الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: إن خرج أكثر الولد اعتبر نفاسًا، وإلا فلا، وهذا القول هو المشهور من مذهب الحنفية
(1)
.
•
دليل من لم يعتبره نفاسًا:
الدليل الأول:
قالوا: لم نجعله نفاسًا؛ لأنه ما لم ينفصل جميع الولد فهي في حكم الحامل، ولهذا يجوز للزوج رجعتها، فصار كالدم الذي تراه في حال الحمل
(2)
.
الدليل الثاني:
أن دم النفاس دم رحم، ودم الرحم لا يوجد من الحامل؛ لأن الحبل يسد فم الرحم؛ لأن الله تعالى أجرى عادته بذلك لئلا ينزل ما فيه، لكون الثقب من أسفل
(3)
.
• تعليل من قال بأنه دم نفاس:
التعليل الأول:
قالوا: بأنه دم خرج بسبب الولادة فكان نفاسًا كالخارج بعده، وإنما يعلم خروجه إذا كان قريبًا منها، ويعلم ذلك برؤية أماراتها من المخاض ونحوه في وقته
(4)
.
التعليل الثاني:
قالوا: إن النفاس مأخوذ من تنفس الرحم بخروج النفس الذي هو الدم، وفي المصباح المنير، قال عن النفاس: «مأخوذ من النَّفس، وهو الدم، ومنه قولهم: لا نفس له سائلة: أي: لا دم له يجري، وسمي الدم نفسًا؛ لأن النفس التي هي اسم لجملة
(1)
مراقي الفلاح (ص: 57)، البحر الرائق (1/ 229)، تبيين الحقائق (1/ 67)، البناية (1/ 691) فتح القدير (1/ 187)، حاشية ابن عابدين (1/ 299).
(2)
المهذب المطبوع من المجموع (2/ 535).
(3)
شرح العناية على الهداية، المطبوع مع فتح القدير (1/ 187).
(4)
المغني (1/ 445).
الحيوان، قوامها بالدم. والنفساء من هذا»
(1)
.
ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم أنفست؟ لدم الحيض. وسبق الكلام على ذلك.
واعترض على ذلك بأن النفاس مأخوذ من خروج النَّفْس، الذي هو الولد
(2035 - 495) فقد روى البخاري من طريق منصور، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن،
عن علي رضي الله تعالى عنه، قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا النبي صلى الله عليه وسلم، فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة فنكس فجعل ينكت بمخصرته، ثم قال: ما منكم من أحد ما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار وإلا قد كتب شقية أو سعيدة. فقال رجل: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا، وندع العمل، فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، وأما من كان منا من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة. قال: أما أهل السعادة فييسرون لعمل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل الشقاوة ثم قرأ:(فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى) الآية. وأخرجه مسلم
(2)
.
وعندي لا مانع أن يكون النفاس مأخوذًا من الاثنين معًا.
• تعليل من اشترط خروج أكثر الولد:
التعليل الأول: أن الأكثر له حكم الكل، فكان خروج أكثر الولد في حكم خروجه كله.
التعليل الثاني: أن بقاء الأقل لا يمنع خروج الدم من الرحم
(3)
.
• القول الراجح:
الذي يظهر لي والله أعلم أن الدم يعتبر نفاسًا إذا خرج مع الولد بسبب الولادة،
(1)
المصباح المنير (ص: 31).
(2)
صحيح البخاري (1362)، ومسلم (2647).
(3)
العناية، شرح الهداية (1/ 187).
فإذا نزل المخاض بالمرأة فإن الرحم ينفتح شيئًا فشيئًا، فيخرج الدم من المرأة ويستمر، ويتصل بالدم الخارج بعد الولادة، فهما دم واحد، وكلاهما خرج من الرحم، إلا أن الذي يعكر على هذا الترجيح ما قرره الطب، فإن كان ما قرره الطب حقيقة مسلمة بينهم سلمنا لهم، وإن كان بينهم خلاف في هذا فإني على ما ترجح لدي والله أعلم
جاء في وقائع الندوة الثالثة للفقه الطبي، المنعقدة في الكويت وقد عرف الأطباء النفاس: «بأنه الفترة التي تعقب الولادة، وتحدث أثناءها بعض التغييرات لعودة الجهاز التناسلي إلى وضعه الطبيعي قبل الحمل.
وسائل النفاس: هو عبارة عن الإفرازات التي تخرج من الرحم بعد الولادة، ويكون عبارة عن دم في أول أربعة أيام، ثم يفتح لونه، وتقل كمية الدم حتى يصبح عبارة عن مخاط، لا لون له بعد عشرة أيام»
(1)
.
والأصل في النفاس تمزق جدار الرحم الوظيفي، ونزول الدم منه بعد أن تحول أثناء فترة الحمل إلى ما يسمى Decidua، وهو مماثل تمامًا لجدار الرحم في النصف الثاني من الحمل، ولكن بكثافة أكثر، وكذلك خروج أنسجة أخرى خصوصًا من مكان المشيمة ـ التي تقع أعلى الرحم أثناء التئام ذلك المكان.
وفي نفس الوقت يتكون جدار وظيفي جديد من جدار الرحم الأساسي ليحل مكان جداره السابق ذكره.
ومكونات دم النفاس هي خلايا جدار الرحم، وكرويات دم بيضاء، ومكونات الدم الأخرى، ويكون أحمر في الأيام الأولى من النفاس، ثم يبهت لونه تدريجيًا حتى يصبح سائلًا أبيض مائلًا للاصفرار في الأسبوع الثالث أو الرابع، ومكوناته كرويات الدم البيضاء على الأكثر.
(1)
نقله يحيى عبد الرحمن الخطيب، في كتابه المرأة الحامل من نبيهة الجيار، بحث في أقل مدة الحيض والنفاس والحمل وأكثرها، وقائع الندوة الثالثة للفقه الطبي ـ الكويت 18/ 4/1987.
بعد هذا التمزق لجدار الرحم الوظيفي، ونزول الدم منه يستبدل جدار جديد به بعد أربعة أسابيع من الولادة غير أنه لا يكتمل رجوع جميع الأعضاء التناسلية إلى حجمها الطبيعي، ونزول العادة الشهرية -لدى المرأة غير المرضعة ورجوع الجسم إلى حالته- إلا بعد ستة أسابيع من نزول الولد في الغالب
(1)
.
ويقول بعض الأطباء: «يعرف دم النفاس وما يتبعه من إفرازات في الطب: بأنه الدم والإفرازات التي تخرج من الرحم بعد الولادة، وتستمر لمدة ثلاثة أو أربعة أسابيع. وقد تطول إلى ستة أسابيع (أربعين يومًا).
وفي الأيام الثلاثة أو الأربعة يكون الدم قانيًا، وغليظًا ومحتويًا على جلطات (دم متجمد) ثم يخف تدريجيًا بعد ذلك، ثم يصير بني اللون، مختلطًا بمادة مخاطية .. وأخيرًا تظهر القصة البيضاء»
(2)
.
فبناء على هذا التقرير الطبي يكون النفاس هو الدم النازل بعد فراغ الرحم من الولد، فعند فراغ الرحم ينهدم الجدار الوظيفي للرحم، فينزل على شكل دم في الأيام الأولى من النفاس، ثم يبهت لونه تدريجيًا حتى ينقطع. والله أعلم.
* * *
(1)
نقله الدكتور عبد الله بن عبد المحسن الطريقي في كتابه أحكام مباشرة النساء (ص: 77) نقلًا من كتاب:
Current Obstetrics And Gynecology 3 rd edition
(2)
خلق الإنسان بين الطب والقرآن (ص: 456).