوْ أَدَّى عَنْهُ لَمْ يَرْجِعْ، فَثَبَتَ أَنَّ لَهُ دَيْنًا عَلَيْهِ لَكِنْ لَا رُجُوعَ لَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَمَا رَبِحَ فِيهِ الْكَفِيلُ فَلَهُ) أَيْ لِلْكَفِيلِ يَعْنِي أَنَّ الرِّبْحَ الَّذِي حَصَلَ فِي هَذَا الْمَالِ بِمُعَامَلَةِ الْكَفِيلِ حَلَالٌ طَيِّبٌ لَهُ (وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ) لِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ حَصَلَ عَلَى مِلْكِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَضَى الدَّيْنَ هُوَ أَوْ قَضَى الْأَصِيلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ وَأَمَّا إذَا قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ فَإِنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ عَلَى قَوْلِهِمَا.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
يَطِيبُ لَهُ (وَرَدُّهُ) أَيْ رَدُّ الرِّبْحِ (إلَى الْمَطْلُوبِ أَحَبُّ إنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ شَيْئًا يَتَعَيَّنُ كَالْبُرِّ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِكُرِّ بُرٍّ، فَقَبَضَهُ الْكَفِيلُ مِنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَبَاعَهُ وَرَبِحَ فِيهِ فَالرِّبْحُ لِلْكَفِيلِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهَذَا إذَا قَضَى الْأَصِيلُ الدَّيْنَ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا: هُوَ لَهُ وَلَا يَرُدُّهُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ.
قَيَّدَ بِمَا يَتَعَيَّنُ لِأَنَّ رِبْحَ مَا لَا يَتَعَيَّنُ لَا يُسْتَحَبُّ رَدُّهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَهَلْ يَطِيبُ لِلْأَصِيلِ إذَا رَدَّهُ الْكَفِيلُ عَلَيْهِ؟
قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: إنْ كَانَ الْأَصِيلُ فَقِيرًا طَابَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَطِيبَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرَدُّ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ حَقُّهُ.
(وَلَوْ أَمَرَ الْأَصِيلُ كَفِيلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ عَلَيْهِ) أَيْ يَشْتَرِيَ (ثَوْبًا) بِطَرِيقِ الْعِينَةِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ (فَفَعَلَ) الْكَفِيلُ (فَالثَّوْبُ لِلْكَفِيلِ وَالرِّبْحُ) الَّذِي حَصَلَ لِلْبَائِعِ يَكُونُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْكَفِيلِ لَا الْآمِرِ، بَيَانُهُ أَنَّ الْأَصِيلَ أَمَرَ الْكَفِيلَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ثَوْبًا بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ لِيَقْضِيَ بِهِ دَيْنَهُ بِطَرِيقِ الْعِينَةِ، مِثْلُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ مِنْ تَاجِرٍ عَشَرَةً فَيَأْبَى عَنْهُ وَيَبِيعُ مِنْهُ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ مِثْلًا نَسِيئَةً فِي نَيْلِ الزِّيَادَةِ لِيَبِيعَهُ الْمُسْتَقْرِضُ بِعَشَرَةٍ وَيَتَحَمَّلَ خَمْسَةً، سُمِّيَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ الدَّيْنِ إلَى الْعَيْنِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ مَبَرَّةِ الْإِقْرَاضِ مُطَاوَعَةً لِمَذْمُومِ الْبُخْلِ، ثُمَّ قِيلَ: هَذَا ضَمَانٌ لِمَا يَخْسَرُ الْمُشْتَرِي نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ عَلَيَّ، وَهُوَ فَاسِدٌ وَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ وَقِيلَ هُوَ تَوْكِيلٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْمَبِيعَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ وَكَذَا الثَّمَنُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ لِجَهَالَةِ مَا زَادَ عَلَى الدَّيْنِ، وَكَيْفَ مَا كَانَ فَالْمُشْتَرَى لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ الْكَفِيلُ، وَالرِّبْحُ أَيْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَفِي الْعِنَايَةِ: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ صَوَّرَ لِلْعِينَةِ صُورَةً أُخْرَى وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الْمُقْرِضُ وَالْمُسْتَقْرِضُ بَيْنَهُمَا ثَالِثًا فِي الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَيَبِيعَ صَاحِبُ الثَّوْبِ الثَّوْبَ بِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ، ثُمَّ إنَّ الْمُسْتَقْرِضَ يَبِيعُهُ مِنْ الثَّالِثِ بِعَشَرَةٍ، وَيُسَلِّمُ الثَّوْبَ إلَيْهِ، ثُمَّ يَبِيعُ الثَّالِثُ الثَّوْبَ مِنْ الْمُقْرِضِ بِعَشَرَةٍ وَيَأْخُذُ مِنْهُ عَشَرَةً وَيَدْفَعُهُ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ فَيَنْدَفِعُ حَاجَتُهُ.
وَإِنَّمَا تَوَسَّطَا بِثَالِثٍ احْتِرَازًا عَنْ شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ صَوَّرَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ مَذْمُومٌ، اخْتَرَعَهُ أَكَلَةُ الرِّبَا وَقَدْ ذَمَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام بِذَلِكَ فَقَالَ «إذَا تَبَايَعَتْهُمْ بِالْعِينَةِ وَاتَّبَعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ذُلِّلْتُمْ وَظَفِرَ عَلَيْكُمْ عَدُوُّكُمْ» وَقِيلَ، وَإِيَّاكَ وَالْعِينَةَ فَإِنَّهَا لَعِينَةٌ، انْتَهَى. لَكِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ تَصْوِيرِهَا بِقَوْلِهِ رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ، قَالُوا يَشْتَرِي مِنْ الْمَدْيُونِ شَيْئًا بِتِلْكَ الْعَشَرَةِ فَيَقْبِضُ، ثُمَّ يَبِيعُ مِنْ الْمَدْيُونِ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ إلَى سَنَةٍ فَيَقَعُ التَّحَرُّزُ عَنْ الْحَرَامِ، وَمِثْلُ هَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ تَعْدَادِ الصُّوَرِ الْأُخَرِ: وَهَذِهِ الْحِيَلُ هِيَ الْعِينَةُ
الَّتِي ذَكَرَهَا مُحَمَّدٌ قَالَ مَشَايِخُ بَلْخِي: بَيْعُ الْعِينَةِ فِي زَمَانِنَا خَيْرٌ مِنْ الْبُيُوعِ الَّتِي فِي أَسْوَاقِنَا، انْتَهَى، لَكِنَّ التَّحَرُّزَ أَوْلَى.
(وَمَنْ كَفَلَ لِآخَرَ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَى غَرِيمِهِ أَوْ بِمَا قُضِيَ لَهُ بِهِ عَلَيْهِ، فَغَابَ الْغَرِيمُ فَبَرْهَنَ الطَّالِبُ عَلَى الْكَفِيلِ بِأَنَّ لَهُ عَلَى الْغَرِيمِ أَلْفًا لَا يُقْبَلُ) بُرْهَانُهُ عَلَى الْكَفِيلِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ فَيُقْضَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ مَالٌ مُقْضًى أَوْ مَالٌ يُقْضَى بِهِ لَا غَيْرُ، لِأَنَّ ذَابَ بِمَعْنَى وَجَبَ وَلَمْ يَجِبْ هُنَا لِلطَّالِبِ عَلَى الْغَائِبِ مَالٌ شَرْعًا، وَلِذَا لَوْ أَقَرَّ الْكَفِيلُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ لِأَنَّ بِالْإِقْرَارِ لَا يَثْبُتُ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ بَلْ بِالْقَضَاءِ وَهُوَ مُنْتَفٍ، إذْ لَمْ يَتَعَرَّضْ الطَّالِبُ لِقَضَاءِ الْقَاضِي بِالْمَالِ فِي دَعْوَاهُ وَلَا فِي إقَامَتِهِ حَتَّى لَوْ تَعَرَّضَ، وَقَالَ: قَدَّمْتُ الْمَطْلُوبَ بَعْدَ الْكَفَالَةِ إلَى فُلَانٍ الْقَاضِي، وَأَقَمْتُ عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِأَلْفٍ وَقَضَى لِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ يُقْضَى بِأَلْفٍ عَلَى الْكَفِيلِ وَعَلَى الْغَائِبِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ الْكَفِيلُ لَزِمَهُ الْأَلْفُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.
(وَلَوْ بَرْهَنَ) الطَّالِبُ (أَنَّ لَهُ عَلَى زَيْدٍ) الْغَائِبِ (أَلْفًا وَهَذَا كَفِيلُهُ) بِهَذَا الْمَالِ (بِأَمْرِهِ قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الْكَفِيلِ وَالْأَصِيلِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ قُيُودٌ مُعْتَبَرَةٌ.
الْأَوَّلُ أَنَّ الْكَفَالَةَ مُقَيَّدَةٌ بِهَذَا الْمَالِ.
وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا الْمَالَ الْمَكْفُولَ بِهِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِأَنَّهُ قُضِيَ بِهِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ بَلْ هُوَ مَالٌ مُطْلَقٌ، وَبِهَذَا الْقَدْرِ تَمْتَازُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ إذْ الْمَكْفُولُ هُنَا مُقَيَّدٌ بِقَضَاءِ الْقَاضِي.
وَالثَّالِثُ أَنَّ هَذِهِ الْكَفَالَةَ مُقَيَّدَةٌ بِأَنَّهَا بِأَمْرِ الْأَصِيلِ إذْ الْأَمْرُ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالْمَالِ فَيَصِيرُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ فَهِيَ لَا تَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ فَالْقَضَاءُ عَلَى الْكَفِيلِ لَا يَتَضَمَّنُ الْقَضَاءَ عَلَى الْأَصِيلِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ عَلَا أَمْرُهُ قُضِيَ عَلَى الْكَفِيلِ فَقَطْ) لَا عَلَى الْأَصِيلِ فَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْأَصِيلِ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِأَمْرِهِ فَإِنَّ لَهُ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بَعْدَ أَدَاءِ الْمَالِ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ كَانَ زَعْمُهُ أَنَّ هَذَا الْحَقَّ غَيْرُ ثَابِتٍ بَلْ الْمُدَّعِي ظَالِمٌ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَظْلِمَ غَيْرَهُ قُلْنَا: الشَّرْعُ كَذَّبَهُ فَبَطَلَ زَعْمُهُ.
وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ جَائِزٌ إذَا كَانَ الْإِثْبَاتُ عَلَى الْحَاضِرِ مُتَضَمِّنًا لَهُ فَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ أَصَالَةً إذْ التَّعَدِّي إلَى الْغَائِبِ فِي ضِمْنِ الْقَضَاءِ بِالْأَمْرِ ضَرُورِيٌّ.
وَفِي الْكِفَايَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا: وَهَذَا طَرِيقُ مَنْ أَرَادَ إثْبَاتَ الدَّيْنِ عَلَى الْغَائِبِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَا كُلُّ مَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ حَقًّا لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ إلَّا بِالْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ كَانَ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ.
(وَضَمَانُ الدَّرَكِ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَ الْبَيْعِ تَسْلِيمٌ) أَيْ تَصْدِيقٌ مِنْ الْكَفِيلِ بِأَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكُ الْبَائِعِ (فَتَبْطُلُ) مِنْ الْإِبْطَالِ (دَعْوَى الضَّامِنِ) عَلَى الْمُشْتَرِي (الْمَبِيعَ) مَفْعُولُ دَعْوَى (بَعْدَ ذَلِكَ) لِأَنَّ هَذَا الضَّمَانَ تَرْغِيبٌ لِلْمُشْتَرِي فِي الِابْتِيَاعِ، وَالتَّرْغِيبُ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِمِلْكِ الْبَائِعِ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِلتَّنَاقُضِ حَتَّى لَا يُسْمَعَ طَلَبُ الشُّفْعَةِ مِنْهُ وَهُوَ فَرْضُ صِحَّةِ دَعْوَاهُ لِرُجُوعِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ فَلَا يُفِيدُ (وَكَذَا) .
يَكُونُ تَسْلِيمًا وَلَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ بَعْدَ هَذَا (لَوْ كَتَبَ شَهَادَتَهُ) عَلَى الْبَيْعِ (وَخَتَمَ) أَيْ وَضَعَ خَاتَمَهُ عَلَى عَادَةِ السَّلَفِ (عَلَى صَكٍّ) مُتَعَلِّقٌ بِكَتَبَ وَخَتَمَ عَلَى سَبِيلِ التَّنَازُعِ (كَتَبَ فِيهِ) صِفَةُ " صَكٍّ "(بَاعَ مِلْكَهُ أَوْ) بَاعَ (بَيْعًا بَاتًّا) نَافِذًا، إذْ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي مِلْكِهِ فَالدَّعْوَى لِنَفْسِهِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِ تَنَاقُضٌ، فَلَا تُسْمَعُ، وَقُلْنَا عَلَى عَادَةِ السَّلَفِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَخْتِمُونَهُ بَعْدَ كِتَابَةِ أَسْمَائِهِمْ عَلَى الصَّكِّ خَوْفًا مِنْ التَّغْيِيرِ وَالتَّزْوِيرِ؛ وَالْحُكْمُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الصَّكُّ مَخْتُومًا أَوْ غَيْرَ مَخْتُومٍ، وَفِي الْفَتْحِ الْخَتْمُ أَمْرٌ كَانَ فِي زَمَانِهِمْ وَلَيْسَ هَذَا فِي زَمَانِنَا، قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَاعَ مِلْكَهُ أَوْ بَيْعًا بَاتًّا لِأَنَّهُ لَوْ كَتَبَ شَهَادَتَهُ فِي صَكٍّ بِبَيْعٍ مُطْلَقٍ عَنْ قَيْدِ الْمِلْكِيَّةِ وَكَوْنِهِ نَافِذًا لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا بَلْ تُسْمَعُ بَعْدَهُ دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ، إذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ يَصْدُرُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ وَلَعَلَّهُ كَتَبَ الشَّهَادَةَ لِيَحْفَظَ الْحَادِثَةَ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا ذُكِرَ كَمَا فِي الْمِنَحِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ كَتَبَهَا) أَيْ شَهَادَتَهُ (عَلَى إقْرَارِ الْعَاقِدَيْنِ) فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ إخْبَارٍ وَلَوْ أَخْبَرَ أَنَّ فُلَانًا بَاعَ شَيْئًا كَانَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ (وَضَمَانُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ الثَّمَنَ لِلْمُوَكِّلِ بَاطِلٌ) يَعْنِي إذَا بَاعَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ ثَوْبًا بِأَمْرِهِ، ثُمَّ ضَمِنَ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي لِلْآمِرِ لَا يَصِحُّ.
(وَكَذَا ضَمَانُ الْمُضَارِبِ الثَّمَنَ لِرَبِّ الْمَالِ) بَاطِلٌ يَعْنِي إذَا بَاعَ الْمُضَارِبُ مَالَ الْمُضَارَبَةِ، ثُمَّ ضَمِنَ الثَّمَنَ لِرَبِّ الْمَالِ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الْكَفَالَةَ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ وَهِيَ إلَيْهِمَا فَيَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنًا لِنَفْسِهِ؛ إذْ حُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَيْهِمَا فَلَا يُفِيدُ ضَمَانُهُمَا بِخِلَافِ مَنْ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ الْحُقُوقُ كَالْوَكِيلِ بِالتَّزْوِيجِ إنْ ضَمِنَ الْمَهْرَ، وَالْمَأْمُورِ بِبَيْعِ الْغَنَائِمِ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ إنْ ضَمِنَ الثَّمَنَ، وَالرَّسُولِ بِالْبَيْعِ إنْ ضَمِنَ الثَّمَنَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ فَيَصِحُّ ضَمَانُهُمْ وَكَذَا الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الثَّمَنِ إذَا ضَمِنَ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي لِلْمُوَكِّلِ يَصِحُّ.
(وَ) كَذَا (ضَمَانُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ) حِصَّةَ شَرِيكِهِ مِنْ ثَمَنِ مَا بَاعَاهُ (صَفْقَةً وَاحِدَةً) بَاطِلٌ يَعْنِي لَوْ بَاعَ رَجُلَانِ ثَوْبًا مِنْ رَجُلٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَضَمِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ بَطَلَ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ مِنْ الشَّرِكَةِ يَصِيرُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ، وَلَوْ صَحَّ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ لَأَدَّى إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَذَا بَاطِلٌ (وَصَحَّ) ضَمَانُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ (لَوْ بِصَفْقَتَيْنِ) لِأَنَّ الصَّفْقَةَ إذَا تَعَدَّدَتْ فَمَا يَجِبُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِعُقْدَةٍ يَكُونُ لَهُ خَاصَّةً، أَلَا يُرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ قَبِلَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا وَرَدَّ الْآخَرَ صَحَّ (وَضَمَانُ الدَّرَكِ) صَحِيحٌ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الثَّمَنِ عِنْدَ وُرُودِ الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ فَكَانَ الْمَضْمُونُ مَعْلُومًا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ فَصَحَّ (وَ) ضَمَانُ (الْخَرَاجِ) صَحِيحٌ، لِمَا مَرَّ أَنَّهُ دَيْنٌ مُطَالَبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ.
وَفِي الْبَحْرِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْخَرَاجَ الْمُوَظَّفَ وَخَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ، وَخَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِالْمُوَظَّفِ، وَهُوَ مَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَنَفَى صِحَّةَ الضَّمَانِ
بِخَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَالرَّهْنُ كَالْكَفَالَةِ بِجَامِعِ التَّوَثُّقِ فَيَجُوزُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِالدَّرَكِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ بِهِ جَائِزَةٌ دُونَ الرَّهْنِ، انْتَهَى.
لَكِنَّ التَّخْصِيصَ وَاجِبٌ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ أَوْ رَهَنَ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِخَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ تَأَمَّلْ.
وَلَوْ اكْتَفَى فِيمَا سَبَقَ بِقَوْلِهِ " وَصَحَّ الرَّهْنُ وَالْكَفَالَةُ بِالْخَرَاجِ " لَكَانَ أَخْصَرَ، تَدَبَّرْ.
(وَ) ضَمَانُ (الْقِسْمَةِ صَحِيحٌ) خَبَرٌ لِكُلٍّ مِنْ ضَمَانِ الدَّرَكِ وَالْخَرَاجِ وَالْقِسْمَةِ، قِيلَ: هِيَ النَّوَائِبُ بِعَيْنِهَا أَوْ حِصَّةٌ مِنْهَا، فَعَلَى هَذَا النَّوَائِبُ الْآتِيَةُ مُسْتَدْرَكَةٌ، تَدَبَّرْ.
وَقِيلَ هِيَ النَّائِبَةُ الْمُوَظَّفَةُ الرَّاتِبَةُ الدِّيوَانِيَّةُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ، وَالْمُرَادُ بِالنَّوَائِبِ غَيْرُ رَاتِبٍ بَلْ يَلْحَقُهُ أَحْيَانًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقَعَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَقَعَ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْقِسْمَةِ أُجْرَةُ الْقَسَّامِ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مَعْنَاهَا إذَا طَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْقِسْمَةَ مِنْ صَاحِبِهِ فَضَمِنَهَا إنْسَانٌ صَحَّ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَقِيلَ مَعْنَاهَا إذَا اقْتَسَمَا، ثُمَّ مَنَعَ أَحَدُهُمَا قَسْمَ الْآخَرِ كَمَا فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ.
(وَكَذَا ضَمَانُ النَّوَائِبِ) .
وَفِي الصِّحَاحِ: النَّائِبَةُ الْمُصِيبَةُ، وَاحِدَةُ نَوَائِبِ الدَّهْرِ، وَفِي اصْطِلَاحِهِمْ، قِيلَ: أَرَادُوا بِهَا مَا يَكُونُ بِحَقٍّ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهَا مَا لَيْسَ بِحَقٍّ وَعَنْ هَذَا قَالَ (سَوَاءٌ كَانَتْ بِحَقٍّ كَكَرْيِ النَّهْرِ) الْمُشْتَرَكِ (وَأُجْرَةِ الْحَارِسِ) وَالْمَالِ الْمُوَظَّفِ لِتَجْهِيزِ الْجَيْشِ وَفِدَاءِ الْأَسْرَى فَإِنَّ الْكَفَالَةَ بِهَا جَائِزَةٌ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِمَا هُوَ مَضْمُونٌ عَلَى الْأَصِيلِ (أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ كَالْجِبَايَاتِ) الَّتِي فِي زَمَانِنَا تَأْخُذُهَا الظَّلَمَةُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَفِي جَوَازِهَا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ، مِنْهُمْ صَدْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ لِأَنَّهَا ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ أَوْ الدَّيْنِ وَهُنَا لَا مُطَالَبَةَ وَلَا دَيْنَ شَرْعِيَّيْنِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَعْنَاهَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَجُوزُ، مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ لِأَنَّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ مِثْلُ سَائِرِ الدُّيُونِ بَلْ فَوْقَهَا، وَالْعِبْرَةُ لِلْمُطَالَبَةِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِالْتِزَامِهَا، فَالْمُطَالَبَةُ الْحِسِّيَّةُ كَالْمُطَالَبَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَلِذَا قُلْنَا: مَنْ قَامَ بِتَوْزِيعِ هَذِهِ النَّوَائِبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْعَدْلِ يُؤْجَرُ، وَإِنْ كَانَ الْآخِذُ بِالْأَخْذِ ظَالِمًا وَقُلْنَا مَنْ قَضَى نَائِبَةً عَنْ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَنْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَفِي الْإِصْلَاحِ وَالْفَتْوَى عَلَى الصِّحَّةِ فَإِنَّهَا كَالدُّيُونِ الصَّحِيحَةِ حَتَّى لَوْ أُخِذَتْ مِنْ الْأَكَّارِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى مَالِكِ الْأَرْضِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ.
(وَضَمَانُ الْعُهْدَةِ بَاطِلٌ) لِاشْتِبَاهِ الْمُرَادِ بِهَا لِإِطْلَاقِهَا عَلَى الصَّكِّ الْقَدِيمِ، وَعَلَى الْعَقْدِ، وَعَلَى حُقُوقِهِ، وَعَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهَا قَبْلَ الْبَيَانِ فَتَبْطُلُ لِلْجَهَالَةِ.
(وَكَذَا ضَمَانُ الْخَلَاصِ) بَاطِلٌ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا: هِيَ صَحِيحَةٌ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِهَا بِتَخْلِيصِ الْمَبِيعِ - إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ - وَرَدِّ الثَّمَنِ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، وَهُوَ ضَمَانُ الدَّرَكِ فِي الْمَعْنَى وَالْإِمَامُ فَسَّرَهَا بِتَخْلِيصِ الْمَبِيعِ لَا مَحَالَةَ وَلَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْهُ، وَلَوْ ضَمِنَ تَخْلِيصَ الْمَبِيعِ أَوْ رَدَّ الثَّمَنَ جَازَ لِإِمْكَانِ الْوَفَاءِ بِهِ وَهُوَ تَسْلِيمُهُ - إنْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ