الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السابع في أحكام المستحاضة
تمهيد
المبحث الأول في تعريف الاستحاضة
تعريف الاستحاضة اصطلاحًا
(1)
:
عرفها العيني من الحنفية، فقال:«اسم لما نقص عن أقل الحيض، أو زاد على أكثره»
(2)
.
وهذا التعريف مبني على التسليم في أن الحيض له أقل وأكثر .. وهي مسألة فيها نزاع، سبق وأن حررته في مسائل الكتاب.
وقال في الاختيار لتعليل المختار: «الاستحاضة: الدم الخارج من الفرج دون الرحم»
(3)
.
(1)
الاستحاضة: يقال للمرأة: استحيضت، فهي مستحاضة، وهو استفعال من الحيض،
ويقال حاضت المرأة وتحيضت تحيض حيضًا ومحاضًا ومحيضًا: إذا سال الدم منها في أوقات معلومة، فإذا استمر الدم بالمرأة بعد أيام حيضها المعتاد قيل: استحيضت فهي مستحاضة. انظر اللسان (7/ 142)، المصباح (ص: 85).
(2)
البناية (1/ 614).
(3)
الاختيار لتعليل المختار (1/ 26).
وهذا تعريف: لا أراه وافيًا بالمقصود، ولا مطابقًا لما جاء عن الأطباء فإن الاستحاضة دم عرق، وقد يكون من الفرج، وقد يكون من أدنى الرحم، وقد يكون أعلاه
(1)
،
المهم أن دم الاستحاضة دم مرض وعلة، فمن أين كان مصدره، فهو غير دم الجبلة والطبيعة.
(1)
انظر أحكام المراة الحامل ـ الخطيب (ص: 14).
وقد ذكر الدكتور عبد الله بن عبدالمحسن الطريقي في كتابه أحكام مباشرة النساء، نقلًا من: principles Gynecology Fourth Edition
قال: «الاستحاضة تعني نزول دم من خلال فرج المرأة في وقت غير الحيض المألوف، وذلك من مصادر مختلفة، وهي مايلي:
1 -
وجود أورام بجسم الرحم، مثل ورم ليفي خاصة إذا تكون وانبعج من خلال جدار الرحم، مما يؤدي إلى تقلص الرحم في محاولة جادة منه -بمشيئة الله- إلى إخراج هذا الورم من جوف الرحم. وفي هذه الحالة تحدث استحاضة في غير موعد العادة.
2 -
وجود ورم خبيث بجسم الرحم يؤدي إلى خروج الدم بغير انتظام في أوقات غير أوقات الحيض المألوفة.
ويحدث هذا في الغالب لدى النساء المسنات في عمر الستين فما فوق.
3 -
وجود قرحة بعنق الرحم، وهي توجد لدى كثيرمن النساء خاصة المرضعات والحوامل، أو اللائي يستعملن حبوب منع الحمل لمدة طويلة.
4 -
وجود ورم خبيث في عنق الرحم يؤدي إلى نزول الدم في غير أوقات العادة بدون سبب ظاهر، يصاحبه قيح ورائحة متعفنة، وقد يخرج أثناء الجماع، أو عقبه.
5 -
وجود التهابات أو أورام أو أجسام غريبة في الفرج، وهذا يحدث غالبًا عند النساء المسنات، أو الفتيات قبل البلوغ، ومرات قليلة لدى النساء فيما بين 9 - 55 سنة، لاستعمالهن ما يسمى بالمطهرات لحماية الفرج من الإفرازات اعتقادًا منهن بأن هذه الإفرازات ضارة. والعكس صحيح؛ إذ أن المطهرات تعيق الإفرازات الحمضية عن أداء دورها الطبيعي، وتحدث نزيفًا إلى خارج الفرج.
6 -
وجود التهابات، أو أورام بفتحة الفرج، تحدث نزيفًا لدى المرأة.
7 -
يحدث كثيرًا خروج دم يسير جدًّا من عنق الرحم عند الكشف، أو عند أخذ عينة أو مسحة من عنق الرحم. ومثل هذا لا ضرر منه. اهـ
وهناك سبب آخر، وهو العامل الوراثي، ولذا نجد بنات جحش كلهن أو غالبهن استحيضت، وتكراره في بيت واحد يؤكد أن العامل الوراثي له دور في هذا بإذن الله. والله أعلم».
تعريف المالكية:
عرفها ابن رشد في المقدمات: «ما زاد على دم الحيض والنفاس. وهو دم علة وفساد»
(1)
.
تعريف الشافعية:
قال في مغني المحتاج: «الاستحاضة دم علة يسيل من عرق من أدنى الرحم يقال له العاذل، وسواء خرج إثر حيض أو لا»
(2)
.
سبق أن بينت أن دم الاستحاضة أسبابه كثيرة، فقد يكون المرض من الرحم، وقد يكون المرض من الفرج، وقد يكون من أدنى الرحم أو من أقصاه، فلا يصح التحديد بأنه من أدنى الرحم.
تعريف الحنابلة:
قال في كشاف القناع «سيلان الدم في غير أوقاته، من مرض وفساد من عرق فمه في أدنى الرحم يسمى العاذل»
(3)
.
العلاقة بين المعنى اللغوي والشرعي:
قول ابن رشد فيما تقدم عن دم الاستحاضة: ما زاد على دم الحيض والنفاس فيه نظر؛ لأن العادة قد تزيد كما بيناه في باب الطوارئ على الحيض. لكن المعنى اللغوي واضح أن الاستحاضة ليست مجرد زيادة الدم على العادة. فقد جاء في اللسان: «المستحاضة التي لا يرقأ دم حيضها»
(4)
.
وقوله أيضًا: أن يستمر بالمرأة خروج الدم. فالاستحاضة في الحقيقة هي استمرار الدم على المرأة بحيث لا ينقطع عنها أبدًا، أو يكون انقطاعه عنها مدة يسيرة.
(1)
المقدمات (1/ 124).
(2)
مغني المحتاج (1/ 108).
(3)
كشاف القناع (1/ 196).
(4)
اللسان (7/ 142).
وهذا المعنى اللغوي هو الذي تؤيده الأحاديث الشرعية ومنها حديث عائشة في قصة فاطمة بنت أبي حبيش.
(1963 - 423) فقد رواه البخاري من طريق أبي معاوية، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه،
عن عائشة، قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت:
يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفادع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا إنما ذلك عرق، وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم، ثم صلي. وأخرجه مسلم
(1)
.
الشاهد قولها: إني أستحاض فلا أطهر.
وقول أهل اللسان والفقه يخرج من عرق، جاء مرفوعًا، من حديث عائشة المتقدم، ومن حديثها في قصة استحاضة أم حبيبة وهو في الصحيحين رواه البخاري، ومسلم
(2)
.
(1964 - 424) وأما تسمية أهل اللسان والفقه للعرق بالعاذل، فقد روى أبو عبيد في غريبه
(3)
، أخبرنا حجاج، عن حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار،
عن ابن عباس: أنه سئل عن المستحاضة، فقال: ذلك العاذل يغذو.
[حسن]
(4)
.
قال أبو عبيد: العاذل: اسم العرق الذي يخرج منه دم الاستحاضة
(5)
.
وقوله: يغذو. أي يسيل. ويقال له: عرق عاند.
(1)
صحيح البخاري (228)، ومسلم (62 - 333).
(2)
صحيح البخاري (327)، ومسلم (334).
(3)
غريب الحديث (4/ 234).
(4)
رجاله ثقات إلا عمار بن أبي عمار صدوق ربما أخطأ.
(5)
تهذيب اللغة (2/ 191).
(1965 - 425) فقد روى النسائي، قال: أخبرنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: أن امرأة مستحاضة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل لها: إنه عرق عاند، فأمرت أن تؤخر الظهر وتعجل العصر، وتغتسل لهما غسلًا واحدًا، وتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل لهما غسلًا واحدًا، وتغتسل لصلاة الصبح غسلًا واحدًا
(1)
.
[رجاله ثقات إلا أنه معلول بالإرسال، وسيأتي تخريجه في أحكام الاستحاضة].
(1966 - 426) وأخرج أبو عبيد، قال: أخبرنا أبو النضر، عن شعبة، عن مجاهد،
عن ابن عباس قال: إنه عرق عاند، أو ركضة من الشيطان
(2)
.
قال: وقوله: «عاند» قال أبو عبيد: العرق العاند الذي عَنَد وبغى كالإنسان يعاند عن القصد، فهذا العرق في كثرة ما يخرج من الدم بمنزلته، شبه به لكثرة ما يخرج منه على خلاف عادته.
وعَنَد العرق وعَنُد: سال فلم يكد يرقأ. وأعند أنفه كثر سيلان الدم منه. ودم عاند يسيل جانبًا. اهـ بتصرف
(3)
.
وكونه دم علة وفساد، فمعناه: أنه ليس كدم الحيض، فدم الحيض دم جبلة وطبيعة يرخيه الرحم بعد البلوغ في أوقات معتادة بينما دم الاستحاضة دم عارض لمرض فكون العرق ينفجر وينزف منه الدم ذلك دليل على علة في المرأة.
تعريف الاستحاضة في الطب:
جاء في توصيات الندوة الثالثة للفقه الطبي المنعقدة في الكويت: أن كل دم
(1)
سنن النسائي (213)، انظر تخريجه ح:(2011).
(2)
غريب الحديث (4/ 234 - 235).
(3)
تاج العروس (5/ 129).
مرضي غير سوي استحاضة.
وأسبابها المرضية شتى
(1)
.
هذا ما تيسر في شرح تعريف الاستحاضة.
* * *
(1)
أحكام المرأة الحامل - الخطيب (ص: 14).