المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الْمُخْتَلِفَانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ فَلْيُطَالَعْ.   ‌ ‌[كِتَاب - مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر - جـ ٢

[داماد أفندي عبد الرحمن شيخي زاده]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَاب الْبُيُوع]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ وَمَا لَا لَا يَدْخُلُ]

- ‌[بَابُ الْخِيَارَاتِ]

- ‌[خِيَار الشَّرْط]

- ‌[فَصَلِّ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ]

- ‌[بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ]

- ‌[بَيْع الطَّيْر فِي الْهَوَاء]

- ‌[بَيْع الْحَمْل أَوْ النِّتَاج]

- ‌[بَيْع اللَّبَن فِي الضَّرْع]

- ‌[بَيْع اللُّؤْلُؤ فِي الصَّدَف]

- ‌[بَيْع اللَّحْم فِي الشَّاة]

- ‌[بَيْع الْمُزَابَنَة]

- ‌[بَيْع الْمُحَاقَلَة]

- ‌[بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَإِلْقَاءِ الْحَجَرِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي قبض الْمُشْتَرِي الْمَبِيع بَيْعًا بَاطِلًا بِإِذْنِ بَائِعَة]

- ‌[بَيْع النَّجْش]

- ‌[بَاب الْإِقَالَة]

- ‌[بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان الْبَيْع قَبْل قبض الْمَبِيع]

- ‌[بَاب الربا]

- ‌[عِلَّة الربا]

- ‌[بَابُ الْحُقُوقِ وَالِاسْتِحْقَاقِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام الِاسْتِحْقَاق]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ]

- ‌[مَا يَصِحّ فِيهِ السَّلَم]

- ‌[شَرْط جَوَازِ السَّلَم]

- ‌[مَسَائِل شَتَّى فِي الْبَيْع]

- ‌[كِتَاب الصَّرْف]

- ‌[كِتَاب الْكِفَالَة]

- ‌[أَرْكَان الْكِفَالَة]

- ‌[أَنْوَاع الْكِفَالَة]

- ‌[فَصَلِّ دَفْعِ الْأَصِيل الْمَال إلَى كَفِيلِهِ]

- ‌[بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَوَالَةِ]

- ‌[مَا تَصِحّ فِيهِ الْحَوَالَةِ]

- ‌[حُكْم السَّفْتَجَة]

- ‌[كِتَابُ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كِتَابِ الْقَاضِي]

- ‌[فَصَلِّ قَضَاء الْمَرْأَة فِي غَيْر حَدّ وقود]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّحْكِيمِ]

- ‌[مَسَائِلُ شَتَّى مِنْ كِتَاب الْقَضَاء]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ]

- ‌[كِتَابُ الشَّهَادَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ مَا يَتَحَمَّلُهُ الشَّاهِدُ]

- ‌[بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ]

- ‌[بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ]

- ‌[بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ]

- ‌[بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَكَالَةِ]

- ‌[شُرُوط الْوَكَالَة]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام مِنْ يَجُوز لِلْوَكِيلِ أَنْ يَعْقِد مَعَهُ وَمنْ لَا يَجُوز]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ]

- ‌[بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ]

- ‌[كِتَابُ الدَّعْوَى]

- ‌[بَابُ التَّحَالُف فِي الدَّعْوَى]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام دَفْعِ الدَّعَاوَى]

- ‌[بَابُ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّنَازُعِ بِالْأَيْدِي]

- ‌[بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِقْرَارِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ]

- ‌[بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ]

- ‌[كِتَابُ الصُّلْحِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي حُكْم الصُّلْح عَنْ وَعَلَى مجهول]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ وَالتَّخَارِيجِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ]

- ‌[بَابٌ الْمُضَارِب يُضَارِب مَعَ آخِر]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ]

- ‌[كِتَاب الْوَدِيعَة]

- ‌[كِتَاب الْعَارِيَّةِ]

- ‌[كِتَاب الْهِبَة]

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْهِبَة]

- ‌[أَرْكَان الْهِبَة]

- ‌[بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَة]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَة فِي الْهِبَة]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا لَا يَجُوزُ]

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌[فَصَلِّ أَحْكَام الْأَجِير وَأَنْوَاعه]

- ‌[بَاب فَسْخ الْإِجَارَة]

- ‌[مَسَائِل مَنْثُورَة فِي الْإِجَارَة]

- ‌[كِتَابُ الْمُكَاتَبِ]

- ‌[بَابُ تَصَرُّفِ الْمُكَاتَبِ]

- ‌[فَصَلِّ إذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَة مِنْ مَوْلَاهَا]

- ‌[بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ]

- ‌[بَابُ الْعَجْزِ وَالْمَوْتِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَلَاءِ]

- ‌[فَصَلِّ وَلَاء المولاة]

- ‌[كِتَابُ الْإِكْرَاهِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْبُلُوغِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَأْذُونِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ]

- ‌[كِتَابُ الْغَصْبِ]

- ‌[فَصَلِّ غَيْر الْغَاصِب مَا غَصْبه بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَسَائِلَ تَتَّصِلُ بِمَسَائِلِ الْغَصْبِ]

- ‌[كِتَابُ الشُّفْعَةِ]

- ‌[فَصَلِّ اخْتِلَاف الشَّفِيع وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَن]

- ‌[بَاب مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَة وَمَالًا تجب]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَة]

- ‌[كِتَابُ الْقِسْمَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُهَايَأَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ]

- ‌[كِتَاب الْمُسَاقَاة]

- ‌[مَا تَبْطُلُ بِهِ الْمُسَاقَاة]

- ‌[كِتَابُ الذَّبَائِحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ]

- ‌[كِتَاب الْأُضْحِيَّة]

- ‌[كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَكْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْكَسْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام النَّظَر وَنَحْوه]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام الِاسْتِبْرَاء]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيْع العذرة]

- ‌[الِاحْتِكَار فِي أقوات الْآدَمِيِّينَ]

- ‌[حُكْم التَّسْعِير]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْمُتَفَرِّقَات]

- ‌[كِتَاب إحْيَاء الْمَوَات]

- ‌[فَصَلِّ فِي الشُّرْب]

- ‌[فَصَلِّ فِي كري الْأَنْهَار]

- ‌[كِتَاب الْأَشْرِبَة]

- ‌[كِتَاب الصَّيْد]

- ‌[كِتَاب الرَّهْن]

- ‌[بَاب مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالرَّهْنُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ]

- ‌[بَاب الرَّهْن يُوضَع عِنْد عَدْل]

- ‌[بَاب التَّصَرُّف فِي الرَّهْن وَجِنَايَته وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ]

- ‌[فَصَلِّ مَسَائِل مُتَفَرِّقَة فِي الرَّهْن]

- ‌[كِتَاب الْجِنَايَات]

- ‌[بَاب مَا يُوجِبُ الْقِصَاص وَمَا لَا يُوجِبهُ]

- ‌[بَاب الْقِصَاص فِيمَا دُون النَّفْس]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا يَسْقُط بِهِ الْقِصَاص]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَنْ قطع يَد رَجُل ثُمَّ قتله]

- ‌[بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ وَاعْتِبَارِ حَالِهِ]

- ‌[كِتَابُ الدِّيَاتِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي دِيَة النَّفْس]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَام الشِّجَاجِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي دِيَة الْجَنِين]

- ‌[بَاب مَا يَحْدُثُ فِي الطَّرِيق]

- ‌[فَصْل أَحْكَامِ الْقَتْلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْجَمَادِ]

- ‌[بَاب فِي جِنَايَة الْبَهِيمَة وَالْجِنَايَة عَلَيْهَا]

- ‌[بَاب فِي جِنَايَة الرَّقِيق وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ]

- ‌[فَصَلِّ دِيَة الْعَبْد]

- ‌[فَصَلِّ جِنَايَة المدبر أَوْ أُمّ وَلَد]

- ‌[بَاب غَصْب الْعَبْد وَالصَّبِيّ والمدبر وَالْجِنَايَة فِي ذَلِكَ]

- ‌[بَاب الْقَسَامَة]

- ‌[كِتَاب الْمَعَاقِلِ]

- ‌[كِتَاب الْوَصَايَا]

- ‌[شَرَائِط الْوَصِيَّة]

- ‌[أَرْكَان الْوَصِيَّة]

- ‌[بَابُ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ]

- ‌[بَاب الْعِتْق فِي الْمَرَض]

- ‌[بَاب الْوَصِيَّة لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرهمْ]

- ‌[بَاب الْوَصِيَّة بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَة]

- ‌[بَاب وَصِيَّة الذِّمِّيّ]

- ‌[بَاب الْوَصِيّ]

- ‌[فَصَلِّ شَهِدَ الْوَصِيَّانِ أَنْ الْمَيِّت أَوْصَى إلَى زَيْد مَعَهُمَا]

- ‌[كِتَاب الْخُنْثَى]

- ‌[مَسَائِل شَتَّى]

- ‌[كِتَاب الْفَرَائِض]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْعُصُبَات]

- ‌[فَصَلِّ فِي الحجب]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْعَوْل]

- ‌[فَصَلِّ فِي ذَوِي الْأَرْحَام]

- ‌[فَصَلِّ فِي مِيرَاث الْغَرْقَى والهدمى]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْمُنَاسَخَة]

- ‌[حِسَاب الْفَرَائِض]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا يَعْرِف بِهِ تداخل الْعَدَدَيْنِ]

- ‌[خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: الْمُخْتَلِفَانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ فَلْيُطَالَعْ.   ‌ ‌[كِتَاب

الْمُخْتَلِفَانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ فَلْيُطَالَعْ.

[كِتَاب الرَّهْن]

وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ كِتَابِ الرَّهْنِ وَكِتَابِ الصَّيْدِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبٌ لِتَحْصِيلِ الْمَالِ وَمِنْ مَحَاسِنِهِ حُصُولُ النَّظَرِ لِجَانِبِ الدَّائِنِ وَالْمَدْيُونِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وَبِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا وَرَهَنَهُ بِهَا دِرْعَهُ» وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَقْدُ وَثِيقَةٍ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ فَيُعْتَبَرُ بِالْوَثِيقَةِ فِي طَرَفِ الْوُجُوبِ وَهِيَ الْكَفَالَةُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (هُوَ) أَيْ الرَّهْنُ لُغَةً الْحَبْسُ مُطْلَقًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] أَيْ مَحْبُوسَةٌ بِجَزَاءِ عَمَلِهَا وَيُقَالُ قَلْبُ الْمُحِبِّ رَهْنٌ عِنْدَ حَبِيبِهِ وَقِيلَ هُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا أَيِّ شَيْءٍ كَانَ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ وَقَدْ يُطْلَقُ الرَّهْنُ عَلَى الْمَرْهُونِ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ وَحِينَئِذٍ يُجْمَعُ عَلَى رِهَانٍ وَرُهُونٍ وَرُهُنٍ وَشَرْعًا (حَبْسُ شَيْءٍ بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ) أَيْ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ (كَالدَّيْنِ) أَيْ مِثْلُ مَا وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى إذَا ارْتَهَنَ بِمَا لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ كَانَ الرَّهْنُ بَاطِلًا كَالرَّهْنِ بِالْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ وَالْمُرَادُ بِالشَّيْءِ هُنَا الْمَالُ وَلِذَا قَالَ الْبَعْضُ هُوَ حَبْسُ الْمَالِ بِحَقٍّ كَمَا قِيلَ هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ بِالدَّيْنِ فَصَارَ ذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ الْعُمُومِ إلَى الْخُصُوصِ وَيُرَادُ بِالْحَقِّ هُنَا مَا يَعُمُّ الدَّيْنَ الْوَاجِبَ حَقِيقَةً وَهُوَ الظَّاهِرُ كَالدُّيُونِ فِي الذِّمَّةِ أَوْ حُكْمًا كَالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا مِثْلِ الْمَغْصُوبِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِي هَذِهِ الْأَعْيَانِ الْمِثْلُ وَالْقِيمَةُ وَمَالُهُمَا إلَى الدَّيْنِ وَلِهَذَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ وَالْإِبْرَاءُ عَنْ قِيمَتِهِ هَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا عِبَارَةُ الضَّمَانِ فَرَدُّ الْعَيْنِ وُجُودُهَا خَلَاصٌ عَنْ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ الْغَيْرِ الْمَضْمُونَةِ كَالْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ وَبِخِلَافِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَفِي الْإِصْلَاحِ.

وَفِي الشَّرِيعَةِ جَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ لَا حَبْسُ الشَّيْءِ بِحَقٍّ لِأَنَّ الْحَابِسَ هُوَ الْمُرْتَهِنُ لَا الرَّاهِنُ بِخِلَافِ الْجَاعِلِ إيَّاهُ مَحْبُوسًا انْتَهَى وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ لَا يُرَدُّ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّازِمَ فِي الرَّهْنِ الشَّرْعِيِّ كَوْنُهُ مَقْبُولًا وَمَحْبُوسًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْعَدْلِ إذْ مُجَرَّدُ جَعْلِ الرَّاهِنِ الشَّيْءَ مَحْبُوسًا لَا يُفِيدُ بِدُونِ مُطَاوَعَةِ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ آخِذٌ الْحَقَّ مِنْهُ تَدَبَّرْ (وَيَنْعَقِدُ) الرَّهْنُ (بِإِيجَابٍ) مِنْ الرَّاهِنِ بِأَنْ قَالَ رَهَنْتُكَ هَذَا الْمَالَ بِدَيْنٍ لَكَ عَلَيَّ (وَقَبُولٍ) مِنْ الْمُرْتَهِنِ كَمَا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ الْعَقْدِ غَيْرَ لَازِمٍ لُزُومًا شَرْعِيًّا (وَيَتِمُّ بِالْقَبْضِ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَبُولِ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ شَرْطٌ وَالظَّاهِرُ مَا ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ رُكْنٌ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْإِيجَابُ رُكْنٌ وَالْقَبُولُ شَرْطٌ أَمَّا الْقَبْضُ فَشَرْطُ اللُّزُومِ.

وَفِي

ص: 584

الذَّخِيرَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا فَقَدْ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ الْجَوَازِ.

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّهُ شَرْطُ اللُّزُومِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.

وَفِي الْكَنْزِ وَلَزِمَ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَيَتِمُّ بِقَبْضِهِ انْتَهَى وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ.

وَفِي التَّبْيِينِ وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ الرَّهْنَ لَا يَلْزَمُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَلَكِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِمَا فَيَلْزَمُ بِهِ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِاللُّزُومِ هُوَ الِانْعِقَادُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَيَتِمُّ بِقَبْضِهِ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْهُ لَمَا قَالَ إنَّهُ يَتِمُّ بِهِ إذْ اللَّازِمُ لَا يَحْتَاجُ فِي تَمَامِهِ إلَى شَيْءٍ آخَرَ تَدَبَّرْ (مَحُوزًا) أَيْ يَتِمُّ بِالْقَبْضِ حَالَ كَوْنِهِ مَجْمُوعًا احْتِرَازٌ عَنْ رَهْنِ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ وَرَهْنِ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَمْ يَحُزْهُ أَيْ لَمْ يَجْمَعْهُ وَلَمْ يَضْبِطْهُ حَالَ كَوْنِهِ (مُفْرَغًا) عَنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ عَكْسِهِ وَهُوَ رَهْنُ الشَّجَرِ دُونَ الثَّمَرِ وَرَهْنُ الْأَرْضِ دُونَ الزَّرْعِ وَرَهْنُ دَارٍ فِيهَا مَتَاعُ الرَّاهِنِ حَالَ كَوْنِهِ (مُمَيَّزًا) عَنْ اتِّصَالِهِ بِغَيْرِهِ اتِّصَالَ خِلْقَةٍ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ رَهْنِ الْمَشَاعِ كَرَهْنِ نِصْفِ الْعَبْدِ أَوْ الدَّارِ وَفِي الدُّرَرِ وَهَذِهِ الْمَعَانِي هِيَ الْمُنَاسِبَةُ لِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَا مَا قِيلَ إنَّ الْأَوَّلَ احْتِرَازٌ عَنْ رَهْنِ الْمَشَاعِ وَالثَّانِيَ عَنْ الْمَشْغُولِ وَالثَّالِثَ عَنْ رَهْنِ ثَمَرٍ عَلَى الشَّجَرِ دُونَ الشَّجَرِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ النَّظَرِ تَدَبَّرْ.

(وَالتَّخْلِيَةُ) هِيَ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ (فِيهِ) أَيْ فِي الرَّهْنِ (وَفِي الْبَيْعِ قَبْضٌ) أَيْ فِي حُكْمِ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ حَتَّى إذَا وُجِدَتْ مِنْ الرَّاهِنِ بِحَضْرَةِ الْمُرْتَهِنِ وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَضَاعَ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ كَمَا أَنَّ التَّخْلِيَةَ فِي الْبَيْعِ قَبْضٌ كَذَلِكَ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يَقْدِرُ عَلَى التَّخْلِيَةِ دُونَ الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ لِكَوْنِهِ فِعْلَ الْغَيْرِ فَلَا يُكَلَّفُ بِهِ وَلِذَا قِيلَ التَّخْلِيَةُ تَسْلِيمٌ إلَّا أَنَّ ذِكْرَ الْقَبْضِ هُنَا أَبْلَغُ وَأَنْسَبُ مِنْ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ الْقَبْضَ كَانَ مَنْصُوصًا فِيهِ فَصَارَ مَخْصُوصًا بِهِ كَمَا فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَبْضَ لَا يَثْبُتُ بِهَا فِي الْمَنْقُولِ إلَّا بِالنَّقْلِ كَمَا فِي الْغَصْبِ لِأَنَّ الْقَبْضَ هُوَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ قِيلَ الْقِيَاسُ عَلَى الْبَيْعِ الْمَشْرُوعِ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْغَصْبِ الْمَمْنُوعِ.

وَفِي الْمِنَحِ فَإِنْ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ لَا تَكْفِي التَّخْلِيَةُ فِي قَبْضِ الرَّهْنِ إذَا الْقَبْضُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمَشَايِخُ عَلَى شَرْطِيَّةِ الْقَبْضِ فِي الرَّهْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] فَإِنَّهُ أَمْرٌ بِالرَّهْنِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ مَتَى قُرِنَ بِالْفَاءِ فِي مَحَلِّ الْجَزَاءِ يُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ كَمَا وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَنْصُوصَ يُرَاعَى وُجُودُهُ عَلَى أَكْمَلِ الْجِهَاتِ قُلْتُ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَنْصُوصَ إنَّمَا يُرَاعَى وُجُودُهُ عَلَى أَكْمَلِ الْجِهَاتِ إذَا نُصَّ عَلَيْهِ بِالِاسْتِقْلَالِ وَأَمَّا إذَا ذُكِرَ تَبَعًا لِلْمَنْصُوصِ فَلَا يَجِبُ أَنْ يُرَاعَى وُجُودُهُ كَمَا ذُكِرَ فَإِنَّ التَّرَاضِيَ فِي الْبَيْعِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} [النساء: 29] فَلَوْ صَحَّ مَا قَالَ الْمُعْتَرِضُ لَبَطَلَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ وَلَمْ يَفْسُدْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ

ص: 585

انْتَهَى لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ هَذِهِ الْمُلَازَمَةَ بَلْ الْمُلَازِمُ مِنْ صِحَّةِ مَا قَالَ الْمُعْتَرِضُ هُوَ ثُبُوتُ صِحَّةِ الْبَيْعِ بِالرِّضَى فِي الْجُمْلَةِ عَلَى قِيَاسِ التَّخْلِيَةِ فِي الرَّهْنِ فَإِنَّهَا قَبْضٌ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ تَدَبَّرْ.

(وَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الرَّهْنِ (قَبْلَ الْقَبْضِ) لِكَوْنِهِ غَيْرَ تَامٍّ وَغَيْرَ لَازِمٍ قَبْلَ الْقَبْضِ (فَإِذَا قُبِضَ لَزِمَ) الرَّهْنُ لِمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا فَلَا رُجُوعَ بَعْدَهُ (وَهُوَ) أَيْ الرَّهْنُ (مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ) أَيْ الرَّهْنِ (وَمِنْ الدَّيْنِ) إذَا هَلَكَ وَالْأَقَلُّ اسْمُ تَفْضِيلٍ اُسْتُعْمِلَ بِاللَّامِ وَكَلِمَةُ مِنْ لَيْسَتْ تَفْضِيلِيَّةً بَلْ بَيَانِيَّةً وَالْمَعْنَى بِالْأَقَلِّ الَّذِي هُوَ مِنْ هَذَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَيُّهُمَا كَانَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الرَّهْنُ كُلُّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ لَهُ غُنْمُهُ» أَيْ لِلرَّاهِنِ الزَّوَائِدُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ أَيْ لَوْ هَلَكَ كَانَ الْهَلَاكُ عَلَى الرَّاهِنِ قَالَ مَعْنَاهُ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ وَلَنَا «قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام لِلْمُرْتَهِنِ بَعْدَمَا نَفَقَ فَرَسُ الرَّهْنِ عِنْدَهُ ذَهَبَ حَقُّكَ» وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «إذَا عَمَى الرَّهْنُ فَهُوَ بِمَا فِيهِ» مَعْنَاهُ عَلَى مَا قَالُوا إذَا اشْتَبَهَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ بَعْدَمَا هَلَكَ الرَّهْنُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي كَيْفِيَّتِهِ وَالْقَوْلُ بِالْأَمَانَةِ خَرْقٌ لَهُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ» عَلَى مَا قَالُوا الِاحْتِبَاسُ الْكُلِّيُّ بِأَنْ يَصِيرَ مَمْلُوكًا كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ عَنْ السَّلَفِ وَعَنْ النَّخَعِيِّ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ رَهْنًا وَأَخَذَ دِرْهَمًا فَقَالَ إنْ جِئْتُكَ بِحَقِّكَ إلَى كَذَا وَكَذَا وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَكَ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ فَجَعَلَهُ جَوَابًا لِلْمَسْأَلَةِ وَتَحْقِيقُهُ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا تَتَبَّعْ.

(فَلَوْ هَلَكَ) كُلُّ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ (وَهُمَا) أَيْ الرَّهْنُ وَالدَّيْنُ (سَوَاءٌ) أَيْ مُتَسَاوِيَانِ فِي الْمِقْدَارِ (صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ) حُكْمًا فَلَا يَطْلُبُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ وَلَا الرَّاهِنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ شَيْئًا.

(وَإِنْ) كَانَتْ (قِيمَتُهُ) أَيْ الرَّهْنِ (أَكْثَرَ) مِنْ الدَّيْنِ (فَالزَّائِدُ أَمَانَةٌ) فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ الْمُرْتَهِنُ أَمِينٌ فِي الْفَضْلِ وَلِأَنَّ الْمَضْمُونَ يَقَعُ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ وَذَلِكَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَلَا يَدْخُلُ الْفَضْلُ فِي ضَمَانِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ إذْ عِنْدَهُ مَضْمُونٌ بِقِيمَةِ الْهَلَاكِ لَا بِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا فَيَدْخُلُ الْفَضْلُ فِي ضَمَانِهِ بِالْهَلَاكِ لِأَنَّ الْفَضْلَ عَنْ الدَّيْنِ مَرْهُونٌ لِكَوْنِهِ مَحْبُوسًا بِهِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا.

(وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ) مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ (سَقَطَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ (قَدْرُ الْقِيمَةِ) أَيْ قِيمَةِ الرَّهْنِ (وَطُولِبَ الرَّاهِنُ بِالْبَاقِي) مِنْ الدَّيْنِ مَثَلًا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَالرَّهْنُ أَيْضًا يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ فَهَلَكَ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ حُكْمًا وَلَا يَبْقَى لَهُ مُطَالَبَةٌ عَلَى الرَّاهِنِ فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ يُسَاوِي مِائَةً وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا مَثَلًا فَالْخَمْسُونَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ فَلَا يَضْمَنُهَا إلَّا بِالتَّعَدِّي وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ يُسَاوِي تِسْعِينَ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ

ص: 586

مُسْتَوْفِيًا مِنْ دَيْنِهِ تِسْعِينَ دِرْهَمًا وَيَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ.

(وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ) أَيْ قِيمَةُ الرَّهْنِ (يَوْمَ قَبْضِهِ) .

وَفِي الْمِنَحِ نَقْلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ وَحُكْمُ الرَّهْنِ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْعَدْلِ يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَإِلَى الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ سَقَطَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ.

وَفِي التَّبْيِينِ إنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ يُخَالِفُ ضَمَانَ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ وَالْوَاجِبُ هُنَا فِي الْمُسْتَهْلَكِ قِيمَتُهُ يَوْمَ هَلَكَ بِاسْتِهْلَاكِهِ ثُمَّ بَحَثَ وَقَالَ وَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إلَى خَمْسِمِائَةٍ وَقَدْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا وَجَبَ بِالِاسْتِهْلَاكِ خَمْسُمِائَةٍ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ لِأَنَّ مَا انْتَقَصَ كَالْهَالِكِ وَسَقَطَ الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ لَا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ انْتَهَى إذَا تَقَرَّرَ هَذَا ظَهَرَ لَكَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ مِنْ قَوْلِهِ الْمُعْتَبَرُ قِيمَةُ الرَّهْنِ يَوْمَ الْهَلَاكِ لِقَوْلِهِمْ إنَّ يَدَهُ أَمَانَةٌ فِيهِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْمَنْقُولِ انْتَهَى.

وَفِي التَّنْوِيرِ الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمِقْدَارَ أَيْ مِقْدَارَ مَا يُرِيدُ أَخْذَهُ مِنْ الدَّيْنِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ مِنْ الدَّيْنِ فِي الْأَصَحِّ.

(وَيَهْلَكُ) الرَّهْنُ (عَلَى مِلْكِ)(الرَّاهِنِ فَكَفَنُهُ) أَيْ كَفَنُ الْعَبْدِ الرَّهْنِ أَوْ الْأَمَةِ الْمَرْهُونَةِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ حَقِيقَةً وَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى إذَا اشْتَرَاهُ لَا يَنُوبُ قَبْضُ الرَّهْنِ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ قَبْضُ أَمَانَةٍ فَلَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الضَّمَانِ وَإِذَا كَانَ مِلْكُهُ فَمَاتَ كَانَ عَلَيْهِ كَفَنُهُ.

(وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ بِدَيْنِهِ) لِأَنَّ هَلَاكَ الرَّهْنِ لَا يُسْقِطُ طَلَبَ الدَّيْنِ (وَيَحْبِسُهُ بِهِ) أَيْ يَحْبِسُ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ بِدَيْنِهِ.

(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (كَانَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ) لِأَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ بَعْدَ الرَّهْنِ وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الظُّلْمِ فَإِذَا ظَهَرَ مَطْلُهُ عِنْدَ الْقَاضِي يَحْبِسُهُ دَفْعًا لِلظُّلْمِ وَهُوَ الْمُمَاطَلَةُ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ (أَنْ يَحْبِسَ الرَّهْنَ بَعْدَ فَسْخِ عَقْدِهِ) أَيْ عَقْدِ الرَّهْنِ (حَتَّى يَقْبِضَ دَيْنَهُ إلَّا) وَقْتَ (أَنْ يُبَرِّئَهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ عَنْ الدَّيْنِ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الْفَسْخِ بَلْ يَرُدُّهُ عَلَى الرَّاهِنِ بِطَرِيقِ الْفَسْخِ فَإِنَّهُ يَبْقَى مَا بَقِيَ الْقَبْضُ وَالدَّيْنُ.

(وَلَيْسَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ (إنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ (أَنْ يُمَكِّنَ الرَّاهِنَ مِنْ بَيْعِهِ) أَيْ مِنْ بَيْعِ الرَّهْنِ (لِلْإِيفَاءِ) يَعْنِي لَوْ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ لِيَقْضِيَ الدَّيْنَ بِثَمَنِهِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ الْبَيْعِ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ الْحَبْسُ الدَّائِمُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْقَضَاءُ مِنْ ثَمَنِهِ.

(وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ الِانْتِفَاعُ بِالرَّهْنِ) بِاسْتِخْدَامٍ وَلَا بِسُكْنَى وَلَا بِلِبْسٍ إلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ الْحَبْسُ إلَى أَنْ يُسْتَوْفَى دَيْنَهُ دُونَ الِانْتِفَاعِ (وَلَا إجَارَتُهُ وَلَا إعَارَتُهُ) أَيْ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ الِانْتِفَاعُ بِإِجَارَةِ أَوْ بِإِعَارَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ مَالِكًا لِتَسْلِيطِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِ

ص: 587

الرَّاهِنِ.

وَفِي الْمِنَحِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ السَّمَرْقَنْدِيِّ وَكَانَ مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ سَمَرْقَنْدَ أَنَّ مَنْ ارْتَهَنَ شَيْئًا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ مِنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَإِنْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الرِّبَا لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي دَيْنَهُ كَامِلًا فَتَبْقَى لَهُ الْمَنْفَعَةُ الَّتِي اسْتَوْفَى فَضْلًا فَيَكُونُ رِبًا وَهَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ كَذَا رَأَيْتُ مَنْقُولًا بِهَذَا اللَّفْظِ وَعَزَاهُ إلَى الْجَامِعِ لِمَجْدِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ قُلْتُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ رَهَنَ شَاةً وَأَبَاحَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَشْرَبَ لَبَنَهَا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَشْرَبَ وَيَأْكُلَ وَلَا يَكُونُ ضَامِنًا.

وَفِي الْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ أَبَاحَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ أَكْلَ الثِّمَارِ فَأَكَلَهَا لَمْ يَضْمَنْ ثُمَّ قَالَ يُكْرَهُ لِلْمُرْتَهِنِ الِانْتِفَاعُ بِالرَّهْنِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي السُّكْنَى فَلَا رُجُوعَ بِالْأُجْرَةِ انْتَهَى فَلْيُحْمَلْ مَا تَقَدَّمَ عَلَى الدِّيَانَةِ وَمَا فِي سَائِرِ الْمُعْتَبَرَاتِ عَلَى الْحُكْمِ (وَيَصِيرُ بِذَلِكَ) أَيْ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ بِالِانْتِفَاعِ قَبْلَ الْإِذْنِ (مُتَعَدِّيًا) إذْ هُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ (وَلَا يَبْطُلُ بِهِ) أَيْ بِالتَّعَدِّي (الرَّهْنُ) لِبَقَاءِ الْعَقْدِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ.

(وَإِذَا طَلَبَ) الْمُرْتَهِنُ (دَيْنَهُ أُمِرَ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ) أَوَّلًا إنْ لَمْ يَكُنْ لِلرَّهْنِ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ بِقَرِينَةِ الْآتِي لِيَعْلَمَ أَنَّهُ بَاقٍ وَلِأَنَّ قَبْضَهُ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ فَلَا وَجْهَ لِقَبْضِ مَالِهِ مَعَ قِيَامِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّ هَلَاكَهُ يُحْتَمَلُ فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ تَكَرَّرَ الِاسْتِيفَاءُ (فَإِذَا أَحْضَرَهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ (أُمِرَ الرَّاهِنُ بِتَسْلِيمِ كُلِّ دَيْنِهِ أَوَّلًا) لِتَعْيِينِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ كَمَا يُعَيِّنُ حَقَّ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ الْحَاضِرِ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا (ثُمَّ أُمِرَ الْمُرْتَهِنُ بِتَسْلِيمِ الرَّهْنِ) كَمَا أُمِرَ الْبَائِعُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ.

(وَكَذَا) أَيْ وَكَذَا الْحُكْمُ فِيهِ مِثْلُ الْحُكْمِ فِيمَا تَقَدَّمَ.

(لَوْ طَالَبَهُ) الْمُرْتَهِنُ (بِالدَّيْنِ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْعَقْدِ) أَيْ عَقْدِ الرَّهْنِ (وَلَمْ يَكُنْ لِلرَّهْنِ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ) فَإِنَّ الْأَمَاكِنَ فِي حَقِّ التَّسْلِيمِ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ فِيمَا لَيْسَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ (فَإِنْ كَانَ لَهُ) أَيْ لِلرَّهْنِ (حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَلَهُ) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ (أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ بِلَا) تَكْلِيفِ (إحْضَارِ الرَّهْنِ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِمَعْنَى التَّخْلِيَةِ لَا النَّقْلِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان وَلِلرَّاهِنِ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُرْتَهِنَ بِاَللَّهِ مَا هَلَكَ.

(وَكَذَا) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ مِنْ الرَّاهِنِ (إنْ كَانَ الرَّهْنُ وُضِعَ عِنْدَ عَدْلٍ) بِأَمْرِ الرَّاهِنِ (وَلَا يُكَلَّفُ بِإِحْضَارِهِ) لِكَوْنِهِ فِي يَدِ الْغَيْرِ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ (وَلَا) يُكَلَّفُ أَيْضًا الْمُرْتَهِنُ (بِإِحْضَارِ ثَمَنِ رَهْنٍ بَاعَهُ) أَيْ الرَّهْنَ (الْمُرْتَهِنُ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ حَتَّى يَقْبِضَهُ) أَيْ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا بِالْبَيْعِ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ فَصَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ رَهَنَهُ وَهُوَ دَيْنٌ وَلَوْ قَبَضَهُ يُكَلَّفُ بِإِحْضَارِهِ لِقِيَامِ الْبَدَلِ (وَلَا) يُكَلَّفُ أَيْضًا (إنْ قَضَى بَعْضَ حَقِّهِ بِتَسْلِيمِ حِصَّتِهِ حَتَّى يَقْبِضَ الْبَاقِيَ) مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ كُلَّ الرَّهْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَقِيَّةَ كَمَا فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ.

(وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْفَظَ الرَّهْنَ بِنَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ) وَأَجِيرِهِ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً لِأَنَّ

ص: 588

الْعِبْرَةَ بِالْمُسَاكَنَةِ لَا بِالنَّفَقَةِ حَتَّى إنَّ الزَّوْجَةَ لَوْ دَفَعَتْ الرَّهْنَ إلَى الزَّوْجِ لَا يَضْمَنُ إنْ هَلَكَ مَعَ أَنَّ الزَّوْجَ لَيْسَ فِي نَفَقَتِهَا (فَإِنْ حَفِظَهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ (بِغَيْرِهِمْ) أَيْ بِغَيْرِ الْمَذْكُورِينَ (أَوْ أَوْدَعَهُ) الْمُرْتَهِنُ عِنْدَ آخَرَ (فَهَلَكَ ضَمِنَ) الْمُرْتَهِنُ (كُلَّ قِيمَتِهِ) لِأَنَّ الْمَالِكَ مَا أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَيَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ كَالْمَغْصُوبِ لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا وَهَلْ يَضْمَنُ الْمُودِعُ الثَّانِيَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي مُودِعِ الْمُودَعَ ثُمَّ إنْ قَضَى بِقِيمَةِ الرَّهْنِ فِيمَا إذَا تَعَدَّى الْمُرْتَهِنُ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ يَتَقَاصَّا بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَيُطَالِبُ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ بِالْفَضْلِ إنْ كَانَ هُنَاكَ فَضْلٌ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا يَضْمَنُ قِيمَةَ الرَّهْنِ وَتَكُونُ الْقِيمَةُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ بِدَيْنِهِ وَإِنْ قَضَى بِالْقِيمَةِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ كَانَ الضَّمَانُ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّهْنِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ.

(وَكَذَا) يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ (إنْ تَعَدَّى فِيهِ) أَيْ فِي الرَّهْنِ صَرِيحًا كَمَا فِي الْغَصْبِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ وَالْأَمَانَاتُ تُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ.

(أَوْ جَعَلَ الْخَاتَمَ) الرَّهْنَ (فِي خِنْصَرِهِ) فَهَلَكَ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ (فَإِنْ جَعَلَهُ) أَيْ الْخَاتَمَ وَالظَّاهِرُ بِالْوَاوِ لَا بِالْفَاءِ (فِي أُصْبُعٍ غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الْخِنْصَرِ (فَلَا) يَضْمَنُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ حِفْظًا فَظُهُورُ التَّعَدِّي فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَادَةِ وَلَوْ رَهَنَهُ خَاتَمَيْنِ فَلَبِسَ خَاتَمًا فَوْقَ خَاتَمٍ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَجَمَّلُ بِلِبْسِ خَاتَمَيْنِ ضَمِنَ وَإِلَّا كَانَ حَافِظًا فَلَا يَضْمَنُ وَكَذَا يَضْمَنُ بِتَقَلُّدِ سَيْفَيْ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ أَيْضًا اسْتِعْمَالٌ لَا الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ حِفْظٌ فَإِنَّ الشُّجْعَانَ يَتَقَلَّدُونَ فِي الْعَادَةِ بِسَيْفَيْنِ لَا الثَّلَاثَةِ.

(وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ (مُؤْنَةُ حِفْظِهِ) أَيْ الرَّهْنِ أَيْ مَا يَحْتَاجُ فِي حِفْظِ نَفْسِ الرَّهْنِ.

(وَ) مُؤْنَةُ (رَدِّهِ) أَيْ رَدِّ الرَّهْنِ (إلَى يَدِهِ) أَيْ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ إنْ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ كَجُعْلِ الْآبِقِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ مِثْلَ الدَّيْنِ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْهُ فَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ أَيْضًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَلِذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ (أَوْ) كَذَا مُؤْنَةُ (رَدِّ جُزْئِهِ) إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِأَنْ تَبْيَضَّ عَيْنُ الرَّهْنِ أَوْ يَحْدُثَ بِهِ مَرَضٌ آخَرُ فَمُدَاوَاتُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ حَقٌّ لَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَتَكُونُ الْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ (كَأُجْرَةِ بَيْتِ حِفْظِهِ وَ) أُجْرَةِ (حَافِظِهِ) .

وَفِي الْهِدَايَةِ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ كِرَاءَ الْمَأْوَى عَلَى الرَّاهِنِ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ سَعَى فِي تَبْقِيَتِهِ وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ جَعْلُ الْآبِقِ فَإِنَّهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى إعَادَةِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ الَّتِي كَانَتْ لَهُ لَيَرُدَّهُ وَكَانَتْ مِنْ مُؤْنَةِ الرَّدِّ فَيَلْزَمُهُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ وَالدَّيْنِ سَوَاءٌ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ وَعَلَى الرَّاهِنِ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَالرَّدُّ لِإِعَادَةِ الْيَدِ وَيَدُهُ فِي الزِّيَادَةِ يَدُ الْمَالِكِ إذْ هُوَ كَالْمُودِعِ فِيهَا فَلِهَذَا يَكُونُ عَلَى الْمَالِكِ وَهَذَا بِخِلَافِ أُجْرَةِ الْبَيْتِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّ كُلَّهَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ

ص: 589

وَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ فَضْلٌ لِأَنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ أَيْ أُجْرَةَ الْبَيْتِ بِسَبَبِ الْحَبْسِ وَحَقُّ الْحَبْسِ فِي الْكُلِّ ثَابِتٌ لَهُ وَأَمَّا الْجُعْلُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ لِأَجْلِ الضَّمَانِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ وَعَنْ هَذَا قَالَ.

(أَمَّا جُعْلُ الْآبِقِ وَالْمُدَاوَاةِ) أَيْ مُدَاوَاةُ الْقُرُوحِ وَمُعَالَجَةُ الْأَمْرَاضِ (وَالْفِدَاءُ مِنْ الْجِنَايَةِ فَمُنْقَسِمٌ عَلَى الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةِ) يَعْنِي مَا كَانَ مِنْ حِصَّةِ الْمَضْمُونِ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ وَمَا كَانَ مِنْ حِصَّةِ الْأَمَانَةِ فَعَلَى الرَّاهِنِ إذَا تَقَرَّرَ عِنْدَكَ مَا نَقَلْنَا مِنْ الْهِدَايَةِ لَا يَخْفَى عَلَيْك مَا فِي الْمَتْنِ مِنْ الِاخْتِلَالِ وَلَوْ قَالَ وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ حِفْظِهِ كَأُجْرَةِ بَيْتِ حِفْظٍ وَحَافِظٍ وَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ فَضْلٌ وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ رَدِّهِ إلَى يَدِهِ أَوْ رَدِّ جُزْئِهِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْهُ أَيْ الدَّيْنِ فَمُنْقَسِمٌ عَلَى الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةِ كَالْفِدَاءِ مِنْ الْجِنَايَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكَانَ أَسْلَمَ تَدَبَّرْ.

(وَمُؤْنَةُ تَبْقِيَتِهِ) أَيْ جَعْلُ الرَّهْنِ بَاقِيًا (وَ) مُؤْنَةُ (إصْلَاحِهِ) أَيْ إصْلَاحِ مَنْفَعَتِهِ (عَلَى الرَّاهِنِ كَالنَّفَقَةِ) مِنْ مَأْكَلِهِ وَمَشْرَبِهِ (وَالْكِسْوَةُ وَأُجْرَةُ الرَّاعِي وَأُجْرَةُ ظِئْرِ وَلَدِ الرَّهْنِ) هَذِهِ أَمْثِلَةُ مُؤْنَةِ التَّبْقِيَةِ (وَسَقْيُ الْبُسْتَانِ وَتَلْقِيحُ نَخْلِهِ) أَيْ نَخْلِ الْبُسْتَانِ (وَجِذَاذُهُ) أَيْ التَّمْرِ مِنْ النَّخْلِ (وَالْقِيَامُ بِمَصَالِحِهِ) كَإِصْلَاحِ جِدَارِهِ وَقَلْعِ الْحَشِيشِ الْمُضِرِّ وَغَيْرِهِمَا عَنْهُ هَذِهِ أَمْثِلَةُ الْمُؤْنَةِ لِإِصْلَاحِ مَنَافِعِهِ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ الرَّهْنِ بِنَفْسِهِ وَتَبْقِيَتُهُ فَهُوَ عَلَى الرَّاهِنِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ أَوْ لَا لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ وَكَذَا مَنَافِعُهُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ أَصْلًا وَتَبْقِيَتُهُ عَلَيْهِ لِمَا أَنَّهُ مُؤْنَةٌ مَلَكَهُ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ.

(وَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا) أَيْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (مِمَّا وَجَبَ عَلَى صَاحِبِهِ بِلَا أَمْرٍ) أَيْ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي (فَهُوَ تَبَرُّعٌ) فِيمَا أَدَّاهُ كَمَا إذَا قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ.

(وَ) مَا أَدَّاهُ مِمَّا وَجَبَ عَلَى صَاحِبِهِ (بِأَمْرِ الْقَاضِي يَرْجِعُ) الْمُؤَدِّي (بِهِ) أَيْ بِمَا أَدَّاهُ وَقَيَّدَ صَاحِبُ الْمِنَحِ فِي مَتْنِهِ بِقَوْلِهِ وَيَجْعَلُهُ دَيْنًا عَلَى الْآخَرِ وَقَالَ وَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَبِمُجَرَّدِ أَمْرِ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِجَعْلِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ وَفِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ (وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا لَا يَرْجِعُ بِهِ إذَا أَدَّاهُ بِلَا أَمْرِ صَاحِبِهِ (إنْ كَانَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا) وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْجِعَ الْآمِرُ إلَى الْقَاضِي فَيَأْمُرَ صَاحِبَهُ بِذَلِكَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَرْجِعُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلِي الْحَاضِرَ وَلَا يُنَفِّذُ أَمْرَهُ عَلَيْهِ فَلَوْ نَفَّذَ أَمْرَهُ عَلَيْهِ لَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَلَا يَمْلِكُ الْحَجْرَ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَمْلِكُ فَيُنَفِّذُ أَمْرَهُ عَلَيْهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ قَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ لَوْ قَالَ الرَّاهِنُ الرَّهْنُ غَيْرُ هَذَا وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ بَلْ هَذَا هُوَ الَّذِي رَهَنْتَهُ عِنْدِي فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَابِضُ وَالْقَوْلُ لِلْقَابِضِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ رَدَّهُ عَلَى الرَّاهِنِ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ ذَاكَ شَأْنُ الْأَمَانَاتِ الْغَيْرِ

ص: 590