الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما قوله في هبة الولد (رده) فهذا على حقيقته، لأنه قد أعطاه إياه فخرج من يده، فاحتاج الأمر إلى رده، وهو استعمال للفظ في حقيقته، فلا دليل فيه على مسألتنا.
ولو أراد الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (فليراجعها) صورة اللفظ ولم يرد الحقيقة الشرعية بمعنى أن يبقيها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق أو أمسك فلماذا يأمر بإمساكها بعد مراجعتها فقد قال له صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها ثم ليمسكها) فالمراجعة رد للمرأة لعصمته، وإمساكها إبقاء لها على عقد الزوجية، والله أعلم.
أما قول ابن تيمية: بأن المراد فليراجعها: أي لا يعتزل بدنها؛ لأن العادة جرت أن المطلق يعتزل بدن المطلقة، فهو وإن كان من أحسن ما قيل إلا أنه يشكل عليه أنه قال في الحديث: مره فليراجعها، ثم ليمسكها. فالإمساك بعد المراجعة لا يقصد إمساك بدنها، وإنما الإبقاء على عقد الزوجية، وهذا الأمر بالإمساك جاء بعد الأمر بالمراجعة، فلو كانت زوجته لأمكنه إمساكها من غير مراجعة. والله أعلم.
وأما القول: بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك لابن عمر بناء على ظنه بأن الزوجة قد طلقت فإنه بعيد جدًّا؛ لأن الرسول لا يمكن أن يعطي لفظًا شرعيًا بناءً على فهمٍ باطل.
الدليل الثالث:
(1934 - 394) ما رواه البخاري معلقًا وفي بعض النسخ مسندًا: حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر قال: حسبت علي بتطليقة
(1)
.
(1)
صحيح البخاري (5253). وفي النسخة التي شرحها الحافظ ابن حجر: (حدثنا أبو معمر) قال الحافظ في الفتح كذا في رواية أبي ذر، وهو ظاهر كلام أبي نعيم في المستخرج، وللباقين: (قال
أبو معمر) وبه جزم الإسماعيلي، ثم قال الحافظ:«وقد أخرجه أبو نعيم من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه مثل ما أخرجه البخاري مختصرًا، وزاد: حين طلق امرأته، سأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك» . وسيأتي استكمال تخريجه عند الكلام على رواية أبي الزبير عن ابن عمر إن شاء الله تعالى.
وجه الاستدلال:
قول الصحابي رضي الله عنه: (حسبت) على البناء للمجهول. وفي عهد النبوة لابد أن يكون الحاسب لذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم، كقول الصحابي:(أمرت أو نهيت عن كذا)، في عصر الوحي فإن الآمر والناهي هو الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه مرفوع حكمًا، وعلى أقل أحواله أن يكون ذلك موقوفًا على ابن عمر. وهو صاحب القصة، وهو راوي الحديث فإذا قال: إنها حسبت عليَّ تطليقة كان ذلك مقدمًا على قول غيره، كما أنه حين اختلف ابن عباس وميمونة، هل تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم أو وهو حلال قدم قول ميمونة لكونها صاحبة القصة. فكذلك هنا.
بل قال الحافظ في الفتح: «لاينبغي أن يجيء فيه الخلاف الذي في قول الصحابي: (أمرنا بكذا) فإن ذلك محله حيث يكون اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ليس صريحًا، وليس كذلك في قصة ابن عمر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو الآمر بالمراجعة، وهو المرشد
لابن عمر فيما يفعل إذا أراد طلاقها بعد ذلك، وإذا أخبر ابن عمر أن الذي وقع منه حسبت عليه بتطليقة كان احتمال أن يكون الذي حسبها عليه غير النبي صلى الله عليه وسلم بعيدًا جدًّا مع احتفاف القرائن في هذه القصة بذلك، وكيف يتخيل أن ابن عمر يفعل في القصة شيئًا برأيه وهو ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم تغيظ من صنيعه، كيف لم يشاوره فيما يفعل»
(1)
.
وحاول ابن القيم أن يرد الحديث باحتمال فيه غرابة، فقال رحمه الله في تهذيب السنن:«لم يذكر فاعل الحساب، فلعل أباه حسبها بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي ألزم الناس فيه بالطلاق الثلاث، وحسبه عليهم اجتهادًا منه ومصلحة رآها للأمة، لئلا يتتابعوا في الطلاق المحرم، فإذا علموا أنه يلزمهم وينفذ عليهم أمسكوا عنه»
(2)
.
(1)
فتح الباري (9/ 442) ح 5253.
(2)
تهذيب السنن (3/ 102).