الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدَّوَابِّ (لَا يَحْمِلُ الْخَمْرَ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الدَّابَّةِ (فَإِنْ قُيِّدَتْ) أَيْ الدَّابَّةُ (إلَى الْخَمْرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ بِالْقَوْدِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حَامِلَهَا (كَمَا فِي الْكَلْبِ مَعَ الْمَيْتَةِ) فَإِنَّهُ إنْ دَعَاهُ إلَيْهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ حَمَلَهَا إلَيْهِ لَا يَجُوزُ (وَلَا بَأْسَ بِإِلْقَاءِ الدُّرْدِيِّ فِي الْخَلِّ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ خَلًّا (لَكِنْ بِحَمْلِ الْخَلِّ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الدُّرْدِيِّ (دُونَ عَكْسِهِ) أَيْ لَا يَحْمِلُ الدُّرْدِيَّ إلَيْهِ لِأَنَّ النَّجِسَ لَا يُحْمَلُ.
[كِتَاب الصَّيْد]
مُنَاسَبَةُ كِتَابِ الصَّيْدِ لِكِتَابِ الْأَشْرِبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَالصَّيْدِ مِمَّا يُورِثُ السُّرُورَ وَمِنْ حَيْثُ إنَّ الصَّيْدَ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَمُنَاسَبَتُهَا لِلْأَشْرِبَةِ غَيْرُ خَفِيَّةٍ ثُمَّ كَمَا أَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ حَلَالٌ وَحَرَامٌ كَذَلِكَ مِنْ الصَّيُودِ مَا هُوَ حَلَالٌ وَحَرَامٌ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ الْأَشْرِبَةَ لِحُرْمَتِهَا اعْتِنَاءً بِالِاحْتِرَازِ عَنْهَا وَمَحَاسِنُهَا مَحَاسِنُ الْمَكَاسِبِ وَلِأَنَّ فِيهِ تَحْقِيقَ مِنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] وَسَبَبُهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الصَّائِدِ فَقَدْ يَكُونُ لِلْحَاجَةِ وَقَدْ يَكُونُ إظْهَارًا لِلْجَلَادَةِ وَقَدْ يَكُونُ لِلتَّفَرُّجِ (هُوَ) أَيْ الصَّيْدُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى (الِاصْطِيَادِ) ثُمَّ صَارَ اسْمًا لِلْمَصِيدِ الْمُمْتَنِعِ بِقَوَائِمِهِ أَوْ بِجَنَاحَيْهِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَفْعُولِ كَضَرْبِ الْأَمِيرِ (وَهُوَ جَائِزٌ بِالْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ) مِنْ الْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالْبَازِي وَالشَّاهِينِ وَالْبَاشِقِ وَالْعُقَابِ وَالصَّقْرِ وَنَحْوِهَا وَقَيَّدَهُ صَاحِبُ التَّنْوِيرِ بِشَرْطِ قَابِلِيَّةِ التَّعْلِيمِ وَبِشَرْطِ كَوْنِ الْحَيَوَانِ الَّذِي يُصَادُ بِهِ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ الصَّيْدُ بِدُبٍّ وَأَسَدٍ لِعَدَمِ قَابِلِيَّةِ التَّعْلِيمِ وَلَا يَجُوزُ بِالْخِنْزِيرِ لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ الِاصْطِيَادُ بِالْكَلْبِ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي حِلِّ الِاصْطِيَادِ بِهِ بِخُصُوصِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة: 4] أَيْ صَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الطَّيِّبَاتِ وَالْجَوَارِحُ الْكَوَاسِبُ وَالْجَرْحُ الْكَسْبُ وَالْمُكَلِّبِينَ الْمُسَلَّطِينَ وَقِيلَ أَنْ يَكُونَ جَارِحَةً بِنَابِهَا وَمِخْلَبِهَا حَقِيقَةً وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ فَيُشْتَرَطُ الْجِرَاحَةُ حَقِيقَةً عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِ الْجَرْحِ مِنْ الْكَوَاسِبِ عَمَلًا بِالْمُتَيَقَّنِ بِهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ مُكَلِّبِينَ مُعَلِّمِينَ الِاصْطِيَادَ تُعَلِّمُونَهُنَّ تُؤَدِّبُونَهُنَّ وَالْمُعَلَّمُ مِنْ الْكِلَابِ مُؤَدَّبُهَا ثُمَّ عَمَّ فِي كُلِّ مَا أَدَّبَ جَارِحَةً بَهِيمَةً كَانَتْ أَوْ طَيْرًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (وَالْمُحَدَّدُ مِنْ سَهْمٍ وَغَيْرِهِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا رَمَيْت سَهْمَك وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ» .
(لِمَا يُؤْكَلُ لَا كُلَّهُ) أَيْ يَجُوزُ اصْطِيَادُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ بِمَا ذُكِرَ لِأَكْلِهِ.
(وَ) يَجُوزُ اصْطِيَادُ (مَا لَا يُؤْكَلُ) لَحْمُهُ (لِجِلْدِهِ وَشَعْرِهِ) لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَلَا يَخْتَصُّ بِمَأْكُولِ اللَّحْمِ قَالَ قَائِلُهُمْ
صَيْدُ الْمُلُوكِ أَرَانِبُ وَثَعَالِبُ وَإِذَا رَكِبْتُ فَصَيْدِي الْأَبْطَالُ وَلِأَنَّ صَيْدَهُ سَبَبُ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ رِيشِهِ أَوْ لِاسْتِدْفَاعِ شَرِّهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَشْرُوحٌ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَلَا بُدَّ فِيهِ) أَيْ فِي الصَّيْدِ (مِنْ الْجَرْحِ) أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْهُ فَمَاتَ بَعْدَ جُرْحِهِ يُؤْكَلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الذَّبْحَ الِاخْتِيَارِيَّ يَحْصُلُ بِالْجَرْحِ وَكَذَا الذَّبْحُ الِاضْطِرَارِيُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْجَرْحُ لِأَنَّ الْجَوَارِحَ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى الْكَوَاسِبِ قَوْله تَعَالَى {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام: 60] أَيْ كَسَبْتُمْ لَا الْجَوَارِحَ بِالنَّابِ وَالْمِخْلَبِ حَقِيقَةً كَمَا مَرَّ قُبَيْلَهُ.
(وَ) لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ (كَوْنِ الْمُرْسِلِ) أَيْ مُرْسِلِ الْجَوَارِحِ (أَوْ الرَّامِي مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا) وَهُوَ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَيَضْبِطُ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الذَّبَائِحِ وَبِهِ يَصِيرُ أَهْلًا لِلذَّكَاةِ (وَأَنْ لَا يَتْرُكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا عِنْدَ الْإِرْسَالِ أَوْ الرَّمْيِ)«لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَكُلْ» شَرَطَ التَّسْمِيَةَ لِحِلِّ الْأَكْلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُشْتَرَطُ فِي رِوَايَةٍ قَيَّدَ بِالْعَمْدِ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ نَاسِيًا حَلَّ أَيْضًا كَمَا مَرَّ فِي الذَّبَائِحِ (وَكَوْنُ الصَّيْدِ مُمْتَنِعًا) مِنْ الْآدَمِيِّ قَادِرًا عَلَى الِامْتِنَاعِ بِالْقَوَائِمِ أَوْ الْجَنَاحَيْنِ مُتَوَحِّشًا قَالَ ابْنُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ فَالْحَيَوَانُ كَالظَّبْيِ وَالْأَرْنَبِ إذَا وَقَعَ فِي الشَّبَكَةِ أَوْ سَقَطَ فِي الْبِئْرِ أَوْ كَانَ ضَعِيفًا مَجْرُوحًا هُوَ مُتَوَحِّشٌ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَإِذَا اسْتَأْنَسَ بِالْآدَمِيِّ هُوَ مُمْتَنِعٌ غَيْرُ مُتَوَحِّشٍ فَلَا يَجْرِي الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ مِنْ الذَّبْحِ الِاضْطِرَارِيِّ وَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا وَلَمْ يَكُنْ مُتَوَحِّشًا فِي الْأَصْلِ كَالْبَقَرِ لَا يَكُونُ صَيْدًا وَإِنْ كَانَ مُتَوَحِّشًا كَالذِّئْبِ وَالثَّعْلَبِ لَا يَكُونُ مِنْ الذَّبَائِحِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ بَلْ يَكُونُ صَيْدًا يُنْتَفَعُ بِجِلْدِهِ.
(وَ) لَا بُدَّ (أَنْ لَا يَقْعُدَ) الْمُرْسِلُ أَوْ الرَّامِي (عَنْ طَلَبِهِ بَعْدَ التَّوَارِي عَنْ بَصَرِهِ) إلَّا أَنْ يَقْعُدَ لِحَاجَةٍ إنْسَانِيَّةٍ كَقَضَاءِ حَاجَةٍ وَأَكْلٍ عَنْ جُوعٍ وَشُرْبٍ عَنْ عَطَشٍ وَصَلَاةٍ عَنْ فَرْضٍ وَجُلُوسٍ عَنْ عَيٍّ فَإِنْ قَعَدَ طَلَبَهُ بِلَا ضَرُورَةٍ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا يَحْرُمُ أَكْلُهُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلَتْهُ» كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ (وَ) لَا بُدَّ (أَنْ لَا يُشَارِكَ الْمُعَلَّمَ غَيْرُ الْمُعَلَّمِ) بِفَتْحِ اللَّامِ فِيهِمَا فَلَوْ أُرْسِلَ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ وَشَارَكَهُ غَيْرُ الْمُعَلَّمِ فِي جَرْحِ صَيْدٍ لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ الْمُبِيحُ وَالْمُحَرِّمُ وَالِاحْتِرَازُ عَنْهُ مُمْكِنٌ فَيُرَجَّحُ الْمُحَرِّمُ احْتِيَاطًا وَلَوْ شَارَكَهُ فِي أَخْذِهِ دُونَ الْجَرْحِ كُرِهَ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ عَلَى الصَّحِيحِ (أَوْ) أَنْ لَا يُشَارِكَ الْمُعَلَّمَ (مُرْسَلٌ) اسْمُ مَفْعُولٍ مُضَافًا إلَى (مَنْ لَا يَحِلُّ إرْسَالُهُ) كَكَلْبِ الْمُرْتَدِّ وَالْوَثَنِيِّ أَوْ الْمَجُوسِيِّ أَوْ كَلْبٍ لَمْ يُرْسَلْ لِلصَّيْدِ أَوْ أُرْسِلَ وَتَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا لِمَا بَيَّنَّاهُ (وَأَنْ لَا تَطُولَ وَقْفَتُهُ) أَيْ وَقْفَةُ الْمُعَلَّمِ (بَعْدَ الْإِرْسَالِ) حَتَّى لَا يَنْقَطِعَ إرْسَالُهُ بِالتَّسْمِيَةِ (لِغَيْرِ إمْكَانٍ لِلصَّيْدِ) فَلَوْ وَقَفَ الْفَهْدُ وَكَمَنْ لِلِاحْتِيَالِ فِي الْأَخْذِ فَلَا يَحْرُمُ لِأَنَّ ذَلِكَ عَادَتُهُ وَكَذَا لِبَعْضِ الْكِلَابِ فَلَا يَنْقَطِعُ بِهِ فَوْرَ الْإِرْسَالِ كَمَا سَيَأْتِي.
(وَيَجُوزُ بِكُلِّ جَارِحٍ عُلِّمَ) مِنْ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ (مِنْ ذِي نَابٍ أَوْ مِخْلَبٍ)
أَخْذُ الصَّيْدِ بِطَرِيقِ الشَّرْعِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ مَا لَا نَابَ لَهُ وَلَا مِخْلَبَ لَمْ يَحِلَّ صَيْدُهُ بِلَا ذَبْحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرَحْ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَيَثْبُتُ التَّعَلُّمُ بِغَالِبِ الرَّأْيِ أَوْ بِالرُّجُوعِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ) عِنْدَ الْإِمَامِ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا تَأْقِيتَ فِيهِ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تُعْرَفُ اجْتِهَادًا بَلْ سَمَاعًا وَلَا سَمَاعَ فَيُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ فِي جِنْسِهَا وَإِخْبَارِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ طِبَاعِهَا (وَعِنْدَهُمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ يَثْبُتُ) التَّعَلُّمُ (فِي ذِي النَّابِ بِتَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثًا) لِأَنَّ تَرْكَهُ مَرَّةً يُحْمَلُ عَلَى الشِّبَعِ وَمَرَّتَيْنِ عَلَى التَّرْكِ بِالشَّكِّ وَإِذَا تَرَكَهُ ثَلَاثًا يُحْمَلُ عَلَى تَرْكِ الِانْتِهَابِ وَالِاسْتِلَابِ يَقِينًا لِأَنَّ الثَّلَاثَ مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِلِاخْتِبَارِ وَإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ كَمَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ.
(وَ) يَثْبُتُ التَّعَلُّمُ (فِي ذِي الْمِخْلَبِ بِالْإِجَابَةِ إذَا دُعِيَ بَعْدَ الْإِرْسَالِ) وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَلِأَنَّ بَدَنَهُ لَا يَتَحَمَّلُ الضَّرْبَ لِلتَّعْلِيمِ كَمَا يَتَحَمَّلُ الْكَلْبُ وَنَحْوُهُ فَاكْتُفِيَ بِغَيْرَةِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيمِ فَإِنَّ فِي طَبْعِهِ نُفُورًا فَيُعْرَفُ زَوَالُهُ بِرُجُوعِهِ بِالدُّعَاءِ سَوَاءٌ كَانَ الرُّجُوعُ بِطَمَعِ اللَّحْمِ أَوْ لَا وَقِيلَ لَوْ كَانَ يَرْجِعُ بِلَا طَمَعٍ فَهُوَ مُعَلَّمٌ وَإِلَّا فَلَا وَأَمَّا مِثْلُ الْفَهْدِ مِمَّا يَتَحَمَّلُ الضَّرْبَ فَتَعَلُّمُهُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ وَالْإِجَابَةِ جَمِيعًا لِأَنَّ فِي طَبْعِهِ الِافْتِرَاسُ مَعَ النُّفُورِ.
(فَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الصَّيْدِ (الْبَازِيُّ أُكِلَ) أَيْ حَلَّ أَكْلُ الْبَاقِي مِنْ هَذَا الصَّيْدِ لِأَنَّ تَعَلُّمَهُ بِالْإِجَابَةِ لَا بِتَرْكِ أَكْلِهِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ لَا يُؤْكَلُ (لَا) أَيْ لَا يُؤْكَلُ (إنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ أَوْ الْفَهْدُ) عِنْدَنَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ نَادِرًا أَوْ مُعْتَادًا وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ فِيمَا إذَا أَكَلَ نَادِرًا فَفِي قَوْلٍ يَحْرُمُ وَفِي قَوْلٍ يَحِلُّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ اعْتَادَ الْأَكْلَ حَرُمَ مَا ظَهَرَتْ عَادَتُهُ فِيهِ وَهَلْ يَحْرُمُ مَا أَكَلَ مِنْهُ قَبْلَ الَّذِي ظَهَرَتْ بِهِ عَادَتُهُ فِيهِ وَجْهَانِ وَالْأَصَحُّ مَا قُلْنَا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ إلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ.
(فَإِنْ أَكَلَ) ذُو النَّابِ مِنْ الصَّيْدِ (أَوْ تَرَكَ) ذُو الْمِخْلَبِ (الْإِجَابَةَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِتَعَلُّمِهِ حَرُمَ مَا صَادَهُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ تَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى التَّوَالِي أَوْ بَعْدَ تَرْكِ الْإِجَابَةِ (حَتَّى يَتَعَلَّمَ) عَلَى الْخَلَاقِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ آنِفًا.
(وَكَذَا مَا صَادَ قَبْلَهُ) أَيْ حَرُمَ مَا صَادَ قَبْلَ أَكْلِهِ وَقَبْلَ تَرْكِ الْإِجَابَةِ لِأَنَّهُ عَلَامَةُ الْجَهْلِ فِي الِابْتِدَاءِ فَظَهَرَ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِالتَّعَلُّمِ خَطَأٌ (وَبَقِيَ فِي مِلْكِهِ) بِأَنْ كَانَ مُحْرَزًا فِي بَيْتِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّ عِنْدَهُمَا لَا يَحْرُمُ إلَّا الَّذِي أَكَلَ
مِنْهُ لِأَنَّ تَعَلُّمَهُ عُلِمَ بِالِاجْتِهَادِ فَلَا يُنْتَقَضُ بِاجْتِهَادٍ آخَرَ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فِي مِلْكِهِ بِأَنْ يَأْكُلَهُ أَوْ يُتْلِفَهُ لَا تَظْهَرُ الْحُرْمَةُ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا مُحْرَزًا فِي بَيْتِهِ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِمُحْرَزٍ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَفَازَةِ بَعْدَ تَثْبِيتٍ فِيهِ الْحُرْمَةُ اتِّفَاقًا.
(فَإِنْ شَرِبَ الْكَلْبُ مِنْ دَمِهِ) أَيْ دَمِ الصَّيْدِ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ لَحْمِهِ (أَوْ نَهَسَهُ) أَيْ الْكَلْبُ (فَقَطَعَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الصَّيْدِ (بَضْعَةً) أَيْ قِطْعَةً مِنْ اللَّحْمِ (فَرَمَاهَا) أَيْ رَمَى الصَّائِدُ تِلْكَ الْبَضْعَةِ (وَاتَّبَعَهُ) أَيْ اتَّبَعَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ بَعْدَ النَّهْسِ وَالْقَطْعِ وَالرَّمْيِ فَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ (أُكِلَ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِالشُّرْبِ بِدُونِ الْأَكْلِ أَمْسَكَ عَلَى صَاحِبِهِ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَكَذَا إذَا قَطَعَ مِنْهُ بِضْعَةً وَلَمْ يَأْكُلْ الصَّيْدَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ غَايَةِ عِلْمِهِ حَيْثُ شَرِبَ مَا لَا يَصْلُحُ لِصَاحِبِهِ وَأَمْسَكَ عَلَيْهِ مَا يَصْلُحُ لَهُ وَكَذَا إذَا لَمْ يَأْكُلْ وَأَخَذَ مَا رَمَاهُ يَدُلُّ عِلْمُهُ بِأَنَّ غَيْرَ مَا رَمَاهُ مَطْلُوبُ صَاحِبِهِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا سَلَّمَ الصَّيْدَ صَاحِبَهُ وَذَا كَافٍ فِي تَحَقُّقِ عِلْمِهِ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَكَلَ) الْكَلْبُ (تِلْكَ الْبِضْعَةَ بَعْدَ صَيْدِهِ) لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِأَكْلٍ مِنْ الصَّيْدِ إذْ لَمْ يَبْقَ صَيْدًا بَعْدَ تَسْلِيمِهِ وَقَبْضِ صَاحِبِهِ.
(وَكَذَا) يُؤْكَلُ (لَوْ أَكَلَ مَا أَطْعَمَهُ صَاحِبُهُ مِنْ الصَّيْدِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ صَيْدًا كَمَا إذَا أَلْقَى إلَيْهِ طَعَامًا غَيْرَهُ (أَوْ أَكَلَ هُوَ) أَيْ الْكَلْبُ (بِنَفْسِهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الصَّيْدِ بِأَنْ خَطَفَ شَيْئًا مِنْهُ (بَعْدَ إحْرَازِ صَاحِبِهِ) لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ صَيْدًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكَلَ الْقِطْعَةَ قَبْلَ أَخْذِهِ الصَّيْدَ) أَيْ نَهَسَ الصَّيْدَ فَقَطَعَ مِنْهُ بُضْعَةً فَأَكَلَهَا ثُمَّ أَدْرَكَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ لَا يُؤْكَلُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ أَكَلَ فِي حَالَةِ الِاصْطِيَادِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ جَاهِلٌ مُمْسِكٌ عَلَى نَفْسِهِ.
(وَإِنْ خَنَقَهُ) أَيْ خَنَقَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ (وَلَمْ يَجْرَحْهُ لَا يُؤْكَلُ) لِأَنَّ الْجَرْحَ شَرْطٌ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِالْكَسْرِ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ إذَا كَسَرَ عُضْوًا فَقَتَلَهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ لِأَنَّهُ جِرَاحَةٌ بَاطِنَةٌ فَهِيَ كَالْجِرَاحَةِ الظَّاهِرَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْغَايَةِ الْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
(وَكَذَا إنْ شَارَكَهُ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أَوْ كَلْبٌ مَجُوسِيٌّ أَوْ كَلْبٌ تَرَكَ مُرْسِلُهُ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَدْرَكَةٌ لِأَنَّهَا ذُكِرَتْ بِعَيْنِهَا آنِفًا فَلَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهَا ثَانِيًا إلَّا أَنْ يُقَالَ تَوْطِئَةً إلَى قَوْلِهِ.
(وَإِنْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ فَانْزَجَرَ) وَالْمُرَادُ بِالزَّجْرِ التَّهْيِيجُ أَيْ هَيَّجَهُ مَجُوسِيٌّ فَهَاجَ بِأَنْ صَاحَ عَلَيْهِ فَازْدَادَ فِي الْعَدْوِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (حَلَّ) أَكْلُ الصَّيْدِ (وَبِالْعَكْسِ) يَعْنِي إنْ أَرْسَلَهُ مَجُوسِيٌّ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ (حَرُمَ) أَكْلُهُ الْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْإِرْسَالُ وَالْإِغْرَاءُ فَالْعِبْرَةُ لِلْإِرْسَالِ لِأَنَّ الزَّجْرَ دُونَ الْإِرْسَالِ لِكَوْنِهِ بِنَاءً عَلَى الْإِرْسَالِ فَلَا يُنْسَخُ بِهِ الْإِرْسَالُ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِمِثْلِهِ أَوْ بِمَا فَوْقَهُ كَمَا فِي نَسْخِ الْآيِ فَلَا يَرْتَفِعُ إرْسَالُ الْمُسْلِمِ بِزَجْرِ الْمَجُوسِيِّ وَلَا إرْسَالُهُ بِزَجْرِ الْمُسْلِمِ فَبَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ.
وَفِي الْهِدَايَةِ وَكُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ ذَكْوَتُهُ كَالْمُرْتَدِّ وَالْمُحْرِمِ
وَتَارِكُ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَجُوسِيِّ.
(وَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ) أَيْ الْكَلْبَ (أَحَدٌ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ أَوْ غَيْرُهُ فَالْعِبْرَةُ لِلزَّاجِرِ) أَيْ لَوْ انْبَعَثَ الْكَلْبُ بِنَفْسِهِ عَلَى الصَّيْدِ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ وَأَخَذَهُ حَلَّ أَكْلُهُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحِلَّ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ ذَكْوَةٌ اضْطِرَارِيَّةٌ وَلِهَذَا شُرِطَ فِيهِ التَّسْمِيَةُ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ تُعْدَمُ الذَّكْوَةُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الزَّجْرَ عِنْدَ عَدَمِ الْإِرْسَالِ بِمَنْزِلَةِ الْإِرْسَالِ لِأَنَّ انْزِجَارَهُ عَقِيبَ زَجْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى طَاعَتِهِ.
(وَإِنْ أَرْسَلَهُ) أَيْ الْكَلْبَ (وَلَمْ يُسَمِّ) وَقْتَ الْإِرْسَالِ عَمْدًا (ثُمَّ زَجَرَهُ فَسَمَّى فَالْعِبْرَةُ لِحَالِ الْإِرْسَالِ) يَعْنِي لَا يُؤْكَلُ فَلَا عِبْرَةَ بِالتَّسْمِيَةِ وَقْتَ الزَّجْرِ.
(وَإِنْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَخَذَ) الْكَلْبُ (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ الصَّيْدِ (حَلَّ مَا دَامَ عَلَى سَنَنِ إرْسَالِهِ) .
وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ أَخْذٌ بِغَيْرِ إرْسَالٍ إذْ الْإِرْسَالُ مُخْتَصٌّ بِالْمُشَارِ وَلَنَا أَنَّ الْإِرْسَالَ شَرْطٌ غَيْرُ مُقَيِّدٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ الصَّيْدِ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ تَعْلِيمُهُ عَلَى وَجْهٍ بِأَخْذِ مَا عَيَّنَهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ مَا دَامَ لَمْ يَعْدِلْ عَنْ سَنَنِهِ وَلَوْ عَدَلَ عَنْ الصَّيْدِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً وَتَشَاغَلَ فِي غَيْرِ طَلَبِ الصَّيْدِ وَتَرَكَ سَنَنَهُ وَاتَّبَعَ الصَّيْدَ فَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُرْسَلٍ إلَيْهِ.
(وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيُودٍ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَخَذَ كُلَّهَا حَلَّتْ) الصَّيُودُ كُلُّهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ حُصُولُ الصَّيْدِ وَالذَّبْحُ يَقَعُ بِالْإِرْسَالِ وَهُوَ فِعْلٌ وَاحِدٌ فَيُكْتَفَى فِيهِ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ مَنْ ذَبَحَ الشَّاتَيْنِ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مَذْبُوحَةٌ بِفِعْلٍ آخَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةٍ أُخْرَى.
(وَإِنْ أَرْسَلَ الْفَهْدَ فَكَمَنَ حَتَّى اسْتَمْكَنَ ثُمَّ أَخَذَ حَلَّ) لِأَنَّ مُكْثَهُ ذَلِكَ حِيلَةٌ مِنْهُ لِلصَّيْدِ لَا اسْتِرَاحَةٌ فَلَا يَقْطَعُ الْإِرْسَالَ.
(وَكَذَا الْكَلْبُ إذَا اعْتَادَ ذَلِكَ) أَيْ الْكُمُونَ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ الْفَهْدِ.
(وَلَوْ أَرْسَلَهُ) أَيْ الْكَلْبَ (عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ ثُمَّ أَخَذَ آخَرُ) فَقَتَلَهُ (أُكِلَا) جَمِيعًا لِأَنَّ الْإِرْسَالَ قَائِمٌ لَمْ يَنْقَطِعْ (كَمَا لَوْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَ اثْنَيْنِ) أَيْ أَصَابَهُ وَغَيْرَهُ أُكِلَا وَلَوْ قَتَلَ الْأَوَّلَ فَمَكَثَ عَلَيْهِ طُولًا مِنْ النَّهَارِ ثُمَّ مَرَّ بِهِ صَيْدٌ آخَرُ لَا يُؤْكَلُ الثَّانِي لِانْقِطَاعِ الْإِرْسَالِ إذْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِيلَةً مِنْهُ لِلْأَخْذِ وَإِنَّمَا كَانَ اسْتِرَاحَةً بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ.
(وَإِذَا رَمَى سَهْمَهُ وَسَمَّى أَكَلَ مَا أَصَابَ إنْ جَرَحَهُ) أَيْ السَّهْمُ لِأَنَّهُ ذَبْحٌ حُكْمِيٌّ وَلَا حِلَّ بِدُونِ الذَّبْحِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا رَمَيْتَ فَسَمَّيْتَ فَخَرَقَتْ فَكُلْ وَإِنْ لَمْ تَخْرِقْ فَلَا تَأْكُلْ» .
(وَإِنْ تَرَكَهَا) أَيْ التَّسْمِيَةَ (عَمْدًا حَرُمَ) أَكْلُهُ لِاشْتِرَاطِ التَّسْمِيَةِ فِي كُلِّ ذَبْحٍ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِالنَّصِّ.
(وَإِنْ وَقَعَ السَّهْمُ بِهِ) أَيْ بِصَيْدٍ (فَتَحَامَلَ) أَيْ تَكَلَّفَ فِي الْمَشْيِ حَامِلًا لِلسَّهْمِ (وَغَابَ) الصَّيْدُ (وَلَمْ يَقْعُدْ) الرَّامِي (عَنْ طَلَبِهِ) أَيْ الصَّيْدِ (ثُمَّ وَجَدَهُ) أَيْ الصَّيْدَ (مَيِّتًا حَلَّ إنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ جِرَاحَةٌ غَيْرُ جِرَاحَةِ السَّهْمِ)«لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِأَبِي ثَعْلَبَةَ إذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ وَغَابَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَدْرَكْتَهُ فَكُلْ مَا لَمْ يُنْتِنْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا لَوْ وَجَدَ بِهِ جِرَاحَةً سِوَى جِرَاحَةِ
سَهْمِهِ لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ حِينَئِذٍ لِمَوْتِهِ سَبَبَانِ أَحَدُهُمَا مُوجِبٌ لِحِلِّهِ وَالْآخَرُ مُوجِبٌ لِحُرْمَتِهِ فَيُغَلَّبُ الْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ مَعَ أَنَّ الْمَوْهُومَ فِي مِثْلِ هَذَا كَالتَّحْقِيقِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلَتْهُ» خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَلَا يَحِلُّ إنْ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ ثُمَّ وَجَدَهُ) مَيِّتًا لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ مِثْلِهِ مُمْكِنٌ فَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ فَيَحْرُمُ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْكُلِّ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ لِلضَّرُورَةِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ فِيمَا يُمْكِنُ.
وَفِي التَّبْيِينِ وَجَعَلَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ مِنْ شَرْطِ حِلِّ الصَّيْدِ أَنْ لَا يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِهِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ يَحْرُمُ بِالتَّوَارِي وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَاَلَّذِي رَوَيْنَاهُ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ إنَّ مَا تَوَارَى عَنْكَ إذَا لَمْ يَبِتْ يَحِلُّ فَإِذَا بَاتَ لَيْلَةً لَا يَحِلُّ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إذَا تَوَارَى عَنْهُ لَا يَحِلُّ عِنْدَنَا وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ فَيَكُونُ مُنَاقِضًا لِقَوْلِهِ وَإِذَا وَقَعَ السَّهْمُ بِالصَّيْدِ فَتَحَامَلَ حَتَّى غَابَ عَنْهُ وَلَمْ يَزَلْ فِي طَلَبِهِ حَتَّى أَصَابَهُ مَيِّتًا أُكِلَ وَإِنْ قَعَدَ عَنْهُ لَمْ يُؤْكَلْ فَبَنَى الْأَمْرَ عَلَى الطَّلَبِ وَعَدَمِهِ لَا عَلَى التَّوَارِي وَعَدَمِهِ وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ كُتُبِ فِقْهِ أَصْحَابِنَا وَلَوْ حَمَلَ مَا ذَكَرَهُ عَلَى مَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ كَانَ يَسْتَقِيمُ وَلَمْ يُنَاقِضْ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ كَلَامَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَدَارَ الْحِلِّ وَعَدَمِهِ عَدَمُ التَّوَارِي وَذَكَرَ الطَّلَبَ فِيمَا سَبَقَ لِإِعْلَامِ أَنَّ مُجَرَّدَ التَّوَارِي لَا يَضُرُّ بَلْ لَا بُدَّ مَعَ هَذَا مِنْ أَنْ يَقْعُدَ عَنْ طَلَبِهِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ كَمَالُ التَّوَارِي فَإِنَّهُ إذَا غَابَ الْمَرْمِيُّ وَلَمْ يَقْعُدْ الرَّامِي عَنْ طَلَبِهِ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا لَا يُعَدُّ هَذَا تَوَارِيًا وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنَّا أَسْقَطْنَا اعْتِبَارَهُ أَيْ اعْتِبَارَ الْمَوْهُومِ مَا دَامَ فِي طَلَبِهِ ضَرُورَةٌ أَنْ لَا يَعْرَى الِاصْطِيَادُ عَنْهُ.
وَفِي النِّهَايَةِ أَيْ عَنْ التَّغَيُّبِ عَنْ بَصَرِهِ فِي الْغِيَاضِ وَالْمَشَاجِرِ وَالْبَرَارِي وَالطَّيْرُ بَعْدَمَا أَصَابَهُ السَّهْمُ يَتَحَامَلُ وَيَطِيرُ حَتَّى يَغِيبَ عَنْ بَصَرِهِ فَيَسْقُطَ اعْتِبَارُ ضَرُورَةِ إذَا كَانَ فِي طَلَبِهِ لِأَنَّ الطَّالِبَ كَالْوَاجِدِ وَلَا ضَرُورَةَ فِيمَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَعَدَ يَكُونُ التَّوَارِي بِسَبَبِ عَمَلِهِ وَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ ذَلِكَ التَّوَارِي بِأَنْ يَتْبَعَ أَثَرَهُ وَلَا يَشْتَغِلَ بِعَمَلٍ آخَرَ.
(وَالْحُكْمُ فِيمَا جَرَحَهُ الْكَلْبُ) بِالْإِرْسَالِ (كَالْحُكْمِ فِيمَا جَرَحَهُ السَّهْمُ) فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ.
(وَإِنْ رَمَاهُ) أَيْ الصَّيْدَ (فَوَقَعَ فِي مَاءٍ) فَمَاتَ فِيهِ أَيْ فِي الْمَاءِ (أَوْ) وَقَعَ (عَلَى سَطْحٍ أَوْ) عَلَى (جَبَلٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ آجِرَةٍ ثُمَّ تَرَدَّى) مِنْهُ إلَى الْأَرْضِ (فَمَاتَ حَرُمَ) أَكْلُهُ لِأَنَّهُ مُتَرَدِّيَةٌ وَهِيَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ وَلِأَنَّهُ احْتَمَلَ الْمَوْتَ بِغَيْرِ الرَّمْيِ إذْ الْمَاءُ مُهْلِكٌ قِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يَقَعْ الْجُرْحُ مُهْلِكًا فِي الْحَالِ أَمَّا إذَا كَانَ مُهْلِكًا فَوُقُوعُهُ فِي الْمَاءِ حَيًّا لَا يَضُرُّ لِأَنَّ الْحَيَاةَ الْبَاقِيَةَ فِيهِ كَالْحَيَاةِ فِي الْمَذْبُوحِ بَعْدَ الذَّبْحِ فَيُؤْكَلُ وَكَذَا السُّقُوطُ مِنْ عُلْوٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ السُّقُوطِ لَا مِنْ الْجُرْحِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْجُرْحُ مُهْلِكًا فِي الْحَالِ أَمَّا إذَا كَانَ مُهْلِكًا وَبَقِيَ فِيهِ الْحَيَاةُ بِقَدْرِ
مَا فِي الْمَذْبُوحِ ثُمَّ تَرَدَّى يَحِلُّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ.
(وَكَذَا) يَحْرُمُ (لَوْ وَقَعَ عَلَى رُمْحٍ مَنْصُوبٍ أَوْ قَصَبَةٍ قَائِمَةٍ أَوْ حَرْفِ) أَيْ طَرَفِ (آجُرَّة فَجُرِحَ بِهَا) لِاحْتِمَالِ أَنَّ أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَتَلَهُ بِحَدِّهِ أَوْ بِتَرَدِّيهِ وَهُوَ مُمْكِنٌ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ.
(وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً حَلَّ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَفِي اعْتِبَارِهِ سَدُّ بَابِ الِاصْطِيَادِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ فَأَمْكَنَ تَرْجِيحُ الْمُحَرَّمِ عِنْدَ التَّعَارُضِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الشَّرْعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَكَذَا لَوْ وَقَعَ عَلَى صَخْرَةٍ أَوْ آجِرَةٍ فَاسْتَقَرَّ) عَلَيْهِمَا وَكَذَا لَوْ وَقَعَ عَلَى جَبَلٍ أَوْ ظَهْرِ بَيْتٍ وَلَمْ يَتَرَدَّ مِنْهُ (وَلَمْ يَنْجَرِحْ حَلَّ) لِأَنَّ وُقُوعَهُ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَعَلَى الْأَرْضِ سَوَاءٌ.
وَفِي الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى لَوْ وَقَعَ عَلَى صَخْرَةٍ فَانْشَقَّ بَطْنُهُ لَمْ يُؤْكَلْ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِسَبَبٍ آخَرَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَحَمَلَ مُطْلَقَ الْمَرْوِيِّ مِنْ قَوْلِهِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهَا فِي الْأَصْلِ عَلَى غَيْرِهِ حَالَةَ الِانْشِقَاقِ وَحَمَلَهُ أَيْ رِوَايَةَ الْمُنْتَقَى شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ عَلَى مَا أَصَابَهُ حَدُّ الصَّخْرَةِ فَانْشَقَّ بَطْنُهُ لِذَلِكَ وَحَمَلَ الْمَرْوِيَّ فِي الْأَصْلِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ مِنْ الْآجِرَةِ إلَّا مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْأَرْضِ لَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ عَفْوٌ كَمَا لَوْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ وَانْشَقَّ بَطْنُهُ وَهَذَا أَيْ مَا فَعَلَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَصَحُّ انْتَهَى.
(وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَمَاتَ حَرُمَ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَدْرَكَةٌ لِأَنَّهَا ذُكِرَتْ بِعَيْنِهَا آنِفًا فَلَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهَا ثَانِيًا إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَكَرَهَا تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ.
(وَإِنْ كَانَ الطَّيْرُ مَائِيًّا فَوَقَعَ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَاءِ (فَإِنْ انْغَمَسَ جُرْحُهُ) بِضَمِّ الْجِيمِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمَاءِ (حَرُمَ) لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِالْمَاءِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ إذَا كَانَتْ جِرَاحَةً غَيْرَ مُهْلِكَةٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ مُهْلِكَةً يَحِلُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْغَمِسْ جُرْحُهُ فِي الْمَاءِ (حَلَّ) لِتَيَقُّنِ الْمَوْتِ بِالرَّمْيِ.
(وَيَحْرُمُ مَا قَتَلَهُ الْمِعْرَاضُ) وَهُوَ اسْمٌ لِسَهْمٍ لَا رِيشَ لَهُ يَمُرُّ عَلَى أَرْضِهِ فَيُصِيبُ (بِعَرْضِهِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِيهِ «مَا أَصَابَهُ بِحَدِّهِ فَكُلْ وَمَا أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ» وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْجُرْحِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الذَّكْوَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (أَوْ الْبُنْدُقَةِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمِعْرَاضِ أَيْ يَحْرُمُ مَا قَتَلَتْهُ الْبُنْدُقَةُ وَهِيَ طِينَةٌ مُدَوَّرَةٌ يُرْمَى بِهَا لِأَنَّهُ يَدُقُّ وَيَكْسِرُ وَلَا يَجْرَحُ فَصَارَ كَالْمِعْرَاضِ إذَا لَمْ يَخْرِقْ (وَلَمْ يَجْرَحْهُ) قَيْدٌ لَهُمَا.
(وَإِنْ أَصَابَهُ) أَيْ أَصَابَ الرَّامِي الصَّيْدَ (بِحَجَرٍ) أَيْ بِأَنْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ (وَجَرَحَهُ بِحَدِّهِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ بِمَعْنَى الْحِدَّةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ بِمَعْنَى طَرَفِهِ (فَإِنْ) كَانَ الْحَجَرُ (ثَقِيلًا لَا يُؤْكَلُ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِثِقَلِهِ.
(وَإِنْ) كَانَ (خَفِيفًا أُكِلَ) لِتَعَيُّنِ الْمَوْتِ بِالْجُرْحِ وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا وَجَعَلَهُ أَيْ الْجُرْحَ طَوِيلًا كَالسَّهْمِ وَبِهِ حِدَّةٌ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لِأَنَّهُ يَقْتُلُهُ بِجُرْحِهِ وَلَوْ رَمَاهُ بِمَرْوَةِ حَدِيدَةٍ وَلَمْ يُبْضِعْ بَضْعًا لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَقًّا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَإِنْ لَمْ يَجْرَحْهُ لَا يُؤْكَلُ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ ثَقِيلًا أَوْ خَفِيفًا لِاشْتِرَاطِ الْجَرْحِ.
(وَلَوْ رَمَاهُ بِسَيْفٍ أَوْ) بِ (سِكِّينٍ فَأَصَابَ ظَهْرَهُ) أَيْ ظَهْرَ السَّيْفِ أَوْ السِّكِّينِ
(أَوْ مِقْبَضَهُ) أَيْ مِقْبَضَ السَّيْفِ أَوْ السِّكِّينِ (فَقَتَلَهُ لَا يُؤْكَلُ) لِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَقًّا وَالْحَدِيدُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْمَوْتَ إذَا كَانَ مُضَافًا إلَى الْجُرْحِ بِيَقِينٍ كَانَ الصَّيْدُ حَلَالًا وَإِذَا كَانَ مُضَافًا إلَى الثِّقَلِ بِيَقِينٍ كَانَ حَرَامًا وَإِنْ وَقَعَ الشَّكُّ وَلَا يَدْرِي مَاتَ بِالْجُرْحِ أَوْ الثِّقَلِ كَانَ حَرَامًا احْتِيَاطًا.
(وَشُرِطَ فِي الْجُرْحِ الْإِدْمَاءُ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ فَكُلْ» شَرَطَ الْإِنْهَارَ (وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ) الْإِدْمَاءُ لِإِتْيَانِ مَا فِي وُسْعِهِ وَهُوَ الْجُرْحُ وَإِخْرَاجُ الدَّمِ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَلَا يَكُونُ مُكَلَّفًا بِهِ لِأَنَّ الدَّمَ قَدْ يَحْتَبِسُ لِغِلَظِهِ أَوْ لِضِيقِ الْمَنْفَذِ بَيْنَ الْعُرُوقِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ (وَقِيلَ إنْ) كَانَ الْجُرْحُ (كَبِيرًا لَا يُشْتَرَطُ) الْإِدْمَاءُ.
(وَإِنْ) كَانَ (صَغِيرًا يُشْتَرَطُ) لِأَنَّ الْكَبِيرَ إنَّمَا لَا يَخْرُجُ مِنْهُ الدَّمُ لِعَدَمِهِ وَالصَّغِيرُ لِضِيقِ الْمَخْرَجِ ظَاهِرًا فَيَكُونُ التَّقْصِيرُ مِنْهُ.
(وَإِنْ أَصَابَ السَّهْمُ ظِلْفَهُ) أَيْ ظِلْفَ الصَّيْدِ بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ حَافِرَهُ (أَوْ قَرْنَهُ فَإِنْ أَدْمَاهُ حَلَّ) أَكْلُهُ (وَإِلَّا فَلَا) يَحِلُّ وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ يَشْتَرِطُ خُرُوجَ الدَّمِ وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً أَوْ غَيْرَهَا فَتَحَرَّكَتْ بَعْدَ الذَّبْحِ وَخَرَجَ مِنْهَا دَمٌ مَسْفُوحٌ تُؤْكَلُ وَلَوْ لَمْ يَتَحَرَّكْ وَلَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ لَا تُؤْكَلُ وَلَوْ لَمْ يَتَحَرَّكْ وَخَرَجَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ أَوْ تَحَرَّكَ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا الدَّمُ أُكِلَتْ وَإِنْ عُلِمَ حَيَاتُهَا عِنْدَ الذَّبْحِ تُؤْكَلُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ وَلَمْ تَتَحَرَّكْ.
(وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ أُكِلَ) الصَّيْدُ (دُونَ الْعُضْوِ) أَيْ يُؤْكَلُ صَيْدٌ قُطِعَ عُضْوٌ مِنْهُ بِالرَّمْيِ كَالْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ لِأَنَّهُ ذَابِحٌ بِرَمْيِهِ وَلَا يُؤْكَلُ عُضْوُهُ الْمَقْطُوعُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ» قَدْ ذَكَرَ عليه الصلاة والسلام الْحَيَّ مُطْلَقًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْحَيِّ الْحَقِيقِيِّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُؤْكَلَانِ إذَا مَاتَ الصَّيْدُ فِي الْحَالِ وَإِلَّا يُؤْكَلُ الْمُبَانُ مِنْهُ لَا الْمُبَانُ.
(وَإِنْ قَطَعَهُ) أَيْ الْعُضْوَ (وَلَمْ يُبِنْهُ فَإِنْ احْتَمَلَ الْتِيَامَهُ) فَمَاتَ (أُكِلَ الْعُضْوُ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ أَجْزَائِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُحْتَمَلْ وَلَمْ يُتَوَهَّمْ الْتِيَامُهُ بِعِلَاجٍ إنْ بَقِيَ مِنْهُ مُعَلَّقًا بِجِلْدِهِ (فَلَا يُؤْكَلُ الْمُبَانُ لِوُجُودِ الْإِبَانَةِ) مَعْنًى وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي.
(وَإِنْ قَدَّهُ) أَيْ شَقَّ الصَّيْدَ طُولًا وَكَذَا عَرْضًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (نِصْفَيْنِ أَوْ) قَطَعَهُ (أَثْلَاثًا وَالْأَكْثَرُ مِنْ جَانِبِ الْعَجْزِ أَكْلُ الْكُلِّ) أَيْ يُؤْكَلُ الْمُبَانُ وَالْمُبَانُ مِنْهُ جَمِيعًا إذْ لَا يُمْكِنُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ بَعْدَ هَذَا الْجُرْحِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْحَدِيثُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثُّلُثَانِ فِي طَرَفِ الرَّأْسِ وَالثُّلُثُ فِي طَرَفِ الْعَجُزِ إذْ يُؤْكَلُ الْمُبَانُ مِنْهُ لَا الْمُبَانُ لِإِمْكَانِ الْحَيَاةِ فِي الثُّلُثَيْنِ فَوْقَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الرَّأْسِ إذْ يُؤْكَلُ الْمُبَانُ مِنْهُ لَا الْمُبَانُ لِإِمْكَانِ الْحَيَاةِ الْمَذْكُورَةِ (وَكَذَا) أُكِلَ الْكُلُّ (لَوْ قُطِعَ نِصْفُ رَأْسِهِ أَوْ أَكْثَرُ) لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ.
(وَإِذَا أَدْرَكَ الصَّيْدَ حَيًّا) فِيهِ (حَيَاةٌ فَوْقَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذَكْوَتِهِ) لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ ذَكْوَةٌ حَقِيقَةٌ قِيلَ
حُصُولُ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ وَهُوَ ذَكْوَةُ الِاضْطِرَارِ إذْ الْمَقْصُودُ هُوَ الْإِبَاحَةُ بِالذَّكْوَةِ الِاضْطِرَارِيَّةِ وَلَمْ يَثْبُتْ قَبْلَ مَوْتِ الصَّيْدِ فَبَطَلَ حُكْمُ الْبَدَلِ (فَإِنْ تَرَكَهَا) أَيْ الذَّكْوَةَ (مُتَمَكِّنًا) أَيْ قَادِرًا (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الذَّكْوَةِ (حَرُمَ) لِمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا.
(وَكَذَا) يَحْرُمُ (لَوْ) تَرَكَهَا (غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ) مِنْهَا إمَّا لِفَقْدِ الْآلَةِ أَوْ لِضِيقِ الْوَقْتِ وَمَعَهُ آلَةُ الذَّبْحِ وَفِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ فَوْقَ مَا يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ (فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) لِأَنَّ ذَكْوَةَ الِاضْطِرَارِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ إذَا لَمْ يَقَعْ فِي يَدِهِ حَيًّا وَهَذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ حَيًّا فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ ذَكْوَةِ الِاضْطِرَارِ فِيهِ وَعَنْ الشَّيْخَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَحِلُّ إذَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الْمَذْبُوحِ بَعْدَ الذَّبْحِ.
(وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ حَيَاتِهِ إلَّا مِثْلُ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ وَهُوَ مَا لَا يُتَوَهَّمُ بَقَاؤُهُ) بَعْدَ هَذَا كَمَا إذَا شَقَّ بَطْنَهُ وَأَخْرَجَ مَا فِيهِ (فَلَمْ يُدْرِكْهُ حَيًّا) فَيَحِلُّ وَلَا تَلْزَمُ تَذْكِيَتُهُ لِأَنَّ مَا بَقِيَ فِيهِ اضْطِرَابُ الْمَذْبُوحِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ وُصُولِ الذَّبْحِ أَوْ مَعَ وُصُولِهِ أَوْ بَعْدَ وُصُولِهِ بِلَا فَصْلٍ أُكِلَ وَبِهِ نَأْخُذُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ النَّظْمِ (وَقِيلَ عِنْدَ الْإِمَامِ لَا بُدَّ مِنْ تَذْكِيَتِهِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَكُونُ فِيهِ حَيَاةٌ فَوْقَ مَا يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي يَدِهِ حَيًّا فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّكْوَةِ الِاخْتِيَارُ (فَإِنْ ذَكَّاهُ حَلَّ) إجْمَاعًا.
(وَكَذَا إنْ ذَكَّى الْمُتَرَدِّيَةَ) أَيْ الَّتِي سَقَطَتْ مِنْ الْعُلْوِ (وَالنَّطِيحَةَ) أَيْ الَّتِي مَاتَتْ مِنْ النَّطْحِ وَهُوَ ضَرْبُ الْكَبْشِ بِالْقَرْنِ لَهُ (وَالْمَوْقُوذَةَ) أَيْ الَّتِي قُتِلَتْ بِالْخَشَبِ (وَاَلَّتِي بَقَرَ) أَيْ شَقَّ (الذِّئْبُ بَطْنَهَا وَفِيهِ) أَيْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ (حَيَاةٌ خَفِيَّةٌ) أَيْ دُونَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ (أَوْ جَلِيَّةٌ) أَيْ فَوْقَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ وَقِيلَ الْخَفِيَّةُ بِأَنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ وَلَكِنْ يَتَنَفَّسُ بِالْحَيَاةِ وَالْجَلِيَّةُ بِأَنْ (حَلَّ) أَيْ يَحِلُّ أَكْلُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ إذَا ذُكِّيَتْ (وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] اسْتِثْنَاءٌ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ حَيٍّ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَسْيِيلُ الدَّمِ النَّجِسِ بِفِعْلِ الذَّكْوَةِ وَقَدْ حَصَلَ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ) أَحَدُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ بِحَيْثُ (لَا يَعِيشُ مِثْلُهُ لَا يَحِلُّ) بِالتَّذْكِيَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْتُهُ بِالذَّبْحِ أَيْ مُضَافًا إلَى الذَّبْحِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ يَعِيشُ فَوْقَ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ حَلَّ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَعِيشُ فَوْقَ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ بَلْ كَانَ يَعِيشُ مِقْدَارَ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ (فَلَا) يَحِلُّ بِالتَّذْكِيَةِ لِأَنَّ قَدْرَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ.
(وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَثْخَنَهُ) أَيْ جَعَلَهُ ضَعِيفًا (وَأَخْرَجَهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ) أَيْ صَيَّرَهُ إلَى حَالٍ لَا يَنْجُو مِنْ يَدِ الصَّائِدِ وَلَكِنْ تُرْجَى حَيَاتُهُ (ثُمَّ رَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ حَرُمَ) أَكْلُهُ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِالثَّانِي وَهُوَ لَيْسَ بِذَكْوَةٍ لِلْقُدْرَةِ عَلَى ذَكْوَةِ الِاخْتِيَارِ (وَضَمِنَ) الثَّانِي (قِيمَتَهُ) أَيْ قِيمَةَ الصَّيْدِ (مَجْرُوحًا لِلْأَوَّلِ) يَعْنِي الْأَوَّلُ مَلَكَ الصَّيْدَ بِإِثْخَانِهِ وَالثَّانِي بِرَمْيِهِ أَتْلَفَ مِلْكَهُ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ مُعَيَّنًا بِالْجِرَاحَةِ
وَفِي التَّبْيِينِ تَفْصِيلٌ فَلْيُطَالَعْ قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا تُرْجَى حَيَاتُهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تُرْجَ حَيَاتُهُ بِأَنْ قَطَعَ بِالرَّمْيِ الْأَوَّلِ رَأْسَهُ أَوْ بَقَرَ بَطْنَهُ أَوْ نَحْوَهُمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِأَنَّ الْمَوْتَ مُضَافٌ إلَى الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (فَإِنْ لَمْ يُثْخِنْهُ الْأَوَّلُ) وَرَمَاهُ الثَّانِي فَقَتَلَهُ (حَلَّ) أَكْلُهُ لِأَنَّهُ حِينَ رَمَى الثَّانِي كَانَ صَيْدًا لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِامْتِنَاعِ (وَهُوَ) أَيْ الصَّيْدُ (لِلثَّانِي) لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَخَذَهُ وَأَخْرَجَهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَ» .
وَفِي التَّبْيِينِ وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ وَأَثْخَنَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ الْآخَرُ أَوْ رَمَاهُ أَحَدُهُمَا أَوَّلًا ثُمَّ رَمَاهُ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ الْأَوَّلُ أَوْ بَعْدَمَا أَصَابَهُ قَبْلَ أَنْ يُثْخِنَهُ فَأَصَابَهُ الْأَوَّلُ وَأَثْخَنَهُ أَوْ أَثْخَنَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ الثَّانِي فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَيُؤْكَلُ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا وَأَصَابَاهُ مَعًا فَمَاتَ مِنْهُمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ وَالْبَازِي وَالْكَلْبُ فِي هَذَا كَالسَّهْمِ حَتَّى يَمْلِكَهُ بِإِثْخَانِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ إمْسَاكُهُ بِدُونِ الْإِثْخَانِ وَتَمَامُهُ فِيهِ إنْ شِئْتَ فَلْيُرَاجَعْ.
(وَمَنْ أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ فَأَدْرَكَهُ فَضَرَبَهُ فَصَرَعَهُ) أَيْ طَرَحَهُ عَلَى الْأَرْضِ (ثُمَّ ضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ أُكِلَ وَكَذَا) يُؤْكَلُ (لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَيْنِ فَصَرَعَهُ أَحَدُهُمَا وَقَتَلَهُ الْآخَرُ) لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ الْجَرْحِ بَعْدَ الْجَرْحِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ التَّعْلِيمِ فَجُعِلَ عَفْوًا مَا لَمْ يَكُنْ إرْسَالُ أَحَدِهِمَا بَعْدَمَا أَثْخَنَهُ الْأَوَّلُ.
(وَلَوْ أَرْسَلَ رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا كَلْبَهُ فَصَرَعَهُ أَحَدُهُمَا وَقَتَلَهُ الْآخَرُ حَلَّ) أَكْلُهُ إذَا كَانَ إرْسَالُ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُثْخِنَهُ الْأَوَّلُ لِمَا بَيَّنَّا (وَهُوَ) أَيْ الصَّيْدُ (لِلْأَوَّلِ) إنْ كَانَ أَثْخَنَهُ قَبْلَ أَنْ يَجْرَحَهُ الثَّانِي لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ حَدِّ الصَّيْدِيَّةِ فَمَلَكَهُ بِهِ وَلَا يَحْرُمُ بِجَرْحِ الثَّانِي بَعْدَمَا أَثْخَنَهُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ إرْسَالَ الثَّانِي حَصَلَ إلَى الصَّيْدِ لِكَوْنِهِ قَبْلَ أَنْ يُثْخِنَهُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ حَالَةُ الْإِرْسَالِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِامْتِنَاعِ وَلَا يُعْتَبَرُ بَعْدَهُ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَعَنْ هَذَا قَالَ.
(وَلَوْ أَرْسَلَ الثَّانِي بَعْدَ صَرْعِ الْأَوَّلِ حَرُمَ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْإِرْسَالَ إذَا كَانَ بَعْدَ الْخُرُوجِ عَنْ الصَّيْدِيَّةِ لَمْ يَكُنْ مَوْتُهُ ذَكْوَةً لِلْقُدْرَةِ عَلَى ذَكْوَةِ الِاخْتِيَارِ (وَضَمِنَ) الثَّانِي لِلْأَوَّلِ (كَمَا فِي الرَّمْيِ) لِتَلَفِ الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ لِلْأَوَّلِ بِإِرْسَالِ الثَّانِي.
(وَمَنْ سَمِعَ حِسًّا) أَيْ صَوْتًا خَفِيفًا (فَظَنَّهُ إنْسَانًا فَرَمَاهُ أَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ كَلْبَهُ فَإِذَا هُوَ صَيْدٌ) فَقَتَلَهُ (أُكِلَ) لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِظَنِّهِ مَعَ تَعَيُّنِهِ صَيْدًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى إذَا سَمِعَ حِسًّا بِاللَّيْلِ فَظَنَّ أَنَّهُ إنْسَانٌ أَوْ دَابَّةٌ فَرَمَاهُ فَإِذَا ذَلِكَ الْمَرْمِيُّ صَيْدٌ أَوْ أَصَابَ صَيْدًا آخَرَ وَقَتَلَهُ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ رَمَاهُ وَهُوَ لَا يُرِيدُ الصَّيْدَ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَحِلُّ الصَّيْدُ إلَّا بِوَجْهَيْنِ أَنْ يَرْمِيَهُ وَهُوَ يُرِيدُ الصَّيْدَ وَأَنْ يَكُونَ مَرْمِيُّهُ صَيْدًا سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ لَا وَهَذَا أَوْجَهُ لِأَنَّ الرَّمْيَ إلَى الْآدَمِيِّ وَنَحْوِهِ بِقَصْدِهِ لَا يُعَدُّ صَيْدًا فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ وَلَوْ أَصَابَ صَيْدًا وَقَدْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ آدَمِيٍّ لَا يَحِلُّ الْمُصَابُ وَحُمِلَ قَوْلَاهُ