الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثامن في أحكام النفاس
التمهيد في تعريف النفاس
تعريف النفاس اصطلاحًا
(1)
:
اختلفت تعريفات الفقهاء لاختلافهم في حكم الدم الخارج مع الولادة، أو قبلها متصلًا بها، فمن اعتبره نفاسًا أدخله في الحد، ومن لم يعتبره لم يدخله.
تعريف الحنفية:
قالوا: هو الدم الخارج عقب الولادة
(2)
.
وزاد ابن الهمام في فتح القدير: «من الفرج» . ليخرج ما لو ولدت ولدها من بطنها، فإنها تكون عندهم صاحبة جرح سائل، لا نفساء»
(3)
.
(1)
النفاس لغة «مأخوذ من النَّفس، وهو الدم، ومنه قولهم: (لا نفس له سائلة): أي: لادم له يجري، وسمي الدم نفسًا؛ لأن النفس التي هي اسم لجملة الحيوان، قوامها بالدم. والنفساء من هذا» . انظر المصباح المنير (ص: 317).
ويقال: نُفِسَت، ونَفِست: كـ عُني، وسَمِع. نفسًا، ونفاسة، ونِفاسًا: أي ولدت، وأما الحيض فلا يقال فيه إلا نَفِست، قاله الأزهري، انظر تاج العروس (9/ 18).
(2)
فتح القدير (1/ 186)، بدائع الصنائع (1/ 41)، المبسوط (3/ 210).
(3)
فتح القدير (1/ 186).
وهي كثيرة في عصرنا هذا، وتسمى ولادة قيصرية.
وتعريف الحنفية صريح بأنه لا يعتبر الدم الخارج أثناء الولادة نفاسًا؛ لأنهم قصروه على الدم الخارج عقب الولادة.
تعريف المالكية:
عرفه خليل في مختصره: بأنه دم خرج للولادة.
قال في الشرح الكبير: «النفاس دم صفرة أو كدرة خرج من القبل للولادة، معها أو بعدها لا قبلها على الأرجح»
(1)
.
وقال في الشرح الصغير: «النفاس للولادة، معها أو بعدها، ولو بين توأمين»
(2)
.
ثم قال: «أما ما خرج قبلها فالراجح أنه حيض» .
تعريف الشافعية:
قال في مغني المحتاج: «النفاس: هو الدم الخارج بعد فراغ الرحم من الحمل» .
فخرج بما ذكر: «دم الطلق، والخارج مع الولد، فليسا بحيض؛ لأن ذلك من آثار الولادة، ولا نفاس لتقدمه على خروج الولد، بل ذلك دم فساد»
(3)
.
تعريف الحنابلة:
قال في كشاف القناع: النفاس «دم ترخيه الرحم مع ولادة، وقبلها بيومين أو ثلاثة مع أمارة، وبعدها إلى تمام أربعين يومًا»
(4)
.
وقال ابن مفلح الصغير: «دم يرخيه الرحم للولادة، وبعدها إلى مدة معلومة»
(5)
.
(1)
الشرح الكبير المطبوع بهامش حاشية الدسوقي (1/ 174).
(2)
الشرح الصغير (1/ 216).
(3)
مغني المحتاج (1/ 108).
(4)
كشاف القناع (1/ 108).
(5)
المبدع (1/ 293).
تعريف النفاس عند الأطباء:
الأصل فيه تمزق جدار الرحم الوظيفي، ونزول الدم منه بعد أن تحول أثناء فترة الحمل إلى ما يسمى Decidua، وهو مماثل تمامًا لجدار الرحم في النصف الثاني من الحمل، ولكن بكثافة أكثر، وكذلك خروج أنسجة أخرى خصوصًا من مكان المشيمة ـ التي تقع أعلى الرحم ـ أثناء التئام ذلك المكان.
وفي نفس الوقت يتكون جدار وظيفي جديد من جدار الرحم الأساسي ليحل مكان جداره السابق ذكره.
ومكونات دم النفاس هي خلايا جدار الرحم، وكرويات دم بيضاء، ومكونات الدم الأخرى، ويكون أحمر في الأيام الأولى من النفاس، ثم يبهت لونه تدريجيًا حتى يصبح سائلًا أبيض مائلًا للاصفرار في الأسبوع الثالث أو الرابع، ومكوناته كرويات الدم البيضاء على الأكثر.
بعد هذا التمزق لجدار الرحم الوظيفي، ونزول الدم منه يستبدل جدار جديد به بعد أربعة أسابيع من الولادة غير أنه لا يكتمل رجوع جميع الأعضاء التناسلية إلى حجمها الطبيعي، ونزول العادة الشهرية -لدى المرأة غير المرضعة ورجوع الجسم إلى حالته- إلا بعد ستة أسابيع من نزول الولد في الغالب
(1)
.
جاء في وقائع الندوة الثالثة للفقه الطبي، المنعقدة في الكويت «وقد عرف الأطباء النفاس: بأنه الفترة التي تعقب الولادة، وتحدث أثناءها بعض التغييرات لعودة الجهاز التناسلي إلى وضعه الطبيعي قبل الحمل.
وسائل النفاس: هو عبارة عن الإفرازات التي تخرج من الرحم بعد الولادة، ويكون عبارة عن دم في أول أربعة أيام، ثم يفتح لونه، وتقل كمية الدم حتى يصبح
(1)
نقله الدكتور عبد الله بن عبد المحسن الطريقي في كتابه أحكام مباشرة النساء (ص: 77) نقلًا من كتاب Current Obstetrics And Gynecology rd edition.
عبارة عن مخاط، لا لون له بعد عشرة أيام»
(1)
.
ويقول بعض الأطباء: «يعرف دم النفاس وما يتبعه من إفرازات في الطب: بأنه الدم والإفرازات التي تخرج من الرحم بعد الولادة، وتستمر لمدة ثلاثة أو أربعة أسابيع. وقد تطول إلى ستة أسابيع (أربعين يومًا).
وفي الأيام الثلاثة أو الأربعة يكون الدم قانيًا، وغليظًا ومحتويًا على جلطات (دم متجمد) ثم يخف تدريجيًا بعد ذلك، ثم يصير بني اللون، مختلطًا بمادة مخاطية .. وأخيرًا تظهر القصة البيضاء.
ويكون دم النفاس وإفرازاته قلوي التفاعل في الرحم، وليس له رائحة عفنة، وإذا حدثت عفونة فإن ذلك دليل على وجود التهابات ميكروبية بالرحم أو المهبل، وتحتاج إلى علاج سريع قبل تحولها إلى حمى النفاس الخطيرة.
وقد تتوقف الإفرازات الدموية لفترة، ثم يعود الدم إلى الظهور، ويعتبر ذلك نتيجة لوجود بقايا ولو بسيطة من المشيمة في الرحم، أو أن الرحم انقلب إلى الخلف بدلًا من وضعه الطبيعي إلى الأمام»
(2)
.
فبناء على هذا التعريف الطبي يكون النفاس هو الدم النازل بعد فراغ الرحم من الولد، فعند فراغ الرحم ينهدم الجدار الوظيفي للرحم، فينزل على شكل دم في الأيام الأولى من النفاس، ثم يبهت لونه تدريجيًا حتى ينقطع. والله أعلم.
وذكر الأطباء أيضًا: «أن رحم المرأة بعد الولادة ينزل إلى مستوى السرة بعد أن كان يملأ تجويف البطن .. من القص إلى العانة
…
وقبيل الولادة كان الرحم (بدون محتوياته) يزن كيلو جرام، وبعد أسبوع فقط يكون وزنه نصف كيلو جرام، وبعد
(1)
نقله يحيى بن عبد الرحمن الخطيب، في كتابه المرأة الحامل من نبيهة الجبار، بحث في أقل مدة الحيض والنفاس والحمل وأكثرها، وقائع الندوة الثالثة للفقه الطبي - الكويت 18/ 4/1987.
(2)
خلق الإنسان بين الطب والقرآن (ص: 456).
أسبوعين من الولادة يصبح وزنه ربع كيلو اجرام، ثم ينخفض تدريجيًا حتى يعود في نهاية فترة النفاس إلى وزنه الطبيعي وهو خمسين جرامًا فقط وتعود ثخانة جدار الرحم من خمسة سنتيمترات إلى أقل من سنتيمتر .. وأما الفراغ الذي كان بداخل الرحم حيث كان الجنين وأغشيته .. والذي كان يتسع لسبعة آلاف ميليلتر؛ فإنه يعود بعد انتهاء فترة النفاس إلى شق صغير لا يتسع لأكثر من ميليلترين فقط .... وتستمر التغيرات في جدار الرحم .... وفي غشائه الداخلي حتى يعود أدراجه إلى سالف عهده قبل الحمل»
(1)
.
* * *
(1)
خلق الإنسان بين الطب والقرآن (ص: 456).