المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل] - مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر - جـ ٢

[داماد أفندي عبد الرحمن شيخي زاده]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَاب الْبُيُوع]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ وَمَا لَا لَا يَدْخُلُ]

- ‌[بَابُ الْخِيَارَاتِ]

- ‌[خِيَار الشَّرْط]

- ‌[فَصَلِّ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ]

- ‌[بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ]

- ‌[بَيْع الطَّيْر فِي الْهَوَاء]

- ‌[بَيْع الْحَمْل أَوْ النِّتَاج]

- ‌[بَيْع اللَّبَن فِي الضَّرْع]

- ‌[بَيْع اللُّؤْلُؤ فِي الصَّدَف]

- ‌[بَيْع اللَّحْم فِي الشَّاة]

- ‌[بَيْع الْمُزَابَنَة]

- ‌[بَيْع الْمُحَاقَلَة]

- ‌[بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَإِلْقَاءِ الْحَجَرِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي قبض الْمُشْتَرِي الْمَبِيع بَيْعًا بَاطِلًا بِإِذْنِ بَائِعَة]

- ‌[بَيْع النَّجْش]

- ‌[بَاب الْإِقَالَة]

- ‌[بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان الْبَيْع قَبْل قبض الْمَبِيع]

- ‌[بَاب الربا]

- ‌[عِلَّة الربا]

- ‌[بَابُ الْحُقُوقِ وَالِاسْتِحْقَاقِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام الِاسْتِحْقَاق]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ]

- ‌[مَا يَصِحّ فِيهِ السَّلَم]

- ‌[شَرْط جَوَازِ السَّلَم]

- ‌[مَسَائِل شَتَّى فِي الْبَيْع]

- ‌[كِتَاب الصَّرْف]

- ‌[كِتَاب الْكِفَالَة]

- ‌[أَرْكَان الْكِفَالَة]

- ‌[أَنْوَاع الْكِفَالَة]

- ‌[فَصَلِّ دَفْعِ الْأَصِيل الْمَال إلَى كَفِيلِهِ]

- ‌[بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَوَالَةِ]

- ‌[مَا تَصِحّ فِيهِ الْحَوَالَةِ]

- ‌[حُكْم السَّفْتَجَة]

- ‌[كِتَابُ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كِتَابِ الْقَاضِي]

- ‌[فَصَلِّ قَضَاء الْمَرْأَة فِي غَيْر حَدّ وقود]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّحْكِيمِ]

- ‌[مَسَائِلُ شَتَّى مِنْ كِتَاب الْقَضَاء]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ]

- ‌[كِتَابُ الشَّهَادَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ مَا يَتَحَمَّلُهُ الشَّاهِدُ]

- ‌[بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ]

- ‌[بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ]

- ‌[بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ]

- ‌[بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَكَالَةِ]

- ‌[شُرُوط الْوَكَالَة]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام مِنْ يَجُوز لِلْوَكِيلِ أَنْ يَعْقِد مَعَهُ وَمنْ لَا يَجُوز]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ]

- ‌[بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ]

- ‌[كِتَابُ الدَّعْوَى]

- ‌[بَابُ التَّحَالُف فِي الدَّعْوَى]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام دَفْعِ الدَّعَاوَى]

- ‌[بَابُ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّنَازُعِ بِالْأَيْدِي]

- ‌[بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِقْرَارِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ]

- ‌[بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ]

- ‌[كِتَابُ الصُّلْحِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي حُكْم الصُّلْح عَنْ وَعَلَى مجهول]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ وَالتَّخَارِيجِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ]

- ‌[بَابٌ الْمُضَارِب يُضَارِب مَعَ آخِر]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ]

- ‌[كِتَاب الْوَدِيعَة]

- ‌[كِتَاب الْعَارِيَّةِ]

- ‌[كِتَاب الْهِبَة]

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْهِبَة]

- ‌[أَرْكَان الْهِبَة]

- ‌[بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَة]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَة فِي الْهِبَة]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا لَا يَجُوزُ]

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌[فَصَلِّ أَحْكَام الْأَجِير وَأَنْوَاعه]

- ‌[بَاب فَسْخ الْإِجَارَة]

- ‌[مَسَائِل مَنْثُورَة فِي الْإِجَارَة]

- ‌[كِتَابُ الْمُكَاتَبِ]

- ‌[بَابُ تَصَرُّفِ الْمُكَاتَبِ]

- ‌[فَصَلِّ إذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَة مِنْ مَوْلَاهَا]

- ‌[بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ]

- ‌[بَابُ الْعَجْزِ وَالْمَوْتِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَلَاءِ]

- ‌[فَصَلِّ وَلَاء المولاة]

- ‌[كِتَابُ الْإِكْرَاهِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْبُلُوغِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَأْذُونِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ]

- ‌[كِتَابُ الْغَصْبِ]

- ‌[فَصَلِّ غَيْر الْغَاصِب مَا غَصْبه بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَسَائِلَ تَتَّصِلُ بِمَسَائِلِ الْغَصْبِ]

- ‌[كِتَابُ الشُّفْعَةِ]

- ‌[فَصَلِّ اخْتِلَاف الشَّفِيع وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَن]

- ‌[بَاب مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَة وَمَالًا تجب]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَة]

- ‌[كِتَابُ الْقِسْمَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُهَايَأَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ]

- ‌[كِتَاب الْمُسَاقَاة]

- ‌[مَا تَبْطُلُ بِهِ الْمُسَاقَاة]

- ‌[كِتَابُ الذَّبَائِحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ]

- ‌[كِتَاب الْأُضْحِيَّة]

- ‌[كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَكْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْكَسْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام النَّظَر وَنَحْوه]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام الِاسْتِبْرَاء]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيْع العذرة]

- ‌[الِاحْتِكَار فِي أقوات الْآدَمِيِّينَ]

- ‌[حُكْم التَّسْعِير]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْمُتَفَرِّقَات]

- ‌[كِتَاب إحْيَاء الْمَوَات]

- ‌[فَصَلِّ فِي الشُّرْب]

- ‌[فَصَلِّ فِي كري الْأَنْهَار]

- ‌[كِتَاب الْأَشْرِبَة]

- ‌[كِتَاب الصَّيْد]

- ‌[كِتَاب الرَّهْن]

- ‌[بَاب مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالرَّهْنُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ]

- ‌[بَاب الرَّهْن يُوضَع عِنْد عَدْل]

- ‌[بَاب التَّصَرُّف فِي الرَّهْن وَجِنَايَته وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ]

- ‌[فَصَلِّ مَسَائِل مُتَفَرِّقَة فِي الرَّهْن]

- ‌[كِتَاب الْجِنَايَات]

- ‌[بَاب مَا يُوجِبُ الْقِصَاص وَمَا لَا يُوجِبهُ]

- ‌[بَاب الْقِصَاص فِيمَا دُون النَّفْس]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا يَسْقُط بِهِ الْقِصَاص]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَنْ قطع يَد رَجُل ثُمَّ قتله]

- ‌[بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ وَاعْتِبَارِ حَالِهِ]

- ‌[كِتَابُ الدِّيَاتِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي دِيَة النَّفْس]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَام الشِّجَاجِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي دِيَة الْجَنِين]

- ‌[بَاب مَا يَحْدُثُ فِي الطَّرِيق]

- ‌[فَصْل أَحْكَامِ الْقَتْلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْجَمَادِ]

- ‌[بَاب فِي جِنَايَة الْبَهِيمَة وَالْجِنَايَة عَلَيْهَا]

- ‌[بَاب فِي جِنَايَة الرَّقِيق وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ]

- ‌[فَصَلِّ دِيَة الْعَبْد]

- ‌[فَصَلِّ جِنَايَة المدبر أَوْ أُمّ وَلَد]

- ‌[بَاب غَصْب الْعَبْد وَالصَّبِيّ والمدبر وَالْجِنَايَة فِي ذَلِكَ]

- ‌[بَاب الْقَسَامَة]

- ‌[كِتَاب الْمَعَاقِلِ]

- ‌[كِتَاب الْوَصَايَا]

- ‌[شَرَائِط الْوَصِيَّة]

- ‌[أَرْكَان الْوَصِيَّة]

- ‌[بَابُ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ]

- ‌[بَاب الْعِتْق فِي الْمَرَض]

- ‌[بَاب الْوَصِيَّة لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرهمْ]

- ‌[بَاب الْوَصِيَّة بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَة]

- ‌[بَاب وَصِيَّة الذِّمِّيّ]

- ‌[بَاب الْوَصِيّ]

- ‌[فَصَلِّ شَهِدَ الْوَصِيَّانِ أَنْ الْمَيِّت أَوْصَى إلَى زَيْد مَعَهُمَا]

- ‌[كِتَاب الْخُنْثَى]

- ‌[مَسَائِل شَتَّى]

- ‌[كِتَاب الْفَرَائِض]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْعُصُبَات]

- ‌[فَصَلِّ فِي الحجب]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْعَوْل]

- ‌[فَصَلِّ فِي ذَوِي الْأَرْحَام]

- ‌[فَصَلِّ فِي مِيرَاث الْغَرْقَى والهدمى]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْمُنَاسَخَة]

- ‌[حِسَاب الْفَرَائِض]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا يَعْرِف بِهِ تداخل الْعَدَدَيْنِ]

- ‌[خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: ‌[باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل]

[بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ]

لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَا تُسْمَعُ فِيهِ الشَّهَادَةُ وَمَا لَا تُسْمَعُ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ تُسْمَعُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ وَمَنْ لَا تُسْمَعُ وَقَدَّمَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ مَحَالُّ الشَّهَادَةِ وَالْمَحَالُّ شُرُوطٌ وَالشُّرُوطُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ لَكِنَّ الْمَشْرُوطَ هُوَ الشَّهَادَةُ لَا مَنْ تُسْمَعُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ تَأَمَّلْ.

وَفِي الْبَحْرِ يُقَالُ قَبِلْتُ الْقَوْلَ حَمَلْتُهُ عَلَى الصِّدْقِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَالْمُرَادُ مَنْ يَجِبُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ عَلَى الْقَاضِي وَمِنْ لَا يَجِبُ لَا مَنْ يَصِحُّ قَبُولُهَا وَمَنْ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا ذَكَرَهُ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ: شَهَادَةُ الْفَاسِقِ وَهُوَ لَوْ قَضَى بِشَهَادَتِهِ صَحَّ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ وَالْأَصْلِ لَكِنْ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِيَيْنِ إذَا قَضَى بِشَهَادَةِ الْأَعْمَى، أَوْ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ، أَوْ بِشَهَادَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مَعَ آخَرَ لِصَاحِبِهِ، أَوْ بِشَهَادَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَعَكْسُهُ نَفَذَ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلثَّانِي إبْطَالُهُ، وَإِنْ رَأَى بُطْلَانَهُ انْتَهَى.

فَالْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ الْقَبُولِ عَدَمُ حِلِّهِ انْتَهَى.

(لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ فِيمَا يُسْمَعُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ يَفْتَقِرُ إلَى التَّمْيِيزِ بِالْإِشَارَةِ بَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا يُمَيِّزُ الْأَعْمَى إلَّا بِالنَّغْمَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِشَبَهِهَا بِنَغْمَةٍ أُخْرَى.

وَقَالَ زُفَرُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ تُقْبَلُ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ التَّسَامُعُ؛ لِأَنَّهُ فِي السَّمَاعِ كَالْبَصِيرِ.

وَفِي الْبَحْرِ وَاخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَعَزَاهُ إلَى النِّصَابِ جَازَ مَا بِهِ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ انْتَهَى.

لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ مُخْتَارٌ وَإِنَّمَا قَالَ.

وَفِي النِّصَابِ: وَشَهَادَةُ الْأَعْمَى لَا تَجُوزُ إلَّا فِي النَّسَبِ وَالْمَوْتِ وَمَا يَجُوزُ الشَّهَادَةُ فِيهِ بِالشُّهْرَةِ وَالتَّسَامُعِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَجَزَمَ بِهِ فِي النِّصَابِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيُّ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) وَالشَّافِعِيِّ فِي الدَّيْنِ وَالْعَقَارِ (فِيمَا إذَا تَحَمَّلَهَا بَصِيرًا) وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالدَّيْنِ وَالْعَقَارِ؛ لِأَنَّ فِي الْمَنْقُولِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْإِشَارَةِ، وَالدَّيْنُ يُعْرَفُ بِبَيَانِ الْجِنْسِ، أَوْ الْوَصْفِ، وَالْعَقَارُ بِالتَّحْدِيدِ وَكَذَا فِي الْحُدُودِ لَا تُقْبَلُ اتِّفَاقًا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ إذَا تَحَمَّلَهَا بَصِيرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَحَمَّلَهَا أَعْمَى لَا تُقْبَلُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُجْمَعِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ الْمُرَادَ اتِّفَاقُ غَيْرِ مَالِكٍ وَإِلَّا فَعِنْدَهُ مَقْبُولَةٌ قِيَاسًا عَلَى قَبُولِ رِوَايَتِهِ تَدَبَّرْ.

وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ عَمِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ يَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ قِيَامَ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ شَرْطٌ وَقْتَ الْقَضَاءِ لِصَيْرُورَتِهَا حُجَّةً عِنْدَهُ وَقَدْ بَطَلَتْ وَصَارَ كَمَا إذَا خَرِسَ، أَوْ جُنَّ، أَوْ فَسَقَ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتُوا، أَوْ غَابُوا؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بِالْمَوْتِ قَدْ انْتَهَتْ وَبِالْغِيبَةِ مَا بَطَلَتْ انْتَهَى.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ فِي نَفْسِ قَضَاءِ الْقَاضِي لِلْعَمَى الْعَارِضِ لِلشَّاهِدِ بَعْدَ أَدَاءِ شَهَادَتِهِ فَيَكُونُ الْأَدَاءُ عِنْدَهُ حُجَّةٌ.

(وَلَا) تُقْبَلُ (شَهَادَةُ الْمَمْلُوكِ) سَوَاءٌ كَانَ قِنًّا، أَوْ مُدَبَّرًا، أَوْ مُكَاتَبًا، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ

ص: 195

أَوْ مُعْتَقَ الْبَعْضِ (وَالصَّبِيَّ) ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُمَا (إلَّا إنْ تَحَمَّلَا) أَيْ الشَّهَادَةَ (حَالَ الرِّقِّ وَالصِّغَرِ وَأَدَّيَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ) ؛ لِأَنَّهُمَا أَهْلٌ لِلتَّحَمُّلِ؛ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالسَّمَاعِ وَيَبْقَى إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ بِالضَّبْطِ وَهُمَا لَا يُنَافِيَانِ ذَلِكَ وَهُمَا أَهْلٌ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْكَافِرَ إذَا تَحَمَّلَهَا عَلَى مُسْلِمٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فَأَدَّاهَا تُقْبَلُ وَكَذَا الزَّوْجُ إذَا تَحَمَّلَهَا لِامْرَأَتِهِ فَأَبَانَهَا ثُمَّ شَهِدَ لَهَا.

وَفِي الْخُلَاصَةِ وَمَتَى رُدَّتْ الشَّهَادَةُ لِعِلَّةٍ ثُمَّ زَالَتْ الْعِلَّةُ فَشَهِدَ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ لَا تُقْبَلُ إلَّا فِي أَرْبَعَةٍ الْعَبْدُ وَالْكَافِرُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْأَعْمَى وَالصَّبِيُّ.

وَفِي النِّصَابِ إذَا شَهِدَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ فَرُدَّتْ ثُمَّ شَهِدَ بَعْدَ الْعِتْقِ لَا تُقْبَلُ وَالْمُرَادُ مِنْ الصِّغَرِ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ تَمْيِيزٍ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الصِّغَرِ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: وَالتَّمْيِيزُ مَكَانُ الصِّغَرِ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ لَكَانَ أَوْلَى وَفِيمَا قَالَهُ يَعْقُوبُ بَاشَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَ شَهَادَةَ الْمَمْلُوكِ وَيَحْكُمَ بِهِ وَإِنْ حَكَمَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُجْتَهِدٍ، فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي قَالَ وَرَدُّ شَهَادَةِ الْمَمْلُوكِ وَالصَّبِيِّ خِلَافًا لِمَالِكٍ فِيهِمَا فَيَكُونَانِ مُجْتَهِدًا فِيهِمَا تَتَبَّعْ.

(وَلَا) تُقْبَلُ (شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ) أَيْ لِقَذْفِهِ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (تَابَ) عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] وقَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ إذْ هُوَ إخْبَارٌ وَمَا قَبْلَهُ أَمْرٌ وَنَهْيٌ فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى فَإِذَا صَارَ مُنْقَطِعًا عَنْ الْأَوَّلِ لَا يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ إلَى مَا قَبْلَهُ.

وَفِي الْبَحْرِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ مُتَّصِلٌ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ فَلْيُرَاجَعْ؛ وَلِأَنَّ رَدَّ شَهَادَتِهِ مِنْ تَمَامِ حَدِّهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ قَبْلَ الْحَدِّ تُقْبَلُ.

وَفِي الْمَبْسُوطِ لَا تَسْقُطُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ مَا لَمْ يُضْرَبْ تَمَامَ الْحَدِّ وَعَنْ الْإِمَامِ سُقُوطُهَا يُضْرَبُ الْأَكْثَرُ وَعَنْهُ أَيْضًا سُقُوطُهَا بِضَرْبِ وَاحِدٍ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تُقْبَلُ إذَا تَابَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] إذْ الِاسْتِثْنَاءُ مَتَى يَعْقُبُ كَلِمَاتٍ مَعْطُوفَاتٍ يَنْصَرِفُ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ؛ وَلِأَنَّ الْمُوجِبَ لِرَدِّ شَهَادَتِهِ فِسْقُهُ وَقَدْ ارْتَفَعَ بِالتَّوْبَةِ لَكِنْ رَدُّ الشَّهَادَةِ لِأَجْلِ أَنَّهُ حَدٌّ لَا لِلْفِسْقِ وَلِهَذَا لَوْ أَقَامَ أَرْبَعَةً بَعْدَمَا حُدَّ عَلَى أَنَّهُ زَنَى تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَهَا قَبْلَهُ لَمْ يُحَدَّ فَكَذَا لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِهِ لَكَانَ، أَوْلَى تَدَبَّرْ (إلَّا إنْ حُدَّ كَافِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ) فَتُقْبَلُ عَلَى الْكَافِرِ وَعَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ شَهَادَةٌ أُخْرَى حَدَثَتْ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَلْحَقْهَا رَدٌّ بِسَبَبِ الْحَدِّ بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا حُدَّ ثُمَّ عَتَقَ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ أَصْلًا فِي حَالِ رِقِّهِ فَيَتَوَقَّفُ الرَّدُّ عَلَى حُدُوثِهَا فَإِذَا حَدَثَ كَانَ رَدُّ شَهَادَتِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ تَمَامِ حَدِّهِ.

(وَلَا) تُقْبَلُ (الشَّهَادَةُ لِأَصْلِهِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (عَلَا) سَوَاءٌ كَانَ الْجَدُّ صَحِيحًا

ص: 196

أَوْ فَاسِدًا (وَفَرْعُهُ وَإِنْ سَفَلَ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَلَا الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ» ؛ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَهُمَا عَلَى وَجْهِ الِاتِّصَالِ فَلَا يَخْلُو مِنْ تَمَكُّنِ التُّهْمَةِ؛ وَلِهَذَا تُقْبَلُ عَلَى أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ إلَّا إذَا شَهِدَ الْجَدُّ عَلَى ابْنِهِ لِابْنِ ابْنِهِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ أَطْلَقَ الْفَرْعَ فَشَمِلَ الْوَلَدَ مِنْ وَجْهٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَلَدِ الْمُلَاعِنِ لِأُصُولِهِ، أَوْ هُوَ لَهُ، أَوْ لِفُرُوعِهِ لِثُبُوتِهِ مِنْ وَجْهٍ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ مِنْ الرَّضَاعِ لَهُ وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِأُمِّ زَوْجَتِهِ وَأَبِيهَا وَلِزَوْجِ ابْنَتِهِ وَلِامْرَأَةِ ابْنِهِ (وَعَبْدِهِ) أَيْ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ سَوَاءٌ كَانَ لِلْعَبْدِ دَيْنٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ؛ وَلِأَنَّهُ شَهَادَةٌ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ (وَمُكَاتَبِهِ) لِكَوْنِهِ عَبْدًا رَقَبَةً.

(وَ) لَا تُقْبَلُ (مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا وَلَا الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ» .

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجُوزُ بِلَا فَرْقٍ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ إنْ شَهِدَ الرَّجُلُ لِامْرَأَةٍ بِحَقٍّ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ وَلَوْ شَهِدَ لِامْرَأَتِهِ وَهُوَ عَدْلٌ وَلَمْ يَرُدَّ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ حَتَّى طَلَّقَهَا بَائِنَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا رَوَى ابْنُ شُجَاعٍ أَنَّ الْقَاضِيَ يُنْفِذُ شَهَادَتَهُ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ إنَّمَا تَمْنَعُ مِنْهَا وَقْتَ الْقَضَاءِ لَا وَقْتَ الْأَدَاءِ وَلَا وَقْتَ التَّحَمُّلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.

وَفِي كَلَامِ الْخَانِيَّةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُنْفِذُ شَهَادَتَهُ فِي الْعِدَّةِ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهَا وَلَا شَهَادَتُهَا لَهُ انْتَهَى.

فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ ثَلَاثٍ لَكَانَ، أَوْلَى تَدَبَّرْ.

(وَلَا) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ لِنَفْسِهِ فَلَوْ شَهِدَ بِمَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا تُقْبَلُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ.

(وَلَا) تُقْبَلُ (شَهَادَةُ الْمُخَنَّثِ الَّذِي يَفْعَلُ الرَّدَى) لِارْتِكَابِهِ الْمَعْصِيَةَ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمُخَنَّثِ هُوَ الَّذِي يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ بِاخْتِيَارِهِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَأَمَّا الَّذِي فِي كَلَامِهِ لِينٌ وَفِي أَعْضَائِهِ تَكَسُّرُ خِلْقَةً فَهُوَ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ.

وَفِي الْبَحْرِ الْمُخَنِّثُ بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ بِمَعْنَى الْمُتَكَسِّرِ فِي أَعْضَائِهِ الْمُتَلَيِّنِ فِي كَلَامِهِ تَشَبُّهًا بِالنِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ الَّذِي يُعْمَلُ بِهِ لِوَاطَةً (وَ) لَا شَهَادَةُ (النَّائِحَةِ) فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا وَلَوْ بِلَا أَجْرٍ (وَالْمُغَنِّيَةِ) لِارْتِكَابِهِمَا الْحَرَامَ فَإِنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْ الصَّوْتَيْنِ الْأَحْمَقَيْنِ النَّائِحَةُ وَالْمُغَنِّيَةُ قَيَّدْنَا بِمُصِيبَةِ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ نَاحَتْ فِي مُصِيبَتِهَا تُقْبَلُ، وَكَذَا الْمُرَادُ بِالتَّغَنِّي التَّغَنِّي بَيْنَ النَّاسِ وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ التَّغَنِّي لَمْ يُسْقِطْ الْعَدَالَةَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.

(وَ) لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ (الْعَدُوِّ بِسَبَبِ دُنْيَا عَلَى عَدُوِّهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ لِأَجْلِ الدُّنْيَا حَرَامٌ فَيَظْهَرُ بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ عَدَاوَتُهُ أَمَّا إذَا شَهِدَ لِمَنْفَعَتِهِ قُبِلَتْ لِعَدَمِ ظُهُورِ فِسْقِهِ مِنْ عَدَاوَتِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى تَرْكِهَا.

وَفِي الْقُنْيَةُ أَنَّ الْعَدَاوَةَ بِسَبَبِ الدُّنْيَا لَا تَمْنَعُ مَا لَمْ يَفْسُقْ بِسَبَبِهَا، أَوْ يَجْلِبْ بِهَا مَنْفَعَةً، أَوْ يَدْفَعْ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ مَضَرَّةً وَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَغَيْرِهَا اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْمَنْصُوصَةُ فَبِخِلَافِهَا فَإِنَّهُ إذَا كَانَ

ص: 197

عَدْلًا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ فَلْيُطَالَعْ (وَمُدْمِنُ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ) سَوَاءٌ شَرِبَ الْخَمْرَ، أَوْ الْمُسْكِرَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ إذْ بِالْإِدْمَانِ وَالْإِعْلَانِ يَظْهَرُ فِسْقُهُ هَذَا إذَا شَرِبَ عَلَى اللَّهْوِ أَمَّا إذَا شَرِبَ لِلتَّدَاوِي فَلَا يُسْقِطُ الْعَدَالَةِ لِكَوْنِ الْحُرْمَةِ مُخْتَلَفًا فِيهَا وَفِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ قَالُوا إنَّمَا شَرَطَ الْإِدْمَانَ لِيَكُونَ ذَلِكَ ظَاهِرًا مِنْهُ عِنْدَ النَّاسِ؛ لِأَنَّ مَنْ اُتُّهِمَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فِي بَيْتِهِ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ وَإِنْ كَانَ كَبِيرَةً وَإِنَّمَا تَبْطُلُ إذَا ظَهَرَ ذَلِكَ، أَوْ خَرَجَ سَكْرَانَ فَيَسْخَرُ مِنْهُ الصِّبْيَانُ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَحْتَرِزُ عَنْ الْكَذِبِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ الْإِدْمَانِ الْإِدْمَانَ فِي النِّيَّةِ بِأَنْ يَشْرَبَ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَشْرَبَ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا وَجَدَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الشُّرْبُ مِنْهُ كَمَا لَا يَخْفَى وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْ مُدْمِنِ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ غَيْرُ شَارِبِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ شَارِبَهَا مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ وَلَوْ قَطْرَةً فَلَا حَاجَةَ لِإِبْطَالِ شَهَادَتِهِ إلَى الْإِدْمَانِ وَلَا إلَى شُرْبِهَا عَلَى اللَّهْوِ.

وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّ الْخِصَافَ يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ مِنْ غَيْرِ إدْمَانٍ وَمُحَمَّدٌ شَرَطَ الْإِدْمَانَ لِسُقُوطِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَتَمَامُ التَّحْقِيقِ فِي الْبَحْرِ فَلْيُطَالَعْ (وَمَنْ يَلْعَبُ بِالطُّيُورِ) لِشِدَّةِ غَفَلْته وَإِصْرَارِهِ عَلَى نَوْعِ لَهْوٍ؛ لِأَنَّهُ غَالِبًا يَنْظُرُ إلَى الْعَوْرَاتِ فِي السُّطُوحِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ فِسْقٌ فَأَمَّا إذَا أَمْسَكَ الْحَمَامَ لِلِاسْتِئْنَاسِ وَلَا يُطَيِّرُهَا فَلَا تَزُولُ عَدَالَتُهُ؛ لِأَنَّ إمْسَاكَهَا فِي الْبُيُوتِ مُبَاحٌ.

(أَوْ) يَلْعَبُ (بِالطُّنْبُورِ) لِكَوْنِهِ مِنْ اللَّهْوِ وَالْمُرَادُ مِنْ الطُّنْبُورِ كُلُّ لَهْوٍ يَكُونُ شَنِيعًا بَيْنَ النَّاسِ احْتِرَازًا عَمَّا لَمْ يَكُنْ شَنِيعًا كَضَرْبِ الْقَضِيبِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ قَبُولَهَا إلَّا أَنْ يَتَفَاحَشَ بِأَنْ يَرْقُصُونَ بِهِ فَيَدْخُلُ فِي حَدِّ الْكَبَائِرِ (، أَوْ يُغْنِي لِلنَّاسِ) ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ النَّاسَ عَلَى الْكَبِيرَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْغِنَاءَ كَبِيرَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ بَلْ لِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ لِلْوَحْشَةِ وَهُوَ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ قَالَ بِعُمُومِ الْمَنْعِ وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ إنَّمَا مَنَعَ مَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ اللَّهْوِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ لِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ دَفْعًا لِلْوَحْشَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ فِي عُرْسٍ، أَوْ وَلِيمَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ لِيَسْتَفِيدَ بِهِ نَظْمَ الْقَوَافِي وَفَصَاحَةَ اللِّسَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ مُطْلَقًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَاحَهُ مُطْلَقًا.

(أَوْ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ) مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْمُقَامَرَةِ أَوْ تَفْوِيتِ الصَّلَاةِ (، أَوْ يُقَامِرُ بِالشَّطْرَنْجِ، أَوْ تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ بِسَبَبِهِ) أَيْ بِسَبَبِ الشِّطْرَنْجِ لِظُهُورِ

ص: 198

الْفِسْقِ بِتَرْكِهِ الصَّلَاةَ وَكَذَا بِالْمُقَامَرَةِ أَمَّا بِدُونِهِمَا لَا يَمْنَعُ الْعَدَالَةَ؛ لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا لِقَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ بِإِبَاحَتِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاخْتَارَهَا ابْنُ الشِّحْنَةِ إذَا كَانَ لِإِحْضَارِ الذِّهْنِ وَاخْتَارَ أَبُو زَيْدٍ حِلَّهُ.

وَفِي النَّوَازِلِ سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ يَنْظُرُ إلَى لَاعِبِهِ مِنْ غَيْرِ لَعِبٍ أَيَجُوزُ فَقَالَ لَنْ يَصِيرَ فَاسِقًا، وَقَدْ سَوَّى بَيْنَ النَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ فِي الْكَنْزِ فَقَالَ، أَوْ يُقَامِرُ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَدَالَةَ إنَّمَا تَسْقُطُ إذَا وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْ خَمْسَةٍ الْقِمَارُ وَفَوْتُ الصَّلَاةِ بِسَبَبِهِ وَإِكْثَارُ الْحَلِفِ عَلَيْهِ وَاللَّعِبُ بِهِ عَلَى الطَّرِيقِ، أَوْ يَذْكُرُ عَلَيْهِ فِسْقًا وَإِلَّا فَلَا بِخِلَافِ النَّرْدِ فَإِنَّهُ مُسْقِطٌ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الثَّلَاثَةَ الْأَخِيرَةَ؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ فَلَا تَسَاهُلَ فِي تَرْكِهَا.

(، أَوْ يُرْتَكَبُ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ) أَيْ يَأْتِي نَوْعًا مِنْ الْكَبَائِرِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَدِّ لِوُجُودِ تَعَاطِيه بِخِلَافِ اعْتِقَادِهِ وَذَا دَلِيلُ قِلَّةِ دِيَانَتِهِ فَلَعَلَّهُ يَجْتَرِئُ عَلَى الشَّهَادَةِ زُورًا كَمَا فِي الْكَافِي.

وَفِي الدُّرَرِ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ سِرًّا لَكِنَّ التَّوْفِيقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِارْتِكَابِ مَا يُحَدُّ بِهِ لَيْسَ ارْتِكَابُ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُحَدَّ بِهِ بِالْفِعْلِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِإِظْهَارِهِ وَاطِّلَاعِ الشُّهُودِ عَلَيْهِ.

وَفِي الْبَحْرِ الْإِعَانَةُ عَلَى الْمَعَاصِي وَالْحَثُّ عَلَيْهَا كَبِيرَةٌ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَائِعِ الْأَكْفَانِ وَقَيَّدَ السَّرَخْسِيُّ بِمَا إذَا تَرَصَّدَ لِذَلِكَ الْعَمَلِ وَإِلَّا فَتُقْبَلُ لِعَدَمِ تَمَنِّيه الْمَوْتَ وَالطَّاعُونَ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصَّكَّاكِينَ؛ لِأَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ بِخِلَافِ الْوَاقِعِ، الصَّحِيحُ قَبُولُهَا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاحُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الطُّفَيْلِيِّ وَالرَّقَّاصِ وَالْمُجَازِفِ فِي كَلَامِهِ وَالْمَسْخَرَةِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَشْتُمُ أَهْلَهُ وَمَمَالِيكَهُ كَثِيرًا إلَّا أَحْيَانًا وَكَذَا الشَّتَّامُ لِلْحَيَوَانِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَخِيلِ وَاَلَّذِي أَخَّرَ الْفَرْضَ بَعْدِ وُجُوبِهِ إنْ كَانَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ تَارِكِ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِتَأْوِيلٍ وَكَذَا تَارِكُ الْجُمُعَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَلَا تَارِكُ الصَّلَاةِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ السِّجْنِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبَانَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَشْرَافِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ؛ لِأَنَّهُمْ قَوْمٌ يَتَعَصَّبُونَ.

وَفِي الْبَحْرِ فَعَلَى هَذَا كُلُّ مُتَعَصِّبٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ انْتَهَى.

فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ فِي زَمَانِنَا شَهَادَةُ الْعُلَمَاءِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ؛ لِأَنَّهُمْ مُتَعَصِّبُونَ.

(، أَوْ يَأْكُلُ الرِّبَا)

ص: 199

لِأَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ أَيْ يَأْخُذُ الْقَدْرَ الزَّائِدَ وَالْمُرَادُ بِالْأَكْلِ الْأَخْذُ وَشَرَطَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِأَكْلِ الرِّبَا؛ لِأَنَّ التُّجَّارَ قَلَّمَا يَتَخَلَّصُونَ عَنْ الْأَسْبَابِ الْمُفْسِدَةِ لِلْعَقْدِ وَكُلُّ ذَلِكَ رِبَا فَلَا بُدَّ مِنْ الِاشْتِهَارِ كَمَا فِي الدُّرَرِ.

(، أَوْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِلَا إزَارٍ) ؛ لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ وَمَعَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمُبَالَاةِ (، أَوْ يَفْعَلُ مَا يَسْتَخِفُّ بِهِ كَالْبَوْلِ وَالْأَكْلِ عَلَى الطَّرِيقِ) ؛ لِأَنَّهُ تَارِكُ الْمُرُوءَةِ وَكَذَا كُلُّ مَنْ يَأْكُلُ غَيْرَ السُّوقِيِّ فِي السُّوقِ بَيْنَ النَّاسِ وَالْمُرَادُ بِالْبَوْلِ عَلَى الطَّرِيقِ إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَرَاهُ النَّاسُ وَكَذَا غَيْرُهُمَا فِي الْمُبَاحَاتِ الْقَادِحَةِ فِي الْمُرُوءَةِ كَصُحْبَةِ الْأَرَاذِلِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِالنَّاسِ وَإِفْرَاطِ الْمَزْحِ وَالْحِرَفِ الدَّنِيَّةِ مِنْ نَحْوِ الدِّبَاغَةِ وَالْحِيَاكَةِ وَالْحِجَامَةِ بِلَا ضَرُورَةٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ الصَّحِيحُ الْقَبُولُ إذَا كَانُوا عُدُولًا وَمِثْلُهُ النَّخَّاسُونَ وَالدَّلَّالُونَ (أَوْ يُظْهِرُ سَبَّ) وَاحِدٍ مِنْ (السَّلَفِ) وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالْعُلَمَاءُ الْمُجْتَهِدُونَ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ تَدُلُّ عَلَى قُصُورِ عَقْلِهِ وَمُرُوءَتِهِ وَمَنْ لَمْ يَمْتَنِعْ عَنْهَا لَا يَمْتَنِعُ عَنْ الْكَذِبِ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَزَادَ فِي الْفَتْحِ الْعُلَمَاءُ وَلَوْ قَالَ، أَوْ يُظْهِرُ سَبَّ مُسْلِمٍ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ تَسْقُطُ بِسَبِّ مُسْلِمٍ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّلَفِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا قَيَّدَ بِالْإِظْهَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَتَمَهُ تُقْبَلُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.

(وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ) وَلِسَائِرِ الْأَقَارِبِ غَيْرِ الْأَوْلَادِ (وَمَحْرَمِهِ رَضَاعًا، أَوْ مُصَاهَرَةً) كَأُمِّ امْرَأَتِهِ وَزَوْجِ بِنْتِهِ وَامْرَأَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ وَمَنَافِعَهَا مُتَمَيِّزَةٌ بَيْنَهُمْ وَلَا بُسُوطَةَ لِبَعْضِهِمْ فِي مَالِ الْبَعْضِ فَلَا يَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ.

(وَ) تُقْبَلُ (شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ) مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ، أَوْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، أَوْ عَلَى الْكَفَرَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ اعْتِقَادُهُمْ مُؤَدِّيًا إلَى الْكُفْرِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَهُمْ أَهْلُ الْقِبْلَةِ الَّذِينَ مُعْتَقَدُهُمْ غَيْرُ مُعْتَقَدِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ كَالْجَبْرِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالرَّوَافِضِ وَالْخَوَارِجِ وَالْمُعَطِّلَةِ وَالْمُشَبِّهَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ فِرْقَةً عَلَى مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكُتُبِ الْكَلَامِيَّةِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُقْبَلُ

ص: 200

شَهَادَةُ كُلِّهَا لِاشْتِدَادِ فِسْقِهِمْ وَلَنَا أَنَّ فِسْقَهُمْ كَانَ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ وَلَمْ يُوقِعْهُمْ فِي هَذَا الْهَوَى إلَّا تَدَيُّنُهُمْ فَصَارَ كَمَنْ يَشْرَبُ الْمُثَلَّثَ، أَوْ يَأْكُلُ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا مُسْتَبِيحًا لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْفِسْقِ مِنْ حَيْثُ التَّعَاطِي (إلَّا الْخَطَّابِيَّةَ) هُمْ قَوْمٌ مِنْ غُلَاةِ الرَّوَافِضِ يَعْتَقِدُونَ اسْتِحْلَالَ الشَّهَادَةِ لِكُلِّ مَنْ حَلَفَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ مُحِقٌّ وَقِيلَ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ لِشِيعَتِهِمْ وَاجِبَةً فَتُمَكَّنَ التُّهْمَةُ فِي شَهَادَتِهِمْ فَلَا تُقْبَلُ.

(وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (الذِّمِّيِّ عَلَى مِثْلِهِ) أَيْ عَلَى ذِمِّيٍّ آخَرَ.

(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (اخْتَلَفَا مِلَّةً) كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى إذْ الْكُفْرُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا تُقْبَلُ إنْ تَخَالَفَا اعْتِقَادًا وَفِي الْغَرَرِ وَتُقْبَلُ مِنْ كَافِرٍ عَلَى عَبْدٍ كَافِرٍ مَوْلَاهُ مُسْلِمٌ، أَوْ عَلَى حُرٍّ كَافِرٍ مُوَكِّلُهُ مُسْلِمٌ بِلَا عَكْسٍ.

(وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ (عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ) ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ أَعْلَى حَالًا مِنْهُ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَلِهَذَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ لَا بِالْمُسْتَأْمَنِ (دُونَ عَكْسِهِ) أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْتَأْمَنِ عَلَى الذِّمِّيِّ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَدْنَى حَالًا مِنْهُ.

(وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (الْمُسْتَأْمَنِ عَلَى مِثْلِهِ إنْ كَانَا مِنْ دَارٍ وَاحِدَةٍ) حَتَّى لَوْ كَانَا مِنْ أَهْلِ دَارَيْنِ كَالرُّومِ وَالتُّرْكِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مُنْقَطِعَةٌ بِاخْتِلَافِ الْمَنَعَتَيْنِ وَلِهَذَا لَا يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ مِلَّةٍ عَلَى أَهْلِ مِلَّةٍ أُخْرَى.

(وَ) تُقْبَل شَهَادَةُ (عَدُوٍّ بِسَبَبِ الدِّينِ) أَيْ بِأَمْرٍ دِينِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكْذِبُ لِدِينِهِ كَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ هَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا عَلِمَ ضِمْنًا؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ بِسَبَبِ الدُّنْيَا.

(وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (مَنْ أَلَمَّ بِصَغِيرَةٍ) أَيْ ارْتَكَبَ صَغِيرَةً بِلَا إصْرَارٍ عَلَيْهَا (إنْ اجْتَنِبْ الْكَبَائِرَ) أَيْ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْكَبَائِرِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ الْمُخْتَارُ اجْتِنَابُ الْإِصْرَارِ عَلَى الْكَبَائِرِ فَلَوْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً مَرَّاتٍ قَبْلَ شَهَادَتِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَبِيرَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَا كَانَ شَنِيعًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ هَتْكُ حُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالدِّينِ (وَغَلَبَ صَوَابُهُ) عَلَى خَطَئِهِ أَيْ كَثُرَتْ حَسَنَاتُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَيِّئَاتِهِ مِمَّنْ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ، وَفِي الِاخْتِيَارِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ صَلَاحُهُ أَكْثَرَ مِنْ فَسَادِهِ مُعْتَادًا لِلصِّدْقِ مُجْتَنِبًا عَنْ الْكَذِبِ صَحِيحَ الْمُعَامَلَةِ فِي الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ مُؤَدِّيًا لِلْأَمَانَةِ قَلِيلَ اللَّهْوِ وَالْهَذَيَانِ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا تَغُرَّنَّكُمْ طَنْطَنَةُ الرَّجُلِ فِي صَلَاتِهِ اُنْظُرُوا إلَى حَالِهِ عِنْدَ دِرْهَمِهِ وَدِينَارِهِ أَمَّا الْإِلْمَامُ بِمَعْصِيَةٍ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِمَا فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ مِنْ سَدِّ بَابِ الشَّهَادَةِ انْتَهَى.

(وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (الْأَقْلَفِ) لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ عَنْ قَيْدِ الْخِتَانِ لِكَوْنِهِ سُنَّةً عِنْدَنَا أَطْلَقَهُ تَبَعًا لِمَا فِي الْكَنْزِ لَكِنْ قَيَّدَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ بِأَنْ يَتْرُكَهُ لِعُذْرٍ كَالْكِبَرِ، أَوْ خَوْفِ الْهَلَاكِ أَمَّا إذَا تَرَكَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِعْرَاضِ عَنْ السُّنَّةِ، أَوْ الِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ فَلَا تُقْبَلُ فَالْإِمَامُ لَمْ يُقَدِّرْ وَقْتَ الْخِتَانِ بِوَقْتٍ وَغَيْرُهُ مِنْ وَقْتِ

ص: 201

الْوِلَادَةِ إلَى عَشْرِ سِنِينَ وَقِيلَ إلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ.

(وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (الْخَصِيِّ) فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَبِلَ شَهَادَةَ عَلْقَمَةَ الْخَصِيِّ؛ وَلِأَنَّهُ قُطِعَ مِنْهُ عُضْوٌ ظُلْمًا كَمَا لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ ظُلْمًا وَكَذَا الْأَقْطَعُ إذَا كَانَ عَدْلًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فِي سَرِقَةٍ ثُمَّ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَشْهَدُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا فِي الْمِنَحِ (وَوَلَدِ الزِّنَاءِ) ؛ لِأَنَّ فِسْقَ الْأَبَوَيْنِ لَا يُوجِبُ فِسْقَ الْوَلَدِ خِلَافًا لِمَالِكٍ (وَالْخُنْثَى) إنْ لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا يُجْعَلُ امْرَأَةً فِي حَقِّ الشَّهَادَةِ

احْتِيَاطًا

وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ كَالنِّسَاءِ (وَالْعُمَّالِ) وَالْمُرَادُ بِهِمْ عُمَّالُ السُّلْطَانِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الْحُقُوقَ الْوَاجِبَةَ كَالْخَرَاجِ وَنَحْوِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَمَلِ لَيْسَ بِفِسْقٍ فَتُقْبَلُ إلَّا إذَا كَانُوا أَعْوَانًا عَلَى الظُّلْمِ فَلَا تُقْبَلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَقِيلَ الْعَامِلُ إذَا كَانَ وَجِيهًا فِي النَّاسِ ذَا مُرُوءَةٍ لَا يُجَازِفُ فِي كَلَامِهِ تُقْبَلُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا عُدُولًا تُقْبَلُ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ أَرَادَ بِالْعُمَّالِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ وَيُؤَاجِرُونَ أَنْفُسَهُمْ لِلْعَمَلِ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ رَدَّ شَهَادَتَهُمْ مِنْ أَهْلِ الصِّنَاعَاتِ الْخَسِيسَةِ فَأَفْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِإِظْهَارِ مُخَالَفَتِهِمْ.

وَفِي الْبَحْرِ وَذَكَرَ الصَّدْرُ أَنَّ شَهَادَةَ الرَّئِيسِ لَا تُقْبَلُ وَكَذَا الْجَابِي وَالْمُرَادُ بِالرَّئِيسِ رَئِيسُ الْقَرْيَةِ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي بِلَادِنَا شَيْخُ الْبَلَدِ وَمِثْلُهُ الْمُعَرِّفُونَ فِي الْمَرَاكِبِ وَالْعُرَفَاءِ فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ وَضَمَانُ الْجِهَاتِ فِي بِلَادِنَا؛ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَعْوَانٌ عَلَى الظُّلْمِ كَمَا فِي الْفَتْحِ.

(وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (الْمُعْتَقِ) بِفَتْحِ التَّاءِ (لِمُعْتَقِهِ) وَعَكْسُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهَا وَقَدْ قَبِلَ شُرَيْحٌ شَهَادَةَ قَنْبَرٍ وَهُوَ جَدُّ سِيبَوَيْهِ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَكَانَ عَتِيقَهُ فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْعَتِيقَ لَوْ كَانَ مُتَّهَمًا لَمْ تُقْبَلْ وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ شَهِدَ الْعَبْدَانِ بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى الثَّمَنِ كَذَا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ نَفْعًا لِأَنْفُسِهِمَا نَفْعًا بِإِثْبَاتِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا لَتَحَالَفَا وَفُسِخَ الْبَيْعُ الْمُقْتَضِي لِإِبْطَالِ الْعِتْقِ.

وَفِي الْمِنَحِ وَلَا يُعَارِضُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ اشْتَرَى غُلَامَيْنِ وَأَعْتَقَهُمَا فَشَهِدَا لِمَوْلَاهُمَا عَلَى أَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى الثَّمَنَ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجُرَّانِ بِهَا نَفْعًا وَلَا يَدْفَعَانِ مَغْرَمًا وَشَهَادَتُهُمَا بِأَنَّ الْبَائِعَ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الثَّمَنِ كَشَهَادَتِهِمَا بِالْإِيفَاءِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.

(وَالْمُعْتَبَرُ حَالَ الشَّاهِدِ وَقْتُ الْأَدَاءِ لَا) وَقْتُ (التَّحَمُّلِ) كَمَا بَيَّنَّاهُ.

(وَلَوْ شَهِدَا) أَيْ ابْنَا الْمَيِّتِ (أَنَّ أَبَاهُمَا، أَوْصَى إلَى زَيْدٍ) أَيْ جَعَلَهُ وَصِيًّا (وَزَيْدٌ يَدَّعِيه) أَيْ الْإِيصَاءُ قَالَ الْمَوْلَى سَعْدِيُّ وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَالْوَصِيُّ يَدَّعِي أَيْ الْوَصِيُّ يَرْضَى انْتَهَى.

لَكِنَّ الدَّعْوَى تَسْتَلْزِمُ الرِّضَا بِطَرِيقِ ذِكْرِ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةِ اللَّازِمِ تَدَبَّرْ (قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُمَا.

(وَإِنْ أَنْكَرَ) ذَلِكَ الْوَصِيُّ (فَلَا) أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ إجْبَارَ أَحَدٍ عَلَى قَبُولِ الْوَصِيَّةِ.

(وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا الْغَائِبَ وَكَّلَهُ) أَيْ زَيْدًا بِقَبْضِ دَيْنِهِ، أَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ (لَا تُقْبَلُ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (ادَّعَاهُ) ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ

ص: 202

لَا يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَكِيلِ عَنْ الْغَائِبِ بِتَعْيِينِهِمَا فَشَهَادَتُهُمَا تَصِيرُ لِنَفْعِهِمَا إذْ يُمْكِنُ أَنْ يَتَوَاضَعَا مَعَ الْوَكِيلِ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ فَلَا تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَصِيِّ عِنْدَ الطَّلَبِ وَالْحَاجَةِ فَبِشَهَادَتِهِمَا، أَوْلَى وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ يَمْنَعُ الْجَوَازَ؛ لِأَنَّهُمَا قَصَدَا مَنْ يَقُومُ بِإِحْيَاءِ حُقُوقِهِمَا فَلَا تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ ادَّعَاهُ يَرْجِعُ إلَى الْوَكَالَةِ أَيْ وَإِنْ ادَّعَى الْوَكِيلُ الْوَكَالَةَ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: وَإِنْ ادَّعَاهَا بِالتَّأْنِيثِ لَكَانَ أَظْهَرَ.

(وَلَوْ شَهِدَ دَايِنَا مَيِّتٍ) أَيْ لَوْ شَهِدَ غَرِيمَانِ لَهُمَا عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا (أَنَّهُ) أَيْ الْمَيِّتَ (أَوْصَى إلَى زَيْدٍ) أَيْ جَعَلَهُ وَصِيًّا (وَهُوَ) أَيْ زَيْدٌ (يَدَّعِيه) أَيْ الْإِيصَاءَ (قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُمَا كَمَا إذَا شَهِدَا بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ لِرَجُلَيْنِ ثُمَّ شَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِدِينٍ عَلَى الْمَيِّتِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَشْهَدُ بِالدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ وَلَا شَرِكَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ فِي الْمَقْبُوضِ بَعْدَ الْقَبْضِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ إذَا قَبَضَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ بِدَيْنِهِ يُشْرِكُهُ الْفَرِيقُ الْآخَرُ فَصَارَ كُلٌّ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ كَمَا فِي الْمِنَحِ.

(وَكَذَا لَوْ شَهِدَ مَدْيُونَاهُ) أَيْ لَوْ شَهِدَ مَدْيُونَا مَيِّتٍ أَنَّ الْمَيِّتَ، أَوْصَى إلَى زَيْدٍ وَهُوَ يَدَّعِيه قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ يَمْنَعُ الْجَوَازَ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّائِنِينَ قَصَدَا مَنْ يُؤَدِّي حَقَّهُمَا وَالْمَدْيُونِينَ قَصَدَا الْبَرَاءَةَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ فَلَا تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ (أَوْ) شَهِدَ (مَنْ أَوْصَى لَهُمَا) بِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ، أَوْصَى إلَى زَيْدٍ وَهُوَ يَدَّعِيه (أَوْ) شَهِدَ (وَصِيَّاهُ) بِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ، أَوْصَى إلَى زَيْدٍ وَهُوَ يَدَّعِيه قُبِلَتْ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ يَمْنَعُ الْجَوَازَ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا أَرَادَا نَصْبَ مَنْ يُوَصِّلُ حَقَّهُمَا فِي الْأُولَى وَنَصْبَ مَنْ يُعِينُهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ فِي الثَّانِيَةِ فَالنَّفْعُ يَرْجِعُ إلَيْهِمَا فَلَا تُقْبَلُ لَا يُقَالُ بِأَنَّ الْمَيِّتَ إذَا كَانَ لَهُ وَصِيَّانِ فَالْقَاضِي لَا يَحْتَاجُ إلَى نَصْبِ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ لِإِقْرَارِهِمَا بِالْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَصِيُّ جَاحِدًا فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ إجْبَارَ أَحَدٍ عَلَى قَبُولِ الْوِصَايَةِ كَمَا مَرَّ آنِفًا وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمَوْتِ مَعْرُوفًا فِي الْكُلِّ أَيْ ظَاهِرًا إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْغَرِيمَيْنِ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ مَعْرُوفًا.

وَفِي الْبَحْرِ وَلَوْ شَهِدَ الْوَصِيُّ بَعْدَ الْعَزْلِ لِلْمَيِّتِ إنْ خَاصَمَ لَا تُقْبَلُ وَإِلَّا تُقْبَلُ كَمَا لَوْ شَهِدَ الْوَكِيلُ بَعْدَ عَزْلِهِ لِلْمُوَكَّلِ إنْ خَاصَمَ لَا تُقْبَلُ وَإِلَّا تُقْبَلُ ثُمَّ قَالَ نَقْلًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: وَأَمَّا شَهَادَةُ الْوَصِيِّ بِحَقٍّ لِلْمَيِّتِ عَلَى غَيْرِهِ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ الْقَاضِي عَنْ الْوِصَايَةِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ، أَوْ بَعْدَهَا لَا تُقْبَلُ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ الْوَصِيُّ بِحَقٍّ لِلْمَيِّتِ بَعْدَمَا أَدْرَكَتْ الْوَرَثَةُ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ الْوَصِيُّ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ عَلَى الْمَيِّتِ إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ صَغِيرًا لَا تَجُوزُ اتِّفَاقًا وَإِنْ بَالَغَا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تَجُوزُ وَلَوْ شَهِدَ لِكَبِيرٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ تُقْبَلُ

ص: 203

فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ شَهِدَ لِلْوَارِثِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ فِي غَيْرِ مِيرَاثٍ لَمْ تُقْبَلْ وَلَوْ شَهِدَ الْوَصِيَّانِ عَلَى إقْرَارِ الْمَيِّتِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ لِوَارِثٍ بَالِغٍ تُقْبَلُ انْتَهَى.

(وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ) حَالَ كَوْنِهَا مُشْتَمِلَةً (عَلَى جَرْحٍ مُجَرَّدٍ) أَيْ جَارِحِيَّةٍ مُجَرَّدَةٍ أَيْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْجَرْحِ مِنْ دَفْعِ الْخُصُومَةِ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلِذَا يُقَالُ لَهُ الْجَرْحُ الْمُفْرَدُ (وَهُوَ) أَيْ الْجَرْحُ الْمُجَرَّدُ (مَا يَفْسُقُ بِهِ) شَاهِدُ الْمُدَّعِي الْمُعَدَّلُ فَإِنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَجُزْ قَبْلَ التَّعْدِيلِ لَا سِيَّمَا إذَا جُرِحَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُسْمَعُ وَيُحْكَمُ بِهِ وَكَذَا نُقِلَ عَنْ الْخَصَّافِ (مِنْ غَيْرِ إيجَابِ حَقٍّ لِلشَّرْعِ) كَوُجُوبِ الْحَدِّ (أَوْ لِلْعَبْدِ) كَوُجُوبِ الْمَالِ فَلَوْ، أَوْجَبَهُ تُقْبَلُ (نَحْوُ) أَنْ يَشْهَدُوا (هُوَ) أَيْ الشَّاهِدُ (فَاسِقٌ، أَوْ آكِلُ رِبًا وَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُمْ) ، أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ فِي وَقْتِ، أَوْ زَانٍ فِي وَقْتٍ، أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِزُورِ أَوْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُبْطِلٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى أَوْ أَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ بَعْدَ التَّعْدِيلِ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ بَعْدَمَا ثَبَتَتْ لَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِإِثْبَاتِ حَقِّ الشَّرْعِ، أَوْ الْعَبْدِ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ إثْبَاتُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَتْ قَبْلَ التَّعْدِيلِ فَإِنَّهَا كَافِيَةٌ فِي الدَّفْعِ وَمِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ وَهُوَ السِّرُّ فِي كَوْنِ الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ مَقْبُولًا قَبْلَ التَّعْدِيلِ وَلَوْ مِنْ وَاحِدٍ وَلِذَا قَيَّدْنَا بِالْمُعَدَّلِ وَغَيْرِ مَقْبُولٍ بَعْدَهُ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى نِصَابِ الشَّهَادَةِ وَإِثْبَاتِ حَقِّ الشَّرْعِ، أَوْ الْعَبْدِ كَمَا فِي الدُّرَرِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بَعْدَ التَّعْدِيلِ كَمَا فِي الْغَرَرِ لَكَانَ، أَوْلَى.

(وَتُقْبَلُ) الشَّهَادَةُ (عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِفِسْقِهِمْ) أَيْ بِفِسْقِ شُهُودِهِ؛ لِأَنَّهُمْ مَا أَظْهَرُوا الْفَاحِشَةَ بَلْ حَكَوْا عَنْهُ وَالْإِقْرَارُ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ فَهَذِهِ الشَّهَادَةُ لَيْسَتْ عَلَى جَرْحٍ مُجَرَّدٍ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِ الشُّهُودِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ فِيهِ هَتْكَ السِّتْرِ وَبِهِ يَثْبُتُ الْفِسْقُ فَلَا تُقْبَلُ.

(وَ) تُقْبَلُ (عَلَى أَنَّهُمْ) أَيْ الشُّهُودَ (عَبِيدٌ) ، أَوْ أَحَدَهُمْ عَبْدٌ (أَوْ) أَنَّهُمْ (مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ، أَوْ) أَنَّهُمْ (شَارِبُو خَمْرٍ) الْآنَ وَلَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ إذْ لَوْ كَانَ مُتَقَادِمًا لَا تُقْبَلُ كَمَا مَرَّ وَكَذَا تُقْبَلُ عَلَى أَنَّهُمْ سَرَقُوا مِنِّي كَذَا، أَوْ زَنَوْا بِالنِّسْوَةِ بِلَا تَقَادُمٍ مَا لَمْ يَزُلْ الرِّيحُ فِي الْخَمْرِ وَلَمْ يَمْضِ شَهْرٌ فِي الْبَاقِي (أَوْ) أَنَّهُمْ (قَذَفَةٌ) لِفُلَانٍ وَهُوَ يَدَّعِيه فَإِنَّ الْكُلَّ يُوجِبُ حَقًّا لِلشَّرْعِ وَهُوَ الرِّقُّ فِي الْعَبْدِ وَالْحَدُّ فِي الْبَاقِي (أَوْ) أَنَّهُمْ (شُرَكَاءُ الْمُدَّعِي) شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ وَالْمُدَّعِي مَالًا لِوُجُودِ التُّهْمَةِ كَمَا إذَا شَهِدَ وَلَدُ الْمُدَّعِي، أَوْ وَالِدُهُ (أَوْ أَنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعِيَ (اسْتَأْجَرَهُمْ لَهَا) ، أَوْ لِلشَّهَادَةِ (بِكَذَا وَأَعْطَاهُمْ ذَلِكَ) أَيْ الْأَجْرَ (مِمَّا عِنْدَهُ) أَيْ مِنْ الشَّيْءِ الَّذِي عِنْدَهُ فَيَكُونُ مَا مَوْصُولَةٌ.

وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ مَالِي عِنْدَهُ أَيْ مِنْ مَالِي الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَصْمٌ فِي ذَلِكَ فَثَبَتَ الْجَرْحُ بِنَاءً

ص: 204