الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَجٌّ مَبْرُورٌ فَيُبْتَدَأُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً فَيُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ فِي الطَّرِيقِ) فَيُحَجُّ عَنْهُ ثَانِيًا مِنْ وَطَنِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا مِنْ حَيْثُ مَاتَ.
[بَاب الْوَصِيَّة لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرهمْ]
ْ إنَّمَا أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَمَّا تَقَدَّمَهُ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحْكَامُ الْوَصِيَّةِ لِقَوْمٍ مَخْصُوصِينَ وَالْمَذْكُورَ فِيمَا تَقَدَّمَ أَحْكَامُهَا عَلَى الْعُمُومِ، وَالْخُصُوص أَبَدًا تَابِعٌ لِلْعُمُومِ (جَارُ الْإِنْسَانِ مُلَاصِقُهُ) قَدَّمَ الْوَصِيَّةَ لِلْجَارِ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ تَبَعًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَكَانَ حَقُّ الْكَلَامِ أَنْ يُقَدِّمَ الْوَصِيَّةَ لِلْأَقَارِبِ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِلْجَارِ نَظَرًا إلَى تَرْجَمَةِ الْبَابِ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ وَأَنَّ التَّقْدِيمَ فِي الذِّكْرِ اهْتِمَامًا بِأَمْرِ الْجَارِ، ثُمَّ إنَّ حَمْلَ الْجَارِ عَلَى الْمُلَاصِقِ هُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَقَدْ حُمِلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ» وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْجَارَ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ إذَا كَانَ مُلَاصِقًا (وَعِنْدَهُمَا) جَارُ الْإِنْسَانِ مَنْ يَسْكُنُ مَحَلَّتَهُ وَيَجْمَعُهُمْ مَسْجِدُهَا أَيْ مَسْجِدُ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى جِيرَانًا عُرْفًا قَالَ عليه الصلاة والسلام «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» وَفُسِّرَ بِكُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْبِرُّ، وَبِرُّ الْجَارِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُلَاصِقِ بَلْ بِرُّ الْمُقَابِلِ مَقْصُودٌ كَبِرِّ الْمُلَاصِقِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نَوْعِ اخْتِلَاطٍ فَإِذَا جَمَعَهُمْ مَسْجِدٌ وَاحِدٌ فَقَطْ وُجِدَ الِاخْتِلَاطُ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَسْجِدِ زَالَ الِاخْتِلَاطُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْجِوَارُ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا قُلْنَا هَذَا الْخَبَرُ ضَعِيفٌ فَقَدْ طَعَنُوا فِي رِوَايَتِهِ (وَيَسْتَوِي فِيهِ) أَيْ لَفْظُ الْجَارِ (السَّاكِنُ وَالْمَالِكُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ) وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا دَخَلَ الْمَذْكُورُونَ فِي لَفْظِ الْجَارِ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِمْ لُغَةً وَشَرْعًا وَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ السَّاكِنُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ هَذَا الِاسْمِ يَتَنَاوَلُهُ وَلَا يَدْخُلُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ وَصِيَّةٌ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ لَيْسَ بِجَارٍ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ إلَّا بِتَمْلِيكِهِ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ غَنِيًّا بِخِلَافِ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَالْأَرْمَلَةُ تَدْخُلُ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهَا مُضَافَةٌ إلَيْهَا وَلَا تَدْخُلُ الَّتِي لَهَا بَعْلٌ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهَا غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَيْهَا وَإِنَّمَا هِيَ تَبَعٌ فَلَمْ تَكُنْ جَارًا مُطْلَقًا.
(وَصِهْرُهُ مَنْ هُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «لَمَّا تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ أَعْتَقَ كُلَّ مَنْ مَلَكَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا إكْرَامًا لَهَا» وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ أَصْهَارَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا التَّفْسِيرُ اخْتِيَارُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَفِي الصِّحَاحِ الْأَصْهَارُ اسْمُ أَهْلِ بَيْتِ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمَحْرَمِ وَفِي الْكَافِي وَإِنَّمَا يَدْخُلُ
فِي الْوَصِيَّةِ مَنْ كَانَ صِهْرًا لِلْمُوصِي يَوْمَ مَوْتِهِ بِأَنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَنْكُوحَةً لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ مُعْتَدَّةً عَنْهُ بِطَلَاقٍ رَجْعِيٍّ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الْمَوْتِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُوصِي وَالْمَرْأَةُ فِي نِكَاحِهِ وَعِدَّتِهِ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَالصِّهْرُ يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يَقْطَعُ النِّكَاحَ، وَإِنْ كَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَ النِّكَاحِ يُوجِبُ انْقِطَاعَ الصِّهْرِيَّةِ انْتَهَى.
(وَخَتَنُهُ مَنْ هُوَ زَوْجُ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ) كَأَزْوَاجِ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى خَتَنًا، وَكَذَا كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُمْ يُسَمَّوْنَ أَخْتَانًا وَقِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ، وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَلَا يَتَنَاوَلُ الْأَزْوَاجَ الْمَحَارِمَ، وَ (يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الصِّهْرِ وَالْخَتَنِ (الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُهُمْ جَمِيعًا (وَأَقَارِبُهُ وَأَقْرِبَاؤُهُ وَذَوُو قَرَابَتِهِ وَأَرْحَامِهِ وَذَوُو أَرْحَامِهِ وَأَنْسَابِهِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى إلَى أَقَارِبِهِ أَوْ أَقْرِبَائِهِ وَذَوِي قَرَابَتِهِ أَوْ أَرْحَامِهِ أَوْ ذَوِي أَرْحَامِهِ أَوْ أَنْسَابِهِ تَكُونُ الْوَصِيَّةُ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ (وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ) أَيْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ (الْوَالِدَانِ وَالْوَلَدُ) وَلَا الْوَارِثُ وَيَكُونُ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا هَذَا عِنْد الْإِمَامِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ (وَفِي الْجَدِّ رِوَايَتَانِ) وَكَذَا فِي وَلَدِ الْوَلَدِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْهُ لِمَعْدُومٍ فَكَانَتْ بَاطِلَةً.
(وَتَكُونُ) أَيْ الْوَصِيَّةُ (لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا) ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالْجَمْعُ فِي الْمَوَارِيثِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا فَكَذَا الْوَصِيَّةُ (وَعِنْدَهُمَا) يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ (مَنْ يُنْسَبُ) إلَيْهِ أَيْ إلَى الْمُوصِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ (إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ بِأَنْ أَسْلَمَ أَوْ أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ) قِيلَ يُشْتَرَطُ إسْلَامُ الْأَبِ الْأَقْصَى وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَلَكِنْ يُشْتَرَطْ إدْرَاكُهُ لِلْإِسْلَامِ، حَتَّى لَوْ أَوْصَى عَلَوِيٌّ لِذَوِي قَرَابَتِهِ فَمَنْ شَرَطَ الْإِسْلَامَ يَصْرِفُ الْوَصِيَّةَ إلَى أَوْلَادِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا إلَى أَوْلَادِ أَبِي طَالِبٍ وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ يَصْرِفُهَا إلَى أَوْلَادِ أَبِي طَالِبٍ فَيَدْخُلُ فِيهَا أَوْلَادُ عَقِيلٍ وَجَعْفَرٍ وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ الْإِسْلَامَ.
(فَمَنْ لَهُ عَمَّانِ وَخَالَانِ الْوَصِيَّةُ لِعَمَّيْهِ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى إلَى أَقَارِبِهِ وَلَهُ عَمَّانِ وَخَالَانِ فَالْوَصِيَّةُ لِعَمَّيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ كَمَا فِي الْإِرْثِ (وَعِنْدَهُمَا لِلْكُلِّ عَلَى السَّوَاءِ) فَتُقْسَمُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْقَرِيبِ يَتَنَاوَلُهُمْ وَلَا يَعْتَبِرَانِ الْأَقْرَبَ. (وَمَنْ لَهُ عَمٌّ وَخَالَانِ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ لِعَمِّهِ وَنِصْفُهَا بَيْنَ خَالَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْإِرْثِ اثْنَانِ فَيَكُونُ لِلْوَاحِدِ النِّصْفُ وَبَقِيَ النِّصْفُ الْآخَرُ وَلَا مُسْتَحِقَّ
لَهُ أَقْرَبُ مِنْ الْخَالَيْنِ فَكَانَ لَهُمَا.
(وَإِنْ) كَانَ (لَهُ عَمٌّ) وَاحِدٌ (فَقَطْ فَنِصْفُهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ (لَهُ) أَيْ لِلْعَمِّ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْجَمْعِ فِيهِ وَيُرَدُّ النِّصْفُ الْآخَرُ مِنْ الثُّلُثِ إلَى الْوَرَثَةِ لِعَدَمِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ جَمْعٌ وَأَدْنَاهُ اثْنَانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَلِهَذَا يُعْطَى لَهُ النِّصْفُ وَالنِّصْفُ الْأَخِيرُ لِلْوَرَثَةِ.
(وَإِنْ) كَانَ لَهُ (عَمٌّ وَعَمَّةٌ وَخَالٌ وَخَالَةٌ فَالْوَصِيَّةُ لِلْعَمِّ وَالْعَمَّةِ عَلَى السَّوَاءِ) لِاسْتِوَاءِ قَرَابَتِهِمَا، وَقَرَابَةُ الْعُمُومَةِ أَقْوَى مِنْ قَرَابَةِ الْخُؤُولَةِ، وَالْعَمَّةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَارِثَةً فَهِيَ مُسْتَحِقَّةٌ لِلْوَصِيَّةِ كَمَا لَوْ كَانَ الْقَرِيبُ رَقِيقًا أَوْ كَافِرًا (وَعِنْدَهُمَا الْوَصِيَّةُ لِلْكُلِّ عَلَى السَّوِيَّةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ) لِمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِمَا أَنَّهُمَا لَا يَشْتَرِطَانِ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ كَمَا اشْتَرَطَهُ الْإِمَامُ.
(وَأَهْلُ الرَّجُلِ زَوْجَتُهُ) عِنْدَ الْإِمَامِ يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِأَهْلِ رَجُلٍ فَهِيَ لِزَوْجَتِهِ (وَعِنْدَهُمَا) أَهْلُ الرَّجُلِ (مَنْ يَعُولُهُمْ وَتَضُمُّهُمْ نَفَقَتُهُ) يَعْنِي عِنْدَهُمَا أَهْلُ الرَّجُلِ مَنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ وَتَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ الْمُؤَيَّدِ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 93] وَقَالَ تَعَالَى {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ} [الأعراف: 83] وَالْمُرَادُ مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ، وَلِلْإِمَامِ قَوْله تَعَالَى {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29] أَيْ زَوْجَتِهِ بِنْتِ شُعَيْبٍ عليه الصلاة والسلام وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةِ كَذَا أَيْ تَزَوَّجَ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَآلُهُ أَهْلُ بَيْتِهِ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِآلِ فُلَانٍ فَهِيَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ آبَائِهِ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ وَلَا أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ وَلَا أَحَدٌ مِنْ قَرَابَةِ أُمِّهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا يُنْسَبُونَ إلَى آبَائِهِمْ (وَأَبُوهُ وَجَدُّهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَبَ وَالْجَدَّ يُعَدَّانِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ (وَأَهْلُ نَسَبِهِ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ) ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ (وَجِنْسُهُ أَهْلُ بَيْتِ أَبِيهِ) دُونَ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَجَنَّسُ بِأَبِيهِ فَصَارَ كَآلِهِ بِخِلَافِ قَرَابَتِهِ حَيْثُ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّوْنَ قَرَابَةً.
(وَالْوَصِيَّةُ) مُبْتَدَأٌ (لِبَنِي فُلَانٍ)(وَهُوَ أَبٌ صُلْبٌ) جُمْلَةٌ وَهُوَ أَبٌ صُلْبٌ حَالٌ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ (لِلذُّكُورِ خَاصَّةً) خَبَرُهُ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْإِنَاثُ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ هَذَا اللَّفْظِ إنَّمَا هُوَ لِلذُّكُورِ وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ) أُخْرَى (عَنْ الْإِمَامِ) يَدْخُلُ فِيهِ (الْإِنَاثُ أَيْضًا) أَيْ كَالذُّكُورِ وَدُخُولُ الْإِنَاثِ فِي بَنِي فُلَانٍ إمَّا تَغْلِيبٌ أَوْ مَجَازٌ بِإِرَادَةِ الْفُرُوعِ.
(وَ) الْوَصِيَّةُ (لِوَرَثَةِ فُلَانٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) لِأَنَّ الِاسْمَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوِرَاثَةِ فَإِذَا بَانَ قَصْدُهُ التَّفْصِيلَ وَهِيَ فِي أَوْلَادِ الْمُوَرِّثِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ كَالْمِيرَاثِ مِنْ حَيْثُ إنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ يَتَرَتَّبُ عَلَى مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ.
(وَ) لَوْ أَوْصَى (لِوَلَدِ فُلَانٍ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عَلَى السَّوَاءِ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَنْتَظِمُ بِالْكُلِّ (وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الِابْنِ عِنْدَ وُجُودِ أَوْلَادِ الصُّلْبِ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ حَقِيقَةً يَتَنَاوَلُ
وَلَدَ الصُّلْبِ وَتَدْخُلُ فِيهِ الْإِنَاثُ حَتَّى إذَا كَانَ لَهُ بَنَاتٌ صُلْبِيَّةٌ وَبَنُو ابْنٍ فَالْوَصِيَّةُ لِلْبَنَاتِ عَمَلًا بِالْحَقِيقَةِ مَا أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهَا (وَيَدْخُلُونَ) أَيْ أَوْلَادُ الِابْنِ (عِنْدَ عَدَمِهِمْ) أَيْ أَوْلَادُ الصُّلْبِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ صِيرَ إلَى الْمَجَازِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى (دُونَ أَوْلَادِ الْبِنْتِ) وَإِنَّمَا لَا يَدْخُلُونَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ إنَّمَا يُنْسَبُونَ إلَى أَبِيهِمْ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ
بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا
…
بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ.
(وَإِنْ أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ وَهُوَ) أَيْ فُلَانٌ (أَبُو قَبِيلَةٍ) كَبَنِي تَمِيمٍ مَثَلًا (لَا يُحْصَوْنَ) كَثْرَةً (فَهِيَ) أَيْ الْوَصِيَّةُ (بَاطِلَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ فِي حَقِّ الْكُلِّ لِعَدَمِ إحْصَائِهِمْ فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ لِتَعَذُّرِ الصَّرْفِ.
(وَإِنْ) أَوْصَى (لِأَيْتَامِهِمْ أَوْ عُمْيَانِهِمْ أَوْ زَمْنَاهُمْ أَوْ أَرَامِلِهِمْ فَلِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ مِنْهُمْ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى إنْ كَانُوا) أَيْ الْمُوصَى لَهُمْ (يُحْصَوْنَ) ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ وَأَمْكَنَ تَحْقِيقُ مَعْنَى التَّمْلِيكِ فِي حَقِّهِمْ، ثُمَّ قِيلَ حَدُّ الْإِحْصَاءِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ لَا يَحْتَاجَ مَنْ يَعُدُّهُمْ إلَى حِسَابٍ وَلَا كِتَابٍ، فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ فَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ وَهَذَا أَيْسَرُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي كَذَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ (وَلِلْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ خَاصَّةً إنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَصِيَّةِ الْقُرْبَةُ وَهَذِهِ الْأَسَامِي أَعْنِي الْأَيْتَامَ وَمَا بَعْدَهُ تُشْعِرُ بِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ فَتُحْمَلُ عَلَى الْفُقَرَاءِ.
(وَ) إنْ أَوْصَى (لِمَوَالِيهِ فَهِيَ) أَيْ الْوَصِيَّةُ (لِمَنْ أَعْتَقَهُمْ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ وَلِأَوْلَادِهِمْ) أَيْ أَوْلَادِ الْمُعْتَقِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَإِعْتَاقُهُ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وَبَعْدَهَا سَوَاءٌ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمُدَبَّرُونَ وَأُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ لَازِمٌ فِي حَقِّهِمْ بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ فَنُسِبُوا إلَى الْوَلَاءِ كَالْمُعْتَقِينَ (وَلَا يَدْخُلُ) فِيهَا (مَوْلَى الْمُوَالَاةِ) ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ بِالْعِتْقِ وَوَلَاءَ الْمُوَالَاةِ بِالْعَقْدِ فَهُمَا مَعْنَيَانِ مُتَغَايِرَانِ فَلَا يَنْتَظِمُهُمَا لَفْظٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ أَوْلَادِ الْمُعْتَقِينَ؛ لِأَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَى الْمُعْتِقِ بِوَاسِطَةِ آبَائِهِمْ بِوَلَاءٍ وَاحِدٍ (وَلَا) يَدْخُلُ فِيهَا (مَوَالِي الْمَوَالِي إلَّا عِنْدَ عَدَمِهِمْ) أَيْ الْمَوَالِي؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مَوَالِي الْمُوصِي حَقِيقَةً فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِ الْوَلَدِ مَعَ وَلَدِ الصُّلْبِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُمْ الِاسْمُ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمَوْلَى حَقِيقَةً كَمَا مَرَّ فِي وَلَدِ الْوَلَدِ مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ أَوْ عَدَمِهِ.
(وَتَبْطُلُ) الْوَصِيَّةُ (إنْ كَانَ لَهُ) أَيْ لِلْمُوصِي (مُعْتِقُونَ) بِكَسْرِ التَّاءِ (وَمُعْتَقُونَ) بِفَتْحِ التَّاءِ يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِمَوَالِيهِ وَلَهُ مَوَالٍ أَعْتَقَهُمْ وَمَوَالِي مَوَالٍ أَعْتَقُوهُمْ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُشْتَرَكٌ وَلَا عُمُومَ لَهُ وَلَا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَاخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يَعُمُّ إذَا وَقَعَ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ مَوَالِيَ فُلَانٍ حَيْثُ يَتَنَاوَلُ الْجَمْعَ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ أَنَّ تَرْكَ الْكَلَامِ مَعَ الْمَوَالِي