المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِ.   (وَالْمُسْلِمُ) إذَا - مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر - جـ ٢

[داماد أفندي عبد الرحمن شيخي زاده]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَاب الْبُيُوع]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ وَمَا لَا لَا يَدْخُلُ]

- ‌[بَابُ الْخِيَارَاتِ]

- ‌[خِيَار الشَّرْط]

- ‌[فَصَلِّ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ]

- ‌[بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ]

- ‌[بَيْع الطَّيْر فِي الْهَوَاء]

- ‌[بَيْع الْحَمْل أَوْ النِّتَاج]

- ‌[بَيْع اللَّبَن فِي الضَّرْع]

- ‌[بَيْع اللُّؤْلُؤ فِي الصَّدَف]

- ‌[بَيْع اللَّحْم فِي الشَّاة]

- ‌[بَيْع الْمُزَابَنَة]

- ‌[بَيْع الْمُحَاقَلَة]

- ‌[بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَإِلْقَاءِ الْحَجَرِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي قبض الْمُشْتَرِي الْمَبِيع بَيْعًا بَاطِلًا بِإِذْنِ بَائِعَة]

- ‌[بَيْع النَّجْش]

- ‌[بَاب الْإِقَالَة]

- ‌[بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان الْبَيْع قَبْل قبض الْمَبِيع]

- ‌[بَاب الربا]

- ‌[عِلَّة الربا]

- ‌[بَابُ الْحُقُوقِ وَالِاسْتِحْقَاقِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام الِاسْتِحْقَاق]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ]

- ‌[مَا يَصِحّ فِيهِ السَّلَم]

- ‌[شَرْط جَوَازِ السَّلَم]

- ‌[مَسَائِل شَتَّى فِي الْبَيْع]

- ‌[كِتَاب الصَّرْف]

- ‌[كِتَاب الْكِفَالَة]

- ‌[أَرْكَان الْكِفَالَة]

- ‌[أَنْوَاع الْكِفَالَة]

- ‌[فَصَلِّ دَفْعِ الْأَصِيل الْمَال إلَى كَفِيلِهِ]

- ‌[بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَوَالَةِ]

- ‌[مَا تَصِحّ فِيهِ الْحَوَالَةِ]

- ‌[حُكْم السَّفْتَجَة]

- ‌[كِتَابُ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كِتَابِ الْقَاضِي]

- ‌[فَصَلِّ قَضَاء الْمَرْأَة فِي غَيْر حَدّ وقود]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّحْكِيمِ]

- ‌[مَسَائِلُ شَتَّى مِنْ كِتَاب الْقَضَاء]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ]

- ‌[كِتَابُ الشَّهَادَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ مَا يَتَحَمَّلُهُ الشَّاهِدُ]

- ‌[بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ]

- ‌[بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ]

- ‌[بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ]

- ‌[بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَكَالَةِ]

- ‌[شُرُوط الْوَكَالَة]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام مِنْ يَجُوز لِلْوَكِيلِ أَنْ يَعْقِد مَعَهُ وَمنْ لَا يَجُوز]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ]

- ‌[بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ]

- ‌[كِتَابُ الدَّعْوَى]

- ‌[بَابُ التَّحَالُف فِي الدَّعْوَى]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام دَفْعِ الدَّعَاوَى]

- ‌[بَابُ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّنَازُعِ بِالْأَيْدِي]

- ‌[بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِقْرَارِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ]

- ‌[بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ]

- ‌[كِتَابُ الصُّلْحِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي حُكْم الصُّلْح عَنْ وَعَلَى مجهول]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ وَالتَّخَارِيجِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ]

- ‌[بَابٌ الْمُضَارِب يُضَارِب مَعَ آخِر]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ]

- ‌[كِتَاب الْوَدِيعَة]

- ‌[كِتَاب الْعَارِيَّةِ]

- ‌[كِتَاب الْهِبَة]

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْهِبَة]

- ‌[أَرْكَان الْهِبَة]

- ‌[بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَة]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَة فِي الْهِبَة]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا لَا يَجُوزُ]

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌[فَصَلِّ أَحْكَام الْأَجِير وَأَنْوَاعه]

- ‌[بَاب فَسْخ الْإِجَارَة]

- ‌[مَسَائِل مَنْثُورَة فِي الْإِجَارَة]

- ‌[كِتَابُ الْمُكَاتَبِ]

- ‌[بَابُ تَصَرُّفِ الْمُكَاتَبِ]

- ‌[فَصَلِّ إذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَة مِنْ مَوْلَاهَا]

- ‌[بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ]

- ‌[بَابُ الْعَجْزِ وَالْمَوْتِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَلَاءِ]

- ‌[فَصَلِّ وَلَاء المولاة]

- ‌[كِتَابُ الْإِكْرَاهِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْبُلُوغِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَأْذُونِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ]

- ‌[كِتَابُ الْغَصْبِ]

- ‌[فَصَلِّ غَيْر الْغَاصِب مَا غَصْبه بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَسَائِلَ تَتَّصِلُ بِمَسَائِلِ الْغَصْبِ]

- ‌[كِتَابُ الشُّفْعَةِ]

- ‌[فَصَلِّ اخْتِلَاف الشَّفِيع وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَن]

- ‌[بَاب مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَة وَمَالًا تجب]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَة]

- ‌[كِتَابُ الْقِسْمَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُهَايَأَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ]

- ‌[كِتَاب الْمُسَاقَاة]

- ‌[مَا تَبْطُلُ بِهِ الْمُسَاقَاة]

- ‌[كِتَابُ الذَّبَائِحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ]

- ‌[كِتَاب الْأُضْحِيَّة]

- ‌[كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَكْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْكَسْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام النَّظَر وَنَحْوه]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام الِاسْتِبْرَاء]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيْع العذرة]

- ‌[الِاحْتِكَار فِي أقوات الْآدَمِيِّينَ]

- ‌[حُكْم التَّسْعِير]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْمُتَفَرِّقَات]

- ‌[كِتَاب إحْيَاء الْمَوَات]

- ‌[فَصَلِّ فِي الشُّرْب]

- ‌[فَصَلِّ فِي كري الْأَنْهَار]

- ‌[كِتَاب الْأَشْرِبَة]

- ‌[كِتَاب الصَّيْد]

- ‌[كِتَاب الرَّهْن]

- ‌[بَاب مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالرَّهْنُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ]

- ‌[بَاب الرَّهْن يُوضَع عِنْد عَدْل]

- ‌[بَاب التَّصَرُّف فِي الرَّهْن وَجِنَايَته وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ]

- ‌[فَصَلِّ مَسَائِل مُتَفَرِّقَة فِي الرَّهْن]

- ‌[كِتَاب الْجِنَايَات]

- ‌[بَاب مَا يُوجِبُ الْقِصَاص وَمَا لَا يُوجِبهُ]

- ‌[بَاب الْقِصَاص فِيمَا دُون النَّفْس]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا يَسْقُط بِهِ الْقِصَاص]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَنْ قطع يَد رَجُل ثُمَّ قتله]

- ‌[بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ وَاعْتِبَارِ حَالِهِ]

- ‌[كِتَابُ الدِّيَاتِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي دِيَة النَّفْس]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَام الشِّجَاجِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي دِيَة الْجَنِين]

- ‌[بَاب مَا يَحْدُثُ فِي الطَّرِيق]

- ‌[فَصْل أَحْكَامِ الْقَتْلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْجَمَادِ]

- ‌[بَاب فِي جِنَايَة الْبَهِيمَة وَالْجِنَايَة عَلَيْهَا]

- ‌[بَاب فِي جِنَايَة الرَّقِيق وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ]

- ‌[فَصَلِّ دِيَة الْعَبْد]

- ‌[فَصَلِّ جِنَايَة المدبر أَوْ أُمّ وَلَد]

- ‌[بَاب غَصْب الْعَبْد وَالصَّبِيّ والمدبر وَالْجِنَايَة فِي ذَلِكَ]

- ‌[بَاب الْقَسَامَة]

- ‌[كِتَاب الْمَعَاقِلِ]

- ‌[كِتَاب الْوَصَايَا]

- ‌[شَرَائِط الْوَصِيَّة]

- ‌[أَرْكَان الْوَصِيَّة]

- ‌[بَابُ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ]

- ‌[بَاب الْعِتْق فِي الْمَرَض]

- ‌[بَاب الْوَصِيَّة لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرهمْ]

- ‌[بَاب الْوَصِيَّة بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَة]

- ‌[بَاب وَصِيَّة الذِّمِّيّ]

- ‌[بَاب الْوَصِيّ]

- ‌[فَصَلِّ شَهِدَ الْوَصِيَّانِ أَنْ الْمَيِّت أَوْصَى إلَى زَيْد مَعَهُمَا]

- ‌[كِتَاب الْخُنْثَى]

- ‌[مَسَائِل شَتَّى]

- ‌[كِتَاب الْفَرَائِض]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْعُصُبَات]

- ‌[فَصَلِّ فِي الحجب]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْعَوْل]

- ‌[فَصَلِّ فِي ذَوِي الْأَرْحَام]

- ‌[فَصَلِّ فِي مِيرَاث الْغَرْقَى والهدمى]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْمُنَاسَخَة]

- ‌[حِسَاب الْفَرَائِض]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا يَعْرِف بِهِ تداخل الْعَدَدَيْنِ]

- ‌[خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِ.   (وَالْمُسْلِمُ) إذَا

لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِ.

(وَالْمُسْلِمُ) إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ (يَعْقِلُ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ) ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ بِالنُّصْرَةِ وَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ يَتَنَاصَرُونَ (وَقِيلَ) الْمُسْلِمُ (كَالذِّمِّيِّ) تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ.

(وَإِنْ جَنَى حُرٌّ عَلَى عَبْدٍ خَطَأً فَعَلَى الْعَاقِلَةِ) ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْآدَمِيِّ فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً قِيَاسًا عَلَى الْحُرِّ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ تَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَالِ عِنْدَهُ حَتَّى أَوْجَبَ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَا خِلَافَ فِي أَطْرَافِ الْعَبْدِ إنَّ ضَمَانَهَا لَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ، وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ مَا جَنَى الْعَبْدُ عَلَى حُرٍّ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى فِي كَوْنِهِ مُخَاطَبًا بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ بِمَنْزِلَةِ الْعَاقِلَةِ فَلَا تَتَحَمَّلُ عَنْ الْعَاقِلَةِ عَوَاقِلُهُمْ فَكَذَا لَا تَتَحَمَّلُ جِنَايَةَ الْعَبْدِ عَاقِلَةُ مَوْلَاهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَبْدًا وَلَا عَمْدًا» .

[كِتَاب الْوَصَايَا]

لَا يَخْفَى ظُهُورُ مُنَاسَبَةِ إيرَادِ كِتَابِ الْوَصَايَا فِي آخِرِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ آخِرَ أَحْوَالِ الْآدَمِيِّ فِي الدُّنْيَا الْمَوْتُ، وَالْوَصِيَّةُ مُعَامَلَةٌ وَقْتَ الْمَوْتِ، وَلَهُ اخْتِصَاصٌ بِكِتَابِ الْجِنَايَاتِ وَالدِّيَاتِ وَالْجِنَايَةُ قَدْ تُفْضِي إلَى الْمَوْتِ الَّذِي وَقْتُهُ وَقْتُ الْوَصِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةُ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ ثُمَّ سُمِّيَ الْمُوصَى بِهِ وَصِيَّةً كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] . (الْوَصِيَّةُ) فِي الشَّرْعِ (تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدِ الْمَوْتِ) يَعْنِي بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً، وَسَبَبُهَا أَنْ يُذْكَرَ بِالْخَيْرِ فِي الدُّنْيَا وَنَيْلِ الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ فِي الْعُقْبَى.

[شَرَائِط الْوَصِيَّة]

وَمِنْ شَرَائِطِهَا كَوْنُ الْمُوصِي أَهْلًا لِلتَّمْلِيكِ وَالْمُوصَى لَهُ أَهْلًا لِلتَّمْلِيكِ وَالْمُوصَى بِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي مَالًا قَابِلًا لِلتَّمْلِيكِ مِنْ الْغَيْرِ بِعَقْدٍ مِنْ الْعُقُودِ، وَمِنْهَا عَدَمُ الدَّيْنِ، وَمِنْهَا التَّقْدِيرُ بِثُلُثِ التَّرِكَةِ حَتَّى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَمِنْهَا كَوْنُ الْمُوصَى لَهُ أَجْنَبِيًّا حَتَّى لَا تَجُوزَ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ إلَّا بِإِجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ.

[أَرْكَان الْوَصِيَّة]

وَرُكْنُهَا أَنْ يَقُولَ أَوْصَيْت بِكَذَا لِفُلَانٍ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيهَا.

وَأَمَّا حُكْمُهَا فَفِي حَقِّ الْمُوصَى لَهُ أَنْ يَمْلِكَ الْمُوصَى بِهِ مِلْكًا جَدِيدًا كَمَا فِي الْهِبَةِ وَفِي حَقِّ الْمُوصِي إقَامَةُ الْمُوصَى لَهُ فِيمَا أَوْصَى بِهِ مَقَامَ نَفْسِهِ كَالْوَارِثِ.

وَأَمَّا صِفَتُهَا فَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ (وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ بِمَا دُونَ الثُّلُثِ إنْ كَانَ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَوْ يَسْتَغْنُونَ بِأَنْصِبَائِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ تَرَدَّدَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَالْهِبَةِ بِالتَّرْكِ لِلْقَرِيبِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَوْ صَدَقَةٍ يَبْتَغِي بِهَا رِضَاءَ اللَّهِ تَعَالَى» (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ وَلَا يَسْتَغْنُونَ بِأَنْصِبَائِهِمْ

ص: 691

(فَتَرْكُهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ (أَحَبُّ) لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» وَلِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْفَقِيرِ وَالْقَرَابَةِ جَمِيعًا.

(وَلَا تَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُنِي مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ لِي أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ لَا قُلْت فَالشَّطْرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا قُلْت فَالثُّلُثُ قَالَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ أَوَكَبِيرٌ إنَّك أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» .

(وَلَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (لِقَاتِلِهِ) أَيْ الْمُوَرِّثِ (مُبَاشَرَةً) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا وَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ» وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ مُبَاشَرَةً احْتِرَازًا عَنْ الْقَتْلِ تَسَبُّبًا فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ النَّصَّ.

(وَلَا لِوَارِثِهِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَلِأَنَّ بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ يَتَأَذَّوْنَ بِإِيثَارِهِ بَعْضَهُمْ فَفِي تَجْوِيزِهِ قَطْعِيَّةُ الرَّحِمِ (إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ) اسْتِثْنَاءٌ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَعَدَمُ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِقَاتِلِهِ وَوَارِثِهِ يَعْنِي لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلَا لِلْقَاتِلِ وَلَا لِلْوَارِثِ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي حَالِ الْتِبَاسِهَا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَتَصِحُّ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ كَانَ لِحَقِّهِمْ فَتَجُوزُ بِإِجَازَتِهِمْ وَلَمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ» وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُجِيزُ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ بِأَنْ يَكُونَ عَاقِلًا بَالِغًا، وَإِنْ أَجَازَ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ يَجُوزُ عَلَى الْمُجِيزِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ دُونَ غَيْرِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَقَطْ وَلَا تُعْتَبَرُ إجَازَةُ الْوَرَثَةِ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُوصِي حَتَّى كَانَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي.

(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِالثُّلُثِ) لِلْأَجْنَبِيِّ.

(وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ فِي آخِرِ أَعْمَارِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ فَضَعُوهَا حَيْثُ شِئْتُمْ أَوْ قَالَ حَيْثُ أَحْبَبْتُمْ» وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ.

(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (مِنْ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ وَبِالْعَكْسِ) فَالْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8]، وَالثَّانِي لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ سَاوَى الْمُسْلِمَ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ حَتَّى جَازَ التَّبَرُّعُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَمَاتِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْوَصِيَّةُ لِحَرْبِيٍّ هُوَ فِي دَارِهِمْ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا بِرٌّ وَصِلَةٌ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ بِرِّ مَنْ يُقَاتِلُنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] الْآيَةَ وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ، وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ، وَإِنْ فَعَلَ جَازَ كَذَا فِي الْكَافِي وَفِيهِ تَأَمُّلٌ، وَأَمَّا وَصِيَّةُ الْحَرْبِيِّ بَعْدَمَا دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ تَمْلِيكِ الْمَالِ فِي حَيَاتِهِ فَكَذَا بَعْدَ مَمَاتِهِ خَلَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ وَصِيَّتِهِ بِالثُّلُثِ أَوْ بِجَمِيعِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إنَّمَا مُنِعَ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ وَرَثَةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ حَقَّهُمْ مَعْصُومٌ

ص: 692

مِنْ الْإِبْطَالِ بِخِلَافِ وَرَثَةِ الْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ غَيْرُ مَعْصُومٍ فَلِذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْ حَقُّهُمْ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ بِالْجَمِيعِ كَمَا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.

(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (لِلْحَمْلِ وَبِهِ) أَيْ بِالْحَمْلِ (إنْ كَانَ بَيْنَهَا) أَيْ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ (وَبَيْنَ وِلَادَتِهِ) أَيْ الْحَمْلِ (أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهَا اسْتِخْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ إذْ الْمُوصَى لَهُ يَخْلُفُهُ فِي بَعْضِ مَالِهِ كَالْإِرْثِ وَلِهَذَا لَا يَحْتَاجَانِ إلَى الْقَبْضِ، وَالْجَنِينُ يَصْلُحُ خَلِيفَةً فِي الْإِرْثِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ إلَّا أَنَّهَا تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ بِخِلَافِ الْإِرْثِ فَإِنَّهُ اسْتِخْلَافٌ مُطْلَقٌ وَبِخِلَافِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مَحْضٌ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حَتَّى يُمَلِّكَهُ شَيْئًا، فَإِنْ قِيلَ إنَّ الْوَصِيَّةَ شَرْطُهَا الْقَبُولُ وَالْجَنِينُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ فَكَيْفَ تَصِحُّ؟ قُلْنَا الْوَصِيَّةُ تُشْبِهُ الْهِبَةَ وَتُشْبِهُ الْمِيرَاثَ فَلِشَبَهِهَا بِالْهِبَةِ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ إذَا أَمْكَنَ وَلِشَبَهِهَا بِالْمِيرَاثِ يَسْقُطُ الْقَبُولُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّهُ تَجْرِي فِيهِ الْوِرَاثَةُ فَتَجْرِي فِيهِ الْوِصَايَةُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْوِصَايَةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَقَدْ تَيَقَّنَّا بِوُجُودِهِ يَوْمَ الْمَوْتِ إذَا أَتَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ (وَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ لَهُ) أَيْ لِلْحَمْلِ لِمَا أَنَّ الْهِبَةَ مِنْ شَرْطِهَا الْقَبُولُ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مِنْ الْجَنِينِ وَلَا يَلِي عَلَيْهِ أَحَدٌ حَتَّى يَقْبِضَ عَنْهُ.

(وَإِنْ أَوْصَى بِأُمِّهِ) أَيْ أُمِّ الْحَمْلِ (دُونَهُ) أَيْ الْحَمْلِ (صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ) ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْأَمَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْحَمْلَ لَفْظًا لَكِنَّهُ يُسْتَحَقُّ بِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ تَبَعًا لَهَا فَإِذَا أَفْرَدَهَا بِالْوَصِيَّةِ صَحَّ إفْرَادُهَا، فَإِنْ قِيلَ إذَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ اللَّفْظُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّهُ إخْرَاجٌ مِمَّا تَنَاوَلَهُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ قُلْنَا كَفَى بِصِحَّتِهِ التَّزَيِّي بِزِيِّهِ كَمَا فِي اسْتِثْنَاءِ إبْلِيسَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ بِأَنَّهُ مِنْ الْجِنِّ. عَلَى أَنَّ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى التَّنَاوُلِ اللَّفْظِيِّ بِدَلِيلِ صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ قَفِيزِ حِنْطَةٍ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ وَمَا لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ وَيَصِحُّ إفْرَادُ الْحَمْلِ بِالْوَصِيَّةِ فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يَكُونُ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا بِمَعْنَى لَكِنْ حَيْثُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ اللَّفْظِ.

(وَلَا بُدَّ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ الْقَبُولِ) ؛ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ تَمْلِيكٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ (وَيُعْتَبَرُ) الْقَبُولُ (بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي) ؛ لِأَنَّ أَوَانَ ثُبُوتِ حُكْمِهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي (وَلَا اعْتِبَارَ بِالرَّدِّ وَالْقَبُولِ فِي حَيَاتِهِ) أَيْ حَيَاةِ الْمُوصِي كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا عَلَى دِرْهَمٍ، فَإِنَّ رَدَّهَا وَقَبُولَهَا بَاطِلٌ قَبْلَ الْغَدِ (وَبِهِ) أَيْ بِالْقَبُولِ (تَمْلِكُ) الْوَصِيَّةَ وَلَا تَمْلِكُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إثْبَاتُ مِلْكٍ جَدِيدٍ وَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ بِلَا اخْتِيَارٍ.

(إلَّا أَنْ يَمُوتَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي قَبْلَ الْقَبُولِ فَإِنَّهُ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ (يَمْلِكُهَا) أَيْ الْوَصِيَّةَ (وَتَصِيرُ لِوَرَثَتِهِ) أَيْ وَرَثَةِ الْمُوصَى لَهُ

ص: 693

وَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَبُولِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ فَصَارَ كَمَوْتِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبُولِ بَعْدَ إيجَابِ الْبَائِعِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ جَانِبِ الْمُوصِي وَقَدْ تَمَّتْ بِمَوْتِهِ تَمَامًا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ فَإِذَا مَاتَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ ثُمَّ مَاتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ.

(وَلَا تَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (مِنْ صَبِيٍّ وَلَا مُكَاتَبٍ) وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً. أَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الصَّبِيِّ فَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ اعْتِبَارَ عَقْلِهِ فِيمَا يَنْفَعُهُ دُونَ مَا يَضُرُّهُ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ عَقْلُهُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّهُ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْوَضْعِ فَكَذَا تَمْلِيكُ الْمَالِ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ فِيهِ ضَرَرٌ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْوَضْعِ، وَإِنْ كَانَ يَتَّفِقُ نَافِعًا بِاعْتِبَارِ الْحَالِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي النَّفْعِ وَالضَّرَرِ النَّظَرُ إلَى أَوْضَاعِ التَّصَرُّفَاتِ لَا إلَى مَا يَتَّفِقُ بِحُكْمِ الْحَالِ، وَأَمَّا وَصِيَّةُ الْمُكَاتَبِ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ حَقِيقَةً، وَقِسْمٌ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ مَا إذَا أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَى مَنْ يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِأَنْ قَالَ إذَا أُعْتِقْت فَثُلُثُ مَالِي وَصِيَّةٌ لِفُلَانٍ حَتَّى لَوْ عَتَقَ قَبْلَ الْمَوْتِ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يُوجَدْ لَهُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ نَفَاذِ الْوَصِيَّةِ، وَقِسْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ عَتَقَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا جَائِزَةٌ.

(وَالْوَصِيَّةُ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ أَدَاءَهُ فَرْضٌ وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ فَيُبْدَأُ بِالْفَرْضِ (فَلَا تَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (مِمَّنْ يُحِيطُ دَيْنُهُ بِمَالِهِ إلَّا أَنْ يُبْرِئَهُ الْغُرَمَاءُ) فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ بَقَاءُ الدَّيْنِ فَإِذَا أَبْرَأَهُ الْغُرَمَاءُ نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ عَلَى الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا.

(وَلِلْمُوصِي أَنْ يَرْجِعَ فِي وَصِيَّتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فَجَازَ رُجُوعُهُ عَنْهَا كَالْهِبَةِ وَلِأَنَّ قَبُولَ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَجَازَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا قَبْلَ الْقَبُولِ كَمَا فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ، ثُمَّ الرُّجُوعُ قَدْ يَثْبُتُ صَرِيحًا وَقَدْ يَثْبُتُ دَلَالَةً فَلِهَذَا قَالَ (قَوْلًا) كَأَنْ يَقُولَ رَجَعْت عَنْ وَصِيَّتِي (أَوْ فِعْلًا) وَهُوَ مَا فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ (يَقْطَعُ) صِفَةُ فِعْلًا (حَقَّ الْمَالِكِ فِي الْغَصْبِ) أَيْ فِي الْمَغْصُوبِ كَقَطْعِ الثَّوْبِ أَوْ خِيَاطَتِهِ (أَوْ يُزِيلُ مِلْكَهُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ) فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ الْمُوصَى لَهُ أَوْ وَهَبَهُ كَانَ رُجُوعًا دَلَالَةً وَالدَّلَالَةُ تَقُومُ مَقَامَ الصَّرِيحِ فَقَامَ الْفِعْلُ لِلْفِعْلِ الْمَذْكُورِ مَقَامَ الْقَوْلِ.

(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (اشْتَرَاهُ) أَيْ الْمُوصَى بِهِ (أَوْ رَجَعَ) عَنْ الْهِبَةِ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَمَا ذُكِرَ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَزَوَالِ الْمِلْكِ وَلَا يُجْدِي تَمَلُّكُهُ ثَانِيًا بِالشِّرَاءِ وَالرُّجُوعِ (أَوْ يُوجِبُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَقْطَعُ الْوَاقِعُ

ص: 694

صِفَةً لِفِعْلًا أَيْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ وَصِيَّتِهِ بِأَنْ فَعَلَ فِعْلًا يُوجِبُ (فِي الْمُوصَى بِهِ زِيَادَةً لَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ إلَّا بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ (كَلَتِّ السَّوِيقِ بِسَمْنٍ وَالْبِنَاءِ فِي الدَّارِ وَالْحَشْوِ بِالْقُطْنِ، وَقَطْعُ الثَّوْبِ وَذَبْحُ الشَّاةِ رُجُوعٌ) قَوْلُهُ وَالْبِنَاءِ فِي الدَّارِ وَالْحَشْوِ بِالْقُطْنِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا مَعْطُوفَيْنِ عَلَى لَتِّ السَّوِيقِ وَقَوْلُهُ وَقَطْعُ الثَّوْبِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ رُجُوعٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَدَأُ هُوَ قَوْلُهُ وَالْبِنَاءُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَالْخَبَرُ هُوَ رُجُوعٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَظْهَرُ لِابْتِنَائِهِ عَلَى امْتِنَاءِ التَّسْلِيمِ، وَأَمَّا قَطْعُ الثَّوْبِ وَذَبْحُ الشَّاةِ فَلِبِنَائِهِ عَلَى الِاسْتِهْلَاكِ وَكَوْنُ ذَلِكَ الْفِعْلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِثْلَهُ لِلصَّرْفِ إلَى حَاجَتِهِ فَتَبْطُلُ بِهِ الْوَصِيَّةُ وَيَكُونُ رُجُوعًا (لَا غَسْلُ الثَّوْبِ وَتَجْصِيصُ الدَّارِ وَهَدْمُهَا) فَإِنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ فِي نَفْسِ مَا وَقَعَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْبِنَاءِ وَالْبِنَاءُ تَبَعٌ وَالتَّصَرُّفُ فِي التَّبَعِ لَا يَدُلُّ عَلَى إسْقَاطِ الْحَقِّ عَنْ الْأَصْلِ، وَكَذَا هَدْمُ الْبِنَاءِ تَصَرُّفٌ فِي التَّابِعِ.

(وَالْجُحُودُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَمَنْ جَحَدَ الْوَصِيَّةَ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا، وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ رُجُوعٌ. قِيلَ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْجُحُودَ كَانَ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمُوصَى لَهُ وَهَذَا لَا يَكُونُ رُجُوعًا عَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَمَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْجُحُودَ كَانَ عِنْدَ حَضْرَةِ الْمُوصَى لَهُ وَعِنْدَ حَضْرَتِهِ يَكُونُ رُجُوعًا وَقِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَقِيلَ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَمَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْأَصَحُّ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الرُّجُوعَ نَفْيُ الْوَصِيَّةِ فِي الْحَالِ وَالْجُحُودُ نَفْيُهَا فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ فَهَذَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ رُجُوعًا، وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الشَّيْءِ يَقْتَضِي سَبْقَ وُجُودِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَجُحُودُ الشَّيْءِ يَقْتَضِي سَبْقَ عَدَمِهِ فَلَوْ كَانَ الْجُحُودُ رُجُوعًا لَاقْتَضَى وُجُودَ الْوَصِيَّةِ وَعَدْلَهَا فِيمَا سَبَقَ وَهُوَ مُحَالٌ.

(وَلَا قَوْلُهُ أَخَّرْت الْوَصِيَّةَ) بِأَنْ قِيلَ لَهُ أَخِّرْ الْوَصِيَّةَ فَقَالَ أَخَّرْتهَا لَا يَكُونُ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لَيْسَ بِإِسْقَاطٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ تَرَكْت الْوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ إسْقَاطٌ (أَوْ كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَيْت بِهَا لِفُلَانٍ فَهِيَ حَرَامٌ) فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ.

(وَلَوْ قَالَ مَا أَوْصَيْت بِهِ فَهُوَ لِفُلَانٍ فَرُجُوعٌ) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ وَإِثْبَاتُ التَّخْصِيصِ لَهُ فَاقْتَضَى رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِلشَّرِكَةِ وَالْمَحَلُّ يَقْبَلُهَا فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا (إلَّا أَنْ يَكُونَ فُلَانٌ الثَّانِي مَيِّتًا) حِينَ أَوْصَى فَالْوَصِيَّةُ الْأُولَى تَكُونُ عَلَى حَالِهَا.

(وَتَبْطُلُ هِبَةُ الْمَرِيضِ وَوَصِيَّتُهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ نَكَحَهَا بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَمَا ذُكِرَ مِنْ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّة هَكَذَا وُجِدَ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ بِضَمِيرِ التَّأْنِيثِ وَالظَّاهِرُ أَنْ تَكُونَ النُّسْخَةُ بَعْدَهُمَا أَيْ بَعْدَ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُ الْمُوصَى لَهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ

ص: 695

الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُ التَّمْلِيكِ حَتَّى لَوْ أَوْصَى إلَى أَخِيهِ وَهُوَ وَارِثٌ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِلْأَخِ وَعَكْسُهُ إذَا أَوْصَى إلَى أَخِيهِ وَلَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْأَخِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ مِنْ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ نَظِيرُ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ حُكْمًا حَتَّى تُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ عَلَى عَكْسِهِ فَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ عِنْدَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْحَالِ فَيُعْتَبَرُ حَالُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ لِشَخْصٍ وَهُوَ لَيْسَ بِوَارِثٍ لَهُ جَازَ الْإِقْرَارُ لَهُ، وَإِنْ صَارَ وَارِثًا بَعْدَ ذَلِكَ لِكَوْنِ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ وَارِثُهُ بِسَبَبٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَا يَبْطُلُ إقْرَارُهُ لَهَا، وَأَمَّا إذَا وَرِثَ بِسَبَبٍ قَائِمٍ عِنْدَ الْإِقْرَارِ لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِأَخِيهِ الْمَحْجُوبِ ثُمَّ مَاتَ ابْنُهُ.

(وَكَذَا إقْرَارُهُ وَوَصِيَّتُهُ وَهِبَتُهُ لِابْنِهِ الْكَافِرِ أَوْ الرَّقِيقِ إنْ أَسْلَمَ أَوْ أُعْتِقَ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ، أَمَّا الْوَصِيَّةُ وَالْهِبَةُ فَلِمَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِمَا حَالُ الْمَوْتِ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُلْزِمًا بِنَفْسِهِ لَكِنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ وَهُوَ الْبُنُوَّةُ قَائِمٌ وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَيُورِثُ تُهْمَةَ الْإِيثَارِ فَصَارَ بِاعْتِبَارِ التُّهْمَةِ مُلْحَقًا بِالْوَصَايَا.

(وَهِبَةُ الْمُقْعَدِ) وَهُوَ الْعَاجِزُ عَنْ الْمَشْيِ لِدَاءٍ فِي رِجْلَيْهِ (وَالْمَفْلُوجِ) الْفَلْجُ دَاءٌ يَعْرِضُ فِي نِصْفِ الْبَدَنِ فَيَمْنَعُهُ عَنْ الْحِسِّ وَالْحَرَكَةِ الْإِرَادِيَّةِ (وَالْأَشَلِّ) وَهُوَ الَّذِي فِي يَدِهِ ارْتِعَاشٌ وَحَرَكَةٌ (وَالْمَسْلُولِ) وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ بِهِ مَرَضُ السُّلِّ وَهُوَ قُرَحٌ فِي الرِّئَةِ تُعْتَبَرُ وَصِيَّتُهُ (مِنْ كُلِّ مَالِهِ إنْ طَالَ) مُدَّةُ مَرَضِهِ وَقَدَّرُوهُ بِالسَّنَةِ (وَلَمْ يُخَفْ مَوْتُهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَرَضِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَطُلْ مُدَّةُ مَرَضِهِ وَخِيفَ مَوْتُهُ مِنْهُ (فَمِنْ ثُلُثِهِ) أَيْ ثُلُثِ مَالِهِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ مُبْتَلًى بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ وَتَصَرَّفَ بِشَيْءٍ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ قَبْلَ تَمَامِ سَنَةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ كَانَ الْمَرَضُ مَرَضَ الْمَوْتِ فَتُعْتَبَرُ تَبَرُّعَاتُهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ تَمَامِ السَّنَةِ مِنْ حِينِ تَبَرُّعِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَلِمَ فِي فُصُولِ السَّنَةِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَظِنَّةُ الْهَلَاكِ صَارَ الْمَرَضُ بِمَنْزِلَةِ طَبْعٍ مِنْ طَبَائِعِهِ وَخَرَجَ صَاحِبُهُ مِنْ أَحْكَامِ الْمَرْضَى حَتَّى لَا يَشْتَغِلَ بِالتَّدَاوِي كَمَا فِي الدُّرَرِ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْمَرِيضُ الَّذِي يَكُونُ تَصَرُّفُهُ مِنْ الثُّلُثِ بِأَنْ يَكُونَ ذَا فِرَاشٍ بِحَيْثُ لَا يُطِيقُ الْقِيَامَ لِحَاجَتِهِ وَتَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا وَيُخَافُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ كَالْفَالِجِ أَوْ صَارَ خَشِنًا أَوْ يَابِسَ الشِّقِّ لَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمَرِيضِ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ حَالُهُ عَنْ ذَلِكَ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ التَّغَيُّرِ فَمَا فَعَلَ فِي حَالِ التَّغَيُّرِ فَمِنْ الثُّلُثِ قَالَ الْفَضْلِيُّ مَرَضُ الْمَوْتِ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَى حَوَائِجِ نَفْسِهِ وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ فِي التَّجْرِيدِ انْتَهَى.

ص: 696