الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَتَحَقَّقُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْلَاسِ، وَفِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنُوا إلَى آخِرِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ بَيِّنَةَ الْيَسَارِ تُرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ الْعَسَارِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا.
[فَصْلٌ فِي كِتَابِ الْقَاضِي]
وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ عَنْ الْحَبْسِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْوُجُودِ إلَّا لِقَاضِيَيْنِ كَانَ مُرَكَّبًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا قَبْلَهُ وَالْبَسِيطُ قَبْلَ الْمُرَكَّبِ، وَتَرَكَ قَوْلَهُ إلَى الْقَاضِي كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لِأَنَّ هَذَا الْفَصْلَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِ بَلْ بَيَّنَ فِيهِ السِّجِلَّ وَالْمَحْضَرَ وَالصَّكَّ وَالْوَثِيقَةَ (إذَا شَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ حَكَمَ) أَيْ الْقَاضِي (بِهَا) أَيْ بِشَهَادَتِهِمْ لِوُجُودِ الْحُجَّةِ وَشَرْطِ الْحُكْمِ، وَهُوَ حُضُورُ الْخَصْمِ، وَالْمُرَادُ بِالْخَصْمِ الْحَاضِرِ مَنْ كَانَ وَكِيلًا مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ مُسَخَّرًا، وَهُوَ مَنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبِ لِيَسْمَعَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَوْ أَرَادَ بِالْخَصْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ تَبْقَ حَاجَةٌ إلَى الْكِتَابِ إلَى الْقَاضِي الْآخَرِ لِأَنَّ الْخَصْمَ حَاضِرٌ عِنْدَ الْقَاضِي وَقَدْ حَكَمَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّكَلُّفِ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ: وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى غَائِبٍ لَا يَحْكُمُ وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ بِالذَّاتِ كَمَا فِي الدُّرَرِ (وَكَتَبَ) الْقَاضِي (بِالْحُكْمِ) لِئَلَّا يَنْسَى الْوَاقِعَةَ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ وَلِيَكُونَ الْكِتَابُ مُذَكِّرًا لَهَا، وَإِلَّا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى كِتَابَةِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ بِحُضُورِ الْخَصْمِ بِنَفْسِهِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ (وَهُوَ) أَيْ كِتَابُ الْحُكْمِ (السِّجِلُّ) الْحُكْمِيُّ لِأَنَّهُ سَجَّلَهُ أَيْ أَحْكَمَهُ بِالْحُكْمِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ: السِّجِلُّ كِتَابُ الْقَاضِي، وَسَجَّلَ الْقَاضِي بِالتَّشْدِيدِ قَضَى وَحَكَمَ وَأَثْبَتَ حُكْمَهُ فِي السِّجِلِّ.
وَفِي الْبَحْرِ فَالسِّجِلُّ الْحُجَّةُ الَّتِي فِيهَا حُكْمُ الْقَاضِي، وَلَكِنَّ هَذَا، وَفِي عُرْفِنَا السِّجِلُّ كِتَابٌ كَبِيرٌ يُضْبَطُ فِيهِ وَقَائِعُ النَّاسِ وَمَا يَحْكُمُ بِهِ الْقَاضِي وَمَا يَكْتُبُ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى) الْخَصْمِ الـ (غَائِبِ) بِأَنْ كَانَ فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ بَلْدَةٍ وَيُشْتَرَطُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَسِيرَةُ السَّفَرِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ فِيمَا لَا يُرْجَعُ فِي يَوْمِهِ.
وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (لَا يُحْكَمُ) لِعَدَمِ جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ عِنْدَنَا وَلَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ يَرَى ذَلِكَ، ثُمَّ نُقِلَ إلَيْهِ نَفَّذَهُ بِخِلَافِ الْكِتَابِ الْحُكْمِيِّ حَيْثُ لَا يُنَفِّذُ خِلَافَ مَذْهَبِهِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَحْكُومٌ بِهِ فَلَزِمَهُ، وَالثَّانِي ابْتِدَاءُ حُكْمٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ عَلَى الْغَائِبِ إذَا كَانَ حَنَفِيًّا فَإِنَّ حُكْمَهُ لَا يَنْفُذُ لِقَوْلِهِ يَرَى ذَلِكَ وَهُوَ مُقَيَّدٌ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ يَنْفُذُ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ إذَا كَانَ الْقَاضِي شَافِعِيًّا كَمَا سَيَأْتِي (بَلْ يَكْتُبُ) الْقَاضِي (بِهَا) أَيْ بِالشَّهَادَةِ إلَى قَاضٍ يَكُونُ الْخَصْمُ فِي وِلَايَتِهِ (لِيَحْكُمَ) الْقَاضِي (الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ) عَلَى وَجْهِ الْخَصْمِ كَيْ لَا يَكُونَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ (وَهُوَ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي) وَجْهُ التَّسْمِيَةِ بِهِ ظَاهِرٌ (وَالْكِتَابُ الْحُكْمِيُّ) مَنْسُوبٌ إلَى الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ مَا يُؤَوَّلُ إلَيْهِ (وَهُوَ نَقْلُ الشَّهَادَةِ
فِي الْحَقِيقَةِ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا، وَإِنَّمَا نَقَلَهَا لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ لِيَحْكُمَ بِهَا وَلِهَذَا يَحْكُمُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِرَأْيِهِ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِرَأْيِ الْكَاتِبِ بِخِلَافِ السِّجِلِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَالِفَهُ وَيَنْقُضَ حُكْمَهُ، إذَا كَانَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ أَوْ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ: وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَ الْعَمَلِ بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي لِأَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ لَوْ حَضَرَ بِنَفْسِهِ مَجْلِسَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَعَبَّرَ بِلِسَانِهِ عَمَّا فِي الْكِتَابِ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ الْقَاضِي فَكَيْفَ بِالْكِتَابِ وَفِيهِ شُبْهَةُ التَّزْوِيرِ، إذْ الْخَطُّ يُشْبِهُ الْخَطَّ وَالْخَاتَمُ يُشْبِهُ الْخَاتَمَ إلَّا أَنَّهُ جُوِّزَ اسْتِحْسَانًا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - جَوَّزَهُ لِذَلِكَ وَعَلَيْهِ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ (وَيُقْبَلُ فِي كُلِّ مَا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْحَدِّ وَالْقَوَدِ لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ عَنْ الشَّهَادَةِ فَيَصِيرُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ لِأَنَّ مَبْنَاهُمَا عَلَى الْإِسْقَاطِ، وَفِي قَبُولِهِ سَعْيٌ فِي إثْبَاتِهِمَا قِيلَ فِيهِ شُبْهَةُ التَّبْدِيلِ وَالتَّزْوِيرِ وَهُمَا يَسْقُطَانِ بِالشُّبُهَاتِ (كَالدَّيْنِ) فَإِنَّهُ يُعْرَفُ بِالْقَدْرِ وَالْوَصْفِ وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْإِشَارَةِ (وَالْعَقَارِ) فَإِنَّهُ أَيْضًا يُعْرَفُ بِالتَّحْدِيدِ (وَالنِّكَاحِ) سَوَاءٌ ادَّعَى الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ، وَكَذَا الطَّلَاقُ إنْ ادَّعَتْ عَلَى الزَّوْجِ (وَالنَّسَبِ) مِنْ قِبَلِ الْحَيِّ أَوْ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِذِكْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْقَبِيلَةِ (وَالْغَصْبِ) إذْ فِيهِ يَلْزَمُ الْقِيمَةُ وَهِيَ دَيْنٌ (وَالْأَمَانَةِ وَالْمُضَارَبَةِ الْمَجْحُودَتَيْنِ) لِأَنَّهُمَا كَالْمَغْصُوبَيْنِ حُكْمًا قَيَّدَهُمَا بِالْمَجْحُودَتَيْنِ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَجْحُودَتَيْنِ لَا يَحْتَاجَانِ إلَى كِتَابِ الْقَاضِي، وَكَذَا الشُّفْعَةُ وَالْوَكَالَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْوَفَاةُ وَالْوِرَاثَةُ وَالْقَتْلُ الَّذِي يُوجِبُ الْمَالَ لِأَنَّ الْبَعْضَ مِنْهَا يُعْرَفُ بِالْقَدْرِ وَالْوَصْفِ، وَالْبَعْضَ الْآخَرَ يُعْرَفُ بِأَحَدِهِمَا وَلَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ فِي الْعَيْنِ الْمَنْقُولِ كَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَنَحْوِهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْإِشَارَةِ عِنْدَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَ فِي الْعَبْدِ لِأَنَّ الْإِبَاقَ يَغْلِبُ فِيهِ لَا فِي الْأَمَةِ.
وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ تُقْبَلُ فِي الْأَمَةِ كَالْعَبْدِ (وَ) رُوِيَ (عَنْ مُحَمَّدٍ قَبُولُهُ فِي كُلِّ مَا يُنْقَلُ وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ) .
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْمُتَقَدِّمُونَ لَمْ يَأْخُذُوا بِقَوْلِ الْإِمَامِ الثَّانِي، وَعَمَلُ الْفُقَهَاءِ الْيَوْمَ عَلَى التَّجْوِيزِ فِي الْكُلِّ لِلْحَاجَةِ (وَبِهِ يُفْتَى) كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَعْلُومٍ إلَى مَعْلُومٍ بِأَنْ يَقُولَ مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ وَيَذْكُرَ نَسَبَهُمَا) بِأَنْ يَقُولَ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ.
وَفِي الْعِنَايَةِ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْمَعْلُومُ الْخَمْسَةُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَعْلُومٍ إلَى مَعْلُومٍ فِي مَعْلُومٍ أَيْ الْمُدَّعَى لِمَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فَإِنْ شَاءَ قَالَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ أَنْ يَقُولَ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ (وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ) الْكِتَابُ (مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ) حَتَّى لَا يُبْطَلَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَيَقْرَؤُهُ) أَيْ الْقَاضِي الْكَاتِبُ الْكِتَابَ (عَلَى مَنْ يُشْهِدُهُمْ عَلَيْهِ)
لِيَعْرِفُوا مَا فِيهِ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (وَيُعْلِمُهُمْ بِمَا فِيهِ) أَيْ فِي الْكِتَابِ إنْ لَمْ يَقْرَأْ إذْ لَا شَهَادَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ (وَتَكُونُ أَسْمَاؤُهُمْ) أَيْ أَسْمَاءُ شُهُودِ الطَّرِيقِ، وَكَذَا أَنْسَابُهُمْ (دَاخِلَةً) فِي كِتَابِهِ.
وَفِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ: وَيَكْتُبُ فِيهِ اسْمَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ بِهِ التَّمْيِيزُ، وَذَلِكَ بِذِكْرِ جَدِّهِمَا، وَبِذِكْرِ الْحَقِّ فِيهِ، وَبِذِكْرِ شُهُودِ الْأَصْلِ وَأَسْمَائِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ لِأَجْلِ التَّمْيِيزِ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ اكْتَفَى بِذِكْرِ شَهَادَتِهِمْ هَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ مَشْهُورٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَشْهُورًا يَكْتَفِي بِاسْمِهِ الْمَشْهُورِ وَيَكْتُبُ الْعُنْوَانَ فِي دَاخِلِ الْكِتَابِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى الظَّاهِرِ لَا يُقْبَلُ، قِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا الْعُنْوَانُ يُكْتَبُ عَلَى الظَّاهِرِ فَيُعْمَلُ بِهِ.
وَفِي الدُّرَرِ وَيَكْتُبُ تَارِيخَ الْكِتَابِ وَلَوْ لَمْ يَكْتُبْ فِيهِ التَّارِيخَ لَا يَقْبَلُهُ (وَيَخْتِمُهُ) أَيْ الْكَاتِبُ (بِحَضْرَتِهِمْ) أَيْ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ (وَيَحْفَظُوا) أَيْ الشُّهُودُ (مَا فِيهِ) أَيْ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِهِ (وَيُسَلِّمُهُ) أَيْ الْكِتَابَ (إلَيْهِمْ) أَيْ إلَى الشُّهُودِ دَفْعًا لِتُهْمَةِ التَّغْيِيرِ، وَهَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَأَبُو يُوسُفَ لَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ (سِوَى إشْهَادِهِمْ أَنَّهُ كِتَابُهُ لَمَّا اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا.
قِيلَ إذَا كَانَ الْكِتَابُ فِي يَدِ الْمُدَّعِي يُفْتِي بِأَنَّ الْخَتْمَ شَرْطٌ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الشُّهُودِ يُفْتِي بِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ (وَاخْتَارَ) الْإِمَامُ (السَّرَخْسِيُّ قَوْلَهُ) أَيْ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا (وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْعِيَانِ) يَعْنِي أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَبْلَ أَنْ اُبْتُلِيَ بِقَضَاءٍ وَعَايَنَ مَا فِيهِ قَالَ فِيهِ مِثْلَ مَا قَالَا وَلَمَّا اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَعَايَنَ بِمَا فِيهِ قَالَ: جَمِيعُ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ تَسْهِيلًا عَلَى النَّاسِ، وَإِنْ كَانَ الِاحْتِيَاطُ فِيمَا قَالَا (وَإِذَا وَصَلَ) الْكِتَابُ (إلَى) الْقَاضِي (الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ نَظَرَ إلَى خَتْمِهِ وَلَا يَقْبَلُهُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ) أَيْ لَا يَأْخُذُ الْكِتَابَ إلَّا وَقْتَ حُضُورِ الْخَصْمِ لِأَنَّهُ لِإِلْزَامِهِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِ أَنَّ حُضُورَهُ شَرْطُ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْكِتَابِ لَا شَرْطُ قَبُولِ الْكِتَابِ.
(وَ) إلَّا (بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) لِأَنَّ الْكِتَابَ قَدْ يُزَوَّرُ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ وَأَيْضًا كِتَابُ الْقَاضِي مُلْزِمٌ إذْ يَجِبُ عَلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ وَيَعْمَلَ بِهِ وَلَا إلْزَامَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ (أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانِ) بْنِ (فُلَانٍ الْقَاضِي) وَالْجُمْلَةُ مَفْعُولُ قَوْلِهِ بِشَهَادَةِ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ يُسَلِّمُ الْكِتَابَ إلَى الْمُدَّعِي كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ (قَرَأَهُ عَلَيْنَا) وَأَخْبَرَنَا بِهِ (وَخَتَمَهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْنَا فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ) كُلُّهُ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَذْهَبِ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) يَكْفِي شَهَادَةُ (أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ) الْقَاضِي (وَخَتْمُهُ) وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولُوا قَرَأَهُ عَلَيْنَا وَسَلَّمَهُ إلَيْنَا فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ (وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (أَنَّ الْخَتْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ) فَيَكْفِيهِمْ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ الْقَاضِي لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ إسْلَامِ شُهُودِهِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ كَانَ لِذِمِّيٍّ عَلَى ذِمِّيٍّ لِأَنَّهُمْ
يَشْهَدُونَ عَلَى فِعْلِ الْمُسْلِمِ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِمْ إذَا أَنْكَرَ الْخَصْمُ كَوْنَهُ كِتَابَ الْقَاضِي أَمَّا إذَا أَقَرَّ فَلَا حَاجَةَ إلَى الشُّهُودِ (فَإِذَا شَهِدُوا) سَوَاءٌ عَلَى مَا قَالَاهُ أَوْ عَلَى مَا قَالَهُ عِنْدَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (فَتَحَهُ) أَيْ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْكِتَابَ بَعْدَ ثُبُوتِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَفِي الْعِنَايَةِ أَنَّ الْأَصَحَّ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ تَجْوِيزِ الْفَتْحِ عِنْدَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ بِالْكِتَابِ وَالْخَتْمِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ.
وَفِي التَّبْيِينِ وَلَوْ وَجَدَ فِي الْكِتَابِ مَا يُخَالِفُ شَهَادَتَهُمْ رَدَّهُ (وَقَرَأَهُ عَلَى الْخَصْمِ وَأَلْزَمَهُ مَا فِيهِ) لِأَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ مَا فِي الْكِتَابِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْخَصْمُ: لَسْت بِفُلَانٍ الَّذِي شَهِدُوا بِهِ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فِي هَذِهِ الْقَبِيلَةِ اثْنَيْنِ بِهَذَا النَّسَبِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(وَيَبْطُلُ الْكِتَابُ بِمَوْتِ) الْقَاضِي (الْكَاتِبِ، وَعَزْلِهِ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ) إلَى الثَّانِي أَوْ بَعْدَ وُصُولِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِمْ، وَكَذَا بِخُرُوجِهِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ كَالْجُنُونِ وَالْفِسْقِ لِأَنَّ الْخُرُوجَ كَالْعَزْلِ وَالْإِخْرَاجِ حُكْمًا لِكَوْنِهِ وَاحِدًا مِنْ الرَّعَايَا، فَكِتَابُهُ لَا يُقْبَلُ كَخِطَابِهِ لِانْتِفَاءِ الْوِلَايَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بَعْدَ وُصُولِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ بَعْدَمَا قَرَأَ الْكِتَابَ لَا يَبْطُلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيَحْكُمُ بِهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَبْطُلُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ مَاتَ الْكَاتِبُ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ الْوُصُولِ أَوْ بَعْدَهُ بَلْ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ يَقْضِي بِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (، وَ) يَبْطُلُ (بِمَوْتِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ) وَعَزْلِهِ (إلَّا إنْ كَتَبَ بَعْدَ اسْمِهِ) أَيْ اسْمِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ) فَحِينَئِذٍ لَا يَبْطُلُ لِأَنَّ الْغَيْرَ صَارَ تَبَعًا لِلْمَعْرُوفِ لِمُعَيَّنٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَتَبَ ابْتِدَاءً إلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ، عَلَى مَا عَلَيْهِ مَشَايِخُنَا لِعَدَمِ التَّعْرِيفِ، وَأَجَازَ أَبُو يُوسُفَ حِينَ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ (لَا) يَبْطُلُ (بِمَوْتِ الْخَصْمِ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى وَارِثِهِ) أَيْ وَارِثِ الْخَصْمِ الْمُتَوَفَّى فَإِنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَكَذَا يَنْفُذُ عَلَى وَصِيِّهِ سَوَاءٌ كَانَ تَارِيخُ الْكِتَابِ قَبْلَ مَوْتِ الْخَصْمِ أَوْ بَعْدَهُ، أَطْلَقَ الْخَصْمَ فَشَمِلَ الْمُدَّعِيَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
(وَإِذَا عَلِمَ الْقَاضِي بِشَيْءٍ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فِي زَمَنِ وِلَايَتِهِ وَمَحَلِّهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ) مِنْ غَيْرِ شَاهِدٍ حَتَّى إذَا عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ زَيْدًا غَصَبَ شَيْئًا مِنْ الْمُدَّعِي يَأْخُذُهُ عَنْ زَيْدٍ وَيَدْفَعُهُ إلَى الْمُدَّعِي، وَهَذَا جَوَابُ رِوَايَةِ الْأُصُولِ.
وَفِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْوِقَايَةِ لِأَبِي الْمَكَارِمِ وَهَلْ يَقْضِي الْقَاضِي بِعِلْمِهِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ نَعَمْ إذَا عَلِمَ فِي مِصْرِهِ حَالَ قَضَائِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا، وَقَالَ: لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ، وَفِي حُدُودٍ - هِيَ حَقُّ اللَّهِ - كَحَدِّ الزِّنَاءِ وَالشُّرْبِ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ، وَفِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ يَقْضِي بِهِ، وَإِذَا عَلِمَ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ قَبْلَ قَضَائِهِ أَوْ فِي غَيْرِ مِصْرِهِ فَحَضَرَ مِصْرَهُ، ثُمَّ رُفِعَتْ الْحَادِثَةُ إلَيْهِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَقْضِي بِذَلِكَ الْعِلْمِ، وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ