الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجنين في بطن أمه فيه خطر مؤكد على حياة الأم
(1)
.
• أدلة القائلين: لا يجوز إسقاط الجنين:
عللوا ذلك: بأنه لا يجوز إحياء نفس بقتل أخرى، حيث لم يرد في الشرع
(2)
.
ولأننا إذا أسقطناه فقد تعمدنا قتل نفس مؤمنة، وإذا تركناه وماتت الأم لم يكن هذا من فعلنا، بل هو من تقدير الله سبحانه وتعالى.
وقد يقدر الأطباء شيئًا، ويجزمون به، ولا يقع، وإذا كان كذلك، فلا يجوز دفع مفسدة متوقعة بارتكاب مفسدة محققة. وقد نسقط الجنين ولا تسلم الأم، فقد تعطب في نفاسها.
قال ابن عابدين في حاشيته: «لو كان الجنين حيًا ويخشى على حياة الأم من بقائه؛ فإنه لا يجوز تقطيعه؛ لأن موت الأم به موهوم، فلا يجوز قتل الآدمي لأمر موهوم»
(3)
.
•
دليل القائلين بجواز إسقاط الجنين إنقاذًا لآمه:
إن هذه المسألة قد تعارض فيها واجب ومحرم، كل واحد منهما على درجة واحدة من الأهمية، بحيث لو أننا قمنا بالواجب، وقعنا في المحرم، ولو اتقينا المحرم أهدرنا
(1)
جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الثانية عشرة المنعقدة بمكة المكرمة: «إذا كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يومًا، لا يجوز إسقاطه، ولو كان التشخيص الطبي يفيد أنه مشوه الخلقة، إلا إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من الأطباء الثقات المختصين أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة الأم فعندئذ يجوز إسقاطه، سواء كان مشوهًا، أو لا، دفعًا لأعظم الضررين» . اهـ
وجاء في قرار هيئة كبار العلماء رقم (140)، تاريخ 20/ 6/1407 هـ:
(2)
البحر الرائق (8/ 233).
(3)
حاشية ابن عابدين (2/ 238).
الواجب، ولا سبيل للقيام بالواجب، وفي نفس الوقت اتقاء المحرم.
وإنما رخصنا الإقدام على إسقاط الجنين دفعًا لأعظم الضررين، وجلبًا لعظمى المصلحتين.
يقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره تعليقًا على آية قتل الخضر للغلام من أجل سلامة والديه: «ومنها القاعدة الكبيرة الجليلة، وهو أنه يدفع الشر الكبير بارتكاب الشر الصغير، ويراعى أكبر المصلحتين، بتفويت أدناهما، فإن قتل الغلام شر، ولكن بقاءه حتى يفتن أبويه عن دينهما أعظم شرًّا منه»
(1)
.
(2)
.
ويقول العز بن عبد السلام: «وإذا تساوت المصالح مع تعذر الجمع تخيرنا في التقديم والتأخير، للتنازع بين المتساويين، ولذلك أمثلة:
أحدهما: إذا رأينا صائلًا يصول على نفسين من المسلمين متساويين، وعجز عن دفعه عنهما، فإنا نتخير.
والمثال الثاني: لو رأينا من يصول على بضعين متساويين، وعجزنا عن الدفع عنهما، فإنا نتخير
(3)
.
(1)
تيسير الكريم الرحمن (5/ 70، 71).
(2)
مفتاح دار السعادة (2/ 403).
(3)
قواعد الأحكام (1/ 88).
فإذا كان لنا شرعًا أن نرتكب أدنى المفسدتين دفعًا لأعظمهما، ونحصل أعظم المصلحتين، بتفويت أدناهما، فإن إنقاذ الأم أعظم مصلحة من إنقاذ الجنين للأسباب التالية:
الأول: الأم هي أصل الجنين، متكون منها، فإنقاذها أولى.
الثاني: أن الأم غالبًا ما يكون لها أطفال، ومن الممكن أن يتعرضوا لمتاعب كثيرة بعد وفاة أمهم، والأسرة كثيرًا ما تتمزق إذا فقدت أحد أعضائها البارزين، فكم من طفل تشرد، وساءت تربيته بسبب فقدانه لأمه، وأهمية الأم في الأسرة عظيمة؛ إذ إنها أصل المجتمع، بخلاف الجنين فلا تعلق به لأحد.
ثالثًا: حياة الأم قطعية، وحياة الجنين محتملة، والظني أو الاحتمالي لا يعارض القطعي المعلوم، فإنقاذ الأم أولى.
رابعًا: الأم أقل خطرًا، وتعرضًا للهلاك من الجنين في مثل هذه الظروف، مما يجعل إنقاذها أكثر نجاحًا من إنقاذ جنينها، لذا تعطى الأولوية في الإنقاذ ففي إحصائية لمستشفى الولادة والاطفال بالرياض في عام 1400 هـ، بلغ عدد الوفيات للنساء سبع وفيات، بينما بلغت وفيات الأطفال 865 حالة
(1)
، كل ذلك يؤكد أهمية إنقاذ الأم دون الجنين عند تساوي الأمر في إنقاذهما
(2)
.
* * *
(1)
صحيفة الرياض عدد 4431 في 26/ 2/1400 صفحة المجتمع.
(2)
نقلت أدلة هذا القول ببعض التصرف من كتاب تنظيم النسل (ص: 228).