الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحت قوله: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ)[البقرة: 241].
(وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)[البقرة: 228] وأمثال ذلك. وهل سلم لكم منازعكم ذلك حتى تجعلوه مقدمة لدليلكم»
(1)
.
الدليل الثاني:
(1933 - 393) ما رواه البخاري من طريق مالك، عن نافع،
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء. وأخرجه مسلم
(2)
.
وجه الاستدلال:
فقوله صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها) هذا اللفظ لا نزاع في ثبوته، وثبوت المراجعة دليل على أن الطلاق واقع، وأنه معتد به، والمراجعة بدون وقوع الطلاق محال. وهذا من أقوى الأدلة لهذا القول.
• وأجيب:
عن قوله: (فليراجعها) بعدة إقوال:
منها: أن المقصود: فليراجعها: أي فليردها إلى بيته، وكان من عادة المطلقة أن تخرج من بيت الزوج، فأمر بإرجاعها.
وقيل: المقصود: فليراجعها، أي فليراجع بدنها، قال ابن تيمية: «جرت العادة من الرجل إذا طلق امرأته اعتزلها ببدنه، واعتزلته ببدنها، فقال لعمر: مره فليراجعها،
(1)
زاد المعاد (4/ 49).
(2)
صحيح البخاري (5251)، ومسلم (1471).
ولم يقل: فليرتجعها، والمراجعة مفاعلة من الجانبين: أي ترجع إليه ببدنها فيجتمعان كما كانا؛ لأن الطلاق لم يلزمه»
(1)
.
وقال لي بعض الإخوة في المذاكرة: أن ابن عمر حين توهم وقوع الطلاق خاطبه الرسول صلى الله عليه وسلم حسب ظنه وفهمه الخاطئ، فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم بالمراجعة مع أن الطلاق لم يقع.
قال ابن القيم: «المراجعة وقعت في كلام الله ورسوله على ثلاث معان:
أحدها: ابتداء النكاح، لقوله تعالى:(فَإِن طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ)[البقرة: 230] ولا خلاف بين أحد من أهل العلم بالقرآن أن المطلق ها هنا الزوج الثاني وأن التراجع بينها وبين الزوج الأول، وذلك نكاح مبتدأ.
وثالثها: الرد الحسي الذي كان عليها أولًا كقوله لأبي النعمان بن بشير، لما نحل ابنه غلامًا خصه به دون ولده، قال له: رده. فهذا رد ما لم تصح فيه الهبة الجائرة التي سماها الرسول صلى الله عليه وسلم جورًا، وأخبر أنها لا تصلح، وأنها خلاف العدل ومن هذا قوله لمن فرق بين جارية وولدها في البيع فنهاه عن ذلك ورد البيع، وليس هذا الرد مستلزمًا لصحة البيع، فإنه بيع باطل، بل هو رد شيئين إلى حالة اجتماعها كما كانا، وهكذا الأمر بمراجعة ابن عمر امرأته ارتجاع ورد إلى حالة الاجتماع كما كان قبل الطلاق، وليس في ذلك ما يقتضي وقوع الطلاق في الحيض البتة»
(2)
.
ولم يذكر المعنى الثاني للمراجعة، لأنها هي الأصل، وهي إرجاع المرأة المطلقة الرجعية إلى عقد الزوجية.
وقد بين ابن القيم في تهذيب السنن المعنى الثالث للإرجاع .. فقال: «وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها، فهو حجة على عدم الوقوع، لأنه لما طلقها، والرجل من
(1)
مجموع فتاوى ابن تيمية (22/ 33).
(2)
زاد المعاد (4/ 64).
عادته إذا طلق امرأته أن يخرجها عنه أمره بأن يراجعها، ويمسكها، فإن هذا الطلاق الذي أوقعه ليس بمعتبر شرعًا، ولا تخرج المرأة عن الزوجية بسببه، فهو كقوله صلى الله عليه وسلم لبشير بن سعد في قصة نحله ابنه، وذكر نحوًا مما نقلناه عنه من الزاد. ثم قال: فكذلك أمره برد المرأة ورجعتها لا يدل على أنه لا يكون إلا بعد نفوذ الطلاق، بل لما ظن
ابن عمر جواز هذا الطلاق فأقدم عليه قاصدًا لوقوعه، فرد إليه النبي صلى الله عليه وسلم امرأته، وأمره أن يردها، ورد الشيء إلى ملك من أخرجه لا يستلزم خروجه من ملكه شرعًا كما ترد العين المغصوبة إلى مالكها ويقال للغاصب ردها إليه ولا يدل ذلك على زوال ملك صاحبها عنها .. » إلخ كلامه
(1)
.
والحقيقة هذا الجواب من ابن القيم ليس بالذي يشفي الصدر، فلا يزال في النفس شيء، فقوله: إن إطلاق المراجعة على ابتداء النكاح فهي ليست في مسألتنا، والتعبير (أن يتراجعا) يختلف عن قوله:(فليراجعها) فإن الأول مفاعلة من الطرفين؛ لأن ابتداء النكاح لابد فيه من الرضا منهما، والمراجعة حق للزوج ولو لم ترض الزوجة، وأما قوله: إن الرجل من عادته إذا طلق زوجته أن يخرجها عنه، فأمره أن يراجعها، ويمسكها فهذا لا يظن من ابن عمر، وقد كان الطلاق منه بعد سورة الطلاق لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث:(فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء)، وقد قال سبحانه في سورة الطلاق:(لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ)[الطلاق: 1]، وحرص ابن عمر على السنة معلوم، وليس في الحديث ذكر أن ابن عمر قد أخرجها من بيته حتى يقال المراد (فليراجعها) الرد الحسي، وجميع طرق الحديث لم تتعرض لهذا، فاعتقاد أن ابن عمر قد أخرجها من بيته فأمره أن يردها إلى بيته دعوى لا دليل عليها، ولو أخرجها لأنكر الرسول صلى الله عليه وسلم إخراجها من بيته، ولم يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عمر، هل أخرجها من بيته؟ وسؤال عمر لم يتعرض لهذا، فمن أين أخذ ذلك ابن القيم رحمه الله من الحديث؟
(1)
تهذيب السنن (3/ 100).