الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على وجه الاستحباب، فأوجبناه لم نكن قد أخذنا عنه وتأسينا به، مع أنه صلى الله عليه وسلم فعل في حجته أشياء كثيرة جدًّا لم يوجبها أحد من الفقهاء»
(1)
.
وعلى كل حال لا أرى الاستدلال بمثل هذا الأمر العام المشتمل على أحوال وهيئات، وصفات وأقوال، أحكامها مختلفة، لا أرى أن يستدل على وجوبها بهذا العموم. فقوله صلى الله عليه وسلم:(خذوا عني مناسككم) يدل على كونه مشروعًا، وأنه من أفعال المناسك، أما دلالته على الوجوب فيحتاج إلى دليل خاص، كما أن دلالته على الشرطية أو الركنية يحتاج إلى دليل خاص كذلك. فإذا كان ورود الأمر الخاص فيه نزاع في دلالته على الوجوب كما هو معلوم في أصول الفقه، فما بالك في حديث:(خذوا عني مناسككم) والذي يشمل جميع أفعال المناسك.
الدليل الثاني:
(1854 - 314) ما رواه البخاري رحمه الله من طريق عبد الرحمن بن القاسم، قال: سمعت القاسم يقول:
سمعت عائشة تقول: خرجنا لا نرى إلا الحج، فلما كنا بسرف حضت، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي. قال: ما لك أنفست؟ قلت: نعم. قال: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاقضي ما يقضي الحاج غير ألا تطوفي بالبيت. قالت: وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر. ورواه مسلم
(2)
.
وفي رواية لهما: فافعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري.
وفي رواية لمسلم (حتى تغتسلي).
• وأجيب عن هذا الدليل:
بأن الحائض إنما منعت من الطواف من أجل المكث في المسجد.
(1)
تهذيب السنن (1/ 53).
(2)
صحيح البخاري (294)، ومسلم (119/ 1211).
(1855 - 315) لما رواه مسلم من طريق أيوب، عن محمد،
عن أم عطية قالت: أمرنا تعني النبي صلى الله عليه وسلم أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور وأمر الحيَّض أن يعتزلن مصلى المسلمين. ورواه البخاري
(1)
.
• ورد هذا الجواب:
تعليل النهي بأنه من أجل المكث في المسجد ليس ظاهرًا من الحديث، وصرف للفظ عن ظاهره، وكان من الممكن أن يقول صلى الله عليه وسلم: غير ألا تمكثي في المسجد، ولأن النهي عن المكث أعم من النهي عن الطواف، فلو نهى عن المكث لدخل فيه الطواف، بخلاف العكس، فحين نهى عن الطواف، وهو أخص من المكث لم يدخل المكث فيه، وهو ظاهر.
ولو كان النهي من أجل صيانة المسجد خوفًا من التلوث لم يجعل النهي ممتدًا حتى الاغتسال، كما في رواية مسلم:(حتى تغتسلي)؛ لأن الحائض لا تغتسل إلا وقد انقطع دم الحيض، فلما جعل غاية النهي الاغتسال فلا يكفي حتى ولو طهرت من الدم، ما دام أنها لم تتطهر.
ولو كانت العلة صيانة المسجد لما أذن الشارع للمستحاضة في دخول المسجد والاعتكاف فيه مع خروج الدم، فعلم بهذا أن العلة ليست صيانة المسجد من التلوث.
نعم الحديث لا يصلح دليلًا على اشتراط الطهارة من الحدث الأصغر؛ لأن الحديث في الطهارة من الحيض، وهو من جنس الحدث الأكبر، وبالتالي فالحديث نص على اشتراط الطهارة من الحيض فقط، وليس كل شيء اشترط له رفع الحدث الأكبر يلزم منه رفع الحدث الأصغر، فقراءة القرآن على مذهب الجمهور تجوز للمحدث حدثًا أصغر، ويمنع الجنب من القراءة عندهم، فليس بينهما تلازم.
(1)
مسلم (890)، والبخاري (974).